الثلاثاء، 12 يونيو 2012

نقد تقسيم التوحيد للشيخ يوسف الدجوي الازهري

نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لحجة الإسلام يوسف الدجوي الازهري رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لحجة الإسلام يوسف الدجوي الازهري رحمه الله 
قال العلامة الحجة المتكلم أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد الدِّجوي المالكي الأزهري المتوفى سنة 1365هـ :
جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما ؟؟ وما الذي يترتب عليهما ؟؟ ومن ذا الذي فرق بينهما ؟؟ وما هو البرهان على صحة ذلك أو بطلانه ؟؟ فنقول وبالله التوفيق :


إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره ، قال : (( إن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) )) اهـ .
ثم قالوا : إن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء ، فإنهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها ، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .. بل قال محمد بن عبدالوهاب :
(( إن كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان )) اهـ !! وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة، فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح، وفيه عدة دعاوى، فلنعرض لها على سبيل الاختصار، ولنجعل الكلام في مقامين فنتحاكم إلى العقل ثم نتحاكم إلى النقل، فنقول :

قولهم: (إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية) تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية ، وغير معقول أيضا كما ستعرفه ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام : إن هناك توحيدين وإنك لا تكون مسلما حتى توحد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة ، ولا سُمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شيء ، ولا معنى لهذا التقسيم، فإن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان ربا، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر، فهذا مرتب على ذلك كما قال تعالى : ( رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته ) .
فرتب العبادة على الربوبية، فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع ويضر فلا معنى لأن نعبده ـ كما قلنا ـ ويقول تعالى : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ) يشير إلى أنه لا ينبغي السجود إلا لمن ثبت اقتداره التام، ولا معنى لأن نسجد لغيره.
هذا هو المعقول ، ويدل عليه القرآن والسنة.
أما القرآن فقد قال: ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا)، فصرح بتعدد الأرباب عندهم ، وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنهم جعلوا الملائكة أربابا يقول ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب : إنهم موحدون توحيد الربوبية وليس عندهم إلا رب واحد وإنما أشركوا في توحيد الألوهية !! ويقول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن وهو يدعوهما إلى التوحيد : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، ويقول الله تعالى أيضا : ( وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي )، وأما هم فلم يجعلوه ربا.
ومثل ذلك قوله تعالى : ( لكنا هو الله ربي ) خطابا لمن أنكر ربوبيته تعالى ، وانظر إلى قولهم يوم القيامة : ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) ، أي في جعلكم أربابا ـ كما هو ظاهر ـ وانظر إلى قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا .. ) ، فهل ترى صاحب هذا الكلام موحدا أو معترفا ؟؟!! .
ثم انظر إلى قوله تعالى : ( وهم يجادلون في الله ) ، إلى غير ذلك وهو كثير لا نطيل بذكره ، فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية ـ كما قال ابن تيمية ـ ، وما كان يوسف عليه السلام يدعوهم إلا إلى توحيد الربوبية ، لأنه ليس هناك شيء يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر يسمى توحيد الألوهية عند يوسف عليه السلام ، فهل هم أعرف بالتوحيد منه ويجعلونه مخطئا في التعبير بالأرباب دون الآلهة ؟! .
ويقول الله في أخذ الميثاق : ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، فلو كان الإقرار بالربوبية غير كاف وكان متحققا عند المشركين ولكنه لا ينفعهم ـ كما يقول ابن تيمية ـ ، ما صح أن يؤخذ عليهم الميثاق بهذا ، ولا صح أن يقولوا يوم القيامة : ( إنا كنا عن هذا غافلين ) ، وكان الواجب أن يغير الله عبارة الميثاق إلى ما يوجب اعترافهم بتوحيد الألوهية حيث إن توحيد الربوبية غير كاف ـ كما يقول هؤلاء ـ ، إلى آخر ما يمكننا أن نتوسع فيه ، وهو لا يخفى عليك ، وعلى كل حال فقد اكتفى منهم بتوحيد الربوبية ، ولو لم يكونا متلازمين لطلب إقرارهم بتوحيد الألوهية أيضا .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ، فإنه إله في الأرض ولو لم يكن فيها من يعبده كما في آخر الزمان ، فإن قالوا : إنه معبود فيها أي مستحق للعبادة ، قلنا : إذن لا فرق بين الإله والرب ، فإن المستحق للعبادة هو الرب لا غير ، [و]ما كانت محاورة فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام إلا في الربوبية وقد قال : ( أنا ربكم الأعلى ) ثم قال : ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) ولا داعي للتطويل في هذا.

وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه ، لأنهم لا يفرقون بين الرب والإله ، فإنهم ليسوا بتيميين ولا متخبطين ، وكان الواجب على مذهب هؤلاء أن يقولوا للميت : من إلهك لا من ربك !! أو يسألوه عن هذا وذاك .
وأماقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) ، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم إجابة لحكم الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات والآيات البينات ، ولعلهم نطقوا بما لا يكاد يستقر في قلوبهم أو يصل إلى نفوسهم ، بدليل أنهم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبهم ، وأنهم ينسبون الضر والنفع إلى غيره ، وبدليل أنهم يجهلون الله تمام الجهل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر الأمور ، وإن شئت فانظر إلى قولهم لهود عليه الصلاة والسلام : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) فكيف يقول ابن تيمية : إنهم معتقدون أن الأصنام لا تضر ولا تنفع إلى آخر ما يقول ؟؟!! .
ثم انظر بعد ذلك في زرعهم وأنعامهم : ( هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ) ، فقدموا شركاءهم على الله تعالى في أصغر الأمور وأحقرها .
وقال تعالى في بيان اعتقادهم في الأصنام: (وما نرى معكم من شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء)، فذكر أنهميعتقدون أنهم شركاء فيهم ، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد : (أعل هبل) ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الله أعلى وأجل ) ، فانظر إلى هذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد الذي ينسبه إليهم ابن تيمية ويقول : إنهم فيه مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية ؟؟!! .
وأدل من ذلك كله قوله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، فهل ترى لهم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه عقيدة ؟؟!! .

أما التيميون فيقولون بعد هذا كله : إنهم موحدون توحيد الربوبية ، وإن الرسل لم يقاتلوهم إلا على توحيد الألوهية الذي لم يكفروا إلا بتركه !! ولا أدري ما معنى هذا الحصر مع أنهم كذبوا الأنبياء وردوا ما أنزل عليهم واستحلوا المحرمات وأنكروا البعث واليوم الآخر وزعموا أن لله صاحبة وولدا وأن الملائكة بنات الله ( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون ) ، وذلك كله لم يقاتلهم عليه الرسل ـ في رأي هؤلاء ـ وإنما قاتلوهم على عدم توحيد الألوهية ـ كما يزعمون ـ وهم بعد ذلك مثل المسلمين سواء بسواء !! أو المسلمون أكفر منهم في رأي ابن عبدالوهاب !! .

وما علينا من ذلك كله ، ولكن نقول لهم بعد هذا : على فرض أن هناك فرقا بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ـ كما يزعمون ـ فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فإنه ليس من العبادة في شيء لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ولم يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ، ولا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت
فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلى واسطة ، قلنا له : ( حفظت شيئا وغابت عنك أشياء .. ) ، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شيء ، مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شيء ، ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة ـ وهي معلومة من الدين بالضرورة ـ فإنها ـ على هذا الرأي ـ لا حاجة إليها ، إذ لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة .
ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله : ( إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس إلخ .. ) ، وعلى الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهذا خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلى آخرها ، ولزمهم على هذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ، فإنه لا يمكنهم أن يَدَعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقا بها واعتمادا عليها .

ولا يفوتنا أن نقول : إن التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معنى لها فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلا ، وإنما طلب من الله متوسلا إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له ؟؟!! أم هو حق لا مرية فيه ؟؟ ، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون ، كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين .
وانظر كتب المذاهب الأربعة ، حتى مذهب الحنابلة في آداب زيارته صلى الله عليه وسلم تجدهم قد استحبوا التوسل به إلى الله تعالى ، حتى جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل اهـ .

ونضيف هنا بعض العبارات التي اقتبسناها من بعض المنتديات:

ولمزيد الإيضاح نذكر ما يلي:
كلام ابن تيمية في تقسيم التوحيد

في مطالعتنا لكتاب: "يهود أم حنابلة" لسماحة السيد محمد علاء الدين ماضي أبي العزائم شيخ الطريقة العزمية رضي الله عنه، نجد أنه أورد كلام ابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية الذي وجده مفرقا في أربعة مواضع من كتبه، ذكره ثم أبطله،
ونورد من ذلك ما يلي:

1 – في الجزء الأول: من فتاوى ابن تيمية ص 219 في تفسير قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال: فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين، أحدهما: توحيد الربوبية وأنه لا معطي لما منع الله، ولا مانع لما أعطاه، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُسأل إلا هو، والثاني: توحيد الألوهية وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع، وأنه ليس كل من أعطى مالا أو دنيا أو رئاسة كان ذلك نافعا له عند الله منجيا له من عذابه.
2 – قال في الجزء الثاني من فتاويه ص 275: فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه، ويحقق قوله: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِين) توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية…إلخ.

3 – قال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 بعد أن ذم جميع فرق المسلمين من المتكلمين في التوحيد مصرحا أنهم عَبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية، وإثبات حقائق أسماء الله، فقال: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدَعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبتدَع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية وإثباب حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) … إلخ.
4 – قال في رسالة أهل الصفا ص34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي.
الرد على ما ذكره ابن تيمية وبيان بطلانه
ونوجز هنا ما ورد في كتاب: "يهود أم حنابلة" الذي سبقت الإشارة إليه، ردا على ابن تيمية وبيان بطلان ما ذهب إليه في هذا الباب بوجوه منها:
الوجه الأول:
لم يأمر الله تعالى عباده في كتابه العزيز بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر بكلمة التوحيد مطلقة فقال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) "محمد:19"، وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.

الوجه الثاني:
لم يقل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه ولم يعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، بل إن كتب السنة موضحة أن دعوته صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلى الله كانت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وخلع عبادة الأوثان، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال له: (ادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة…) الحديث، وكان اللازم - جريا وراء هذيان ابن تيمية - أن يقول لمعاذ: ادعهم إلى توحيد الألوهية لأن توحيد الربوبية قد عرفوه.
الوجه الثالث:

لم يقل أي صحابيّ من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، والتحدي قائم لمن يطالعنا بعكس ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ولو برواية واهية.
الوجه الرابع:
لم يقل أي واحد من التابعين بأن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية على الإطلاق.
الوجه الخامس:
لم يقل أي واحد من أتباع التابعين إن التوحيد قسمان.
الوجه السادس:
لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذي انتسب إليه ابن تيمية كذبا إن التوحيد قسمان، وهذه عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لابن الجوزي وغيره ليس فيها هذا الهذيان.
الوجه السابع:
الإله هو الرب، والرب هو الإله، فهما متلازمان يقع كل منها في موضع الآخر، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ) "البقرة:258" وكان اللازم – على زعمه – حيث كان النمروذ يعرف توحيد الربوبية أن يقول: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في إلهه، وقال تعالى: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) "الأنعام:1" وكان اللازم - على زعمه - أن يقول: ثم الذين كفروا بإلههم يعدلون، وهو كثير في القرآن الكريم.

الوجه الثامن:
أيقول عاقل في فرعون الذي قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) وقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) "القصص:38" إنه كان يعرف توحيد الربوبية؟!.
أيقول عاقل في النمروذ بن كنعان الذي ادعى الربوبية وحاج إبراهيم في ربه وزعم أنه يحيي ويميت إنه يعرف توحيد الربوبية؟!.
أيقول عاقل في الدهريين المنكرين وجود الإله؛ وفي الوثنيين القائلين بكثرة الأرباب وغيرهم: إنهم يعرفون توحيد الربوبية؟!.
الوجه التاسع:

حمله قول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) الواردة في المشركين على بعض المسلمين فاسد، ودعواه أن المشركين مع إنكارهم البعث واتخاذهم الأنداد والولد لله تعالى يعرفون توحيد الربوبية تقدم إبطاله.
ومعنى الآية عند المفسرين: ليسندن خلقها في الحقيقة ونفس الأمر- أي: الفطرة التي فطر الله الناس عليها – إلى الله تعالى، فلو استعان ابن تيمية بالثقلين على إثبات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألهم عن ذلك فأجابوه بالقول لا يستطيع.
الوجه العاشر:
حمل قول الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) "يوسف:106" الواردة في المشركين على بعض المسلمين فاسد أيضا، ومعناها عند المفسرين: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ) وهو إقرارهم بوجود الخالق (إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) باتخاذهم له أندادا عبدوهم من دونه، أو باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا، أو بقولهم واعتقادهم الولد له سبحانه، أو بقولهم: لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، أو بغير ذلك.
الوجه الحادي عشر:
دل كلامه على أن التوحيد مجزأ إلى ثلاثة أجزاء: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، قال فيه "وأخرجوا من التوحيد ماهو منه كتوحيد الألوهية، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا إلا توحيد الربوبية"، وعلى هذا يكون التوحيد مثلثا ويلزم منه تثليث الشرك!.
الاجتهاد إنما يكون في الفروع لا في الأصول:
لقد تذبذب ابن تيمية في تقسيمه للتوحيد في ثلاثة مواضع إلى قسمين، وفي موضع إلى ثلاثة أقسام، وكل ذلك يتنافي مع العلم الصحيح بأصول الدين.
فإن قيل: ليس هذا تذبذبا، وإنما هو تغير في الاجتهاد؛ ظهر له في اجتهاده في تلك المواضع أن التوحيد ينقسم إلى قسمين، وظهر له في ذلك الموضع أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام، فهذا فاسد، فإن الاجتهاد إنما يكون في الفروع لا في الأصول.
ويلزم على كلا التقسيمين أنه لا يوجد في بني آدم عامة، ولا في المسلمين – سلفهم وخلفهم – خاصة موحد خالص ولا مشرك خالص، إلا من وافقه على رأيه، ومن المستحيل إثبات هذا الرأي الفاسد عن أي أحد من سلف الأمة الصالحين.
يا من تنكرون البدعة…

تقسيم التوحيد بدعة من شر المحدَثات
إن التوحيد لغة: هو الحكم بأن الشيء واحد والعلم بأنه واحد، والتوحيد اصطلاحا: هو إفراد العابدِ المعبودَ بالعبادة أي: تخصيصه بها.
والذين اجترءوا على الله تعالى وقسَّموا التوحيد وجعلوه تثليثا – توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية، وتوحيد أسماء وصفات - يعترفون أنه لا يوجد نص بتقسيم التوحيد في القرآن ولا في السنة ولا عن السلف الصالح, ويقولون إنه استُدِل على تقسيم التوحيد بالاستقراء!.
وسبحان الله، أفي عقيدة التوحيد يقولون ذلك؟ هل العقيدة تُتَلقَّى بالاستقراء أم لابد أن تكون بنصوص صريحة لا تقبل التأويل؟ وهل هذه المعاني التي استقرءوها - كما يقولون - متفق عليها أم أنهم شذوا بها عن إجماع الأمة الإسلامية، فلماذا يحاولون فرضَها على المسلمين مع أنه لم يقل بها غيرُهم؟!.
ألا يفتتح هؤلاء أحاديثهم في غالب الأحيان يقولون:… وشر الأمور محدَثاتها، وكل محدَثة بدعة, وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ أليس تقسيمهم التوحيد خاضعا لتلك القاعدة وأنه محدَث وأنه بدعة وأنه ضلالة وأنه في النار، أم أن ما قال به شيخُهم لا يخضع للضوابط الشرعية التي يدَّعون تمسكهم بها؟!، ما لهم، كيف يحكمون؟!.

أيجوز لعاقلٍ أن يصدِّقَ أن التوحيد - الذي بعث الله من أجله جميع رسله - متروك للتقسيم بالاستقراء ولم يستقرئه إلا ابن تيمية في القرن السابع الهجري ثم ابن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري؟!.
القرآن الكريم تبيان لكل شيء
يقول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) "النحل:89" وقد بيّن في العبادات وفي المعاملات وفي القصص القرآني غاية البيان تدقيقا للمعنى حتى لا يقع الناس في لبس أو إبهام؛ ومن أمثلة ذلك:

في مناسك الحج يقول الله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) ولم يكتفِ المولى بذلك لأنه قد يتوهم البعض أن السبعة بدل من الثلاثة؛ فقال تعالى موضحا: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) "البقرة:196".
وفي المواريث بين الله تعالى غاية البيان كما في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ…) "النساء:11".
وقال الله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) "الأعراف:142" ومعلوم أن ثلاثين وعشرة تساوي أربعين، ولكن لئلا يُتوهم أن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها؛ فبين أن العشر سوى الثلاثين فقال: (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
فهل يبين الله ذلك البيان فيما يتصل بالعبادات والمعاملات والقصص القرآني، ويترك - سبحانه - بيان عقيدة التوحيد لعبث العابثين الذين عَلِمُوهُ باستقرائهم الباطل؟!!!، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجَنان.

ابن عبد الوهاب يدَّعي أن العلماء قبله لم يفهموا دين الإسلام
قال ابن عبد الوهاب: "من زعم من علماء العارض أنه قد عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت – يعني ظهور دعوته – أو زعم عن مشائخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى"، ويقول ابن عبد الوهاب أيضا في رسالة له إلى قاضي الدرعية: "أنتم ومشائخكم ومشائخهم لم يفهموا دين الإسلام، ولم يميزوا بين دين محمد صلى الله عليه وسلم ودين عمرو بن لُحَىّ.
راجع كتاب: "الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره" ص51، للدكتور عبد الله الصالح العثيمين، الذي نشرته دار العلوم بالرياض بالمملكة العربية السعودية.

]عمرو بن لُحَيّ جاء خبره في سيرة ابن هشام في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رأيتُ عَمْرَو بن لُحَيّ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النارِ، فسألتُه عمن بيني وبينَه من الناس؛ فقال: هَلَكوا)، كما أورد ابن هشام في السيرة أن عمرو بن لُحَىّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنَسْتَمْطِرها فتُمْطِرنا، ونستَنْصِرها فتَنْصُرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطَوْهُ صنما يقال له: هُبَلُ، فقدم به مكة، فنَصَبَه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه[، هذا هو عمرو بن لحيّ الذي يتهم ابن عبد الوهاب المسلمين أنهم لا يفرقون بين دينه وبين دين الإسلام!!!، سبحانك ربي، هذا بهتان عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الذين يقسمون التوحيد جعلوا الخلق فوق الحق
فإن رفضتَ قولهم بتقسيم التوحيد يقولون لك: لقد ذكره شيخ الإسلام فلانٌ، مع أن غيرهم من علماء الأمة يري أن هذا الشيخ الذي يستندون إلى كلامه ليس شيخا للإسلام ولكنه شيخ الفتنة والآثام، وأن الحق فوق الخلق مهما بلغت منزلتهم، والإمام عليٌّ عليه السلام يضبط أمر الفهم في مثل ذلك، فقد جاءه أحدُ أصحابه مستفسرا عن أمر اختلف فيه البعض مع الإمام فسأله قائلا: أيمكن أن يجتمع فلان وفلان وفلانة على باطل؟ فأجابه الإمام عليٌّ بقوله: "إنك لملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله".

من فتوى دار الإفتاء المصرية
هذا وقد صدرت من دار الإفتاء المصرية فتوى - بناء على الطلب المقدم إليها برقم 184 لسنة 2007 - فيها أن: "تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية هو من المصطلحات المحدثات التي لم ترد عن السلف الصالح وأول من أحدثها – علي ما هو المشهور - هو الشيخ ابن تيمية ثم أخذه عنه من تكلم به بعد ذلك، وأن القول بأن توحيد الربوبية لا يكفي وحده في الإيمان هو قول مبتدَع مخالف لإجماع المسلمين قبل ابن تيمية، بل ومخالف لكلامه نفسه من أن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وأن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية…".
احذروا أيها المسلمون من فتنة تقسيم التوحيد
يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) "رواه مسلم" وفي رواية له بلفظ آخر: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم).
إننا مدعوون إلى أن نتحصن من خطر هؤلاء الذين يقسمون التوحيد هذا التقسيم المبتدَع الذي مؤداه أنه لا يبقى على وجه الأرض موحد إلا هم!، ومطالَبون أن نتصدى لهم ببيان الحقيقة ونشرها بين الناس، لأننا أمة مستهدفة من خارجها، والمستفيد الوحيد من تلك الفتنة هو: عدونا الخارجي الذي يتربص بنا الدوائر.