الجمعة، 14 سبتمبر 2012

الأسباب الحقيقية للثورة على عثمان بن عفان 2

أحدثت سياسة عثمان المالية والاقتصادية الخاطئة انقلاباً هائلاً في وضع المجتمع العربي آنذاك، 
فبرزت قطع من نسيجه وانخفضت قطع أخرى، ففقد وحدة الإنتماء الإقتصادي وطابع المساواة 
الذي تركه عليه رسول الله، وظهرت الطبقات بمعالمها واضحة 
(وبلغ نظام الطبقات غايته بحكم هذا الانقلاب، فوجدت طبقة الارستقراطية العليا ذات المولد والثراء الضخم والسلطان الواسع، 
ووجدت طبقة البائسين الذين يعملون في الأرض، ويقومون ع
لى مرافق هؤلاء السادة،
ووجدت بين هاتين الطبقتين المتباعدتين طبقة متوسطة هي طبقة العامة من العرب الذين كانوا يقيمون في الأمصار،
ويغيرون على العدو ويحمون الثغور، ويذودون عمن وراءهم من الناس وعما وراءهم من الثراء،
وهذه الطبقة المتوسطة التي تنازعها الأغنياء ففرقوها شيعا وأحزاباً (الفتنة الكبرى ص109)

فمواقف رجال مجلس الشورى أثناء بيعة عثمان لا يمكن فصلها عن مشاعر البشر،
والمكاسب التي حققوها في ظل سياسة اقتصادية معينة،
فكانت المفاضلة بين عثمان وعلي لا على أساس الأكفأ والأحق،
بل على أساس الحفاظ على الوضع الراهن والسياسة المفيدة،
ومن هنا نفهم الإصرار على ضرورة اتباع سيرة أبي بكر وعمر،
ثم الميل من بعد الى من يرجى منه عدم المساس بالمكاسب المادية والإجتماعية التي نالوها فيما سبق.

نقل ابن خلدون في مقدمته عن المسعودي قوله: (في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال، فكان
لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار، وخلف إبلاً وخيلاً كثيرة،
وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة،
وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك،
وكان على مربط عبدالرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم. وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً،
وخلف زيد بن ثابت من الفضة والذهب ما يكسر بالفؤوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار.
وبنى الزبير داره بالبصرة وكذلك بنى بمصر والكوفة والإسكندرية،
وكذلك بني طلحة داره بالكوفة، وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج.
وبني سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، ورفع سمكها وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات)(المقدمة: ص204ـ 205)

هكذا كان وضع أكثر أعضاء مجلس الشورى وما حققوه من مكاسب اجتماعية وسياسية،
لا يمكن إغفال دورها في صياغة الأحداث عند تقييمنا لوقائع تاريخنا السياسية الهامة.

ثم إن ابن سعد روى نصاً غريباً خلاصته أن سعيد بن العاص أتى عمر يستزيده في الأرض ليوسع داره
فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ الى داره، يقول سعيد:
(فزادني وخط لي برجليه، فقلت يا أمير المؤمنين زدني فإنه نبتت لي نابتة من ولد وأهل،
فقال: حسبك، واختبيء عندك (يعني اجعل الكلام في سرك) أنه سيلي الأمر من بعدي من يصل رحمك، ويقضي حاجتك.
قال فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان وأخذها عن شورى ورضا،
فوصلني وأحسن، وقضى حاجتي، وأشركني في أمانته) (طبقات ابن سعد:5|31)
فإن صحت هذه الرواية جاز لنا أن نتساءل كيف عرف عمر (رض) أن عثمان سيلي الأمر بعده؟
أكان ذلك ضرباً من الكشف أم أمراً آخر؟ وإن كان كشفاً فلماذا يأمره بأن يجعل الكلام في سره ولا يبوح به لأحد؟

وهناك رواية أخرى تقول:
(إن عمرو بن العاص كان قد لقي علياً في ليالي الشورى
فقال إن عبد الرحمن رجل مجتهد، وأنه متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك،
ولكن الجهد والطاقة، فإنه أرغب له فيك.
ثم لقي عثمان فقال إن عبدالرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة فاقبل) (الطبري:3|302)
أي أن عمرو بن العاص خدع علياً وقال له إن عبدالرحمن إذا سألك أتبايع على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر،
فقل له بل جهدي من ذلك وطاقتي، لأن هذا يعجب عبدالرحمن.
ثم قال لعثمان أن يقول نعم، لأن ذلك سيجعله فيك أرغب.

ومع أنني لا أعتقد بصحة هذه الرواية لأن شخصية الإمام علي (ع) لم تكن بهذا الضعف،
كما لم تكن شخصية انتهازية ترضى بسلوك أي وسيلة لتصل الى غايتها، وتجلس في السلطة،
وهو الزاهد الذي كان يرى الدنيا بأسرها أهون من عفطة عنز،
إلا أن الرواية، بافتراض صحتها، تشير الى أن الأمر لم يخل من خداع.

وسواء كانت لعبة الشورى، أم مشورة عمرو،
فالقرار الذي أصدره الإمام علي (ع) بشأن كل ما حدث في تولية عثمان أنه (خدعة وأيما خدعة) (الطبري:3|302)
أما معاوية فقال عن شورى عمر فيما بعد
(لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر الى ستة نفر) (العقد الفريد:4|281)
ولأنها كانت كذلك ولم تكن صافية بلا شوائب، أدت الى ما نعرفه من حوادث،
وكما ندم أبو بكر(رض) على تقمصها ندم عبدالرحمن بن عوف على فعله حتى قال لعلي(ع):
(إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي فإنه خالف ما أعطاني وروي كذلك أنه قال لبعض الصحابة في المرض الذي مات فيه:
(عاجلوه قبل أن يطغى ملكه)(الفتنة الكبرى: ص172)
وعاش عبدالرحمن بن عوف لم يكلم عثمان أبداً حتى مات (العقد الفريد: 4|280)

خلافة عثمان ولادة الدولة الأموية
وهكذا أصبح عثمان بن عفان الخليفة الثالث، يذكر المؤرخون أن أبا سفيان قال لابن عشيرته عثمان بن عفان بعد انعقاد البيعة له:
(يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة)(المسعودي، مروج الذهب 2/230).
وأبو سفيان الذي لا يريد أن يصرح بحلفه باللات والعزى يعبر بقوله هذا عن طبيعة التفكير القبلي والجاهلي الذي تطبع على أساسه وشاب.

والخليفة عثمان -على كل حال- لم يخيب ظنه، حيث بدأ فور تسلمه الخلافة بعزل جميع الولاة الذين عينهم سلفه عمر
باستثناء ابن عمه معاوية، واستبدلهم بأقاربه من بني أمية.

ومن ذلك تعيين عثمان لابن عمه مروان بن الحكم معاوناً له، وهو بمثابة منصب وزير الدولة الأول،
وعزل سعد بن أبي وقاص من ولاية الكوفة وتوليته عليها بدلاً منه أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط
ثم توليته عليها فيما بعد سعيد بن العاص وهو أحد أقاربه أيضاً وكذلك عزل أبا موسى الأشعري عن ولاية البصرة
وعين مكانه ابن خاله عبد الله بن عامر،
وعزل أيضاً عمرو بن العاص من حكومة مصر وولاها لأخيه بالرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح.

وكان معاوية في خلافة عمر قد عُهد إليه ولاية دمشق وحدها أو حسب روايات أخرى بعض أعمالها،
وعندما جاء عثمان جمع له ولاية بلاد الشام كلها، حيث كانت هذه المنطقة من الناحية العسكرية أهم مناطق الدولة الإسلامية،
لأنها كانت بمثابة السد العازل، بمقدور حاكمها أن يعزل الولايات الشرقية عن الغربية،
وقد تربع معاوية على سدتها مدة طويلة حتى استقرت جذوره فيها لدرجة جعلته يشعر أن بمقدوره الاستقلال عن العاصمة المركزية،
بل ومحاربتها كما حصل فعلاً زمان خلافة علي.
وبهذه التعيينات يكون عثمان قد وضع البذور لدولة أموية،
أو كما وصف العلامة أبو الأعلى المودودي بأن عهد عثمان كان بداية التحول من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض،
وأنه لم تكن هناك حجة كافية لأن تخضع الدولة كلها من خراسان شرقاً إلى شمال إفريقيا غرباً لحكام من بيت واحد (المودودي، الخلافة والملك، ص 65).

وفي شرحه لتركيبة العائلة الأموية، يقول المودودي: (إن أفراد هذه العائلة الذين ارتقوا في عهد عثمان كانوا جميعاً من الطلقاء.
والمراد بالطلقاء تلك البيوت المكية التي ظلت إلى آخر وقت معادية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللدولة الإسلامية،
فعفا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بعد فتح مكة ودخلوا في الإسلام.
ومعاوية، والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم كانوا من تلك البيوت التي أعطيت الأمان وعفا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنهم.
أما عبد الله بن أبي سرح فقد ارتد بعد إسلامه،
وكان واحداً من الذين أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقتلهم حتى ولو وجدوا تحت أستار الكعبة.

وبالطبع ما من أحد يقبل أن يعزل السابقون الأولون الذين خاطروا بأرواحهم في سبيل رفعة الإسلام
فارتفع لواء الدين بتضحياتهم، وأن يحكم الأمة بدلاً منهم مثل هؤلاء الناس الذين لم يكونوا يصلحون لتولي زعامة المسلمين...
وهم يقفون في آخر صفوف الصحابة والتابعين لا في أولها) (المودودي، الخلافة والملك، ص 65-66).

عثمان وسيرة الشيخين في الحكم
من الواضح أن الخليفة عثمان قد حاد عن سيرة الشيخين
والتي عقدت له الخلافة على أساس تعهده بالعمل بها،
وذلك بإعطائه لأقاربه المناصب الكبرى،
وبإغداقه عليهم الأموال من بيت مال المسلمين،
وبخصهم بامتيازات أخرى اعترض الناس عليها.

ويضرب المودودي مثالاً لفداحة ما صنعه عثمان في هذا الأمر:
(ولنأخذ وضع مروان بن الحكم مثالاً:
فقد أسلم أبوه الحكم بن العاص عم سيدنا عثمان (رض) في فتح مكة،
ثم قدم المدينة واستقر بها، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
أخرجه منها - بعد أن بدت منه بعض الأمور - وأمره بالإقامة في الطائف.

وقد ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب أن من أسباب ذلك أن الحكم بن العاص
كان يفشي المشاورات التي كانت تتم سراً بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وأكابر الصحابة والتي كان يسمعها بطريقة أو بأخرى وثاني الأسباب
أنه كان يقلد الرسول حتى رآه ذات مرة وهو يفعل ذلك.

وعلى أي حال، فلا بد أنه ارتكب ذنباً كبيراً أصدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
على أساسه أمراً بإخراجه من المدينة،
وكان مروان وقتئذ في الثامنة من عمره فسكن الطائف مع أبيه،
ولما تولى الخلافة كل من أبي بكر وعمر كان يلتمس في كل مرة منهما السماح بالعودة إلى المدينة ورفضا.
ولما تولى عثمان (رض) الخلافة أعاده المدينة...
فكان صعباً على الناس أن يصدقوا أن ابن هذا الشخص
الذي أخطأ في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يكون أهلاً لأن يصبح معاون الخليفة من دون أكابر الصحابة (رضوان الله عليهم)،
خاصة إذا كان الوالد المذنب على قيد الحياة وله قدر من النفوذ على أمور الدولة عن طريق ابنه) (المودودي، الخلافة والملك، ص 66-67).

وبقي الحكم بن العاص حياً حتى آخر عهد عثمان وتوفي سنة 32 هجرية.
وهكذا كان، فقد استغل مروان بن الحكم منصبه كمعاون للخليفة ومستشاره الأول
في ارتكاب الأعمال الفاسدة، واختلاس الأموال، وتهديد الصحابة الكبار بكلمات لم يكن يتحمل سماعها من لسان الطلقاء،
حتى أن نائلة نصحت الخليفة (وهي زوجته) قائلة:
(فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة)
(تاريخ الطبري ج 3 ص 296، البداية والنهاية ج 7 ص 172).

إلا أن الخليفة عثمان أصغى إلى نصيحتها هذه على ما يبدو بإعطائه لمروان (500 خمسمئة ألف دينار)،
وهي قيمة خمس غنائم إفريقيا !

إيذاء خيرة الصحابة
لم تكن اعتراضات الناس ونقمتهم على الخليفة لمجرد إسناده أهم مناصب الدولة لأقاربه،
والإغداق عليهم من بيت مال المسلمين،
وإنما أيضاً للانتهاكات الخطيرة في تعاليم الإسلام وآدابه،
والمظالم التي ارتكبت بحق خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
لا سيما أبي ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وإليك قصة ما حدث لكل واحد منهم:
1 - أبو ذر الغفاري وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر)،
ولكنه لاقى النفي إلى الشام لاعتراضه على الخليفة عثمان في مسألة توزيع الأموال وتبذيرها على أقاربه،
ثم لاقى النفي مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى البادية في قرية تدعى (الربذة) خارج المدينة
عقاباً له من الخليفة لاعتراضه على والي الشام معاوية بن أبي سفيان لاكتنازه الأموال وتبذيرها على حساب بيت مال المسلمين.
ويروي زيد بن وهبة هذه الحادثة قائلاً:
(مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر الغفاري (رض) فقلت له: ما أنزلك منزلك هكذا؟
قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في الآية
(والذين يكنزون الذهب والفضة وينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [التوبة/34].
قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم.
فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلي عثمان: أن أقدم المدينة فقدمتها)
(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، ج 2 ص 278).

وكانت شكوى معاوية إلى الخليفة أن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام،
حتى تعالت كلماته على لسان الناس في البيوت والطرقات:
(بشر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة) (خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، ص 79).

2 - عبد الله بن مسعود وهو الذي كان صاحب بيت المال في الكوفة،
وقد كان يعترض على والي الخليفة عثمان الوليد بن عقبة - وهو أخوه لأمه -
بسبب عدم إرجاعه المال الذي يستدينه من بيت مال المسلمين، ولكثرة إدمانه الخمر،
حتى أنه صلى الصبح بالناس أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إلى الناس وقال: أزيدكم؟
ولكن عبد الله بن مسعود هو الذي عوقب أولاً من الخليفة لاعتراضه على الوليد
حيث قال له عثمان: (إنما أنت خازن لنا) (تاريخ الطبري ج 5 ص 134)
ثم أمر غلمانه بضربه حتى لاقى كسراً في أضلاعه.
وبعد كثرة تذمر الناس من تصرف الخليفة هذا، أمر بإقامة الحد على الوليد
(صحيح مسلم، باب حد الخمر. وأيضاً الخلافة والملك للمودودي ص 67- 68).
ومما يجدر ذكره أن الوليد بن عقبة كان من الذين أسلموا بعد فتح مكة،
وكلفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذات مرة بجباية صدقات بني المصطلق،
إلا أنه بعد أن وصل حدود المنطقة التي تسكنها هذه القبيلة خاف لسبب ما ورجع إلى المدينة،
وكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقول أن بني المصطلق رفضوا دفع الزكاة وأرادوا قتله،
فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل إليهم جيشاً لقتالهم،
وكادت أن تقع واقعة كبرى لولا أن رؤساء بني المصطلق علموا بالأمر
وجاءوا إلى المدينة ليخبروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يأتهم أحد لجباية الزكاة،
فنزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)[الحجرات/6]،
عندما أصبح عثمان خليفة، عزل عن ولاية الكوفة سعد بن أبي وقاص بطل القادسية، وعين بدلاً منه هذا الفاسق.

3 - عمار بن ياسر وهو الذي قام بالصلاة على عبد الله بن مسعود ودفنه دون إعلام الخليفة بذلك بناء على وصية من ابن مسعود حتى لا يصلي عليه لما لقيه منه من أذى (تاريخ اليعقوبي، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد).
وكان هذا العمل مما أغضب الخليفة، إلا أن تصرف عمار الذي أثار حفيظة عثمان ضده وجعله يعاقبه عليه أشد العقاب هو - كما يروي ابن قتيبة - تجرؤه بحمل كتاب احتجاج ضد الخليفة وأقاربه كتبه عشرة من الصحابة من ضمنهم المقداد، وذكروا فيه مخالفات عثمان لسنة رسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنة صاحبيه (أبي بكر وعمر) وما كان من هبته لخمس خراج إفريقيا لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوو القرابة واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان، حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة لأهله وبناته، وبنيان مروان القصور، وما كان من الوليد في الكوفة إذ صلى بالناس الصبح أربعة وهو سكران وتعطيله ثم تأخيره الحد عليه، وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شئ ولا يستشيرهم، وضربه ظهور الناس بالسياط وغير ذلك مما كتب في ذلك الكتاب الاحتجاجي والذي قام عمار بتقديمه إلى الخليفة. فقال مروان: يا أمير المؤمنين، إن هذا العبد الأسود قد جرأ عليك الناس، وإنك إن قتلته نكلت به من ورائه.
فقال عثمان لغلمانه: اضربوه! فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه وغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأدخل منزلها، وغضب له بنو المغيرة وكان حليفهم، وغضب له أيضاً علي عليه السلام وكبار الصحابة، حتى أن علياً قال لعثمان: (... فأنا أقول كما قال العبد الصالح (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) [يوسف/18].. إلى آخر الرواية) (ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة ج 1 ص 50 - 51).
وغضبت له عائشة أيضاً، فكانت تحمل قميص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقول: (هذا قميص النبي لم يبل وقد أبليت سنته) إلى أن قالت: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر) (تاريخ الطبري ج 5 ص 172، تاريخ ابن الأثير، ابن سعد: الطبقات الكبرى3/66).

كيف كان مقتل الخليفة؟
مع كل تلك الممارسات التي قام بها عثمان وأقاربه بانتهاك كل الشرائع والسنن، فقد كان فضلاء الصحابة يحاولون نصح الخليفة، ولكن دون جدوى، وكانت تأتيه الوفود من الأقاليم تحمل معها رسائل احتجاج ومطالبات معينة، فكانت ترفض بشدة في كل مرة، ولا يعطي الخليفة لها أية قيمة أو انتباه. فلم يكن مستغرباً بعد كل ذلك أن تثور ثورة الثائرين، والذين تزعم حركتهم أناس من مصر، والكوفة، والبصرة، حيث تبادلوا الاتصالات فيما بينهم سراً، حتى توجهوا بعدد يزيد على الألفين، وحاصروا الخليفة لمدة أربعين يوما، وطالبوا بعزله. إلا أن عثمان رفض التفاوض معهم. وعند اشتداد الحصار عليه، قام باستشارة عبد الله بن عمر بالأمر (وكأن فكرة التنازل قد بدأت تراوح في ذهنه) فأشار عليه ابن عمر بالبقاء في الحكم قائلاً: (لا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام، كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه) (ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 3 ص 66).
وبعد ذلك اقتحم الثوار القصر وقتلوا الخليفة، وبقي جسده مسجى على الأرض لثلاثة أيام دون أن يدفن.

الأسباب الحقيقية للثورة على عثمان بن عفان 1

الأسباب الحقيقية للثورة على عثمان بن عفان 
فلم يكن لابن سبأ أي دور في إثارة الفتنة في تلك الحقبة من الزمن ولا كان هو السبب من وراء نقمة المسلمين على عثمان وهيجانهم عليه، ولا البطر أو حلم عثمان وتسامحه وعفوه وكراهة بعض القبائل لرئاسة قريش هي بالأسباب الحقيقية لهذه الثورة، وإنما سبب ذلك بعض أفعال عثمان وأفعال ولاته المخالفة للشريعة الإسلامية، فعلى من يريد معرفة حقيقة هذا الأمر وصحة ما نقوله عليه بم
راجعة كتب التاريخ عند أهل السنة، فهذا أبو الفداء يقول في تاريخه:
(ثم دخلت سنة أربع وثلاثين فيها قدم سعيد إِلى عثمان، وأخبره بما فعله أهل الكوفة، وأنهم يختارون أبا موسى الأشعري فولى عثمان أبا موسى الكوفة، فخطبهم أبو موسى وأمرهم بطاعة عثمان، فأجابوا إِلى ذلك، وتكاتب نفر من الصحابة بعضهم إِلى بعض، أن أقدموا فالجهاد عندنا، ونال الناس من عثمان، وليس أحد من الصحابة ينهي عن ذلك، ولا يذب إِلا نفر، منهم زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، ومما نقم الناس عليه رده الحكم بن العاص، طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريد أبي بكر وعمر أيضاً، وإعطاء مروان بن الحكم خمس غنائم إِفريقية، وهو خمس مائة ألف دينار... ) (2) .
وفيه أيضاً: ( وأقطع مروان فدكاً وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي طلبتها فاطمة،فروى أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة "، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه، إِلى أن تولى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله، وردها صدقة ) (3) .
وقال الشهرستاني: (ووقعت فى زمانه اختلافات كثيرة وأخذوا عليه أحداثا كلها محالة على بنى أمية.
منها: رده الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسمى طريد رسول الله وبعد أن تشفع إلى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا.
ومنها: نفيه أبا ذر إلى الربذة وتزويجه مروان بن الحكم بنته وتسليمه خمس غنائم أفريقية له وقد بلغت مائتى ألف دينار.
ومنها: إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبى سرح وكان رضيعه بعد أن أهدر النبى عليه الصلاة والسلام دمه وتوليته إياه مصر بأعمالها وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث إلى غير ذلك مما نقموا عليه وكان أمراء جنوده معاوية ابن أبى سفيان عامل الشام وسعد بن أبى وقاص عامل الكوفة وبعده الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر عامل البصرة وعبد الله بن سعد بن أبى سرح عامل مصر وكلهم خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه ) (4) .
ونقل البلاذري في أنساب الأشراف أنساب الأشراف عن سعيد بن المسيب قال: (لما ولي عثمان كره ولايته نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة حجة وكان كثيراً ما يولي من بني أمية من لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وسلم صحبه، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الست الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فمكث عليهم سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر... ) (5) .
وذكر الذهبي أنّ الزهري قال: (ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئاً، وإنه لأحب إليهم من عمر، لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم عثمان لان ولهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر ، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية ، وآثر أقرباءه بالمال ، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها . واتخذ الأموال ، واستسلف من بيت المال ، وقال : إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما ، وإني أخذته فقسمته في أقربائي ، فأنكر الناس عليه ذلك ) (6).
وقال الذهبي : (ومما نقموا عليه – أي على عثمان - أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحاً زاهداً، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله ن عامر، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص) (7) .
وفي كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري أنّ أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اجتمعوا ( فكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة دارا لنائلة ودارا لعائشة وغيرهما من أهله وبناته وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح وهو أمير عليها سكران أربع ركعات ثم قال لهم إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم وتعطيله إقامة الحد عليه وتأخيره ذلك عنه وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه الصلاة والسلام ثم لا يغزون ولا يذبون وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران.
ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان وكان ممن حصر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له أنت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال ومن كان معك قال كان معي نفر تفرقوا فرقا منك قال من هم قال لا أخبرك بهم .
قال فلم اجترأت علي من بينهم فقال مروان يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود يعني عمارا قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه قال عثمان أضربوه فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشى عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها وغضب فيه بنو المغيرة وكأن حليفهم فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلا عظيما من بني أمية فقال عثمان لست هناك ) (8) .
وقال المقدسي: (وكان سبب ذلك – أي سبب حصار عثمان ومقتله - أن الناس نقموا عليه أشياء فمن ذلك كفله بأقاربه كما قاله عمر رضي الله عنه، فآوى الحكم بن أبي العاص بن أمية طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سيره إلى بطن وج ،ولأنه كان يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلع الناس عليه.
ومنها: أنه أقطع الحارث بن الحكم مهرقته موضع شرقي المدينة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة ووصل إلى ذلك الموضع ضرب برجله وقال: هذا مصلانا ومستمطرنا ومخرجنا لأضحانا وفطرنا فلا تنقضوها ولا تأخذوا عليها كرى، لعن الله من نقض من بعض سوقنا شيئا.
ومنها: أنه أقطع مروان بن الحكم فدك قرية صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه خمس الغنائم من إفريقية ...
ومنها: أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد بن رافع أربعمائة ألف درهم وأعطى الحكم بن أبي العاص مائة ألف درهم .
ومنها: أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بأبيه عمر وقتل ابنين لأبي لؤلؤة عليه اللعنة فلم يقده.
ومنها: أنه عزل عمال عمر وولى بني أمية وانتزع عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وانتزع سعد بن أبي وقاص عن الكوفة واستعمل الفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أخوه لأمه فوقع في الخمر فشربها ويصلي الصلاة لغير وقتها، فصلى بالناس يوما الفجر أربعاً وهو ثمل فلما انصرف، قال: أزيدكم فإني نشيط ؟! فشغب الناس وحصبوه ... فلما شكاه الناس عزله واستعمل عليهم شرا منه سعيد بن العاص فقدم رجل عظيم الكبر شديد العجب وهو أول من وضع العشور على الجسور والقناطر.
ومنها: أن ابن أبي سرح قتل سبعمائة رجل بدم واحد فأمر بعزله ولم ينكر عليه.
ومنها: أنه جعل الحروف كلها حرفا واحدا وأكره الناس على مصحفه.
ومنها: أنه سير عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام لتنزهه عن أعماله وسير أبا ذر الغفاري إلى الربذة وذلك أن معاوية شكاه أنه يطعن عليه فدعاه واستعتبه ولم يعتب فسيره إلى الربذة وبها مات رحمه الله.
ومنها: أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية فأعطاها مائة ألف من بيت المال وأخذ سفطا فيه حلى فأعطاه بعض نسائه واستسلف من بيت المال خمسة آلاف درهم وكان اشترط عليه عند البيعة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وبسيرة الشيخين رضي الله عنهما فسار بها ست سنين ثم تغير كما ذكر ....
ومنها: أنه لما ولي صعد المنبر فتسنم ذروته حيث كان يقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ينزل عنه درجة تعظيما لقدر النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولي عمر نزل عن مقعد أبي بكر بدرجة فصارت رجلاه في الأرض لأن المنبر درجتان فتكلم الناس في ذلك وأظهروا الطعن فخطب عثمان وقال هذا مال الله أعطيه من أشاء وأمتعه من أشاء فأرغم الله أنف من رغم أنفه فقام عمار بن ياسر فقال أنا أول من رغم أنفه من ذلك فقال له عثمان لقد اجترأت علي يا ابن سمية فوثبوا بنو أمية على عمار فضربوه حتى غشي عليه فقال ما هذا بأول ما أوذيت في الله وضرب عبد الله بن مسعود في مخالفته قرأته) (9).
فهذه هي الأساب وغيرها هي التي كانت السبب في ثورة الناس من صحابة وتابعين على عثمان بن عفان والتي انتهت بقتله، فالقول أنّ عبد الله بن سبأ هو الذي أجج نار الفتنة ضد عثمان وجعل أولئك المسلمين يثورون عليه قول لا يمكن للعقل قبوله إذ كيف يستطيع شخص مثل ابن سبأ أن يخدعهم فيشعلوا نار الفتنة ويجهزوا على خليفتهم.
قال الشيخ حسن بن فرحان المالكي: (بعض الدراسات المعاصرة ترجع أسباب الفتنة لعبد الله بن سبأ، وهذا باطل لأنّ عبد الله بن سبأ إنّما افترى دوره أخباري كذّاب اسمه سيف بن عمر، وقد خالفه كل من كتب عن الفتنة من المحدثين والمؤرخين من الثقات والضعفاء قبل سيف وبعده ) (10) .
وقال الشيخ المذكور في كتابه " مع الشيخ عبد الله السعد في الصحبة والصحابة " : ( وجود ابن سبأ أو عدم وجوده لا يهمّنا من قريب ولا من بعيد وإنّما يهمّنا الإجابة على سؤال هو: هل هو سبب الفتنة أو أحد أسبابها أم لا؟ فإنّ كانت الإجابة بـ"نعم" فأين الأسانيد في ذلك من غير طريق سيف الكذاب؟ وإن كان سبب الفتنة هو المال وولاة عثمان كما هو متواتر الأحاديث والمرويات وإجماع الأمة في القرون الثلاثة الأولى فلا يجوز أن نقرّ الأكاذيب بدعوى أنّ هذا يخدم السنة ضد الشيعة! فالسنة ليست إلاّ الصدق والعدل والعلم، وهم يعرفون أنّ قصة ابن سبأ ليس فيها نصرة ضد الشيعة وإنّما فيها نصرة للطلقاء على السابقين ) (11) .

دور الصحابة في الثورة على عثمان بن عفان
لقد كان للصحابة دور كبير في الثورة على عثمان بن عفان، فمنهم من ثار عليه وشارك بعضهم في الإجهاز عليه وقتله، ومنهم من خذله ولم ينصره، ففي تاريخ الطبري : (لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي إلى من بالآفاق منهم وكانوا قد تفرقوا في الثغور إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل تطلبون دين محمد فإن دين محمد قد أفسد من خلفكم وترك فهلمّوا فأقيموا دين محمد فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه ) (12) .
وفيه: (كتب أصحاب رسول الله بعضهم إلى بعض أن اقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى ولا يذب إلا نفير منهم زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت ... ) (13).
وفي كتاب أخبار الوافدين من الرجال للعباس بن بكار الضبي وتاريخ دمشق لابن عساكر: (دخل أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني(14) على معاوية فقال له معاوية: يا أبا الطفيل، قال: نعم، قال: ألست من قتلة عثمان؟! قال: لا، ولكني ممن حضره فلم ينصره، قال: ما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار ... ) (15) .
وفي تاريخ ابن عساكر وغيره: ( كان المصريون الذين حضروا عثمان ستمائة رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي،(16) وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي(17)، والذين قدموا من الكوفة مائتين رأسهم مالك الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة رجل، رأسهم حكيم بن جبلة العبدي) (18).
وفي تاريخ المدينة لابن شبة عن ابن دأب أن الحارث بن خليف قال: (سألت سعدا عن قتل عثمان رضي الله عنه فقال قتل بسيف سلته عائشة رضي الله عنها وشحذه طلحة رضي الله عنه وسمه ابن أبي طالب رضي الله عنه، قلت: فالزبير؟ قال: فسكت وأشار بيده وأمسكنا ولو شئنا لرفعنا ولكن عثمان رضي الله عنه تغير وتغير وأساء وأحسن ولم يجد متقدما فإن كنا أحسنا فقد أحسنا وإن كنا أسأنا فنستغفر الله ... ) (19) .
وقد دلّت الأخبار من جهة أهل السنة على أنّ معاوية بن أبي سفيان والي عثمان على الشام قد خذله أيضاً، ففي تاريخ الطبري (فلما رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول، فلما جاء معاوية الكتاب تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله وقد علم اجتماعهم ... ) (20) .
ويوقفك هذا النص أيضاً على أنّ أهل المدينة بما فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم قد خلعوا طاعة عثمان وردّوا بيعته وتمرّدوا عليه,
وفي تاريخ الطبري عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: (دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدثت عنده ساعة فقال يا ابن عياش تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من علي باب عثمان فسمعنا كلاما منهم من يقول ما تنتظرون به ومنهم من يقول انظروا عسى أن يراجع فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال أين ابن عديس فقيل ها هو ذا قال فجاءه ابن عديس فناجاه بشيء ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده قال فقال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثم قال عثمان اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا، وأن يسفك دمه إنه انتهك مني ما لا يحل له ... ) (21) .
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : (أن محمد بن أبي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة فتقدمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك الله يا نعثل فقال عثمان لست بنعثل ولكن عبد الله وأمير المؤمنين فقال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلان فقال عثمان يا بن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمد ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك فقال عثمان أستنصر الله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في يده ورفع كنانة بن بشر بن عتاب مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه بالسيف حتى قتله قال عبد الرحمن بن عبد العزيز فسمعت بن أبي عون يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خر لجنبه فقتله وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه ) (22).
وفي تاريخ المدينة للنميري عن صالح بن كيسان قال: (دخل عليه – على عثمان - محمد بن أبي بكر بشريان كان معه فضربه في حشائه حتى وقعت في أوداجه فخر وضرب كنانة بن بشر جبهته بعمود وضربه أسودان بن حمران بالسيف وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات، وقال علمت أنه مات في الثالثة فطعنته ستا لما كان في قلبي عليه ) (23) .
وفي تاريخ الطبري: ( مر عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي(24) وهو بفناء داره ومعه جامعة، فقال يا نعثل، والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار، ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه ) (25) .
وفيه أيضاً عن عامر بن سعد قال: (كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيء جبلة بن عمرو الساعدي مر به عثمان وهو جالس في ندي قومه وفي يد جبلة بن عمرو جامعة فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة لم تردون على رجل فعل كذا وكذا قال ثم أقبل على عثمان فقال والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه قال عثمان أي بطانة فوالله إني لأتخير الناس فقال مروان تخيرته ومعاوية تخيرته وعبدالله بن عامر بن كريز تخيرته وعبدالله بن سعد تخيرته منهم من نزل القرآن بدمه وأباح رسول الله دمه ... ) (26) .
وفي تاريخ الطبري : (خطب—عثمان—الناس فقام إليه جهجاه الغفاري (27) فصاح يا عثمان ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان فقال عثمان قبحك الله وقبح ما جئت به... ) (28) .
ونقل المؤرخون أن الصحابي جهجاه هذا قام إلى عثمان وهو يخطب على المنبر فقال له: (قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى ... ) (29).
ويذكر المؤرخون أنّ عثمان بن عفان ترك بعد مقتله ثلاثة أيام لم يدفن، ولمّا أرادوا دفنه شارك بعض الصحابة في المنع من دفنه في البقيع، قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة الصحابي أسلم بن بجرة: ( وقال ابن عبد البر هو أحد من منع من دفن عثمان بالبقيع) (30) .
وروى ابن شبة النميري عن عروة بن الزبير أنّه قال : ( منعهم من دفن عثمان بالبقيع أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، قال: فانطلقوا به إلى حش كوكب فصلّى عليه حكيم بن حزام ، وأدخل بنو أمية حش كوكب بالبقيع ) (31) .
ومن كل ما أوردناه يظهر أنّه لم يكن لابن سبأ أي دور في نقمة الناس على عثمان ومقته والثورة عليه، وإنما سبب ذلك أفعاله وأفعال ولاته المخالفة للشريعة الغراء، وأن الصحابة من كان منهم في المدينة أو خارجها هم الذين كانوا على رأس الثائرين والناقمين عليه، ومنهم من شارك في قتله والمنع من دفنه في مقابر المسلمين، فدعوى الخميس أن السبب الرئيسي في ذلك هو ابن سبأ والأسباب الأخرى التي ذكرها دعوى كاذبة لا أساس لها من الصحة أبدا.

الرّد عليه حول محاولته الخلط بين الشخصية الحقيقة لابن سبأ والمختلقة
قال عثمان الخميس أثناء حديثه عن عبد الله بن سبأ الذي زعم أنّه السبب الرئيسي في إثارة الفتنة والثورة على عثمان بن عفان : ( وقد تسالم المتقدمون على إثبات هذه الشخصية، بل نسبوا إليها معتقدات خاصة بها، ولكّنها لا تخرج عن دائرة التشيّع، والذي تولّى كبر هذه المسألة رجل يقال له مرتضى العسكري في كتاب له أسماه " عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى " وممن أنكر ابن سبأ أيضاً طه حسين في كتابه " علي وبنوه " وغيرهما ... ) (32) .
أقول: إنّ من أنكر من المحققين والكتاب شخصية ابن سبأ، إنما أنكر تلك الشخصية التي اختلقها سيف بن عمر التميمي(33)، والتي أعطاها أدواراً بطولية وحاك حولها العديد من القصص والأساطير والمشاغبات، وجلها السبب من وراء حدوث الفتنة أيام عثمان بن عفان، يقول الدكتور عبد العزيز الهلابي – وهو استاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض- : ( والذي نخلص إليه في بحثنا هذا أنّ ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود، فإن وجد شخص بهذا الإسم فمن المؤكد أنّه لم يقم بالدّور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفرق لا من الناحية السياسية ولا من ناحية العقيدة) (34) .
نعم هناك شخصية تحمل اسم عبد الله بن سبأ تعرضت لها الروايات الشيعية ولم تذكر عنها شيئاً مما نسبه سيف بن عمر التميمي لشخصية ابن سبأ المختلقة سوى أنّه غالى في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فادّعى له الربوبية، ولنفسه النبوّة فعرض عليه أمير المؤمنين التوبة فلم يفعل، فأحرقه بالنار وانتهى أمره، روى ذلك الكشي في رجاله بسنده عن هشام بن سالم أنّه قال: ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو يحدّث أصحابه بحديث ابن سبأ وما ادّعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال عليه السلام: إنّه لما ادّعى ذلك استتابه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يتب فأبى أن يتوب فأحرقه بالنّار) (35) .
ولا يبعد أن يكون سيف بن عمر التميمي قد سمع بابن سبأ هذا وغلوّه في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فاختلق شخصية أخرى من خياله تحمل نفس الإسم ونسب إليها ما نسبه من قصص وأساطير مما ذكره عنه الطبري وغيره، وأعطاها دوراً بطوليّاً هائلاً في خلق الفتنة وإثارة الأحداث في تلك الحقبة من الزمن وجعلها من وراء كل الأسباب التي أدّت إلى الثورة على عثمان بن عفان، وذلك تغطية على الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى ثورة المسلمين من صحابة وتابعين عليه ومقتله.
وابن سبأ الذي وردت الإشارة إليه في روايات الشيعة لا علاقة له بالشيعة الإمامية الإثني عشرية، بل هو غال ملعون عندهم حكموا بكفره والبراءة منه، قال العلامة الحلي رحمه الله : (عبد الله بن سبأ غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنّار، وكان يزعم أنّ عليّاً عليه السلام إله، وأنّه نبي، لعنه الله ) (36) .
ومثل قول العلامة الحلي هذا قال الشيخ حسن بن زين الدين في التحرير الطاووسي (صفحة 346) والعلامة الأردبيلي في جامع الرّواة (2/485) والسيد البروجردي في طرائف المقال (2/96) وقال الأخير: ( ونعم ما قاله في المنتهى عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر) .
وقال السيد الخوئي عليه الرّحمة بعد أن نقل بعض الروايات عن بعض الأئمة الطاهرين عليهم السلام المصرّحة بكفر ابن سبأ ولعنهم له: ( فهذه الروايات تدل على أنّه كفر وادّعى الإلوهية في علي عليه السلام لا أنّه قائل بفرض إمامته عليه السلام، مضافاً إلى أنّ أسطورة عبد الله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة، اختلقها سيف بن عمر الوضّاع الكذاب، ولا يسعنا المقام الإطالة في ذلك والتدليل عليه، وقد أغنانا العلامة الجليل والباحث المحقق السيد مرتضى العسكري في ما قدّم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية، وعن سيف وموضوعاته في مجلدين طبعا باسم " عبد الله بن سبأ " وفي كتابه الآخر " خمسون ومائة صحابي مختلق" ) (37) .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.

بداية الافطار في الصيام

لقد تحددت بداية الصيام بدقة لا سبيل للاختلاف عليها ولا مساغ للاجتهاد فيها بالخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، أي من أول ضوء يشق عتمة الليل معلناً بداية الفجر. وأما نهاية الصيام فبالليل ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) فهل تُرك تحديد بداية الليل ليجتهد فيها المجتهدون وليدلي فيها كل بدلوه فيقول قوم إن الليل يبدأ بغروب الشمس ويقول آخرون بل من بعد غروب الشمس بقليل ويأتي آخرون ليحددو
ا بداية الليل بظهور النجوم وسبحان الله جل من قائل ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ).

( آيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) هذا هو تعريف الليل من النهار وتعريف النهار من الليل في آيتين بينتين لمن لا يعرف الفارق بين الليل والنهار، فالنهار ينسلخ من الليل شيئاً فشيئاً كما تسلخ الشاة شيئاً فشيئاً حتى إذا ما انسلخ النهار تماماً بداً الليل بالظلام.
( فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) وإذا في هذه الآية الكريمة هي إذا الفُجَاءَة التي تفيد حدوث ما بعدها فوراً وفي الحال بمعنى أنه فور انسلاخ النهار تظلم الدنيا معلنة بداية الليل ولا يبدأ الليل إلا بانسلاخ النهار تماماً لأن الشيء لا ينسلخ عن الشيء إلا بانتزاعه تماماً وذلك بغياب آخر ضوء من ضياء الشمس ويستمر الليل ما استمر الظلام حتى إذا انطلق أول خيط أبيض يشق العتمة من المشرق بدأ الناس يبصرون وأول شيء يبصرونه هو هذا الخيط الأبيض الذي لا يلبث حتى يملأ الدنيا ضياء.

وهكذا فإن الفرق بين الليل والنهار بحسب هاتين الآيتين الكريمتين هو الفرق بين الظلام الكامل الذي يبدأ به الليل بحسب الآية الأولى أي في اللحظة التي ينسلخ فيها النهار بضيائه انسلاخاً تاماً وبين الإبصار مرة أخرى بانطلاق أول ضوء يشق هذا الظلام بحسب الآية الثانية ويمر الليل والنهار عبر مراحل متعددة تتحدد جميعها بحركة الشمس إن جاز هذا التعبير ابتداء من الفجر وهو كما أسلفنا محدد بما لا اختلاف عليه بالخيط الأبيض من الخيط الأسود ثم بمشرق الشمس ثم بغروب الشمس ثم لا يبرح الشفق الأحمر مغرب الأرض إلا بعد انقضاء فترة تعادل الفترة ما بين الفجر والشروق.



هذه الليلة هي ليلة القدر ( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ). فكلمة ( حتى ) في هذه الآية الكريمة تفيد نهاية ما قبلها بظهور ما بعدها. وتدل هذه الآية الكريمة على أن الليل ينتهي بمطلع الفجر أي بظهور أول ضوء من ضياء الشمس، وبالتالي فإن الليل لا يبدأ إلا باختفاء آخر ضوء من ضيائها وهو ما لا يتحقق إلا بغياب الشفق الأحمر تماماً.



وحديث آخر عن فلك الليل والنهار وما يفصل بينهما تحدده مسيرة نبي الله لوط عليه السلام بأهله بعد أن أمر الله بتدمير قريته الظالم أهلها ( قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ )

ويقول الله تعالى في موضع أخر من كتابه المجيد ) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ ) نبي الله لوط عليه السلام كذبه قومه فأرسل ربه رسلاً إليه ليحددوا له خطة مسيرته لينجو هو وأهله إلا امرأته من عذاب واقع بهم، وتحددت الخطة بأن يخرج بأهله ( بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ) أي أن المسيرة تبدأ ليلاً، وتنتهي مسيرة النجاة بعد الفجر بقليل وعندها يكونون قد ابتعدوا عن القرية التي كانت تعمل السيئات ( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) والصبح هو الاسم الأخر للفجر وإذا كان الفجر بضيائه الأبيض يختلف عن الليل ولا يعتبر من الليل في شيء فترتيباً على ذلك يجب القول بأن الشفق بضيائه الحمراء يختلف عن الليل ولا يمكن اعتباره جزءاً منه في أدنى شيء.

وبدلالة الآيات البينات جميعها فإن الليل لا يبدأ إلا بغياب آخر ما ينتشر في المغرب من الشفق الأحمر، فإذا انسلخ الشفق الأحمر من الأفق الغربي تماماً وأقبل الليل أفطر الصائم وحل له الطعام والشراب والرفث حتى يتبين له أول ضوء أبيض في الأفق الشرقي بمطلع الفجر ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْل ِ).

وسبحان الله تبارك وتعالى يصوغ آياته وقد سبق علمه بشؤون خلقه سبحانه عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو له غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فقال وقوله الحق ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) فالله تعالى يعلم أن عباده سيختلفون في الليل ويستشكل عليهم تمييزه من النهار رغم وضوحه في القرآن وتفسيره في آياته وبيانه بياناً دقيقاً وافياً كافياً شافياً فقال ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) وكان يكفي لولا علمه تعالى بالغيب وبما نختلف عليه الآن في هذا الشأن أن يقول ثم صوموا إلى الليل، فإذا كنا نؤمن بأنه ليس هنالك حرف واحد زائد في القرآن تماماً كما نؤمن بأنه ليس هنالك حرف واحد ناقص منه لأدركنا الحكمة البالغة من قوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) وفيه الدليل القاطع والآية الكبرى على علمه تبارك وتعالى بالغيب.

ولو أراد الله أن يفطر الصائم في المغرب لكان نص عليه صراحة كما نص عليه في غير قليل من الآيات ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) ولو أراد الله أن يفطر الصائم والشفق الأحمر ما يزال منتشراً في الأفق الغربي من بعد غروب الشمس بقليل أو بكثير لكان نص عليه كما في قوله تعالى ( فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) بل إن هذه الآية الكريمة لتدل دلالة أخرى وتقيم البينة القاطعة على أن الشفق شيء والليل شيء آخر، فهذان قسمان بآيتين مختلفتين آية الشفق وآية الليل ولو كان الشفق هو الليل والليل هو الشفق لكان القسم واحداً. ولو أراد الله أن يفطر الصائم عند مطلع النجوم من بعد غروب الشمس والشفق الأحمر ما يزال منتشراً في الأفق الغربي وقبل أن يتم انسلاخ النهار تماماً لكان نص عليه صراحة كما في قوله تعالى ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ).



أخيرا فتلك الروايات التي جاءت بالإفطار عند الغروب فهي كلها مفترية ولا تغنى من الحق شيئا وكل تشريع خارج عن القران فهو من تشريع العباد، أولا يعلمون أن القرآن يغنى عن كل شيء أو ليس الله بكاف عباده بما أنزل من الذكر.

ألا إن الذكر الحكيم ليغني عن كل ذكر وحديث، ألا وإنه كاف عباد الله جميعاً الآن وفيما سلف وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليس في قضية كقضية الليل والنهار بل في كل شأن يعنيهم من شؤونهم في الدنيا وفي الآخرة وفيما قبل ذلك وفي غير شؤونهم مما يزخر به ملكوت السماوات والأرض ومما خلق من شيء وعلم سبحانه وتعالى، أنه يتوجب علينا العلم به بحسب عقولنا التي خلقها تبارك وتعالى بعلمه ومشيئته ( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

اللغة البشرية الام في القران الكريم 1

نظراً لعدم دقة المصادر التاريخية لمعرفة مصدر كلمة عرب وكثرة الآراء عن أصل هذه الكلمة ومن أين أتت، وحقيقة أن كثير من الترجمات للمكتشفات الأثرية يقوم بها أوربيون جاهلون بألسنة منطقة الشرق الأوسط فيتم الوقوع في أخطاء كبيرة في الترجمات من اللسان الأصلي.
ومن أجل هذا فإن القرآن الكريم يبقي دائماً هو المصدر الوحيد الذي يمكن الثقة به للوصول إلى بعد الحقائق التاريخة إن قُدر وجود آثار لها في النص القرآني.

ومن ناحية آخرى أعتقد أيضاً أن القرآن الكريم هو المرجع الأول في أمور قواعد اللسان ومعاني الكلمات لإنه نص آلهي ومابه هو حقائق مطلقة وما على الإنسان إلا محاولة إستنتاج هذه الحقائق، أما بالنسبة للكلمات التي لم ترد في النصوص القرآنية فمن الطبيعي إذن الرجوع إلى معاجم اللسان لمعرفة أصولها ومعانيها.

وقد وردت كلمة عربي في عدة مواضع من القرآن الكريم أشهرها قول الله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْـزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)﴾ سورة يوسف

ومن المعروف عند الكثيرين أن الكلمة هنا معناها أن القرآن قد أنزله الله تعالى باللسان (العربي)، ولكن إن حاولت أن تتدبر النصوص الآخرى التي أتت بها هذه الكلمة بحياد تام قد تصل إلى نتيجة آخرى وأن كلمة قرآن عربي ليس مقصود بها قرآن باللسان (العربي)، فإن أردنا معرفة دلالة كلمة عربياً هنا فأصوب طريقة هو مقارنتها بمواقع ورودها في أماكن آخرى في النصوص القرآنية ومحاولة الوصول إلى ما تقصده الكلمة، فإن تدبرت قول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ (37)﴾ سورة الرعد

في هذا النص يقول تعالى أنه أنزل حكماً عربياً، فيبدو هنا بوضوح أن كلمة عربياً ليس المقصود بها اللسان، فصفة الحكم الإلهي هي الوضوح للفهم الإنساني والكمال وليس حكماً باللسان (العربي)، فوصف حكم الله بأنه باللسان (العربي) لا يستقيم معه المعني ولا يقدم نوع اللسان ولا يؤخر بإضافتها كوصف للحكم الإلهي، والأقرب أن الكلمة هنا جاءت بمعنى صفة الوضوح للفهم الإنساني والكمال لهذا الحكم مما يستقيم مع معنى كلمة عربياً في الآيات التالية التي تصف القرآن الكريم.

فيقول الله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3)﴾ سورة الزخرف

فيقول الله تعالى: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)﴾ سورة الزمر

فيقول الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3)﴾ سورة فصلت

فالنصوص هنا تستقيم مع معني أن القرآن عربياً أي له صفة الكمال والوضوح للفهم الإنساني لعل الناس تعقله، أم أن يكون القرآن باللسان (العربي) سبباً لكي يعقله الناس فهذا معنى غير مستقيم فقد يكون الإنسان يتحدث بنفس اللسان ولا يفهم نصوص مبهمة، وماذا عن من لا يتكلم بهذا اللسان؟ أليس القرآن موجه إليه أيضاً؟ فلعلكم تعقلون موجهه لكل البشر وليس فقط لمن يتحدث باللسان الذي نزل به القرآن.
وفي النص الثاني يصف الله تعالى أن القرآن عربياً غير ذي عوج، والمعنى هنا يستقيم أيضاً لو أن القرآن كامل وواضح للفهم وغير ذي عوج، أما إن كان المقصود القرآن باللسان (العربي) وغير ذي عوج فإن كونه بهذا اللسان لايؤيد بالضرورة أنه غير ذي عوج، فقد يجتمع الإعوجاج مع كونه باللسان (العربي)، ولكن لايجتمع الإعوجاج مع صفة الكمال والوضوح للفهم.

وفي النص الثالث فإن المعني يستقيم أيضاً مع معني أن الكتاب قد فُصلت أدلته كقرآن كامل وواضح لمن يريد أن يتعلمه، أما إن كان المقصود أنه قرآناً باللسان (العربي)، فإن المعني كذلك يجعل من كونه بهذا اللسان هو ميزة في حد ذاتها ومعرفتها هو الطريق الوحيد لتقبل رسالة الله للبشر وهذا ينافي نزول الرسالة للعالمين ويرفع التكليف عن غير المتكلمين للغة القرآن
فالقرآن نزل بلسان (العرب) لعلكم تعقلون وأن الله تعالى يتحدث في القرآن إلى قوم (العرب) فقط.

إذن فمن الأرجح أن صفة قرآناً عربياً لايمكن أن تعني اللسان ولكن الكمال والوضوح للفهم.

أما قول الله تعالى: ﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾ سورة الشعراء

وقوله الله تعالى: ﴿ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (12)﴾ سورة الأحقاف

من الأرجح في هذين النصين أن المقصود باللسان العربي هنا ليس لسان التكلم وما يُطلق عليه اللغة لإنه كما تبين في السابق أن كون القرآن باللسان (العربي) ليس بميزة ولكنه نزوله باللسان الذي يتحدث به الرسول الكريم كان من الدواعي المنطقية وأنه نزل للبشر أجمعين ولم ينزل ليخاطب القوم المتحدثين بهذا اللسان فقط ليتم التركيز عليها كميزة للقرآن الكريم.
ومن الأرجح أن كلمة لسان في هذه النصوص قد تعني أيضاً بالإضافة إلى اللغة وسيلة التعبير، فيكون لسان عربي بمعنى وسيلة تعبير كاملة وواضحة للفهم
ومما يؤيد ذلك ورود كلمة لسان بهذا المعنى في نصوص آخرى كقوله تعالى: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)﴾ سورة مريم

وقوله تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ (84)﴾ سورة الشعراء

فمن الواضح في هذين النصين أن كلمة لسان تأتي أيضاً بمعنى وسيلة التعبير ولا تقتصر فقط على معنى اللغة.

والخلاصة أن كلمة عربي التي وردت في نصوص القرآن لم تشير إلى اللسان أو القومية العربية، لإنه لم يُعرف في الوقت الذي تنزل فيه القرآن على النبي الكريم، أنه قد أطلق على سكان هذه المنطقة اسم العرب أو أن اللسان الذي تحدثوا به قد اطلقوا عليها اسم اللسان العربي، بل المعروف في هذا الحقبة من الزمن أن السكان كانوا عبارة عن قبائل ويطلقون على السكان اسم القبيلة ولغتهم تسمى لهجة أو لسان القبيلة، ولم يكن وجود مؤكد لكلمة اللسان العربي أو القومية العربية.

والأرجح أن هذا الإسم بدأ إستعماله بعد وفاة الرسول بفترة زمنية، بعد أن بدأ تفسير كلمة عربي الواردة في النص القرآني على أن المقصود بها اللسان الذي نزل به القرآن، وبدأ حينها إستخدام كلمة اللغة العربية ومن بعدها بدأ تسمية السكان المتكلمين بهذه اللسان بكلمة العرب ومناطق سكنهم بالمنطقة العربية وولدت بذلك القومية العربية.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخ بدر

قال تعالى{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103

وقال تعالى {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ }فصلت44

أرجو مراجعة الموضوع على ضوء الآيتين أعلاه ودمت بسلام وسعادة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أخي سعيد مرحباُ بك

لا أري تعارض في النصوص القرانية التي تفضلت بها وماورد في المقال، فكلمة لسان قد وردت في القرآن بمعنى وسيلة التعبير كما في النصين التاليين (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84)) سورة الشعراء، (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50)) سورة مريم

لسان عربي = وسيلة تعبير كاملة وواضحة للفهم

لسان أعجمي = وسيلة تعبير غير كاملة وواضحة للفهم

ولا أعتقد أن كلمة اللسان تعنى هنا اللغة كما قد يفهمها البعض، فيكرر الله تعالى في عدة مواضع أن هذا القرآن له ميزة وهى أنه باللغة العربية، وأن أحكامه جاءت أيضاً باللغة العربية (وَكَذَلِكَ أَنْـزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا )، فهذه ليست ميزة، وإلا لكان هذا الدين وقرآنه قد نزل لقوم معيين وهم أصحاب هذه اللغة، ولرفع التكليف عن باقي البشر.

ولهذا أعتقد أن ماورد في المقال من فهم لكلمة اللسان العربي هو أقرب للصواب ومنطق أن القرآن قد نزل للعالمين.

فك رموز الابجدية المصرية بقلم خليل ابراهيم

في كل يوم من أيام احتلال العراق، يظهر لنا حجم التخطيط لتدمير حضارة وادي الرافدين ووادي النيل امتثالا لحقد دفين في نفوس أعداء الحضارة ممن يسمون أنفسهم الأمناء على حضارة العالم.
في مقالنا هذا سوف نتناول واحدة من هذه الدلائل التي كشفت واحدة من مقولات 
التاريخ التي نتتلمذ عليها، ألا وهي اكتشاف ترجمة اللغة الهيروغليفية من قبل شامبليون.

لقد داب بعض علماء الآثار المصريين على متابعة قسم من هذه الأقاويل بعد أن بدأت بعض الدراسات تظهر خلافا لما هو سطر من قبل باحثي الآثار الغربيين. سوف نستعرض ما توصل اليه
الباحث المصري الدكتور عكاشة الدالي بالمعهد الاركيولوجى في جامعة لندن إلى براهين قوية تفيد أن عالما عراقيا سبق شامبليون بما يقارب الألف عام في فك رموز الهيروغليفية.

وفى وقت قريب من ذلك توصل باحث سورى يدعى يحيى مير علم إلى نفس النتيجة حيث اتفقت نتائج يحيى مير علم السوري وعكاشة الدالى المصرى على أن العالم العربي أبو بكر أحمد بن على قيس بن المختار المعروف بابن وحشية النبطي الذي يرجح العلماء ولادته في القرن الرابع الهجري تمكن من فك رموز الهيروغليفية قبل شامبليون بنحو ألف عام، وأنه نشر كشفه التاريخي في كتاب تم نسخه عام 241 هجرية (861 ميلادية) بعنوان "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام".

وأضافت دراسة أخرى للدكتور أسامة السعداوي أن شامبليون أخطأ في الترجمة وربما يكون متعمدا في عدم ذكر الحرفين اللام والزاي في اللغة الهيروغليفية اللذين تم التعرف عليهما في رموز اللغة مؤخرا.

من هو شامبليون؟

جان فرانسوا شامبليون بالفرنسية:(Jean-François Champollion) 23 ديسمبر 1790 - 4 مارس1832، العالم الفرنسي الذي يعتقد انه فك رموز اللغة المصرية القديمة بعد استعانته بحجر رشيد الذي كان قد اكتشف أثناء الحملة الفرنسية على مصر، فقد نقش على الحجر نص بلغتين وثلاث كتابات: المصرية القديمة ومكتوبة بالهيروغليفية والتي تعني الكتابة المقدسة، لإنها كانت مخصصة للكتابة داخل المعابد، والديموطيقية وتعني الخط أو الكتابة الشعبية، واللغة اليونانية بالأبجدية اليونانية، ومن خلال المقارنة بينهم نجح في فك طلاسم الكتابة الهيروغليفية.

لم يتمكن شامبليون من الإلتحاق بالمدرسة في صغره، فتلقى دروسا خاصة في اليونانية واللاتينية، ويقال أنه حين بلغ التاسعة من عمره كان يستطيع قراءة أعمال هوميروس وفرجليوس. انتقل شامبليون إلى جرينوبل للإلتحاق بالمدرسة الثانوية، وهناك اتصل بفورييه، والذي كان سكرتيرا للبعثة العلمية التي رافقت حملة نابليون بونابرت، وكان لفورييه دورا أساسيا في دفع الصبي شامبليون لدراسة علم المصريات، وذلك من خلال اطلاعه على مجموعته الخاصة
من المقتنيات الآثرية.

أولا – أخطاء شامبليون
والقول الآن للدكتور أسامة السعداوي
ولكي أؤكد أن "شامبليون" أخطأ في الترجمة كان لابد أولا أن أذكر الطريقة التي فسر بها "شامبليون" حجر رشيد وما هي الأسس والقواعد العلمية التي اعتمد عليها في بناء لغة قدماء المصريين والتي جاءت على عكس الحقيقة كما فهمها الكثير.

تناول الدكتور السعداوي في دراسته بعنوان مقدمة لترجمة جديدة لنصوص حجر رشيد الأخطاء التي وقع فيها شامبليون موضحا في ذلك وصف الحجر أولا ومن ثم مكوناته اللغوية.
أ - وصف الحجر :
حجـر رشيـد صنع في مصـر عـام 196 قبل الميلاد من حجر البازلت الأسود. أبعاده الحالية هي 118 * 77 * 30 سم وهو مستقر الآن في المتحف البريطاني الذي قدم نسخة مقلدة طبق الأصل منـه لمكتبة الإسكندرية العظمى الجديدة.
على حجـر رشيـد نجـد أن هنـاك ثلاثـة نصـوص مكتوبـة بثلاثـة خطـوط :
- الخط الهيروغليفـي.. النص العلـوي.
- الخط الديموطيقي.. النص الأوسط.
- الخط اليوناني.. النص السفلي.

Hieroglyphic of Rosetta Stone

ب - الفكـرة والمعنـى العـام للنـص :
النص الهيروغليفي المكتوب في حجر رشيد هو عبارة أساسا عـن (بشـرى) أو نبوءة روحانيـة تتحدث عن شخصية عظيمة مقدسة ستأتي في المستقبل لإعادة بعث وتجديد وتأكيد الديانة المصرية القديمة. تلك البشرى أو النبوءة الفائقة الأهمية صيغت بأسلوب الدعاء والابتهالات إلى اللـه عز وجـل.. وهي تلخص بصورة رائعة وتشرح الديانة المصرية القديمة ككـل.

ج - الخراطيش الملكيـة :
لا يوجـد هناك اسـم بطليموس (Ptolmis) مذكـور في النص الهيروغليفي. كما أنـه لا توجـد نغمة (p) في اللغـة المصـرية القديمة وهي نغمة لاتينية خالصة لا يوجد ما يماثلها في العلامات الهيروغليفية.
ويذكر الدكتور السعداوي ان شامبليون حاول الإيحاء بأن هذا الاسم بطليموس (Ptolmis) هو الاسم الحقيقي لهذا الملك اليوناني.. وأن هذا هو نطق الاسم كما ورد في الخرطوشة المدونة على حجر رشيد.. ولكن الأسماء الحقيقية للملوك اليونانيين هي كالآتي.. وكما وردت في الملحق الأول.. صفحة 202.. من كتاب :(مصر.. من الاسكندر الأكبر حتى الفتح العربي.. للمؤلف هـ. آيدرس بل.. ترجمة د. عبد اللطيف علي)

سوتير >> بطليموس الأول!!
فيلادلفوس >> بطليموس الثاني!!
يورجتيس >> بطليموس الثالث!!
فيلوباتو >> بطليموس الرابع!!
إبيفانيس >> بطليموس الخامس!!
فيلوميتور >> بطليموس السادس!!

لقد بنى شامبليون نظريته على افتراض خاطئ. هذا الافتراض ينص على أن الخراطيش تحتوي على أسماء ملوك أو حكام مصر القديمة.. وهذا افتراض غير صحيح. كـل الخراطيش تحتوي على (عبارات دينية مقدسة).. وهي ليست أسماء.
هذه العبارات مكتوبة بصورة اختـزال.. واللغة المصرية القديمة هي أساسا لغة اختزال لأسباب كثيرة يخرج شرحها عن مجال الترجمة هنا.
وكل عبارة دينية داخل الخرطوشة تعبر عن فكـرة معينة أو مبدأ معين يؤمن به الملك.. لذلك فهو يختار هذه العبارة كشعار ملكي له عند التتويج.
وهذا المبدأ كان متبعا مع كل ملوك مصر القديمـة حتى أولئك الملوك الأجانب الذين غزوا مصر واحتلوا أرضها.. فقد تم منحهم عبارات اختاروها بأنفسهم لتكون دلالة على فترة توليهم العرش.

في ضوء ما سبق هيا بنا نحلل بحرص الخرطوشة الأولى الواردة في النص الهيروغليفي.. السطر السادس :
العبارة.. بصورتها الصحيحة.. داخل الخرطوشة هي ما يلي:

ونـفس هـذه الخرطوشـة نجدهـا مدونة في قاموس واليس بـدج ص 943 تحت أرقام الملوك 395 و 397
التركيب الصوتي الأحادي لهذه العبارة هو :
ف - ت - وا - بـر - م - ى - س - لـم) - فتح – مري)

وإذا كتبنا الاسم بطريقة أبجدية على طريقة شامبليون نحصل على الاسم التالي :
فـتـوابـرمـيـسـلـم - فـتـح - مـري

عزيزي القارئ.. ما علاقة هذه العبارة بإسم (بطليموس)؟!!
---------------------
الخلاصة : إن إفتراض شامبليون الأساسي بأن الخرطوشة تحتوي على أسم الملك وأن الخرطوشة لها نظير في الخط الديموطيقي أو الخط اليوناني لحجر رشيد إنما هو افتراض خاطئ تماما مما يهدم نظرية شامبليون من جذورها.

وإذا عدنا مرة أخرى إلى تحليل محتويات هذه الخرطوشة.. وبدون الدخول في تفاصيل لغوية معقدة لا تهم القارئ..
نجد أنها تحتوي على عبارة مصرية قديمة شهيرة جدا تسمى بها العديد من ملوك مصر الفرعونية على طول تاريخ عهود الأسرات وحتى فيما قبل الأسرات.. هذه العبارة هي :

فـتـح مـري
فـاتبعـوا مـلـة إبراهيـم حنيفـا وما كان من المشركيـن
follow the peaceful creed of Abraham
ترجمها علماء المصريات إلى (بتاح مري).. أو (فتاح مرن).. وقالوا أن معناها هو (محبوب الإله بتاح)!!

ماذا نفهم من هذه العبارة الدينية؟ هل هي اسم ملك كما يقولون.. أم أنها جزء لا يتجزأ من النص الديني المكتوب بحروف هيروغليفية على حجر رشيد؟ إن في ذلك تأكيد قاطع أن الاسكندر الأكبر اعتنق ديانة آمون.. التي هي نفسها.. ملة إبراهيم.. وأن كل أتباعه من ملوك البطالمة كانوا على نفس دين سيدنا إبراهيم عليه السلام.. وهي أيضا الديانة التي كانت سائدة بين المصريين في ذلك العهد! وسنرى فيما بعد كيف أن هذا الأمر أغضب حكام روما أشد الغضب خاصة بعد أن بدأت ديانة آمون في الانتشار في أوروبا مع اقتراب القرن الأول الميلادي مما دفع روما لغزو مصر للقضاء على تلك الديانة بأي ثمن!
وبذلـك نستـنـتـج بصورة قاطعة.. من هذه الخرطوشة.. أن المصريـيـن في العهد البطلمي (اليوناني).. (330 - 50 قبل الميلاد).. كانوا من الحنفاء
وعلى دين سيدنا إبراهيم عليه السلام..
كما كانوا دوما في جميع عهود مصر الفرعونية..
وما قبلها لألفيات عديدة من التاريخ السحيق.. وهذا أمر هام للغاية

أهـم النتـائج المسـتخلصة من المناقشـات اللغـوية بين د. أسامة السعداوي مع كبـار علمـاء العـالم :
1- أن ترجمـات شـامبليون ورفاقـه ليست كلها صحيحة.
2- أن هنـاك العـديد من العلامات المصـريـة الهيروغليفية التي لم تترجم بعـد!!
3- أن هناك أخطاء واضحة في ترجمة بعض العلامات.
4- أن هناك علامات كثيرة مشكوك في معانيها المترجمة.
5- أن هناك تضارب بين علماء اللغة فيما يتعلق بالنغمات الصوتية للحروف المصرية القديمة
.. وأن هناك النغمات الفرنسية والنغمات الألمانية التي تختلف عن النغمات الإنجليزية!
6- أن كل الترجمات للحروف والعلامات المصـرية الهيروغليفية تمت بدون معرفة نغمات
التشكيل.. بمعنى أنها أتت مشوهة صوتيا ودون التأكد من أسلوب نطقها الحقيقي.
7- أن نطق الكلمات تم بناء على النطق الظاهري للحروف الهيروغليفية دون الأخذ في
الاعتبار أن هذه الحروف إنما هي اختزال لكلمات وعبارات كاملة.
8- أن معظم ترجمات الكلمات تمت بصورة افتراضية (تخمينية) أو تقديرية طبقا للعلامات
المصاحبة للكلمات.. لذلك أتت الترجمات متضاربة لاختلاف وجهات النظر.
9- أن معظم علماء اللغة أنفسهم لا يستطيعون قراءة أو ترجمة نص هيروغليفي كامل!!

ثانيا – شامبليون ليس هو مكتشف اللغة الهيروغليفية
أن الذي اكتشف الحجر إبان الحملة الفرنسية ضابط فرنسي وليس شامبليون. وهذا الضابط كان مثقفا على ما يبدو لأنه استشعر أهمية الحجر فأوصى الحملة الفرنسية برشيد أن تهتم بتوصيله إلى نابليون شخصيا، الذي سلمه بدوره إلى العلماء المرافقين للحملة الفرنسية.

بعدها بأقل من عامين استسلم الجيش الفرنسي عام 1801للقوات الإنجليزية الغازية لمصر. وكانت هزيمة الفرنسيين مشينة وكانت شروط استسلامهم مذلة، والعجيب أنه كان من بينها شرطا بالغ الغرابة هو أن يسلم الفرنسيون المهزومون جميع ما بحوزتهم من آثار مصرية منهوبة إلى البريطانيين المنتصرين!

وكان حجر رشيد من بين هذه الآثار.
وهذا يفسر وجود حجر رشيد في المتحف البريطاني في لندن وليس في متحف اللوفر في باريس رغم أن الذي عثر عليه ضابط فرنسي.

وهذا يعنى أيضا أن كل علاقة الحجر بالحملة الفرنسية هي عثور أحد ضباطها عليه دون أن يتمكن العلماء المصاحبين لها في فك شفرته.
لكن بعد انتقال الحجر المحير إلى المتحف البريطاني في لندن نشب سباق من نوع آخر بين الفرنسيين والإنجليز على كشف أسراره.
وكان السباق بين البريطاني توماس يونج والفرنسي جان فرانسوا شامبليون. وقد استطاع الأخير أن يثأر للفرنسيين وأن يعلن للعالم فك طلاسم "منشور منف" عام 1822.

وظل هذا الاعتقاد شائعا حتى عهد قريب إلى أن كشف روبن ماكى المحرر العلمي لصحيفة الأوبزيرفر البريطانية النقاب عن توصل الباحث المصري الدكتور عكاشة الدالي بالمعهد الاركيولوجى في جامعة لندن إلى براهين قوية تفيد أن عالما عراقيا سبق شامبليون بما يقارب الألف عام في فك رموز الهيروغليفية.

وفى وقت قريب من ذلك توصل باحث سوري يدعى يحيى مير علم إلى نفس النتيجة حيث اتفقت نتائج يحيى مير علم السوري وعكاشة الدالي المصري على أن العالم العربي أبو بكر أحمد بن على قيس بن المختار المعروف بابن وحشية النبطي الذي يرجح العلماء ولادته في القرن الرابع الهجري تمكن من فك رموز الهيروغليفية قبل شامبليون بنحو ألف عام، وأنه نشر كشفه التاريخي في كتاب تم نسخه عام 241 هجرية (861 ميلادية) بعنوان "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام".
وأن المستشرق النمساوي جوزيف همر كان أول من كشف عن "شوق المستهام" وقام بطبعه في لندن عام 1806، مما يرجح أن شامبليون قد قرأ مخطوطه العالم العراقي ابن وحشية النبطي الذي كان خبيرا في اللغات القديمة.
وتفيد الدراسات أن عدد "الأقلام" (أي اللغات) التي عرفها بلغ89 قلما من بينها اليهروغليفية. وأنه إلى جانب علمه الغزير في اللغات كان له باع طويل في الكيمياء التي ترك فيها ما يقرب من ثلاثين مصنفا.
وإذا كان هناك احتمال ضئيل بأن شامبليون لم يقرأ "شوق المستهام" فانه يبقى من حق العالم العراقي ابن وحشيه النبطي أن يحصل على نصيبه من المجد الذي احتكره شامبليون.