الخميس، 19 سبتمبر 2013

أحمد عبده ماهر-خرافة جسر جهنم

روى البخاري (فتح الباري ج11 ص453)، وروى الإمام مسلم في صحيحه بباب معرفة طريق الرؤية بالحديث رقم 182 : [.... ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوى الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم السعدان قالوا نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى...].

إن هذا الحديث يتخذه دعاة الأزهر والسلفية منهاجا لدعوة الخرافة التي يتمتعون بها، وهم يفسرون قوله تعالى: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً }مريم71؛

انهم يتصورون زيفا بأن كل الناس سترد جهنم،
وتصوروا الورود أنه المرور على ذلك الجسر الذي صنعه خيال المخبولين من السلف الذي ضل وأضل،........ فما الذي يجعلنا ننعت هؤلاء بالخبل وننعت الحديث بالفساد وتفسير المفسرين بالوهم الفقهي، إننا لابد أن نجول في سياحة قرءانية ولغوية ونتذوق الأحاديث الواردة ونقارب بينها وبين ذلك الحديث حتى نصل لحقيقة فساد التفسير والحديث في شأن وجود جسر على جهنم تمر عليه البشرية جمعاء.

إن افتراض المفسرين في تفسيرهم لآية سورة مريم السابق ذكرها بأن كل الناس بما فيهم الأنبياء سيردون على النار، أمر فيه مجازفة وسخف وقلة علم، وسبب تأليف وتزوير الحديث على رسول الله في هذا الشأن هو إقلابهم لمعنى كلمة (واردها ) فتلك الكلمة تعني (داخلها) ولا تعني (المرور على النار) كما قال بذلك أهل تزوير وترقيع التفسير بفقه مدسوسات الحديث المدسوس على رسول الله والوارد بالبخاري ومسلم.

فلكي نعرف معنى الآية فلابد أن نعرف كل ما ورد بكتاب الله عن ذات الأمر، وكما نعلم فإن كتاب الله غير متناقض، وذلك حتى نعلم ما هو المقصود بتعبير (وإن منكم) هل منا نحن أم من الناس جميعا أم من فئة مخصوصة بعينها، حتى لا يصير تفسير القرءان على هوى من زوروا الأحاديث أو من قالوا عنها انها صحيحة.

يقول تعالى بسورة الأنبياء: { إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103} ؛

فهل الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر، ولا يسمعون حسيس النار، وهم عنها مبعدون ......سيردون (أي يدخلون أو حتى يمرون) على النار؟! أين عقل العقلاء؟..

وتتبع معي أحداث الآخرة، أيكون الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم قبل الميزان وقبل قراءة الكتب وقبل مجادلة كل نفس عن نفسها أم بعدها، وإذا كان قبلها وستأخذ الكلاليب الموجودة على جانبيه الناس فتغمسهم في النار على قدر أعمالهم فلا داع لميزان ولا قراءة كتب،.....أليس كذلك؟.

فأمر الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم يكون إذاَ بعد الميزان وقراءة الكتب ومجادلة كل نفس عن نفسها، وهنا يجب أن تتدبر ما ورد بسورة الحاقة حيث يقول تعالى:

{ يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24}؛

يعني ذلك أنه بمجرد أن تسلم كتابه بيمينه وقرأ ما فيه يكون في عيشة راضية مما يستحيل معه أن يرد النار بعدها والرسل تقول اللهم سلم كما ورد بالحديث المزور على الإسلام والوارد بالبخاري ومسلم.

وتدبر ما جاء عن هذه الفئة الراضية المرضية منذ أن توفاها الله حال حياتها وقال يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي، وهو أيضا يقول عنهم في سورة الأنبياء:

{ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}؛

فهل النفس المطمئنة الراضية المرضية التي سبق لها من الله الحسنى سترتعد فرائصها على ذلك الجسر المزعوم وتقول اللهم سلم اللهم سلم، فأين الطمأنينة إذا وأين الحسنى التي سبقت الحساب، وأين البشرى التي يبشر الله بها عباده الصالحين طالما أن الجميع سترتعد فرائصه على ذلك الجسر اللعين ويتمنى أن ينجيه الله.

ثم تتبع معي باقي المشهد الأخروي المؤكد، لكن هذه المرة من الجانب الآخر، جانب الكافرين، حيث يقول تعالى:

{وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34} فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ{36} لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ{37}.

وهؤلاء يقول الله تعالى فيهم بسورة الأنبياء:

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ{98} لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ{99} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ{100}؛

فتدبر هنا قوله تعالى (ما وردوها) يعني (ما دخلوها)، والدليل الثاني خلودهم فيها.
ومما يؤكد أن كلمة (واردها) تعني داخلها ولا تعني أنه يمر عليها، هو قوله تعالى بسورة هود:

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ{96} إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ{97} يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ{98}؛

فالورد المورود هو الداخل والمدخول، وقوله تعالى [فلما ورد ماء مدين] تعني فلما وصل إلى ماء مدين، وكما أسلفنا فإن المؤمنين سيكونون أبعد من حتى أن يسمعوا حسيس النار، فكيف نقنع بحديث يقول بأن نبينا سيرد على النار ويقول اللهم سلم اللهم سلم.

والدخول إلى النار يكون عبر أبواب وليس بالسقوط من أعلاها، وذلك لقوله تعالى بسورة الحجر:

{ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ{42} وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ{43} لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ{44}.

وتلك الآيات الأخيرة من سورة الحجر بها القول الفصل، حيث يقول تعالى (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ)؛ فكلمة (أجمعين) هنا تعني جميع (الغاوين) وليس جميع الناس، فلو كان لنا موعد بجهنم كما انتهى مفسروا آية (وإن منكم إلا واردها) ما خصص الله موعد جهنم للغاوين فقط.

لذلك أرى بأن اتخاذ العقائد وإخضاع تفسير كتاب الله لكتب الحديث وهي كلها تقريبا روايات آحاد أمر لا يستقيم به فقه ولا تفسير ولا بيان ولا دعوة إلى الله، لذلك لابد من التفسير الموضوعي لكتاب الله كما قال بذلك الإمام /محمد الغزالي (رحمه الله)، ولابد ألا نقدّم فقه الرواية على فقه الآية، لأن في ذلك إساءة لكتاب الله وللإسلام ما بعدها إساءة، وأسأل الله أن يوفق أهل الأزهر لما فيه صالح الأمة.