الأحد، 8 سبتمبر 2013

محمد رياض- أهل الحديث.. حزب الدولة

حين إحتدم الصراع بين معسكري معاوية بن أبي سفيان وعلى بن أبي طالب، لجأ معاوية إلى إستخدام حيلة جديدة لم تكن معروفة من قبل عند المسلمين وهي إنشاء جهاز إعلامي مضاد يعمل على نشر الشائعات والدعاية الإعلامية المؤيدة لمعسكر معاوية، وهكذا نشأت ظاهرة القُصّاص وهم أشخاص يتنقلون بين الناس في الأسواق والنوادي وأماكن التجمعات ويقومون بقص الأخبار والأحاديث النبوية على الناس.

الملاحظ في الصراع الدائر بين المعسكرين، أن معظم هذه المرويات المقصوصة كانت مخصصة للطعن في علي وحزبه وللترويج لمعاوية وجماعته، ثم لجأت هذه الجماعات بعد إنتصار معاوية وحزبه إلى الترويج لعقائد تسعى لتثبيت سيطرة الحكم الوراثي الجديد الذي لم يألفه الناس من قبل، وكانت هذه الأطروحات تسمى بعقائد (القدر) ومحتواها أن الحكم والفقر والرزق والظلم أقدار من الله لا يجوز الإعتراض عليها، وكان معاوية يجزل العطاء لهؤلاء القصاصين ولهذا يعتقد بعض المؤرخين أن معاوية هو اول من كون تنظيماً ممنهجاً لبث مرويات على أساس أنها أحاديث نبوية.

ثم كان أن صار لهؤلاء القصّاص أتباع ومريدون وجماعات وتلاميذ. إلا أن الساحة لم تخل من بعض الصحابة من كبار السن والتابعين الذين أخذوا عن بعض الصحابة والذين كانوا أيضاً يحدثون الناس بما سمعوه عن الرسول، وهكذا إختلطت الاحاديث المزورة بالأحاديث الصحيحة، ثم كان أن تكونت معالم مدرسة فقهية فيما بعد تقوم أساساً على اخبار المرويات والتي عرفت بمدرسة أهل الحديث.

وكان المعتزلة أشد خصوم أتباع مدرسة أهل الحديث لعلمهم بإختلاط الحق بالباطل في مروياتهم أولاً، وثانياً لأنهم (أي أهل الحديث) جعلوا مروياتهم هذه حجة على كتاب الله، بل وتجرأوا ان يشطبوا ببعضها بعض أهم محاور الدين الرئيسية، ولهذا سموهم بالحشوية أوأهل الحشو.
يقول الجاحظ في رسالة "نفي التشبيه" صفحة 206 على لسان واصل بن عطاء "مؤسس فرقة المعتزلة" عن أتباع هؤلاء (يقول واصل: ما إجتمعوا إلا ضروا وما تفرقوا إلا نفعوا، قيل له قد عرفنا مضرة الإجتماع فما منفعة الإفتراق؟ قال: يرجع الطيان إلى طينه، والحائك إلى حياكته، والملاح إلى ملاحته، والصائغ إلى صياغته وكل إنسان إلى صناعته).

ويقول الجاحظ في نفس الرسالة صفحة 207 على لسان عمر بن عبد العزيز ( وكان عمر بن عبد العزيز إذا نظر إلى اهل الحشو قال: قبح الله هذه الوجوه لا تعرف إلا عند الشر).

ويقول الجاحظ كذلك في نفس الرسالة مخاطباً أهل الحديث ( ثم يصول احدهم على شتمه ويسالم من شتم ربه ويغضب على من شبه اباه بعبده ولا يغضب على من شبه الله بخلقه ويزعم أن في أحاديث المشبهة تأويلاً ومخارج وأنها حق وصدق..فيكون لشهادته بصحة أحاديثهم مقراً فيصير فيما يدعي من خلاف تأويلهم مدعياً، ولوكانت هذه الأحاديث كلها حقاً لكان قول رسول الله (ص) "سيفشوا الكذب بعدي فما جاءكم من حديث فإعرضوه على كتاب الله" باطلاً!)

ويقول كذلك الجاحظ في نفس الرسالة صفحة 209 في معرض وصفه لأحوال اهل الحشو ( ولقد كانوا يتكلون على السلطان والقدرة، وعلى العدد والثروة، وعلى طاعة الرعاع والسفلة)

محمد رياض- كيف ضاعت فرصة دخول الهند في الإسلام؟

كان واصل بن عطاء رحمه الله مؤسس فرقة المعتزلة كلما خرّج فوجاً من المتكلمين وجههم لنشر الإسلام وإفحام الخصوم في أفاق الأرض، وتذكر كتب التاريخ أنه بعث بتلاميذ له إلى أقصى المغرب، وقد اقام هؤلاء هناك وبنوا مدينة لهم في جنوب المغرب سموها بإسم إستاذهم (الواصلية) ولا زالت هذه المدينة موجودة في جنوب المغرب إلى يومنا هذا.

ويقول عن ذلك إبن العماد صاحب كتاب (شذرات الذهب في أخبار من ذهب): أن واصلاً بعث وفوداً إلى المغرب وخراسان واليمن وأرمينية على رأسها عبدالله بن الحارث إلى المغرب وحفص بن سالم إلى خراسان، والقاسم إلى اليمن، وعثمان الطّويل إلى أرمينية.)

المحنة الأولى في عصر هارون الرشيد:

يذكر لنا إبن المرتضى في كتابه (المنية والأمل) قصة مثيرة عن ما كان بين هارون الرشيد وملك الهند وكيف ضاعت على المسلمين فرصة ذهبية لإدخال جمهور اهل الهند في الإسلام، وملخص القصة أنه: 

تحت وطاة ضغط الشعوبيين وأهل الحديث وبفعل دسائسهم المستمرة للإيقاع بالمعتزلة قام هارون الرشيد بسجن متكلمي المعتزلة وكبار علماءهم، ثم كان أن وصلته رسالة من ملك الهند وكان رجلاً أديباً حكيماً يقول له فيها التالي: (إنك رئيس قوم لا ينصفون، ويقلدون الرجال ويغلبون بالسيف، فإن كنت في ثقة من دينك فوجه إلي بعض من أناظره، فإن كان الحق معك تبعتك وإن كان الحق معي تبعتني)

وقد كانت (السّمنية) ديانة الأمراء وأهل العلم والأدب في الهند، وكان هؤلاء يرون أنفسهم أفضل الخلق وأحكمهم لما ورثوا من علوم الفلسفة والحكمة، وكان ملك الهند على ديانتهم وعنده رئيس معبدهم وكان أعلمهم ولا يجاريه أحد في جدل ولا نقاش.

لاحظ كيف كانت ثقتهم بأنفسهم وبما عندهم من علوم بحيث تحدوا هارون الرشيد أن يبعث لهم من يناظرهم وعاهدوه على الدخول في الإسلام إن هو غلبهم!

المهم، ما كان من هارون الرشيد إلا أن بعث لهم بكبير قضاة بغداد وكان من أهل الحديث ووعده بإجزال العطاء له إن هو غلبهم في مجلس ملك الهند. ثم بعث هارون الرشيد برسالة جوابية لملك الهند يخبره فيها أنه وجه له شيخاً من أكابر علماء الإسلام لتمثيل المسلمين في المناظرة الموعودة.

كان كبير السّمنية في مجلس الملك ذو دهاء وفطنة، وكان يعرف أن المعتزلة لا يقطعهم أحد في جدال، فخاف على نفسه أن يفضح أمام جمهورة وأتباعه، فبعث إلى الشيخ المحدث في الطريق من يتقصى أخباره ويجالسه ويعرف من أي الفرق هو، وكان أن إلتقى جاسوس كبير السّمنية بالشيخ القاضي، فلما عرف من هو أرسل إلى كبيرهم يخبره: أن لا تقلق فهذا رجل من أهل الحديث!.

سر السّمني لذلك أشد السرور وأمر حراس المدينة بمرافقة الشيخ وإكرامه، فلما جاء موعد المناظرة وحضر الملك وإجتمع الأمراء والفلاسفة والحكماء الهنود وجاء الشيخ المسلم من أهل الحديث ووقف أمام كبير السًمنية، قال له السّمني:

ما الدليل على أن دينك حق؟ 
فقال له الشيخ حدثنا سفيان الثوري بكذا وحدثنا...! 
فقال السمني: من أين علمت أن هذا الذي روى لك هذه الروايات عنه صادق فيما ادعاه من النبوة؟ 
فقال الشيخ المحدث: القرآن يقول (محمد رسول الله) 
قاطعه السمني قائلاً: ومن أين علمت أن هذا الكلام من عند الله؟ ولعل صاحبك وضعه!
فسكت الشيخ المحدث ولم يدر ما يقول!
فضحك القوم اجمعين وظنوا أن المسلمين ليسوا على شيء!

إلا أن ملك الهند لم يقتنع أن الشيخ المسلم كان أفضل من يدافع عن دين الإسلام الذي إنتشر شرقاً وغرباً، فارسل لهارون الرشيد رسالة ثانية يقول له فيها:
(إن الذي وجهته لنا لا يصلح لما أردناه، وإنما نريد رجلاً متكلماً ليحتج لأصل دينه).

فلما ورد الكتاب إلى هارون وعرف أن الشيخ المحدث قد جعل من المسلمين موضع سخرية حكماء الهند، قال: إئتوني بمتكلم يقطع هؤلاء!
فقيل له: يا أأمير المؤمنين: لا يقوم لأمثال هؤلاء إلا المعتزلة وهم جميعاً في سجنك!
فقال هارون: إئتوني بأفصحهم، فجاءوا له بمعمر السًلمي المعتزلي، فقال له هارون: اتثق بنفسك في مناظرته؟ قال معمر: أنا له إن شاء الله تعالى. فوجهه الخليفة إليهم أني قد بعثت لكم رجلاً متكلماً من أهل ديني.

لما عرف كبير السًمنية بهذا أوجز خيفة، فدس أحد أعوانه لملاقاة مبعوث الخليفة في الطريق ومعرفة أخباره وأمره إن عرف أنه من المعتزلة أن يدس له السم في طعامه وإن كان من غيرهم أن يوصله ويكرمه، وكان أن إلتقى الجاسوس بمعمر، فلما عرف أنه من المعتزلة تظاهر له أنه مندوب من الملك ليرافقه إليه، ثم ما كان منه إلا أن دس له السم خفية في طعامه فقتله.

بعد هذه الحادثة بسنوات طويلة، خرج معظم أهل الإعتزال من السجن وقاموا ببعث الوفود تلو الوفود في بلاد السًمنية وتمكنوا من إفحامهم في كثير من المناظرات الشعبية وتمكنوا من إدخال كثير منهم في الإسلام، إلا أنه لم تتكرر لهم فرصة الإشتراك في مناظرة كبرى وحاسمة كالتي عرضها الملك من قبل على هارون، إذ لو كان المعتزلة طلقاء في ذلك الحين لربما تمكن أحدهم من الوصول إلى ذلك الملك المنصف.
ولا حول ولا قوة إلا بالله