ما من شك أن موضوع زِي المرأة وما شابهه من الأمور ، مثل خروجها إلي العمل وخلافه ، من المواضيع التي أخذت أكثر من حقها من الدراسة من مختلف المذاهب ووجهات النظر ، وعلي الرغم من ذلك لا يوجد إتفاق عام عليها. بالمقارنة ، هناك إتفاق عام علي أمور أخري عديدة لوضوح فرضيتها في كتاب الله العزيز وسنة رسوله المتواترة القطعية الثبوت. علي سبيل المثال لم يحدث أبدا أي خلاف علي فرضية الصلاة أو الصوم لوضوح الأمر بهما في القرأن والسنة العملية. من ناحية أخري فإن الأيات القرأنية التي يعتد بها في موضوعنا هذا يكتنفها الغموض وعدم الوضوح ، ولذا إختلف عليها المفسرون والمتفقهون.
ندرج هنا المختصر المفيد لموقفنا من موضوع زي المرأة في الإسلام ، وذلك ، كعادتنا ، بالقراءة المباشرة في كتاب الله متسلحين بلغته العربية الواضحة ومبتعدين عن المؤثرات التراثية المعتادة ، لإيماننا أن كتاب الله مفصل وجامع لأنه سبحانه قد قال فيه "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" ، "أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً" و "وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ". ولإستكمال الموضوع ندرج أيضاً ملخصاً قصيراً نوضح فيه موقفنا ، الذي شرحناه مراراً وتكراراً ، من الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الصدد.
في حالة رغبة القاريء الإستزادة نرشح هذه المقالات والكتب
زي المرأة في الإسلام
حكم ظهور رأس المرأة وشعرها
خواطر حول الحجاب
الحجاب في عقود خلت
حقيقة الحجاب وحجية الحديث
الحجاب ليس فريضة إسلامية
أربعة عشر دليلاً علي عدم فرضية الحجاب
*****************************************************
أيات الخمار في سورة النور
{وَقُل لِّلْمُؤْمِنَـاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَآئِهِنَّ أَوْ ءَابَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِى أَخَوَتِهِنَّ أَوْ نِسَآئِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـانُهُنَّ أَوِ التَّـابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِى الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَآءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُواْ إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
معاني أهم المفردات
يَضْرِبْنَ: يضعن
خُمُرِهِنَّ: الخُمُر هي الأغطية ، وفي هذا السياق هي كل ما غطي شيء من جسم الإنسان ، وليس فقط الرأس كما في المعني الشائع. المعني المرجح هنا هو "ثيابهن" أياً كانت لعدم التخصيص. أي أن لو الله يقصد الرأس لقالها ، ومع ذلك فنحن لا نمانع من أن تكون الخُمُر المقصودة هنا هي بالفعل غطاء الرأس كما سيرد لاحقاً.
جُيُوبِهِنَّ: الجَيْب هو كل ما كان بين شيئين ، وفي هذا السياق هو كل ما كان بين عضوين من أعضاء الجسم ، وقد فسره غالبية المفسرون بنحر الصدر أو عمومه ، وفي قولٍ أخر الصدر والرقبة. وقيل أيضاً منطقة الجيوب بالملابس أي الصدر والبطن. وقيل أن كل ما بين عضوين تشمل الصدر والإبط ومابين الفخذين. نرجح نحن كل ما ذُكِر نظراً لعموم اللفظ.
الزينة: كل ما هو زينة تسر الناظرين ، وقد إختلف فيها المفسرون أيما إختلاف. سنورد رأينا في هذا أسفله.
يكون معني الأية إذاً: يا أيها النبي قُل (فعل أمر) للمؤمنات من النساء أن يغضضن من أبصارهن (أي لا ينظرن نظرة شهوة ، كما أُمِرَ الرجال بالمثل) ويحفظن فروجهن (أعضائهن التناسلية) عن الأعين وعن من لا حق له فيها وهو الزوج (وكذلك أُمِرَ الرجال) ولا يبدين زينتهن إلا ما كان ظاهراً منها (أنظر أسفله) وليغطين جيوبهن (أي صدورهن وإبطهن ومابين الفخذين غير مُحَدَدَاً - ونرجح أيضاً أن هذا يشمل منطقة الجيوب من الملابس وهي البطن ، والظهر تابع لهم) بثيابهن أياً كانت ، سواءاً كانت غطاء الرأس أم غيره. نقول أنه حتي إن كان المعني المقصود هنا هو غطاء الرأس ، ونحن لانظن ذلك يقيناً ، فمن الواضح أن فعل الأمر هنا هو تغطية الجيوب ، أي أن هذا هو علة هذا الشق من الأية ، وليس الأمر بإرتداء غطاء معين للرأس أو أي نوع أخر من الثياب والأغطية. من المعروف أن غطاء الرأس ، سواء كان لكامل الرأس أو لجزء منه ، من الثياب المعتادة للنساء والرجال في جميع الحضارات والأزمنة ولذا ليس غريباً أن يُذْكَر هنا ، ولا يعني ذكره ، إن كان حقاً المقصود هو غطاء الرأس ، أنه أمراً بإرتدائه. فلو كان الله تعالي يريد تغطية الرأس كاملة أو جزئية لقال هذا بوضوح لا يقبل الجدال ولا التأويل.
تستمر الأية مُعَدِدَةً الأشخاص المستثنين. ثم تقول "لا يضربن بأرجلهن". فسر المفسرون هذه الأخيرة علي أنها دق الأقدام علي الأرض إغراءاً (وقال بعضهم أنها صوت الخلخال) ولكن الأرجح هنا أن المعني هو وضع (ضرب – كما في يضربن بخمرهن) الساق علي الساق لتنحسر الثياب فيري من لا حق له أن يري زينة المرأة الخفية.
نستنتج نحن من هذه النقطة الاخيرة إن ساق المرأة هي جزء من الزينة المذكورة ، وهي زينة خفية علي جميع الأشخاص غير الوارد ذكرهم بالأية. اما الزينة الظاهرة التي يسمح للمرأة أن تكشفها فلطالما تساءلنا لماذا لم يوضح الله سبحانه في هذه الأية أو غيرها تفاصيل الزينة ، وترك المفسرون يفهمونها كل حسب رؤيته؟ قيل مثلاً أن الزينة الظاهرة هي الثـياب ، والخفية هي الـخـلـخالان والقُرطان والسِّواران ، وقيل ماظهر منها هو الكحل والـخاتـم ، وقيل الكحل والـخَدّان ، وقيل أن الزينة الظاهرة هي الوجه، وكُحل العين ، وخِضاب الكفّ ، والـخاتـم ، فهذه تظهر فـي بـيتها لـمن دخـل من الناس علـيها. وهكذا يستمر الإختلاف ، بل أن عبد الله بن عباس ، حبر الأمة وترجمان القرأن ، قد غير رأيه أكثر من مرة ، فمرة قال بكشف الوجه والكفين ومرة قال بتغطيتهما. كل ذلك ما أنزل الله به من سلطان بل هو تأويل قائم علي فكر كل مفسر وفهمه لظروف عصره ، مُضيفين علي كتاب الله ما ليس به.
نقول نحن أن الله جل وعلا منزه عن النسيان أو الإهمال ، وأنه ، سبحانه ، يقول ما يَقْصِدْ ويَقْصِدْ ما يقول. ويُتِم كلامه ويفصله بلا نقصان أو إحتساب تأويل. من هنا نخلص انه تعالي ترك تعريف الزينة مبهماً عن عمد. من يحدد زينة المرأة إذاً إن لم يكن الله؟ الإجابة المنطقية أنه هو نفس الشخص المخول إليه التحكم في هذه الزينة وعدم إبدائها ، أي المرأة نفسها. كيف تحدد المرأة زينتها؟ في الحدود الموضحة في الأية. أمرها الله في أيةٍ واحدة بتغطية الجيوب بكاملها . كل ماعدا ذلك كالذراع والرأس مثلاً ، بل والقدم وبعض الساق ، فلها أن تكشفه أو تغطيه كيفما أرادت. ويدخل في ذلك أيضاً الزينة المُضافة أي كل ما كان ليس جزءاً من الجسم ، كالثياب والقرط والحلق وما يلي ذلك. والأية بصفة عامة تحض علي الإحتشام الواجب. والمجتمعات والأعراف والحياء العام هم اللائي يفرضون علي كل إمرأة حدود زينتها الظاهرة ، فما هو مقبولاً في القاهرة مثلاً لن يكون مقبولاً في ماعداها ، بحكم الأعراف.
ونتوقف هنا قليلاً عند رأي المفسرين ، حيث يقولون أن "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" فيها دلالة واضحة على وجوب الحجاب الكامل ، وبيان ذلك من وجه العفو عما ظهر بغير قصد. إذا حصل الفعل باختيار: أسند إلى الفاعل ، وإلا لم يسند. مثال ذلك: فعل "ظهر" - إذا كان عن اختيار، قيل: "أظهر" ؛ أي فعل ذلك بإرادة المرأة. ولكن في هذا الفهم خلل واضح ، فإن لغة القرأن ليست هكذا. مثال ذلك الأيات التالية:
"لقد ابتغوا الفتنه من قبل وقلبوا لك الامور حتى جاء الحق وظهر امر الله وهم كارهون"
هل "أمر الله" يظهر بغير قصد أم أن الله هو الفاعل هنا؟ إذا أخذنا بفهم المفسرين الموضح أعلاه لوجب أن يقول "وأظهر الله أمره". كذلك هذه الأية
"قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون"
من هو فاعل "ظهر" هنا؟ هل الفواحش تظهر بغير قصد كما يقول منطق المفسرون؟ أم أن المخاطبين في هذه الأية ، نحن البشر ، هم الذين يُظهرون الفاحشة أو يُخفونها؟ إذا أخذنا برأي المفسرون أعلاه لوجب أن تقول الأية "الفواحش ما أظهرتم منها وما أبطنتم".
هكذا يتضح لنا أن فاعل "ظهر" في "ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها" هن النساء نفسهن ولا يصح أن نقول أن المقصود "ظهور بلا قصد".
تستمر سورة النور:
{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّلَاتِى لاَ يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَـاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عِلِيمٌ}
تسمح هذه الأية للنساء العجائز بأن يكشفن القليل من الزينة (التي لا يدخل فيها الجيوب) ، وتُرِك تقدير كم الكشف للمرأة نفسها بشرط عدم التبرج. والتبرج هنا كلمة خلافية حار فيها المفسرون ولكن الأرجح هنا والموافق لسياق النص هو أن التبرج هو إظهار الزينة بغرض الفتنة ، ولذلك قال "غير متبرجات بزينة". ثم تؤكد الأية علي أن الإستعفاف ، أي عدم الأخذ بهذه الرخصة ، أفضل ، وهذا من قبيل الحض علي الإحتشام.
سيتساءل البعض عن مرجعيتنا في القول ان تحديد الزينة متروك للمرأة في حدود ما فصله الله في الأية السابق ذكرها وحدود الأعراف والتقاليد. مرجعيتنا في ذلك هي القرأن نفسه. ونحيل القاريء إلي الأية التالية.
أية الجلباب في سورة الأحزاب
{يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما}
معاني أهم المفردات
يدنين: الإدناء هو تقريب شيء بشيء.
الجلباب: إختلفت المعاجم والتفاسير ، قيل أنه القميص ، قيل أنه الملحفة أو الملاءة وقيل أيضاً انه رداء واسع فضفاض يغطي كامل الشخص بما في ذلك الرأس. كما قيل أن أصل الكلمة من "جلب" بمعني "أتي به" ، لأن العرب لم يكن لديهم صناعة أقمشة فبالتالي كل ملابسهم كانت "تُجلَب" من بلاد أخري ، وكلمة جلباب هنا تعني كل ما صنع من قماش "مستورد" ، بمعني أي رداء. لا بأس عندنا في أي من هذه المفاهيم لأن علة الأية كما سنري هي إدناء الزي وليس إرتداء زي محدد ، كما رأينا في أيات سورة النور. فالأرجح أنه الرداء الذي يرتديه الإنسان وليس نوعاً محدداً بذاته بل يعم ويشمل كل ملبس.
وفي هذا السياق يرجح أن الإدناء هو تقريب الجلباب من الأرض. وكلمة "عليهن" تفيد التغطية. ومن هنا يتضح أن معني الأية هو: قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين أن يقربن أرديتهن من الأرض. وورود كلمة "عليهن" يحض علي تغطية جسم المرأة بدون تحديد القدر المطلوب ، تاركاً هذا لتقديرها. ولم توضح الأية قدر الإدناء أيضاً ، ولكن ظاهرها تحبيب التغطية الكاملة لأسفل الجسم. فكما لو كان هذا الأمر بتغطية الساق تأكيداً للأمر الوارد في سورة النور بنفس الشيء. وقوله "أدني أن يعرفن فلايؤذين" يوضح أن علة ذلك إنتفاء الأذي عن المرأة من سفهاء الناس الذين قد يظنون فيها الظنون ، وكلمة "يعرفن" من "عرف" أي ناشد ضالته ، بمعني ينشدن أو يطاردن أو تتم ملاحقتهن. وقدر الإدناء هنا متغير ، ومتروك لتقدير المرأة نزولاً علي المجتمع الذي تعيش فيه والعرف الذي تعيش عليه ، مؤكداً ما في أيات سورة النور من ترك التقدير للمرأة في موضوع الزينة. فليس كل ما يؤذي المرأة في مصر مثلاً يؤذيها في بلاد أخري وهكذا.
الأية التي تلي ذلك تؤكد أيضاً المعني الواضح في التحذير من السفهاء وضعاف القلوب ، فيتوعدهم الله سبحانه قائلاً
{لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلا}
مما يؤكد أن إدناء الجلاليب في الأية السابقة لها مرتبط بما نسميه اليوم التحرش الجنسي وليس فرضاً علي إطلاقه.
أيات الحجاب الكامل (النقاب)
أما الأيات التي يُسْتَشْهَد بها أحياناً في سورة الأحزاب فتقول
{يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا}
وأيضاً
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا}
فكلها وردت في معرض الحديث عن نساء النبي ، أي زوجاته أمهات المؤمنين ، وقد بين الله تعالي أن هذه الأوامر خاصة بأمهات المؤمنين فقط بقوله "يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء" ، أي أن لهن أحكاماً خاصة بهن لا تسري علي باقي النساء ، كمضاعفة العذاب لهن في حالة الفاحشة ، ونهيهن عن الزواج بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام وهكذا. وهذا واضح من سياق الأيات ، ونري نحن أن محاولة بعض الفقهاء تعميم هذه الأحكام علي باقي نساء المسلمين لا تستقيم.
********************************************
حديثنا هنا ليس تأويلاً لكتاب الله بقدر ما هو قراءة مباشرة في كتاب الله ، وقد يلحظ القاريء الفَطِن أننا تلافينا الحديث عن أسباب نزول هذه الأيات ، علي الرغم من أن فيها الكثير مما يؤكد ما ذهبنا إليه بخصوص زي المرأة وعورتها. لكن هذا مرجعه إيماننا أن كتاب الله كامل غير ناقص ولا يحتاج إلي ما سواه حتي نفهمه. نعم قد توضح أسباب النزول أشياء تخفي علينا في القرأن ، ولكننا نري انه من إعجاز القرأن انه يعطي المعني الصحيح حتي بدون الإستدلال بأسباب النزول ، ناهيك عن أنه لم يصل إلينا الكثير منها علي أية حال ، وما وصل إلينا فقد كان في صورة روايات ظنية الثبوت وليست قطعية. بالإضافة إلي ذلك فإن أسباب النزول هذه هي التي أدت بجموع الفقهاء ، وبإتفاقهم ، إلي تحديد أن عورة المرأة الأَمَة (أي الجارية المملوكة) أقل بكثير من عورة المرأة الحُرَّة ، بل ذهب أغلبهم أن عورة الأمة مثلها مثل عورة الرجل (أنظر هذا المصدرhttp://www.islamweb.net/ver2/fatwa/ShowFatwa.php?Option=FatwaId&lang=A&Id=114264) مما ينفي الهدف من تغطية جسم المرأة وهو إتقاء الفتنة. ونحن نري أن هذا الرأي (المُجْمَع عليه) من أهم أسبابه إعتماد الفقهاء أسباب النزول كمرجع رئيسي لفهم القرأن. وحاشا الله أن ينزل علينا كتاباً يحتاج إلي كتاب أخر لفهمه!
الأحاديث النبوية الشريفة
وهنا نأتي للشق الأخير من هذا المقال ، ألا وهو الأحاديث الشريفة التي يحتج بها القائلون بحجاب المرأة ، سواءاً كان كاملاً ، بما في ذلك الوجه والكفين ، أو بإستثنائهما. كل هذه الأحاديث (وهم قلائل بطرقٍ متعددة – أنظر أسفله) أتت عن طريق رواية الفرد الواحد ، ما يسمي بأحاديث الأحاد. وقد إجتمع علماء الحديث أن الأحاديث الأحاد ظنية الثبوت عن الرسول ، حتي وإن كانت عن طريق إسناد صحيح ، وبالتالي ذهب الكثير منهم إلي عدم إلزامها للمسلم ، ومنكرها ليس خارجاً عن الملة ، سواء كان ذلك بعمومها أو بخصوصها في أمور العقيدة وماشابه. كما أن متن هذه الأحاديث ، كما سنري ، به إشكالات.
لهذه الأسباب كتبنا ، نحن "مسلمون ولكن" ، في توضيح منهجنا
(http://muslims-however.blogspot.com/2010/04/blog-post_25.html) ، أننا " نقرأ الأحاديث النبوية الشريفة كما وصلت إلينا من كتب الأحاديث المختلفة ، سنيةّ أو شيعية ، سواءاّ بسواء ، ونعتبرها كلها روايات ظنية الثبوت تحتمل الخطأ والصواب. ماتعارض منها مع القرأن رفضناه جملةّ وتفصيلا ، ما لم يتعارض مع القرأن نعرضه علي ميزان العلم الوضعي والعقل ، ما تناقض تناقضاّ صريحاّ رفضناه ، ما لم يتناقض نعرضه علي ميزان الأخلاق والضمير ، ما تعارض رفضناه وما إتفق أخذنا به إستشهادا وإسترشادا وليس إلزاما. الحلال والحرام هما ما حلل الله وحرم في كتابه العزيز ، والفروض ما فرض بِهِ." كما نذكر أيضاً الحديث المروي عن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
{ما أحل الله فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو ، فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يكن لينسى شيئا} أخرجه البزاروالطبراني من حديث أبي الدرداء بسند حسن. وهو حديث جميل (هناك غيره الكثير بنفس المعني تقريباً ، أنظر رأيالإمام السيوطي
في هذا الشأن) يطابق كلام الله في قوله تعالي "وما كان ربك نسيا" وغيرها من أيات القرأن الكريم التي تؤدي نفس المعني.
****************************************
الأحاديث المروية في الحجاب:
علي الرغم من رأينا الموضح أعلاه في موضوع الإستشهاد بالسنة ، فإننا رأينا أن ندرج الأحاديث المروية عن حجاب المرأة ليري القاريء أنه حتي لو أخذنا بها فأنها لا تستقيم كحجة في ذلك ، إما سنداً وإما متناً.
حديث أسماء:
أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفه
الراوي: عائشة المحدث: أبو داود - المصدر: فتح القدير - الصفحة أو الرقم: 4/39
خلاصة الدرجة: مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
خلاصة الدرجة: مرسل ، خالد بن دريك لم يدرك عائشة.
وهو من أقوي الأحاديث دلالة علي وجوب حجاب الوجه والكفين. بالإضافة إلي رأينا السابق في الأحاديث فيكفينا أن هذا حديث ضعيف مرسل رفضه البخاري ومسلم علي شرطيهما ، كما جاء الكلام عن الحجاب هنا علي لسان الرسول بصيغة "الصلاح" وهي أخف درجات من صيغة "الفرض" أو "الحلال" و"الحرام" وهذا الحديث ، إن صح ، لا يعد دليلاً إلا علي أن حجاب الوجه والكفين لا يتعدي كونه فضيلة وصلاح وليس فريضة تركها من الكبائر بأي حال من الأحوال. أضف إلي هذا أن علماء الحديث نفسهم ضعفوه أكثر من ذلك لوجود سعد بن بشير الأزدي وقتادة في رواته ، ومعروف عندهم أن الأول ضعيف والثاني مدلس.
ومما يُضْعِف هذا الحديث أكثر في نظرنا أن الإمام الطبري رواه بطريقة مختلفة تماماً فقال: أن النبـيّ صلى الله عليه وسلم قال: " لا يحِلُّ لاِمْرأةٍ تُوْمِنُ بـاللّهِ والـيَوْمِ الآخِرِ أنْ تُـخْرِجَ يَدَها إلاَّ إلـى هَا هُنا " وقبض نصف الذراع.
قبض علي نصف الذراع؟؟
ألم يقبض علي معصمه أو أشار إلي كفه طبقاً لرواية أبي داود؟
قبض علي نصف الذراع؟؟
ألم يقبض علي معصمه أو أشار إلي كفه طبقاً لرواية أبي داود؟
ألا يلقي هذا بمزيداً من ظلال الشك علي متن هذه الرواية؟
حديث عائشة:
عن صفية بنت شيبة أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول : لما نزلت هذه الآية (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) أخذن أُزُرَهن (نوع من الثياب) فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها .خلاصة الدرجة: صحيح ، رواه البخاري 4481
لا يشير هذا الحديث ، وهو أحاد ظني الثبوت ، إلي شيء غير أن النساء في عهد الرسول نفذن الأمر الوارد بالأية بتغطية جيوبهن بخمرهن ، ولايزال كلامنا السابق في معني هذا قائماً ، هذا إن صحت الرواية اصلاً.
حديث أم سلمة:
وقالت أم سلمة – رضي الله عنها - : "لما نزلت هذه الآية خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها".[ رواه أبو داود]
بالإضافة إلي رفض البخاري ومسلم هذا الحديث ، فإن متنه لا يضيف شيئاً علي ما سبق. فالغربان علي الرؤوس هي كناية عن السكينة كما يوضح الحديث نفسه ، ولم تروي أم المؤمنين أم سلمة شيئاً عن أكسية النساء إلا إنها كانت سوداء.
حديث صلاة الفجر:
حديث صلاة الفجر:
حدثنا يحيى بن بكير قال أخبرنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته قالت: كن نساء المؤمنات (وروي أيضاً "من المؤمنات") يشهدن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس.
رواه البخاري. الدرجة: مرفوع. والغلس هو ظلام أخر الليل.
حديث من الأخبار ، أي أنه يقرر واقع معين كما يوضح ظاهر الحديث. لا يفرض هذا الحديث رداءاً معيناً ولم يُفهم منه هل كانت المروط تغطي الرؤوس أم لا. وقوله "من الغلس" يوضح أن الظلام هو سبب عدم معرفة الناس لمن هن هؤلاء النساء وليس زياً معيناً.
حديث الكاسيات العاريات:
(صنفان من أهل النار لم أرهما رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)
صحيح ، رواه الإمام مسلم.
من هن الكاسيات العاريات؟ فُسر هذا بمعنيين ، الأول أنها عارية من الشكر أي لا تشكر الله ، والثاني أنها ترتدي ثياباً لا تستر بغرض الفتنة والإغراء وهو الأرجح. مائلات عن العفة والإستقامة ، مميلات لغيرهن داعين إلي الشر والفساد. أما رؤسهن فتشبه أسنمة البُخت (نوع من الجِمال) وهي صفة جسمانية للنسوة اللائي رأهم الرسول ، إن صحت الرواية. كل ذلك صفات لنساء فاسقات شديدات الفسق ، ومحاولة تفسير هذا الحديث علي أنه يخاطب النساء المسلمات المؤمنات الكاشفات لشعورهن لا تستقيم بأي حال من الأحوال.
حديث المرأة المحرمة:
حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن نافع عن ابن عمر : أنه قال : قام رجل فقال : يا رسول الله ! ماذا تأمرنا أن نلبس من الثياب في الحرم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تلبسوا القمص ولا السراويل ولا البرانس ولا العمائم ولا الخفاف إلا أن يكون أحد ليست له نعلان فليلبس الخفين وليقطعهما ما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا شيئا من الثياب مسه الزعفران ولا الورث ولا تنتقب المرأة الحرام ولا تلبس القفازين.
صحيح. رواه الترمذي. ورواه البخاري مرفوعاً.
يستدل بعض الناس بهذا الحديث بقولهم أنه إذا كان لا يصح النقاب في الحج فأن هذا يعني وجوبه في ماعداه ، ولكن متن الحديث نفسه ، إن صح عن الرسول ، ينافي هذا. فلا يؤكد إلا أن النقاب حلال. قول الرسول هو ما معناه: إذا كن فيكن من تنقبن (كعادات وتقاليد بعض أهل البادية) فلا يحل لكن أن ترتدينه في الحج. وهو هنا لا يؤكد فرضية ولكنه يقر بأمر واقع حلال (وليس فرض) ألا وهو إرتداء النقاب. وإن كان غير ذلك لقال من قال بوجوب إرتداء البرانس والعمائم للرجال في غير الحج ، وهو ما لا دليل أخر عليه وما لم يقل به أحد.
حديث رحلة المعراج:
حديث طويل يروي فيه النبي عليه الصلاة والسلام رؤيته لعذاب نساء أمته (وصف رهيب يشيب له الولدان) لأسباب كثيرة منها المعلقة من شعرها لأنها لم تكن تغطيه. إتفق العلماء علي أنه حديث موضوعhttp://www.islamweb.net/ver2/Fatwa/ShowFatwa.php?lang=A&Id=50789&Option=FatwaId.
نوجه القاريء الراغب في الإستزادة من موضوع السنة تحديداً إلي المصادر السابق ذكرها ، خاصة كتاب "حقيقة الحجاب وحجية الحديث".
****************************************
الخلاصة:
أُمِرَت المرأة المسلمة بالإحتشام علي عمومه ، وفُرِضَ عليها تغطية صدرها وإبطها ومابين فخذيها فرضاً ، وبطنها وظهرها ترجيحاً ، وتُرِكَ لها تحديد ما تغطي في ما عدا ذلك من جسمها في ضوء الأعراف والتقاليد ، مع التحبيب في زيادة التغطية. ولم يُفْرَض عليها تغطية وجهها أو رأسها أو ذراعها حتي المعصم ، بل لم تذكر هذه المواضع في القرأن إطلاقاً ، ولا في السنة المتواترة قطعية الثبوت. كما نقول أيضاً أننا نري أنه حتي لو كان غطاء الرأس مقصوداً في أيات القرأن فهو علي الأكثر فضيلة و تركه ليس من الكبائر كما يحاول بعضهم أن يقنعنا.
والله تعالي أعلم