الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

حول موضوع شهادة المرأة في الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

باديء ذي بدء أنا كمسلم أعتبر القرأن هو مصدري الرئيسي للتشريع الإسلامي. وبالتالي من الضروري الرجوع إلي القرأن لحسم أي موضوع. في ما يختص بموضوع شهادة المرأة في الإسلام لاحظت أن معظم القائلين بالرأي السائد أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل لا يذكر أية شهادة المرأة كاملة من أولها. قيل أن أية الشهادة هي:

وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى

إقتطاع الأيات القرأنية من سياقها أمر في منتهي الخطورة. حين يقرأ القاريء العادي الأية أعلاه يظن أولا أن كلمة الشهادة هنا المقصود بها الشهادة علي عمومها ، بما في ذلك الشهادة الجنائية مثلا حين يشهد بعض الناس جريمة من الجرائم وهكذا.‫ كما قد يظن أن المعني عام وغير مرتبط بأي ظروف أو شروط. ولكن قد يتضح خلاف ذلك إذا ذكرنا الأية بالكامل:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

إقرأوها معي واحدة واحدة:

الأية بالكامل خاصة بصكوك الدين محددة المدة. من الواضح أن هذه هي الحالة الوحيدة التي يوضح فيها الله أن الشهادة لرجلين أو لرجل وإمرأتين. إذا هي حالة خاصة تماما ولايجوز تعميم ذلك علي أي نوع أخر من أنواع الشهادة. فمقولة أن شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل هكذا علي عمومها مقولة لا أساس لها من القرأن. ولكن ماذا نفعل في قوم إتخذوا هذا القرأن مهجورا لايقرأوه ولا يفقهوه.

طيب السؤال الأن يصبح : حتي في حالة صك الدين ، لماذا شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل؟

يقول الله ما معناه إنه في حالة إستدانة شخص من أخر مبلغا من المال مستحقا في زمن لاحق يجب عليهم أن يدونوه علي ورق حتي لا ينسي أو يتناسي أحدهم مستقبلا. ثم يأمر أن يكتب الصك شخصا ثالثا وليس أحد الشخصين ويجب أن يكون هذا الشخص الثالث شخصا عادلا يثق فيه الدائن والمدين. السؤال الأول هنا لماذا يجب أن يكون الكاتب شخص ثالث؟ ولماذا يجب أن يكون عادلا؟ ألا يكفي ان يكتب أحد الإثنين الصك ويراجعه الأخر قبل أن يوقع عليه؟ ويتضح الكلام أكثر في قوله أن من عليه الحق يقوم بالإملاء علي الشخص الثالث. الإجابة هنا تتضح إذا تذكرنا أن هذه الأيات نزلت علي شعبا لا يقرأ ولا يكتب. فالغالب في جزيرة العرب في هذه الفترة هو الجهل بالكتابة ولذلك يأمر الله أن يكون كاتب الدين شخصا ثالثا ويملي عليه الكلام.

إذا ننطلق من هنا أن النص يوضح أسوأ حالة ممكنة وهي جهل الدائن والمدين. فماذا نفعل إذا كان الدائن والمدين رجلين يعرفان القراءة والكتابة؟ هل يجب عليهم أن يأتوا بشخص ثالث ليكتب صك الدين أم يقوم أحدهم بذلك ويراجع عليه الأخر؟ الإجابة أن الحكم يسقط بإنتفاء العلة. فإذا كانت العلة لحكم إستحضار الشخص الثالث هي جهل الدائن والمدين فإن هذا الحكم يسقط في حالة إنتفاء الجهل عنهم.

الشق التالي من الأية يقول ما معناه: فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لايستطيع أن يمل فيقوم بالإملاء وليه ، بمعني من ينوب عنه ، وإستشهدوا ...
السؤال الأن يتعلق بحرف الواو في كلمة وإستشهدوا. هل هذه الواو تعود علي ماسبقها؟ بمعني هل يطلب الشهود فقط في حالة أن يكون الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لايستطيع أن يمل وذلك بالإضافة إلي الولي؟ وإن لم يكن الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لايستطيع أن يمل فلا ضرورة للولي ولا ضرورة للشهود. أم أن هذه الواو تعود علي ما سبق ذلك؟ في ظني أنها الأولي وان إستدعاء الشهود مرتبط بسفه أو ضعف الذي عليه الحق حفاظا للحق.

أري ذلك نظرا لتسلسل الكلام:
إذا تداينتم ... فإكتبوه ...
وليكتب .... ولا يأب ... وليملل ...
كلهم مرتبطين بكتابة الدين ، وهو الشق الأول.

ولكن

فإن كان ... فليملل ... وإستشهدوا ...
مرتبطين ببعضهم البعض وهي حالة سفه أو ضعف الذي عليه الحق.

ثم يأمر الله أن يكون الشهود رجلين أو رجل وإمرأتان . لماذا؟ نرجع إلي علة كتابة الدين الأساسية وهي جهل الدائن والمدين. إذا كان الرجال من الجهل بحيث لايستطيعون حتي كتابة صكا فما هو حال النساء؟ كيف كان حال النساء في عهد التنزيل؟ الإجابة : هو أسوأ حال ممكن تصوره من جهل وتخلف. إذا العلة في حكم الرجل والمرأتين هي جهل المرأة ، إذا إنتفت العلة إنتفي الحكم. فإذا تحققت نفس الظروف اليوم ولكن برجال ونساء متعلمين يجيدون القراءة والكتابة إنتفت العلة ولم يكن هناك داعي حتي للشهود طبقا لعلة الشق الأول من الأية.

أضف إلي ذلك تطور الحضارات. اليوم حينما يستدين شخصا من الأخر بإمكانهم تسجيل هذا الدين قانونيا وبالتالي فإن ما عرضناه من نص الأية بالكامل سقط حكمه بإنتفاء علته.

سقوط الحكم لإنتفاء العلة هي قاعدة فقهية منطقية ، أتصور أن أول من طبقها هو الصحابي الجليل عمر بن الخطاب وقد طبقها في موضعيين: الأول إلغائه لسهم المؤلفة قلوبهم ، والثاني هو تعطيله حد السرقة في عام المجاعة.

والله أعلم
ملحق‫ 1:


بعد نشر المقال أعلاه تفضل أحد قرائنا وأضاف النقاط التالية‫:

هنا استكمال الطرح

صديقك تحدث عن اية واحدة لكن الشهود في الاسلام هم 4 شهود عدل في الجرائم
وَالَّلاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىَ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا
واضح تحديد الشهود بأربعة ولا يوجد اي ذكر لان كانوا رجال ام نساء

ارجو ايضا مراجعة سورة النور، وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
هذه جريمة القذف وبالمثل في جرائم السرقة ، القتل الي اخره فهل اذا شهد جريمة القتل سيدات فقط فلن يتم الاعتراف بالجريمة !!!!! هل سوف يتم انتظار السادة الرجال لحضور جريمة شنعاء
هناك حالة اخري تعلو فيها شهادة السيدة علي شهادة الرجل : اليك الايات التالية من سورة النور

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ

وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ

وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ

وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ

الزوج هنا اقر انه شاهد زوجته تخونه ولكن شهادتها تجب شهادته

حالات اخري

مرة اخري نأتي الي شهادة الاثنين
يا ايها الذين امنوا شهادة بينكم اذا حضر احدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم او اخران من غيركم ان انتم ضربتم في الارض فاصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ان ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الاثمين
هنا مطلوب شهادة اثنين سمعوا وصية من احد الاشخاص قبل ان يموت ، فهل اذا كان من حضر موت احد الاشخاص هو والدته واخته او زوجته وانته لا تقبل شهادتهم اذا كان موثوقا في صدقهم !!!!! من يكون عادة حاضر موت احد الاشخاص اليس الاقرب اليه، هل لو كانوا كلهم من النساء لن تقبل شهاتهم، اعتقد انه هذا ما لا يتفق مع القرآن كتاب الله

ملحق 2‫:

أيضاً تفضل أحد القراء بالأتي‫:

هذه الآية تتحدث عن دين خاص، في وقت خاص، يحتاج إلى كاتب خاص، وإملاء خاص، وإشهاد خاص..
وهذه الآية –في نصها- استثناء [.. إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها]..
ثم إنها تستثنى من هذه الحالة الخاصة الإشهاد على البيوع، فلا نقيدها بما قيدت به حالة هذا الدين الخاص..
ثم إنها تتحدث، مخاطبة، لصاحب الدين، الذي يريد أن يستوثق لدينه الخاص هذا بأعلى درجات الاستيثاق.. ولا تخاطب الحاكم –القاضي- الذي له أن يحكم بالبينة واليمين، بصرف النظر عن جنس الشاهد وعدد الشهود الذين تقوم بهم البينة.. فللحاكم –القاضي- أن يحكم بشهادة رجلين.. أو امرأتين –أو رجل وامرأة.. أو رجل واحد.. أو امرأة واحدة.. طالما قامت البينة بهذه الشهادة..
ومن يرد الاستزادة من الفقه الإسلامي في هذه القضية –التي يجهلها الكثيرون- فعليه أن يرجع إلى آراء شيخ الإسلام ابن تيمية [661-728هـ 1263-1328م] وتلميذه الإمام ابن قيم الجوزية [691-751هـ 1262-1350م] في كتابه [الطرق الحكمية في السياسة الشرعية] ص 103، 104 طبعة القاهرة سنة 1977م.ز ففيه –وفق نص ابن تيمية- وأن ما جاء عن شهادة المرأة في آية سورة البقرة، ليس حصرًا لطرق الشهادة "وطرق الحكم التي يحكم بها الحاكم، وإنما ذكر لنوعين من البينات في الطرق التي يحفظ بها الإنسان حقه.. فالآية نصيحة لهم وتعليم وإرشاد لما يحفظون به حقوقهم، وما تحفظ به الحقوق شيء وما يحكم به الحاكم شيء، فإن طرق الحكم أوسع من الشاهدين والمرأتين..".

ولقد قال الإمام أحمد بن حنبل [164-241هـ 780-855م] إن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين فيما هو أكثر خبرة فيه، وأن شهادة المرأة تعدل شهادة رجلين فيما هي أكثر خبرة فيه من الرجل.. )

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق