الخميس، 29 أغسطس 2013

د.مصطفى العزبي-التحليل التشكيلي (لوحة النقش العجيب) 3\3

وتتكون هذه اللوحة من جزئين الاول فيها يتمثل فى البرواز المحيط والذى يشكل الاطار الخارجى للعمل وهو عبارة عن مجموعة متكررة من الوحدات غير متساوية الابعاد ، هذه الوحدات المتكررة تصنع اطارا للشكل وتتجه حركته من يمين العمل لاعلى ثم الى اليسار فأسفل ، وتاخذ مظهرا شبه منتظم حيث تتوالد من بعضها البعض فتبدا ضيقة ثم تتسع لتخرج منها وحدة ويعلوها حز فى منتصفها بطول الوحدة وبعمق 1مم .
وترتبط تلك الوحدات التكرارية فى الاركان من خلال زوايا منفصلة وعددها اربعة - فى كل ركن واحدة - حيث تتاكد زواياها القائمة بحز عمودى يتجه ناحية الزاوية المباشرة وهذه الوحدات التكرارية فى مجملها تشكل اطارا ربما قصد به الفنان التعبير عن شيء ما اذا ماتم قراءة العمل فى اطاره الرمزى .
والجزء الثانى يتمثل فى الشكل المنقوش فى منتصف العمل والذى يمثل العنصر الاساسى حيث يفصل بينه وبين الاطار الخارجى أخدود بعمق 2,5 سم تقريبا فى اعلى العمل ويصل الى 3,5سم فى اسفله بحيث يكون منحدرا وهو فى وضعيته الافقية ويتخلل هذا الاخدود مجموعة من البروزات العرضية وعددها 5 فى الأيمن و5 فى اليسار و5 فى الاعلى و4 فى الاسفل وقد عملت تلك البروزات كخلفية للشكل الذى يتوسط العمل فهى ليست منتظمة فى توزيعها ولا موحدة من حيث الشكل .
الا ان الفنان قد حافظ على انحدارها من اعلى الى اسفل لتنتهى بثقب فى الزاوية اليمنى السفلية للعمل وهو ما يؤكد الشكل الوظيفى للعمل حيث اعد لاستقبال وتسريب سائل ما كان يوضع على سطح العمل ويتوسط العمل بشكل اساسى وجه انسان نقشت ملامحة بوضع تتمثل فيه الجبهة والانف والفم والذقن فى وضع جانبى عرف فى الكثير من الحضارات القيمة وتاكدت سماته عند الفراعنة وبلاد الرافدين .
كما ان الفنان قد عالج الوجه معالجة تشكيلية تبرز تلك الملامح بطريقه تؤكد وعيه بتشريح الوجه الانسانى ويتاكد هذا فى منطقة الانف وعلاقتها بالعين والخد وكذلك علاقة الانف بالفم وقدرته على تشكيل الشفاة العليا حيث نرى انه كان حريصا على ابراز تكوين الشفاة من خلال عمل تجويف اعلى الشفاة ، اضافة الى تشكيله للانف بحيث راعى فيها الارتفاعات والانخخفاضات لتاتى فى تشكيل سليم يؤكد قدرة الفنان على سيطرته على الخامة التى يتعامل معها رغم صلابتها ومقاومتها الشديد له اثناء محاولته التعبير عما يريد وذلك من خلال التأكيد على شخصية صاحب العمل والتى اتسمت ملامحة بالقوة .
كما نلاحظ ان العين قد عولجت بحيث تكون مواجهة وكذلك منطقة الحاجب على عكس باقى العناصر فى الوجه واحترم الفنان الشكل الوظيفى لهذا العمل لذا جاء الجزء الداخلى على شكل مستطيل ليست به بروزات الا فى القليل بحيث انتهت كل العناصر عند حدود هذا المستطيل ليصبح التكوين محاطا باطار هندسى ليضمن له صفة التماسك والقوة ليصبح ملائما للوظيفة التى نحت من اجلها .
واختار الفنان للجزء السفلى الذى يتمثل فى الذقن عنصرا ليكمل به الشكل ويتمثل فى ذيل العقرب والذى يحدد به الشكل من اسفل حيث تناسبت عناصر تكوين وتشكيل العقرب مع حركة الشعر فى الذقن والتى تتمثل فى ثمانية خطوط راسية استكملت فى جسم العقرب فى حزوز عرضيه ولتكتمل بذلك الرؤية التشكيلية ولتكون امتدادا طبيعيا لها فى شكل اشعاعى يرتبط بالخطوط التى فى خلفية العمل .
وعلى الرغم من كبر حجم العقرب فى اللوحه الا انه قام بدور تشكيلى استطاع من خلاله ان يكمل الشكل فى اسفل العمل كما انه استعاض عن الاذن كذلك بعلامة او رمز تشكيلى يبدا من عند الاذن فى حركة حلزونية ليحيط بالخد ثم يعود مرة اخرى ليتجه اسفل اللوحة فى حركة دائرية ليشير الى ذيل العقرب قاطعا خطوط الذقن الرئيسية للتشكيل .
كما اكد الفنان من خلال توزيعه لتلك العناصر والرموز حول منطقة الوجه الملامح الملامح الاساسية للشخصية التى اراد التعبير عنها حيث تاكدت ملامح الوجه فى مساحات عريضة كما نرى فى الانف والخد والجبهة حيث اتاحت فرصة كبيرة للتعبير من خلال تلك الملامح التى جاءت لتعبر عن القوة والصلابة .
كما يلاحظ وجود بعض الخدوش والعلامات او الرموز فى منطقة الخد ربما قصد الفنان التعبير عن شيء ما من خلالها وفى تقديرى ان الفنان اقتطع تلك القطعة من الصخر وقام بتسويتها من جميع جوانبها ثم اختار ان يشكل على احد اوجهها .
ونظرا لمقاومة الخامة شديدة الصلابه فانه قد اكتفى ان يشكل عناصره بطريقه فيها الكثير من التلخيص لتعبر عن فكرته الاساسية.
وعلى الرغم من ان العمل يصنف ضمن النحت البارز شديد البروز الا انه لم يراع الارتفاعات فى العمل وبالتالى فهو عمل رمزى اراد من خلاله الفنان ان يعبر عن مضمون رمزى يتصل بشخصية صاحب الصورة او ربما باشياء عقائدية وينتمى العمل فى مجملة الى الاسليب الفنية التى ظهرت فى العراق القديمة ويغلب عليها الطابع الرمزى وكذلك اسلوب المعالجة حيث التبسيط والتلخيص فى الملامح والعناصر فالعمل يتميز بحبكة التصميم حيث رتبت العناصر ترتيبا هندسيا سمح لها بالتجانس والتفاعل فى اطار حركى تتدافع فيه العناصر على سطح العمل لتحتل مكانها ضمن اطار تشكيلى محكم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق