الثلاثاء، 4 سبتمبر 2012

حقيقة الذبيح بقلم دونا كيخوتا


يحتفل المسلمون كل عام بعيد الأضحى؛ نحتفل بذكرى الفداء العظيم، ذكرى فداء الغلام الحليم الذي صدق رؤية أباه وتلا جبينه لأبيه ليذبحه. كل عام نسمع خطب مطولة مكررة عن حلم إسماعيل واستجابته لطلب الذبح وكيف أكرمه الله وفداه بكبش عظيم حتى اصبح عيدا للعالمين. بقدر ما لا يعنيني من هو الذبيح بقدر ما يعنيني مدى الكذب الذي نعيش فيه تحت مسمى الروايات المقدسة؛ فمنذ ان اعتمدت مبدأ القرآن وكفى وانا كل يوم اكتشف زيف ما كبرنا عليه من معلومات دينية، وانا هنا سأحاول ان اعيد عرض قصة ابراهيم وابنه على ضوء قرآني لا لمعرفة الذبيح الحقيقي بل للوقوف على مدى الكذب الذي كان يزرع في عقولنا منذ الصغر.
مثلكم جميعا، لم اعرف ذبيحا الا اسماعيل ولد ابراهيم عليهما السلام، هكذا تعلمت في بيتي وسمعت في مدرستي وعلمت من كل من حولي اننا كل عيد اضحى نحتفل بذكرى فداء الله اسماعيل بكبش بعد ان صدق ابوه الرؤية. ولكن عندما كبرت واطلعت على الكتب الاخرى وجدت ان الرواية نفسها موجوده في العهد القديم (التوراة) ولكنهم استبدلوا اسماعيل باخيه اسحق. فأستفسرت ممن هم اكبر مني سنا واكثر مني علما عن سبب هذا الاختلاف بين الرواية التوراتية والراوية القرآنية (حيث كنت اظن ان القرآن ذكر اسماعيل بالاسم) فقيل لي ان السبب هو في تحريف اليهود للكلام عن موضعه فاستبدلوا اسماعيل باسحق عدوانا وحقدا وغيرة منهم على العرب والمسلمين ابناء اسماعيل وحتى لا ينال اسماعيل وابناءه هذا الشرف من اسحاق واولاده من بني اسرائيل واليهود. وصدقت ما كان يقال لي حتى بدأت رحلة البحث القرآنية ووقتها تذكرت قصة اسماعيل واسحق وقررت ان ابحث في القرآن عن الذبيح الحقيقي، ان كان حقا هو اسماعيل مما يؤكد حقد بني اسرائيل على بني اسماعيل ام انه فعلا اسحق ووقتها سيكون العرب اشد حقدا وتدليسا بل واسقاطا على اليهود.
والحقيقة بعد ان بحثت بت في حيرة من امري، فالايات تدل بوضوح قاطع على ان الذبيح هو فعلا اسحق مما يثبت تدليس القصص السلفية وحقدها على اليهود وكراهية سلفنا لهم، ولهذا سأعرض ما وجدته عليكم واترك لكم الحكم في النهاية. ولنبدأ القصة على حسب تسلسلها القرآني كما وجدتها.



البداية:
القصة القرآنية تبدأ بالفتى ابراهيم الهائم على وجه بحثا عن حقيقة الله، رافضا لما يعبد ابوه واهله من اصنام لا تنفع ولا تضر: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً ۖ إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(الانعام74).
بعد ذلك يدخل في حالة من التأمل لوقوف على معرفة الله: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِين * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (الانعام76-79).
وبعد ان اسلم وجه لله يسأل ربه المزيد من الطمأنينة القلبية: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(البقرة260).

مجادلة العشيرة:
بعد ان يثبت الايمان في قلب ابراهيم يبدأ بمحاجاة ابيه فيما يشرك بالله:إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا * قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ ۖ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ ۖ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (مريم42-46).
كذلك حاج مليكه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗوَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (البقرة258).
كما حاج اباه وملكه حاج ابراهيم قومه ايضا: وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ ۚ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ ۚ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا ۗ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا ۗ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (الانعام80).

تحطيم الاصنام:
قرر ابراهيم ان يثبت لابيه وقومه بالتجربة العملية ان من يعبدونهم من اصنام لا قيمة ولا وزن لهم فقام بتكسير الاصنام الا من كبيرهم: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ* قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ * قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ * فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ * ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ * قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (الانبياء51-67)

عقوبة ابراهيم:
بعد استهزاء ابراهيم وتحطيمه لآلهة عشيرته المصنوعه من الحجارة حُكم عليه بالحرق، ولكن الله اخرجه منها سالما معافيا:
قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (الانبياء 68-70)
مَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (العنكبوت24)

هجرة ابراهيم ولوط وتبشيره باسحق:
بعد ان نجى الله ابراهيم من النار استودع اباه واعتزل اهله وهاجر ومعه لوط وعشيرته الى الارض التي بارك الله فيها للعالمين، كذلك بشره الله ووهبه اسحاق ومن بعده يعقوب فكذلك يجزي الله المحسنين:
قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا * وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (مريم47-49)
وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا (الانعام 84)
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (الانبياء71-72)
وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا ۖ وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (العنكبوت 25-27)

كيف جاءت البشرى باسحق؟
جاءت البشرى لابراهيم باسحق بعد ان قرر اعتزال اهله والرحيل عنهم كما هو واضح في الآيات التي اوردتها اعلاه. جاءت الملائكة لتبشر ابراهيم بابنه اسحق ولتحذر رفيق دربه لوط ليرحل ويهاجر مع ابراهيم الى الارض المباركة التي سيورثها الله لبني اسرائيل فيما بعد:
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ ۖ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةًۚ قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِي شَيْخًا ۖ إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ * فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (هود 69-74)
وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ * قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (العنكبوت 31-32)
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا ۖ قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِين * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً ۖ قَالُوا لَا تَخَفْ ۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ * فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ * قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ * قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ * لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (الذاريات 24-34)

ملخص القصة من سورة الصافات وظهور الذبيح:

البداية: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83)إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(84)
مجادلة العشيرة: إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87)فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ(88)فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90)
تحطيم الاصنام: فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ(92)فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95)وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)
عقوبة ابراهيم: قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) ينجي الله عبده ابراهيم من النار: فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98
هجرة ابراهيم ولوط وتبشيره باسحق: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ(99)رَبِّ هَبْ لِي مِن الصَّالِحِينَ (100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ
حتى هذه اللحظة السرد لقصة ابراهيم يسير على نفس المنوال الذي اوردته اعلاه نقلا عن سور متفرقة، ولكن الان يظهر الذبيح على مسرح الاحداث، وهو نفسه الغلام الذي بشره الله به بعد ان اعتزل قومه اي اسحاق : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105)إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106)وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107)وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (108)سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (109)كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(110)إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111)وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112)وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ ۚ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)
وهذا يثبت بالدليل القاطع عند مقارنة القصة بتفاصيلها التي اوردتها سابقا بملخص القصة الموجود في سورة الصافات ان الذبيح هو البشرى اسحق ابن ابراهيم. وقد كان الامتحان لابراهيم في مدى قدرته على ذبح البشرى التي طالما انتظرها ولكن ابراهيم صدق الرؤية وعزم على التضحية ببشراه التي وهبها الله له بعد طول انتظار فكافأه الله بأن بشره ببشرى اخرى وهي جعل اسحاق نبيا من الصالحين، وبذلك يكون الله قد اجزى ابراهيم واسحاق على تصديقهم للرؤية الصالحة.
في رأيي لم يعد مجال للشك بأن الذبيح هو اسحاق ولكن سأترك الحكم للقاريء

ماذا عن اسماعيل؟
ما فهمته من الاحداث التي سردتها اعلاه، ان اسماعيل كان ابن ابراهيم منذ ان كان يعيش مع عشيرته المشركة، وانه عندما عزم الرحيل بعد ان جاءته البشرى بميلاد ابنه المنتظر اسحاق، قرر ان يترك اسماعيل ومن يرعاه في واد بغير ذي زرع: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ ۖ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ(ابراهيم35-37).
وفي هذا الوادي رفع ابراهيم بمساعدة ابنه اسماعيل قواعد البيت الحرام: وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَىٰ عَذَابِ النَّارِ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (البقرة 125-127). ثم مضى للارض المباركة ليسعى فيها مع بشراه اسحاق ومن بعده يعقوب ابو بني اسرائيل.

هكذا اكون انتهيت من عرض وجهة نظرى المؤيدة بكل ما استطعت من آيات قرآنية وقد تأكدت تماما ان الذبيح هو البشرى اسحاق ابن ابراهيم ابو يعقوب والاسباط.

السبت، 7 يوليو 2012

هل الرسول الاعظم يقرأ و يكتب ؟ بقلم علي الصالح

اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

كنت قد كتبت سابقا حول ان الرسول يقرا ويكتب ولكن اضطررت ان اكتب من جديد حول نفس الموضوع وذلك للتذكير

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴿٤﴾
وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴿٥﴾

ان اعداء الرسول المشركين كانوا يتهمون الرسول بانه افاك وكانوا يتهمونه بالكذب والافتراء على الله وقالوا في الاية اعلاه انها اساطير الاولين اكتتبها اي لم يقولوا كتبها بل اكتتبها اي قام بنقل الاحداث من قوم اخرين وكتبها ولم يكتبها من نفسه بل اكتتبها واكمل الله تفصيله للاية وقال فهي تملى عليه اي انه يوجد من يمليه وهو يكتب فكيف يكون لا يقرا ولا يكتب ؟؟؟؟؟

يعني هم اعداءه اتهموه بالكذب ولكن لم يقولوا عليه انه لا يعلم القراءة والكتابة

وتوجد اية الدين تبين تماما معنى تملى عليه

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴿البقرة: ٢٨٢﴾

الاية تبين ان من تداين يجب ان يكتب الدين وان يوجد كاتب للدين وان الذي عليه الحق يملي للكاتب ولا يبخس شيئا ولكن ان كان سفيها او ضعيقا ولا يستطيع ان يمل هو فليملل وليه اي ان الولي يمل كاتب العدل

فالمشركون اعداء الرسول في اية سورة الفرقان اتهموه بالكذب وانه يوجد من يملي الرسول فهو يكتب ما يملوه قوما اخرين

والاية واضحة جدا وان الرسول يقرأ ويكتب

واية اخرى

وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴿٤٨﴾
بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ﴿٤٩﴾

ما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه اي ان لم يكن الرسول يكتب من كتاب يعني من اي كتب ولا تخطه ايضا من اي كتاب وليس المقصود القرأن اي ان كلمة تخطه لا تعود على القران

بل على اي من كتاب

ومعنى الاية ان الرسول لم يكن من اختصاص الذين يكتبون روايات وقصص ومؤلفات ولو كان ذلك لارتاب المبطلون يعني كان قالوا ان هذه وضيفته تاليف روايات
لذلك هم اتهموه انه اكتتبها ونقلها من قوم اخرين وانها تملى عليه لانهم يعلمون انه ليس من المؤلفين فقد لبث فيهم عمرا ويعرفونه جيدا ليس مؤلفا وكاتبا لروايات

اما موضوع الامي فلا تعني لا يقرا ولا يكتب ابدا فقومه كلهم الاميين وهو منهم ولا تعني ابدا انه وهم لا يعلمون القراءة والكتابة

وان الرسول بريء من اتهامه بالجهل في القراءة والكتابة ولا اشهد بذلك

والحمد لله الذي انزل الكتاب مفصلا كاملا وتاما ليكشف لنا كذب ما ورثناه من ظلمات ومن ما كتب اعداء الله ورسله

ولا اله الا الله وحده لا شريك له وكفى به هاديا ونصيرا

وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته

التقويم من منظور مختلف بقلم منسي حاتم


التقويم هو نظام زمني يمتاز بقواعد وأسس تعتمد على الفلك ودوران الأرض حول نفسها وحول الشمس والقمر ودورانه حول الأرض الذي يخلق بإذن الله ما نسميه الليل والنهار والفصول الأربعة والشهر والسنة , نتيجة حركة الأجرام السماوية مع الزمن الذي يقاس بالثواني ومنتهياً بالقرون والعصور والدهور .

اليوم يقاس بالدورة الكاملة للأرض حول نفسها إبتداءً من نقطة مع العودة إلى نفس النقطة , وهذه الدورة تحصل خلال فترة زمنية ثابتة تعارف عليها الناس أن يقسموها إلى أربعاً وعشرون وحدة قالوا عنها الساعة وكل ساعة قسمت إلى ستون جزءً أطلق على كل جزء منه الدقيقة وكل دقيقة تتألف من ستون ثانية بحسب ما تعارف عليه الناس في ذلك التقسيم ذو النظام ( الإثنى عشري ) .

السنة لا بد أن تعتمد على دورة الأرض حول الشمس دورة كاملة حتى تكون موسمية تحدد مواسم الزراعة لمعرفة وقت الفلاحة والحصاد وتحدد مواسم الصيد وبالتالي الأشهر الحرم التي حرم الله تعالى فيها الصيد كونها فترة التوالد والإرضاع .

الشمس ضرورية من أجل التقويم ولا يمكن إلغاءه كما هو الحال في التقويم الهجري المطبق في عصرنا الحاضر حين إعتمدنا على الليل والنهار والقمر وأسقطنا الشمس الذي هو العنصر الأهم في التقويم بدليل أن الله وضعها قبل القمر , وبدون الشمس لا يمكن معرفة طول السنة أبداً .. قال تعالى ( وجعل اليل سكناً والشمس والقمر حسباناً ) ..

نستشف من إحصاء عدد كلمات ( يوم ) في القرآن الكريم البالغة 365 يوماً أن طول السنة عند الله 365 يوماً وليست 345 يوماً كما هو في تقويمنا المطبق .

الشهر النسيء مثل اليوم الكبيس كل 32 شهر قمري يضاف شهر إسمه النسيء على الأشهر وهذا الشهر يعادل دائماً التقويم ويجعل الأشهر القمرية متماشية تماماً ودائماً مع السنة الشمسية وطول الشهر النسيء يكون 30 يوم ويصبح 31 يوم في النسيء الذي يليه وهكذا بالتعاقب .

السنة عند المسلمين إثني عشر شهراً قمرياً 29 – 30 يوماً فتصبح السنة 354 يوماً وبذلك تكون أقصر من السنة العادية بـ 11.24219 يوماً .
الأشهر تتأخر بإستمرار عن أشهر السنة الشمسية ولا تتماشى مع الفصول الأربعة أو مع المواسم السنوية وبذلك لا يمكن الإستفادة منه في الزراعة أو تربية الحيوانات أو في معرفة مواسم الصيد ولا في معرفة الأشهر الحرم التي حرم الله تعالى صيد البر فيها والذي يجب أن يصادف موسم التوالد كذلك معرفة مواسم الحج .

عند العودة إلى أسماء الشهور الهجرية العربية نجد إسمي ربيع أول وربيع ثاني وهذا يدل على أن هذين الشهرين يجب أن يصادفا دائماً وقت الربيع .

لنتأمل كتاب الله ... قال تعالى .
( إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم .. )
تأتي الآية التي بعدها لتقول .
( إنما النسيء زيادة في الكفر يُضَل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ... )
........
نتوقف قليلاً ونتأمل بتركيز ونحن نعلم أن القرآن الكريم قد جمع وكتب عن أربعة مصاحف وزعت في زمن الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وما زال مصحف عثمان محفوظاً في متحف إستانبول وتلك المصاحف الأربعة لم تكن مشكلة ومنقطة .
تم تنقيط القرآن في العصر الأموي والعباسي والناس في عصر نزول القرآن لم يكونوا بحاجة للتشكيل لأن القرآن كان مكتوباً بلغتهم التي يعرفون تشكيلها بالسليقة من غير حاجة لمعرفة قوانين وأصول النحو والصرف والإعراب .

لو فكر المسلمين في الموضوع من جديد لوجدوا تناقضاً في معنى الآية إذا تركنا التشكيل على ماهو عليه ( يُضَل ) .. ( يُضَل به الذين كفروا ) ... سنجد أن المعنى بحسب هذا التشكيل لايستقيم فالكافر يمكن أن يُضِل غيره وهذا هو المعقول ولكن لا يعقل أن يُضَل الذي أختار الإضلال وظيفة له في الأرض .... إضافة إلى أن إحدى القراءات السبع قد ورد فيها التشكيل لكلمة .... يُضِل .... متوافقاً مع الطرح

من أروع ما تم تبيانه في الإعجاز العددي في القرآن الكريم هو الرقم ( 19 ) وكيف أن القرآن يساير هذا الرقم ومضاريبه بطريقة إعجازية حقاً .... من هذا الباب نستعرض التالي عددياً .

إضافة إلى أنه لم يسبق القرآن الكريم أن إستخدم فيه الله فعلاً وبناه للمجهول وهو يقصد به ذاته أبداً .

بهذا المفهوم المنطقي يكون إضافة الشهر النسيء كل 32 شهر قمري هو الصحيح وبذلك نرتقي بمفهوم تقويمنا الإسلامي إلى المفاهيم الربانية والتي تتوافق مع منطق العقل وعند تطبيقه سيكون توقيت موسم الحج وشهر الصيام والأشهر الحرم وفق التوقيت السليم .

تأملوا هذه الآية ..
( ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا )
وازدادوا تسعاً ( تسعة أعوام هي مجموع الشهر النسيء المضاف بعد كل 32 شهر قمري لعدد 300 عام وعندها يكون تقويمنا متوافقاً مع التقويم المعتمد على السنة الشمسية ) بالتمام والكمال ..!!!!

بدأ التاريخ الهجري ( رسمياً ) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه .... متمنياً أن أجد لديكم ما ينسف كامل قناعاتي ...

.... لا أجد ما أختم به أفضل من قوله تعالى .

( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )

الثلاثاء، 12 يونيو 2012

نقد تقسيم التوحيد للشيخ يوسف الدجوي الازهري

نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لحجة الإسلام يوسف الدجوي الازهري رحمه الله

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقد تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية لحجة الإسلام يوسف الدجوي الازهري رحمه الله 
قال العلامة الحجة المتكلم أبو المحاسن جمال الدين يوسف بن أحمد الدِّجوي المالكي الأزهري المتوفى سنة 1365هـ :
جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما ؟؟ وما الذي يترتب عليهما ؟؟ ومن ذا الذي فرق بينهما ؟؟ وما هو البرهان على صحة ذلك أو بطلانه ؟؟ فنقول وبالله التوفيق :


إن صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره ، قال : (( إن الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية وهو إفراد الله بالعبادة ، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالى : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) )) اهـ .
ثم قالوا : إن الذين يتوسلون بالأنبياء والأولياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء ، فإنهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها ، وهذا ينطبق على زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى .. بل قال محمد بن عبدالوهاب :
(( إن كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان )) اهـ !! وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة، فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح، وفيه عدة دعاوى، فلنعرض لها على سبيل الاختصار، ولنجعل الكلام في مقامين فنتحاكم إلى العقل ثم نتحاكم إلى النقل، فنقول :

قولهم: (إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية) تقسيم غير معروف لأحد قبل ابن تيمية ، وغير معقول أيضا كما ستعرفه ، وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأحد دخل في الإسلام : إن هناك توحيدين وإنك لا تكون مسلما حتى توحد توحيد الألوهية، ولا أشار إلى ذلك بكلمة واحدة ، ولا سُمِع ذلك عن أحد من السلف الذين يتبجحون باتباعهم في كل شيء ، ولا معنى لهذا التقسيم، فإن الإله الحق هو الرب الحق، والإله الباطل هو الرب الباطل، ولا يستحق العبادة والتأليه إلا من كان ربا، ولا معنى لأن نعبد من لا نعتقد فيه أنه رب ينفع ويضر، فهذا مرتب على ذلك كما قال تعالى : ( رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته ) .
فرتب العبادة على الربوبية، فإننا إذا لم نعتقد أنه رب ينفع ويضر فلا معنى لأن نعبده ـ كما قلنا ـ ويقول تعالى : ( ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ) يشير إلى أنه لا ينبغي السجود إلا لمن ثبت اقتداره التام، ولا معنى لأن نسجد لغيره.
هذا هو المعقول ، ويدل عليه القرآن والسنة.
أما القرآن فقد قال: ( ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا)، فصرح بتعدد الأرباب عندهم ، وعلى الرغم من تصريح القرآن بأنهم جعلوا الملائكة أربابا يقول ابن تيمية ومحمد بن عبدالوهاب : إنهم موحدون توحيد الربوبية وليس عندهم إلا رب واحد وإنما أشركوا في توحيد الألوهية !! ويقول يوسف عليه السلام لصاحبي السجن وهو يدعوهما إلى التوحيد : ( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) ، ويقول الله تعالى أيضا : ( وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي )، وأما هم فلم يجعلوه ربا.
ومثل ذلك قوله تعالى : ( لكنا هو الله ربي ) خطابا لمن أنكر ربوبيته تعالى ، وانظر إلى قولهم يوم القيامة : ( تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) ، أي في جعلكم أربابا ـ كما هو ظاهر ـ وانظر إلى قوله تعالى : ( وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا .. ) ، فهل ترى صاحب هذا الكلام موحدا أو معترفا ؟؟!! .
ثم انظر إلى قوله تعالى : ( وهم يجادلون في الله ) ، إلى غير ذلك وهو كثير لا نطيل بذكره ، فإذا ليس عند هؤلاء الكفار توحيد الربوبية ـ كما قال ابن تيمية ـ ، وما كان يوسف عليه السلام يدعوهم إلا إلى توحيد الربوبية ، لأنه ليس هناك شيء يسمى توحيد الربوبية وشيء آخر يسمى توحيد الألوهية عند يوسف عليه السلام ، فهل هم أعرف بالتوحيد منه ويجعلونه مخطئا في التعبير بالأرباب دون الآلهة ؟! .
ويقول الله في أخذ الميثاق : ( ألست بربكم قالوا بلى ) ، فلو كان الإقرار بالربوبية غير كاف وكان متحققا عند المشركين ولكنه لا ينفعهم ـ كما يقول ابن تيمية ـ ، ما صح أن يؤخذ عليهم الميثاق بهذا ، ولا صح أن يقولوا يوم القيامة : ( إنا كنا عن هذا غافلين ) ، وكان الواجب أن يغير الله عبارة الميثاق إلى ما يوجب اعترافهم بتوحيد الألوهية حيث إن توحيد الربوبية غير كاف ـ كما يقول هؤلاء ـ ، إلى آخر ما يمكننا أن نتوسع فيه ، وهو لا يخفى عليك ، وعلى كل حال فقد اكتفى منهم بتوحيد الربوبية ، ولو لم يكونا متلازمين لطلب إقرارهم بتوحيد الألوهية أيضا .
ومن ذلك قوله تعالى : ( وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ) ، فإنه إله في الأرض ولو لم يكن فيها من يعبده كما في آخر الزمان ، فإن قالوا : إنه معبود فيها أي مستحق للعبادة ، قلنا : إذن لا فرق بين الإله والرب ، فإن المستحق للعبادة هو الرب لا غير ، [و]ما كانت محاورة فرعون لموسى عليه الصلاة والسلام إلا في الربوبية وقد قال : ( أنا ربكم الأعلى ) ثم قال : ( لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين ) ولا داعي للتطويل في هذا.

وأما السنة فسؤال الملكين للميت عن ربه لا عن إلهه ، لأنهم لا يفرقون بين الرب والإله ، فإنهم ليسوا بتيميين ولا متخبطين ، وكان الواجب على مذهب هؤلاء أن يقولوا للميت : من إلهك لا من ربك !! أو يسألوه عن هذا وذاك .
وأماقوله : ( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ) ، فهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم إجابة لحكم الوقت مضطرين لذلك بالحجج القاطعات والآيات البينات ، ولعلهم نطقوا بما لا يكاد يستقر في قلوبهم أو يصل إلى نفوسهم ، بدليل أنهم يقرنون ذلك القول بما يدل على كذبهم ، وأنهم ينسبون الضر والنفع إلى غيره ، وبدليل أنهم يجهلون الله تمام الجهل ويقدمون غيره عليه حتى في صغائر الأمور ، وإن شئت فانظر إلى قولهم لهود عليه الصلاة والسلام : ( إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء ) فكيف يقول ابن تيمية : إنهم معتقدون أن الأصنام لا تضر ولا تنفع إلى آخر ما يقول ؟؟!! .
ثم انظر بعد ذلك في زرعهم وأنعامهم : ( هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ) ، فقدموا شركاءهم على الله تعالى في أصغر الأمور وأحقرها .
وقال تعالى في بيان اعتقادهم في الأصنام: (وما نرى معكم من شفعائكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء)، فذكر أنهميعتقدون أنهم شركاء فيهم ، ومن ذلك قول أبي سفيان يوم أحد : (أعل هبل) ، فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( الله أعلى وأجل ) ، فانظر إلى هذا ثم قل لي ماذا ترى في ذلك من التوحيد الذي ينسبه إليهم ابن تيمية ويقول : إنهم فيه مثل المسلمين سواء بسواء وإنما افترقوا بتوحيد الألوهية ؟؟!! .
وأدل من ذلك كله قوله تعالى : ( ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ) ، إلى غير ذلك مما يطول شرحه ، فهل ترى لهم توحيدا بعد ذلك يصح أن يقال فيه إنه عقيدة ؟؟!! .

أما التيميون فيقولون بعد هذا كله : إنهم موحدون توحيد الربوبية ، وإن الرسل لم يقاتلوهم إلا على توحيد الألوهية الذي لم يكفروا إلا بتركه !! ولا أدري ما معنى هذا الحصر مع أنهم كذبوا الأنبياء وردوا ما أنزل عليهم واستحلوا المحرمات وأنكروا البعث واليوم الآخر وزعموا أن لله صاحبة وولدا وأن الملائكة بنات الله ( ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون ) ، وذلك كله لم يقاتلهم عليه الرسل ـ في رأي هؤلاء ـ وإنما قاتلوهم على عدم توحيد الألوهية ـ كما يزعمون ـ وهم بعد ذلك مثل المسلمين سواء بسواء !! أو المسلمون أكفر منهم في رأي ابن عبدالوهاب !! .

وما علينا من ذلك كله ، ولكن نقول لهم بعد هذا : على فرض أن هناك فرقا بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ـ كما يزعمون ـ فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فإنه ليس من العبادة في شيء لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ، ولم يقل أحد إن النداء أو التوسل بالصالحين عبادة ، ولا أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت
فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب إلينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلى واسطة ، قلنا له : ( حفظت شيئا وغابت عنك أشياء .. ) ، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شيء ، مع أن العالم مبني على الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شيء ، ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة ـ وهي معلومة من الدين بالضرورة ـ فإنها ـ على هذا الرأي ـ لا حاجة إليها ، إذ لا يحتاج سبحانه وتعالى إلى واسطة فإنه أقرب من الواسطة .
ويلزم خطأ عمر بن الخطاب في قوله : ( إنا نتوسل إليك بعم نبيك العباس إلخ .. ) ، وعلى الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط ، وهذا خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلى آخرها ، ولزمهم على هذا التقدير أن يكونوا داخلين فيما حكموا به على المسلمين ، فإنه لا يمكنهم أن يَدَعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقا بها واعتمادا عليها .

ولا يفوتنا أن نقول : إن التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معنى لها فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلا ، وإنما طلب من الله متوسلا إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك ، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له ؟؟!! أم هو حق لا مرية فيه ؟؟ ، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون ، كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين .
وانظر كتب المذاهب الأربعة ، حتى مذهب الحنابلة في آداب زيارته صلى الله عليه وسلم تجدهم قد استحبوا التوسل به إلى الله تعالى ، حتى جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل اهـ .

ونضيف هنا بعض العبارات التي اقتبسناها من بعض المنتديات:

ولمزيد الإيضاح نذكر ما يلي:
كلام ابن تيمية في تقسيم التوحيد

في مطالعتنا لكتاب: "يهود أم حنابلة" لسماحة السيد محمد علاء الدين ماضي أبي العزائم شيخ الطريقة العزمية رضي الله عنه، نجد أنه أورد كلام ابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية الذي وجده مفرقا في أربعة مواضع من كتبه، ذكره ثم أبطله،
ونورد من ذلك ما يلي:

1 – في الجزء الأول: من فتاوى ابن تيمية ص 219 في تفسير قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) قال: فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين، أحدهما: توحيد الربوبية وأنه لا معطي لما منع الله، ولا مانع لما أعطاه، ولا يُتوكل إلا عليه، ولا يُسأل إلا هو، والثاني: توحيد الألوهية وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع، وأنه ليس كل من أعطى مالا أو دنيا أو رئاسة كان ذلك نافعا له عند الله منجيا له من عذابه.
2 – قال في الجزء الثاني من فتاويه ص 275: فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالى الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه، ويحقق قوله: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وإيَّاكَ نَسْتَعِين) توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية…إلخ.

3 – قال في الجزء الثاني من منهاج السنة ص 62 بعد أن ذم جميع فرق المسلمين من المتكلمين في التوحيد مصرحا أنهم عَبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية، وإثبات حقائق أسماء الله، فقال: فإنهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلى طرق أخرى مبتدَعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبتدَع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الألوهية وإثباب حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية وهو الإقرار بأن الله خالق كل شيء، وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) … إلخ.
4 – قال في رسالة أهل الصفا ص34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي.
الرد على ما ذكره ابن تيمية وبيان بطلانه
ونوجز هنا ما ورد في كتاب: "يهود أم حنابلة" الذي سبقت الإشارة إليه، ردا على ابن تيمية وبيان بطلان ما ذهب إليه في هذا الباب بوجوه منها:
الوجه الأول:
لم يأمر الله تعالى عباده في كتابه العزيز بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم إن من لم يعرفه لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر بكلمة التوحيد مطلقة فقال تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) "محمد:19"، وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.

الوجه الثاني:
لم يقل النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه ولم يعلمهم أن التوحيد ينقسم إلى توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، بل إن كتب السنة موضحة أن دعوته صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلى الله كانت شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وخلع عبادة الأوثان، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فقال له: (ادعُهم إلى شهادةِ أن لا إله إلا اللهُ وأن محمدًا رسولُ اللهِ، فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة…) الحديث، وكان اللازم - جريا وراء هذيان ابن تيمية - أن يقول لمعاذ: ادعهم إلى توحيد الألوهية لأن توحيد الربوبية قد عرفوه.
الوجه الثالث:

لم يقل أي صحابيّ من صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، والتحدي قائم لمن يطالعنا بعكس ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم ولو برواية واهية.
الوجه الرابع:
لم يقل أي واحد من التابعين بأن التوحيد ينقسم إلى توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية على الإطلاق.
الوجه الخامس:
لم يقل أي واحد من أتباع التابعين إن التوحيد قسمان.
الوجه السادس:
لم يقل الإمام أحمد بن حنبل الذي انتسب إليه ابن تيمية كذبا إن التوحيد قسمان، وهذه عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لابن الجوزي وغيره ليس فيها هذا الهذيان.
الوجه السابع:
الإله هو الرب، والرب هو الإله، فهما متلازمان يقع كل منها في موضع الآخر، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ) "البقرة:258" وكان اللازم – على زعمه – حيث كان النمروذ يعرف توحيد الربوبية أن يقول: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في إلهه، وقال تعالى: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ) "الأنعام:1" وكان اللازم - على زعمه - أن يقول: ثم الذين كفروا بإلههم يعدلون، وهو كثير في القرآن الكريم.

الوجه الثامن:
أيقول عاقل في فرعون الذي قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) وقال: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) "القصص:38" إنه كان يعرف توحيد الربوبية؟!.
أيقول عاقل في النمروذ بن كنعان الذي ادعى الربوبية وحاج إبراهيم في ربه وزعم أنه يحيي ويميت إنه يعرف توحيد الربوبية؟!.
أيقول عاقل في الدهريين المنكرين وجود الإله؛ وفي الوثنيين القائلين بكثرة الأرباب وغيرهم: إنهم يعرفون توحيد الربوبية؟!.
الوجه التاسع:

حمله قول الله تعالى: (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) الواردة في المشركين على بعض المسلمين فاسد، ودعواه أن المشركين مع إنكارهم البعث واتخاذهم الأنداد والولد لله تعالى يعرفون توحيد الربوبية تقدم إبطاله.
ومعنى الآية عند المفسرين: ليسندن خلقها في الحقيقة ونفس الأمر- أي: الفطرة التي فطر الله الناس عليها – إلى الله تعالى، فلو استعان ابن تيمية بالثقلين على إثبات أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سألهم عن ذلك فأجابوه بالقول لا يستطيع.
الوجه العاشر:
حمل قول الله تعالى: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) "يوسف:106" الواردة في المشركين على بعض المسلمين فاسد أيضا، ومعناها عند المفسرين: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ) وهو إقرارهم بوجود الخالق (إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) باتخاذهم له أندادا عبدوهم من دونه، أو باتخاذهم الأحبار والرهبان أربابا، أو بقولهم واعتقادهم الولد له سبحانه، أو بقولهم: لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك، أو بغير ذلك.
الوجه الحادي عشر:
دل كلامه على أن التوحيد مجزأ إلى ثلاثة أجزاء: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، قال فيه "وأخرجوا من التوحيد ماهو منه كتوحيد الألوهية، وإثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا إلا توحيد الربوبية"، وعلى هذا يكون التوحيد مثلثا ويلزم منه تثليث الشرك!.
الاجتهاد إنما يكون في الفروع لا في الأصول:
لقد تذبذب ابن تيمية في تقسيمه للتوحيد في ثلاثة مواضع إلى قسمين، وفي موضع إلى ثلاثة أقسام، وكل ذلك يتنافي مع العلم الصحيح بأصول الدين.
فإن قيل: ليس هذا تذبذبا، وإنما هو تغير في الاجتهاد؛ ظهر له في اجتهاده في تلك المواضع أن التوحيد ينقسم إلى قسمين، وظهر له في ذلك الموضع أن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام، فهذا فاسد، فإن الاجتهاد إنما يكون في الفروع لا في الأصول.
ويلزم على كلا التقسيمين أنه لا يوجد في بني آدم عامة، ولا في المسلمين – سلفهم وخلفهم – خاصة موحد خالص ولا مشرك خالص، إلا من وافقه على رأيه، ومن المستحيل إثبات هذا الرأي الفاسد عن أي أحد من سلف الأمة الصالحين.
يا من تنكرون البدعة…

تقسيم التوحيد بدعة من شر المحدَثات
إن التوحيد لغة: هو الحكم بأن الشيء واحد والعلم بأنه واحد، والتوحيد اصطلاحا: هو إفراد العابدِ المعبودَ بالعبادة أي: تخصيصه بها.
والذين اجترءوا على الله تعالى وقسَّموا التوحيد وجعلوه تثليثا – توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية، وتوحيد أسماء وصفات - يعترفون أنه لا يوجد نص بتقسيم التوحيد في القرآن ولا في السنة ولا عن السلف الصالح, ويقولون إنه استُدِل على تقسيم التوحيد بالاستقراء!.
وسبحان الله، أفي عقيدة التوحيد يقولون ذلك؟ هل العقيدة تُتَلقَّى بالاستقراء أم لابد أن تكون بنصوص صريحة لا تقبل التأويل؟ وهل هذه المعاني التي استقرءوها - كما يقولون - متفق عليها أم أنهم شذوا بها عن إجماع الأمة الإسلامية، فلماذا يحاولون فرضَها على المسلمين مع أنه لم يقل بها غيرُهم؟!.
ألا يفتتح هؤلاء أحاديثهم في غالب الأحيان يقولون:… وشر الأمور محدَثاتها، وكل محدَثة بدعة, وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ أليس تقسيمهم التوحيد خاضعا لتلك القاعدة وأنه محدَث وأنه بدعة وأنه ضلالة وأنه في النار، أم أن ما قال به شيخُهم لا يخضع للضوابط الشرعية التي يدَّعون تمسكهم بها؟!، ما لهم، كيف يحكمون؟!.

أيجوز لعاقلٍ أن يصدِّقَ أن التوحيد - الذي بعث الله من أجله جميع رسله - متروك للتقسيم بالاستقراء ولم يستقرئه إلا ابن تيمية في القرن السابع الهجري ثم ابن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر الهجري؟!.
القرآن الكريم تبيان لكل شيء
يقول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) "النحل:89" وقد بيّن في العبادات وفي المعاملات وفي القصص القرآني غاية البيان تدقيقا للمعنى حتى لا يقع الناس في لبس أو إبهام؛ ومن أمثلة ذلك:

في مناسك الحج يقول الله تعالى: (فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ) ولم يكتفِ المولى بذلك لأنه قد يتوهم البعض أن السبعة بدل من الثلاثة؛ فقال تعالى موضحا: (تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ) "البقرة:196".
وفي المواريث بين الله تعالى غاية البيان كما في قوله تعالى: (يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ…) "النساء:11".
وقال الله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) "الأعراف:142" ومعلوم أن ثلاثين وعشرة تساوي أربعين، ولكن لئلا يُتوهم أن المراد أتممنا الثلاثين بعشر منها؛ فبين أن العشر سوى الثلاثين فقال: (أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
فهل يبين الله ذلك البيان فيما يتصل بالعبادات والمعاملات والقصص القرآني، ويترك - سبحانه - بيان عقيدة التوحيد لعبث العابثين الذين عَلِمُوهُ باستقرائهم الباطل؟!!!، نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجَنان.

ابن عبد الوهاب يدَّعي أن العلماء قبله لم يفهموا دين الإسلام
قال ابن عبد الوهاب: "من زعم من علماء العارض أنه قد عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت – يعني ظهور دعوته – أو زعم عن مشائخه أن أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى"، ويقول ابن عبد الوهاب أيضا في رسالة له إلى قاضي الدرعية: "أنتم ومشائخكم ومشائخهم لم يفهموا دين الإسلام، ولم يميزوا بين دين محمد صلى الله عليه وسلم ودين عمرو بن لُحَىّ.
راجع كتاب: "الشيخ محمد بن عبد الوهاب، حياته وفكره" ص51، للدكتور عبد الله الصالح العثيمين، الذي نشرته دار العلوم بالرياض بالمملكة العربية السعودية.

]عمرو بن لُحَيّ جاء خبره في سيرة ابن هشام في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (رأيتُ عَمْرَو بن لُحَيّ يَجُرُّ قُصْبَهُ في النارِ، فسألتُه عمن بيني وبينَه من الناس؛ فقال: هَلَكوا)، كما أورد ابن هشام في السيرة أن عمرو بن لُحَىّ خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره، فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق، رآهم يعبدون الأصنام، فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟ قالوا له: هذه أصنام نعبدها فنَسْتَمْطِرها فتُمْطِرنا، ونستَنْصِرها فتَنْصُرنا، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه؟ فأعطَوْهُ صنما يقال له: هُبَلُ، فقدم به مكة، فنَصَبَه، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه[، هذا هو عمرو بن لحيّ الذي يتهم ابن عبد الوهاب المسلمين أنهم لا يفرقون بين دينه وبين دين الإسلام!!!، سبحانك ربي، هذا بهتان عظيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الذين يقسمون التوحيد جعلوا الخلق فوق الحق
فإن رفضتَ قولهم بتقسيم التوحيد يقولون لك: لقد ذكره شيخ الإسلام فلانٌ، مع أن غيرهم من علماء الأمة يري أن هذا الشيخ الذي يستندون إلى كلامه ليس شيخا للإسلام ولكنه شيخ الفتنة والآثام، وأن الحق فوق الخلق مهما بلغت منزلتهم، والإمام عليٌّ عليه السلام يضبط أمر الفهم في مثل ذلك، فقد جاءه أحدُ أصحابه مستفسرا عن أمر اختلف فيه البعض مع الإمام فسأله قائلا: أيمكن أن يجتمع فلان وفلان وفلانة على باطل؟ فأجابه الإمام عليٌّ بقوله: "إنك لملبوس عليك، إن الحق والباطل لا يُعرفان بأقدار الرجال، اعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله".

من فتوى دار الإفتاء المصرية
هذا وقد صدرت من دار الإفتاء المصرية فتوى - بناء على الطلب المقدم إليها برقم 184 لسنة 2007 - فيها أن: "تقسيم التوحيد إلى ألوهية وربوبية هو من المصطلحات المحدثات التي لم ترد عن السلف الصالح وأول من أحدثها – علي ما هو المشهور - هو الشيخ ابن تيمية ثم أخذه عنه من تكلم به بعد ذلك، وأن القول بأن توحيد الربوبية لا يكفي وحده في الإيمان هو قول مبتدَع مخالف لإجماع المسلمين قبل ابن تيمية، بل ومخالف لكلامه نفسه من أن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وأن توحيد الربوبية مستلزم لتوحيد الألوهية…".
احذروا أيها المسلمون من فتنة تقسيم التوحيد
يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (سيكون في آخر أمتي أناس يحدثونكم ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم) "رواه مسلم" وفي رواية له بلفظ آخر: (يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم).
إننا مدعوون إلى أن نتحصن من خطر هؤلاء الذين يقسمون التوحيد هذا التقسيم المبتدَع الذي مؤداه أنه لا يبقى على وجه الأرض موحد إلا هم!، ومطالَبون أن نتصدى لهم ببيان الحقيقة ونشرها بين الناس، لأننا أمة مستهدفة من خارجها، والمستفيد الوحيد من تلك الفتنة هو: عدونا الخارجي الذي يتربص بنا الدوائر.

الخميس، 7 يونيو 2012

حقيقة احاديث الاحاد - بقلم خاطر عبد الجليل

الاحاديث المتواتره لا تتعدي ثلاثون حديثا
واحاديث الاحاد لا تفيد العلم في العقيده بل تفيد الظن ولا يصح الاحتجاج بها
وهذه هي اقوال اهل الحديث التي تثبت ذلك

 
السلام عليكم ورحمه الله

هذه هي شهادة جمهور علماء الحديث لدي اهل السنة والجماعة بظنية حديث الاحاد وعدم القطع به ووجوب العمل به في بعض المسائل

1ـ المحدث الخطيب (توفي في بغداد 463 هـ)
" خبر الواحد لا يُقبل فى شيء من أبواب الدين المأخوذ على المكلفين العلم بها والقطع عليها... "، إلى أن قال: " وإنما يُقبل به فيما لا يُقطع به، مما يجوز ورود التعبد به كالأحكام التى تقدم ذكرها (مثل الكفارات، والهلال، وتفاصيل الحدود..) "، وانظر: الكفاية للخطيب (41، 472).
2 ـ المحدث البخارى (توفي256 هـ):
" كتاب أخبار الآحاد "، ثم قال بعدها: " باب ما جاء فى إجازة خبر الواحد الصدوق فى الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام "، وانظر: صحيح البخارى: (كتاب 95 ـ أخبار الآحاد ـ باب: 1)، ولم يقل: " والعقائد " أو: " والغيبيات " لاحتياجها للقطع.
3 ـ المحدث الكرمانى (توفي 786 هـ):
قال الكرمانى شارحاً لمقولة البخارى السابقة: " ليعلم أنما هو (أى خبر الآحاد) فى العمليات لا فى الاعتقادات "، وانظر: الكوكب الدرى شرح الكرمانى للبخارى (25 / 13 ـ ك: أخبار الآحاد).
4 ـ المحدث بدر الدين العينى (توفي855 هـ):
الذى قال: " قوله: فى الأذان... الخ، إنما ذكر هذه الأشياء ليُعلم أن إنفاذ الخبر إنما هو فى العمليات لا فى الاعتقاديات "، وانظر : عمدة القارى للعينى: (25 / 11 ـ ك أخبار الآحاد).
5 ـ المحدث ابن حجر (توفي 852 هـ):
فقال فى شرحه لصحيح البخارى: " قال الكرمانى: ليُعلم أنما هو فى العمليات لا فى الاعتقاديات "، وانظر : فتح البارى لابن حجر: (13 / 287 ـ ك أخبار الآحاد). وقال أيضاً فى شرح النخبة: ".. وقد يقع فى أخبار الآحاد العلم النظرى (ولكن) بالقرائن "، وانظر : نزهة النظر لابن حجر: (48).
6 ـ المحدث الجرجانى :
" وحكم خبر الآحاد أنه يوجب العمل دون العلم ؛ ولهذا لا يكون حجة فى المسائل الاعتقادية "، وانظر : كتاب التعريفات للجرجانى: (97 ـ باب: الخاء).
7 ـ المحدث المناوى:
يقول المناوى: " ذهب الإمامان والغزالى والآمدى وابن الحاجب والبيضاوى إلى أن خبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرينة خلافاً لمن أبى ذلك وهم الجمهور ؛ فقالوا: لا يفيد (العلم) مطلقًا.
وقال التاج السبكى فى شرح المختصر: وهو الحق"، وانظر : اليواقيت للمناوى شرح شرح النخبة: (1 / 176 ـ 179).
8 ـ الأصولى محمد الأمين الجكنى الشنقيطى:
ولا يفيد العلم بالإطلاق عند الجماهير من الحذاق

ويقول الشنقيطى: " ولا يفيد خبر الواحد العلم ولو عدلاً بالإطلاق، احتفت به قرينة أم لا عند الجماهير من الحذاق، وبعضهم قال يفيده "، وانظر : مراقى السعود ـ شرح محمد الأمين: (272 ـ كتاب السنة).
9 ـ الأصولى الشاطبى (توفي 780 هـ):
" فإنها إن كانت من أخبار الآحاد فعدم إفادتها القطع ظاهر "، وانظر : الموافقات للشاطبى: (1 / 24: المقدمة الثانية، 3/11، 106).
ويقول أيضًا: " أجمع المحققون على أن خبر الواحد لا ينسخ القرآن ولا الخبر المتواتر لأنه رفع للمقطوع به بالمظنون ".
10 ـ الأصولى الكراماستى:
ويقول الإمام الكراماستى: " وخبر الواحد لا يوجب علم اليقين ولا الطمأنينة بل يوجب الظن "، وانظر : الوجيز فى أصول الفقه للكراماستى: (52 ـ المرصد السادس فى: السنة).
11 ـ الأصولى الفخر الرازى (توفي 606 هـ):
يقول الإمام الرازى: " إن خبر الواحد إما أن يكون مشتملاً على مسائل الأصول وهذا باطل، لأن تلك المطالب يجب أن تكون يقينية وخبر الواحد لا يفيد إلا الظن "، وانظر : المعالم فى أصول الفقه للرازى: (47 ـ الباب الثامن فى الأخبار: المسألة الرابعة) وكذلك المحصول له.
12 ـ الأصولى الباقلانى (توفي 403 هـ):
يقول القاضى الباقلانى: " اتفق الفقهاء والمتكلمون على تسمية كل خبر قصر عن إيجاب العلم بأنه خبر واحد، وسواء رواه الواحد، أو الجماعة، وهذا الخبر لا يوجب العلم "، وانظر : تمهيد الأوائل للباقلانى: (441، باب آخر فى خبر الواحد).
13 ـ الأصولى وهبة الزحيلى:
يقول الزحيلى: " وحكم سنة الآحاد أنها تفيد الظن لا اليقين ولا الطمأنينة، ويجب العمل بها لا الاعتقاد للشك فى ثبوتها، وهذا هو مذهب أكثر العلماء وجملة الفقهاء "، وانظر : أصول الفقه الإسلامى لوهبة الزحيلى: (1/455).
14 ـ الأصولى شرف الإسلام ابن برهان البغدادى:
ويقول ابن برهان: " خبر الواحد إذا اتصلت به القرينة أفاد العلم عند النظام، وهو مذهب الإمام، وذهب أكثر العلماء إلى أن ذلك ممتنع "، وانظر : الوصول لابن برهان البغدادى: (2/150 ـ المسألة السادسة، 162).
15 ـ الحافظ المحدث الذهبى:
يقول الذهبى: " وفى ذلك حض على تكثير طرق الحديث لكى يرتقى عن درجة الظن إلى درجة العلم، إذ الواحد يجوز عليه النسيان والوهم "، وانظر : تذكرة الحفاظ للذهبى: (1 / 6 ـ ت: 2 عمر بن الخطاب).
16 ـ الإمام المحدث النووى (توفي 676 هـ):
يقول النووى: " وإذا قيل صحيح فهذا معناه، لا أنه مقطوع به ". ثم يقول بعدها: " وذكر الشيخ (أى ابن الصلاح) أن ما روياه (البخارى ومسلم) أو أحدهما فهو مقطوع بصحته، والعلم القطعى حاصل فيه، وخالفه المحققون والأكثرون فقالوا: يفيد الظن مالم يتواتر "، وانظر : التقريب للنووى: (11،18)، وإرشاد طلاب الحقائق له: (58،65)، ومقدمة صحيح مسلم. وقد قال بذلك القول ابن الصلاح فى صيانة صحيح مسلم (85 ـ الفصل الرابع) ومقدمة ابن الصلاح مع التقييد (43).
وقال فى مقدمة شرحه لصحيح مسلم بعد أن ذكر كلام ابن الصلاح: " وهذا الذى ذكره الشيخ فى هذه المواضع خلاف ما قاله المحققون والأكثرون، فإنهم قالوا: أحاديث الصحيحين التى ليست بمتواترة إنما تفيد الظن، فإنها آحاد. والآحاد التى فى غيرهما يجب العمل بها إذا صحت أسانيدها، ولا تفيد إلا الظن. فكذا الصحيحان، وإنما يفترق الصحيحان عن غيرهما من الكتب فى كون ما فيهما صحيحاً لا يحتاج إلى النظر فيه، بل يجب العمل به مطلقا ً، وما كان فى غيرهما لا يعمل به حتى ينظر وتوجد فيه شروط الصحيح. ولا يلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه كلام النبى (ص) ، وقد اشتد إنكار ابن برهان الإمام على من قال بما قاله الشيخ، وبالغ فى تغليطه "، وانظر : مقدمة شرح النووى لصحيح مسلم (1/41)
17 ـ المحدث ابن قطلوبغا:
يقول ابن قطلوبغا: " وهذه النتيجة (أى أن ما أخرجه الشيخان فى الصحيح يفيد العلم) غير مسلمة لصحة تلقيهم بالقبول ما غلب على ظنهم صحته، وقوله إن التلقى بالقبول موجب للعمل به، ووجوبه يكفى فيه الظن، لأن ظنهم لا يخطئ لعصمتهم لا يفيده فى مطلوبه ؛ لأن متعلق ظنهم الحكم الشرعى، ولأنه هو محل وجوب العمل، لا أن متعلق ظنهم أن المصطفى قاله هكذا، وهذا الثانى هو مطلوبه. وما ذكره (أى ابن الصلاح) لا يفيده فى مطلوبه إلا أن يدعى إجماع الأمة على الصحة نفسها، وأنى له ذلك به، ولذا نظر فى المقنع إلى ذلك قال: فيه نظر، لأن الإجماع إن وصل إلينا بأخبار آحاد كان ظنياً "، وانظر : شرح شرح النخبة ـ اليواقيت للمناوى: (1 / 185).
18ـ الأصولى العز بن عبد السلام:
يقول المناوى: " وقد عاب ابن عبد السلام ومن قال بمقالته على ابن الصلاح ومن قال بمقالته فقال: إن المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى القطع بمضمونه وهو مذهب رديء، وأيضاً إن أراد كل الأمة فلا يخفى فساده، إلا الأمة الذين وجدوا بعد وضع الكتابين فهم بعضها لا كلها! وإن أراد كل حديث منها تلقى بالقبول فى كافة الناس فغير مسلم. ثم إنا نقول التلقى بالقبول ليس بحجة، فإن الناس اختلفوا أن الأمة إذا عملت بحديث وأجمعوا على العمل به، هل يفيد القطع أو الظن ؟ ومذهب أهل السنة أنه يفيد الظن ما لم يتواتر "، وانظر : اليواقيت والدرر للحافظ المناوى: (1 / 187 ـ 188).
19 ـ المحدث رضى الدين الحلبى:
يقول الإمام رضى الدين (بعد أن ساق قول ابن حجر بإفادة أحاديث الصحيحين للعلم وغيرها): " حتى إن خبر كل واحد فهو مفيد للظن، وإن تفاوتت طبقات الظنون قوة وضعفاً "، وانظر : قفو الأثر فى صفو علوم الأثر للإمام رضى الدين الحلبى الحنفى: (46).
20 ـ الأصولى ابن قدامة:
يقول الإمام ابن قدامة : " إن جميع ما رووه وذكروه هو أخبار آحاد، ولا يجوز قبول ذلك فيما طريقه العلم ؛ لأن كل واحد من المخبرين يجوز عليه الغلط، وإنما يعمل بأخبار الآحاد فى فروع الدين، وما يصح أن يتبع العمل به غالب الظن، فأما ما عداه فإن قبوله فيه لا يصح، وذلك يبطل تعلقهم بهذه الأخبار حتى ولو كانت صحيحة السند وسليمة من الطعن فى الرواة ".
ويقول فى الروضة: " اختلفت الرواية عن إمامنا رحمه الله (أحمد بن حنبل) فى حصول العلم بخبر الواحد، فروى أنه لا يحصل به (أى العلم) وهو قول الأكثرين والمتأخرين من أصحابنا، لأنا نعلم ضرورة أنا لا نصدق كل خبر نسمعه. ولو كان (أى خبر الواحد) مفيداً للعلم لما صح ورود خبرين متعارضين لاستحالة اجتماع الضدين ".. الخ، وانظر : روضة الناظر للإمام ابن قدامة المقدسى: (91)، والروضة: (1/260).
21 ـ الأصولى عبد القادر الدومى:
يقول الشيخ: " والذى أراه آنه لايفهم من كلام الإمام (أحمد بن حنبل) إلا التخصيص بأخبار الرؤية، فكأنه يقول: إن أخبارها وإن لم تبلغ حد التواتر لكنها احتفت بقرائن جعلتها بحيث يحصل العلم بها، وتلك القرائن هي ظواهر الآيات القرآنية المثبتة لها، فإسناد القول الثانى إلى الإمام من غير تقييد فيه نظر. وكذلك مانسبه إليه ابن الحاجب والواسطى وغيرهما من أنه قال (أى الإمام أحمد): يحصل العلم فى كل وقت بخبر كل عدل وإن لم يكن ثم قرينه فإنه غير صحيح أصلاً، وكيف يليق بمثل إمام السنة أن يدعى هذه الدعوى، وفى أى كتاب رويت عنه رواية صحيحة، ورواياته رضى الله عنه كلها مدونه، معروفة عند الجهابذة من أصحابه، والمصنف رحمه الله (أى ابن قدامة) من أولئك القوم، ومع هذا أشار إلى أنها رواية مخرجة (أى زائدة) على كلامه ثم إنه تصرف بها كما ذكره هنا. فحقق ذلك وتمهل أيها المنصف "، وانظر : نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر للشيخ عبد القادر الدومى (1/261).
قلت (أنا إيهاب): ومسند أحمد بن حنبل نفسه يغص بالروايات التى يندى لها جبين العقلاء، ومن ذلك ما رواه من: أن عرش الرب سبحانه يحمله ثمانية تيوس!! وأن آخر وطأة وطئها الله كانت بالطائف (وجّ)!! وأن النبى (ص) أمر الأمة رجالاً ونساءً أن يقولوا للمعتز بالجاهلية: عضّ ذكر أبيك، وانظر : مسند أحمد (1/206 ـ ح1773)، (4/172،6/409)، (5/136 ـ ح 20727 ـ 20731).
إلى غير ذلك من الهراء والسفالات!! فأنى لعاقل أن يقول إن مثل هذا القىء هو مما قاله النبى (ص) وعلى صفة القطع ؟!!

22ـ المحدث أحمد بن حنبل (توفي 241 هـ):
ويقول فيما نقله عنه أبو بكر الأثرم: " إذا جاء الحديث عن النبى (ص) بإسناد صحيح فيه حكم أو فرض عملت بالحكم والفرض ودِنْت الله تعالى به، ولا أشهد أن النبى (ص) قال ذلك ". ومانُقل عنه بخلاف ذلك فأقوال واهية. قاله أبو يعلى فى العدة فى أصول الفقه: (3/898) نقلاً عن كتاب معانى الحديث لأبى بكر الأثرم.

23ـ المحدث بدر الدين الشبلى:
يقول الشبلى: " ومع هذا فهو خبر واحد لايفيد غير الظن "، وانظر : آكام المرجان فى أحكام الجان للقاضى الشبلى: (181)

24ـ الأصولى عبد القاهر البغدادى (توفي 429 هـ):
يقول عبد القاهر: " وأخبار الآحاد متى صح إسنادها وكانت متونها غير مستحيلة فى العقل كانت موجبة للعمل بها دون العلم "، وانظر : أصول الدين للإمام عبد القاهر البغدادى: (12).

25ـ المحدث ابن الأثير الجزرى:
يقول ابن الأثير فى جامع الأصول: " وخبر الواحد لايفيد العلم ولكننا متعبدون به. وماحُكى عن المحدثين من أن ذلك يورث العلم، فلعلهم أرادوا أنه يفيد العلم بوجوب العمل، أو سموا الظن علماً ولهذا قال بعضهم: يورث العلم الظاهر والعلم ليس له ظاهر وباطن، وإنما هو الظن "، وانظر : جامع الأصول للحافظ ابن الأثير الجزرى ـ المقدمة.

26ـ الأصولى الشوكانى (توفي 1255 هـ):
يقول الإمام الشوكانى فى الإرشاد: " الآحاد: وهو خبر لايفيد بنفسه العلم سواء أكان لايفيده أصلاً، أو يفيده بالقرائن الخارجة عنه، فلا واسطة بين المتواتر والآحاد وهذا قول الجمهور "، وانظر : إرشاد الفحول فى علم الأصول للإمام الشوكانى: (1 / 207).

27ـ الأصولى البزدوى (توفي 483 هـ):
يقول الإمام البزدوى: " وأما دعوى علم اليقين فى أحاديث الآحاد فباطلة بلا شبهة لأن العيان يرده، وهذا لأن خبر الواحد محتمل لامحالة، ولايقين مع الاحتمال، ومن أنكر هذا فقد سفه نفسه وأضل عقله. ولما كان خبر الواحد لايفيد اليقين، لايكون حجة فيما يرجع إلى الاعتقاد لأنه مبنى على اليقين، وإنما كان حجة فيما قصد فيه العمل ".

علي زيدان-خروج الكافرين من الجحيم

ولحسم هذا الموضوع أنقل أدلة كثيرة أوردها الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام في التفسير الكبير:
خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ( * ) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ.
شرح الكلمات:
سُعِدوا: سُعِدَ على المجهول وسعَد ويسعِد سعادةً: ضدُّ شَقِيَ، فهو مسعود على الأول، وسعيد على الثاني، واللفظُ يأتي مرةً بصيغة الفاعل ومرةً بلفظ المفعول والمعنى واحد، نحو عبد مكاتِب ومكاتَب، وبيتٌ عامرٌ ومعمور، ونظائره كثيرة. والسعد: اليُمن وأسعدَ عليه: أعانه (الأقرب).
مجذوذ: جذَّ الشيءَ: كسرَه؛ قطعَه مستأصِلاً. وجذّ: أسرعَ. وجذَّ النخلَ: صرَمَه. عطاءٌ غير مجذوذ: أي غير مقطوع. (الأقرب)
التفسير: هذه الآية تلقي الضوء على قضية هامة يختلف فيها الإسلام مع الأديان الأخرى اختلافًا كبيرًا، ألا وهي قضية النجاة.
فالهندوس يرون أن الجنة والجحيم (أي الثواب والعقاب) كلتيهما محدودة الزمن. ينال الإنسان جزاء أعماله ثوابًا أو عقابًا في العالم الآخر، ثم يرجع إلى الدنيا مرة أخرى (ستيارث بركاش ص569). وإنّ كل الفِرق الهندوسية -رغم اختلافها في الأمور الأخرى- متفقة على هذه العقيدة.
وبعد الشعب الآري الذي جاء منه الهندوس يُعتبر الشعب السامي من أكبر الشعوب القديمة، الذي ينتمي إليه اليهود نسلاً والنصارى دينًا. ويرى اليهود أنه لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديًا إذ لا مكان فيها لغير اليهود، وأن الجحيم شبهُ محرمةٍ على اليهود، وإذا كان لا بد من دخول يهودي فيها فإنه لن يبقى فيها إلا لمدة أحد عشر شهرًا على الأكثر (ترجمة سيل للقرآن، ص10). أما غيرهم فكلهم في الجحيم التي لا نهاية لها، وسوف يبقون فيها للأبد.
وأما النصارى فيرون أن كلاً من الجنة والنار أبَديّة لا نهاية لها ولا انقطاع. غير أن هناك فِرقًا منهم تعتقد أن الجنة سوف تنتهي في آخر الأمر (رسالة بولس الثانية كورنثوس 5، والمكاشفة 14: 9-11).
ولكن الإسلام يعارض هذه النظريات كلها معارضةً شديدةً. والنظرية الإسلامية في هذا الشأن كما ذكرها الأسلاف (تفسير الرازي)، وكما أكد عليها في هذا العصر سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام بأسلوب خاص هي أن الجنة أبدية ولزمن غير محدود، ولكن الجحيم ليست كذلك، بل إنها سوف تنتهي بعد مرور زمن (الخزائن الروحانية ج 3، إزالة أوهام ص280، وأيضًا الخزائن ج 22 حقيقة الوحي ص189).
وأما قوله تعالى عن الجحيم (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ) فقد اختلف المفسرون فيه كثيرًا، فقال بعضهم: إن (مَا) جاءت بمعنى (مَن) التي هي لذوي العقول، والتقدير: إلا من شاء ربك، بمعنى أن الجحيم أبدية ولكن الله تعالى سوف يُخرج منها بعد فترة من يشاء من عباده الموحّدين. (القرطبي)
ولكن المفسرين الآخرين يردّون على ذلك قائلين: لا شك أن (مَا) تأتي أحيانًا بمعنى (مَن) شريطة أن يكون بعض غير ذوي العقول ضمن ذوي العقول هؤلاء، ولكن هذا الشرط غير متوفّر هنا، فلا يصح اعتبار (مَا) بمعنى (مَن). وهناك شروط أخرى لمثل هذا الاستخدام وهي أيضًا غير متوفرة في هذه العبارة.
ولقد ساق الفريق الأول من المفسرين شواهد أخرى من الآيات القرآنية على ورود (مَا) بمعنى (مَن)، ومنها قوله تعالى (فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء) (النساء: 4)، ولكن الفريق الآخر يقول بأنها لم تُستخدم في هذه الآية ومثيلاتها بالمعنى الذي يريدونه. وأنا أيضًا متفق مع الذين لا يرون (مَا) بمعنى (مَن).
ثم يجب أن يتذكروا أن القرآن الكريم قد وصف عقاب العاصي الذي سيدخل النار -سواء كان مؤمنًا بالله موحدًا أو كافرًا به مشركًا- بكلمة واحدة، فبأيّ كلمة يفرّق أصحاب الرأي الأول بين عقوبة المؤمن الفاسق وعقوبة الكافر المشرك ممن يدخلون النار. يقول القرآن الكريم موجهًا الكلام إلى المسلمين الموحدين: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) (النساء: 15)، ويقول لهم أيضًا (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء: 94).وقال في موضع آخر (وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) (الجن: 24) والخطاب قبل هذه الآية موجّه إلى الكفار ولا شك، ولكن القاعدة المذكورة هنا لا تخص الكفار وحدهم، بل هي عامة تشمل كل العصاة سواء من أهل الإيمان والتوحيد أو أهل الكفر والشرك. إذن فلا يجوز تحديد عموم الآية بأي حال.
ويرى الآخرون أن (مَا) هنا ظرفية والمراد منها هو الفترة التي تكون قبل دخولهم النار في عالم البرزخ وغيره (الرازي)، ولكن هذا أيضًا غير صحيح، لأنه تعالى قال من قبل (خَالِدِينَ فِيهَا)، فالاستثناء جاء عن الخلود، ولا يتحقق هذا الاستثناء إلا بعد دخولهم في النار.
ثم إن الخلود يعني الزمن المُقبل لا الماضي كما يتضح هذا من قوله تعالى (أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ) (الأنبياء: 35).
وقد اختلفوا أيضًا في الاستثناء الوارد عن أهل الجنة في قوله تعالى (فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إلا مَا شَاء رَبُّكَ)، فيرى البعض: أن هؤلاء الذين استثناهم هنا هم أصحاب الأعراف أو مَن يخرجهم الله من النار بعد فترة ويدخلهم الجنة.
الواقع أنهم وقعوا في هذه المشكلة واضطروا لهذه التأويلات لأنهم من جهة وجدوا الآية صريحة في إعلانها أن عذاب جهنم عذاب مؤقت وسينتهي بعد فترة، ولكنهم من ناحية أخرى كانوا يعتقدون خطأً أن الجحيم أبدية وعذابها غير منقطع مثل الجنة التي نعيمها أبديٌّ وغير محدود. مع أن الحق أنه ليس القرآن الكريم وحده الذي يعلن عن خراب جهنم بعد فترة من الزمن، بل إن الأحاديث الشريفة أيضًا تؤكد ذلك، فقد ورد في الحديث: "ليأتينّ على جهنم يوم تصفق فيه أبوابها، ليس فيها أحد، وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابًا" (مسند أحمد). وكأن الخلود يعني هنا العيش فيها لقرونٍ.
لقد انتقد بعض المحدّثين هذه الرواية بقولهم بأن أحدًا من رواتها كذّاب، ولكن الحق أن لا قيمة لانتقادهم هذا، لأن الرواية تذكر نفس ما ذكره القرآن الكريم واصفًا أهل النار بقوله (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) (النبأ: 24).
وقد ذكر صاحب "فتح البيان" أن نفس هذا المعنى مروي أيضًا عن ابن مسعود وأبي هريرة. وقد نقل العلاّمة البغوي الرواية نفسها عن أبي هريرة، مما يؤكد صحتها (فتح البيان).
والإمام ابن تيمية أيضًا قال بفناء جهنم وأخبر أن هذه هي عقيدة عمر وابن عباس وأنس وكثير من المفسرين. وأما الإمام الحافظ بن القيم وهو تلميذ لابن تيمية ومن كبار الصوفية فقد كتب بحثًا مستفيضًا عن فناء جهنم في كتابه "حادي الأرواح في بلاد الأفراح" (فتح البيان).
وقد فسّر البعض كلمة (خَالِدِينَ فِيهَا) بأنها تعني مكوثهم في النار دومًا، ولكنهم قالوا أيضا بأن الله تعالى حينما يقضي على جهنم بسبب رحمته الواسعة فلا تبقى هناك أي جهنم، وهكذا ينتهي أيضًا خلودهم فيها.
لقد نقل ابن جرير عن الشعبي "أن جهنم أسرع الدارَيْن عمرانًا وأسرعهما خرابًا" (تفسير ابن جرير، تحت الآية).
وقال ابن مسعود: "ليأتينّ عليها زمان تخفق بها أبوابها". ونفس القول مروي عن جابر وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم(فتح البيان).
ثم إن هناك رواية في البخاري ومسلم تؤكد فناء جهنم، خلاصتها: أن الله تعالى سوف يمنح للملائكة والنبيّين والمؤمنين حق الشفاعة، فيذهب المؤمنون ويشفعون لإخوانهم، ويُخرجون من النَار من يعرفونهم. فيعودون إلى الله "فيقول لهم: اذهبوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينارٍ من خيرٍ فأَخرِجوه. فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نَذر فيها أحدًا ممن أمرتنا به. ثم يقول: ارجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأَخرِجوه، فيُخرجون خلقًا كثيرًا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا. ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خيرٍ فأخرِجوه. فيُخرجون خلقًا كثيرًا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرًا.. فيقول الله تعالى: شفعت الملائكةُ وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبقَ إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضةً من النار، فيُخرج منها قومًا لم يعملوا الخير قط (مسلم كتاب الإيمان، والبخاري، الردّ على الجهمية).
يتضح من هذا أن الله تعالى سوف يُخرج من الجحيم حتى أولئك الذين لم يعملوا أية حسنة قط. وهذا يشكّل دليلاً على فناء جهنم، إذ لا يمكن أن يكون من أهلها أحدٌ أحطَّ درجة من هذا الصنف من الناس، فما دام هؤلاء أيضًا سيُخرجون منها فمعنى ذلك أنها ستفنى وستنتهي.
كما يجب أن نعلم أن "قبضة الله" لا تعني قبضة مادية، وإنما هي تعبير عن إحاطة الشيء إحاطةً كاملةً، وهذا أيضًا دليل أنه لن يُبقي في جهنم أحدًا إذ لا يمكن أن يبقى شيء خارجًا عن الإحاطة الإلهية. كما نستنتج من هذه الرواية أن من سيستحق عذاب النار سوف ينال نصيبه منها أولاً، ثم يُخرج منها لينال جزاءه على ما فَعَل من خيرٍ، لأنه تعالى يقول (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزال: 8)، وهذا يؤكد أن النجاة هي نصيب الجميع في آخر المطاف، وأن الجحيم فانيةٌ في آخر الأمر.
وكل هذه الروايات توضح تمامًا أن معظم الصحابة وكبار التابعين يتمسكون بالرأي الذي نتمسك به نحن المسلمين الأحمديين في هذه المسألة، بل إن القرآن الكريم نفسه مؤيد لموقفنا كما يتبين من آياته التالية:
أولاً: نفس هاتين الآيتين اللتين نحن بصدد تفسيرهما: فمما لا شك فيه أن الله تعالى قد قال فيهما عن الفريقين (إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ)، ولكنه فرّق بين وصفهما، إذ وصف الجنة بكونها (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير منقطع، بينما قال في وصف جهنم: (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ)، وفيه تأكيد شديد على أمر ما، وليس هذا التأكيد إلا على إخراج أهل النار منها لا محالة. فالجملة مؤكدة أولاً بكونها جملة اسمية، ثم بحرف (إِنَّ) المؤكّدة، ثم باسمين للمبالغة (ربّ) و(فَعَّالٌ). فإذا كان الله تعالى لا يريد إخراجهم من النار أبدًا، فما الداعي لهذا التأكيد المتكرر يا تُرى؟!
ثم إذا كانت الجحيم غير منقطعة مثل الجنة فلماذا لم يقل في وصفها مثلاً: (عقابًا غير مجذوذ) كما قال عن الجنة (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ).. أي أن أهل الجنة سيعيشون بحسب مشيئتنا ولا شك، ولكن مشيئتنا فيهم هي أن يخلدوا فيها دون أن تنقطع أو تفنى.
وهذا الدليل من القوة والجلاء بحيث إن الإمام ابن حجر الذي كان معارضًا لرأي الإمام ابن تيمية القائل بفناء الجحيم.. اضطرّ للقول بأن الله تعالى قد صرّح بمشيئته عن أهل الجنة، ولكنه لزم الصمت عن أهل النار.
ولكن الواقع أن الله تعالى لم يسكت عن إظهار مشيئته فيما يتعلق بأهل النار، بل صرّح عنها هنا بقوله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ).. أي أنه عزّ وجلّ سوف يحقق فيهم لا محالة مشيئته المشار إليها في قوله (إلا مَا شَاءَ رَبُّكَ).
ثانيًا: قال الله تعالى (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ) (هود: 119- 120). والمراد من قوله (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) أنه خلقهم لكي يرحمهم. وقد روى ابن كثير عن ابن عباس قوله: "للرحمة خلقهم ولم يخلقهم للعذاب" (ابن كثير).
وروى ابن وهب عن طاؤوس: "أن رجلين اختصما إليه فأكثرا". فقال طاؤوس: اختلفتما وأكثرتما. فقال أحد الرجلين: لذلك خُلقنا. فقال طاؤوس: كذبتَ. فقال: أليس الله يقول: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إلا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)؟ قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة. وكذا قال مجاهد والضحّاك وقتادة (ابن كثير).
وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن المراد من قوله تعالى (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) هو: للرحمة خلقهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة: (وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) أي للرحمة والعبادة (الدر المنثور).
والبديهي أنه لو بقي البعض في الجحيم إلى أبد الآباد فلن يُعتبر خلقهم للرحمة، بل يكون منافيًا لمدلول هذه الآية.
ثالثًا: قد ورد في القرآن في عدة أماكن وصف نعيم الجنة بأنه أبدي غير منقطع كقوله تعالى (فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (التين: 7)، وقوله تعالى (لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (الانشقاق: 26). ولكن لم يرد هذا الوصف عن النار مما يؤكد أن هناك فرقًا بين جزاء الجنة وعقاب الجحيم فيما يتعلق ببقائهما وانقطاعهما.
رابعًا: قال الله تعالى (عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ) (الأعراف: 157). فهذه الآية تؤكد أن رحمة الله تسع كلَّ شيء، ولكن عذابه أمر عارض عابر، وأن من سيعاقَب بالعذاب سوف تسَعه أيضًا رحمة الله في آخر المطاف. فإنه قد جعل العذاب هنا لأفراد معينين، وجعل الرحمة شاملةً للناس كافة بل للأشياء جميعًا ليؤكد أن عذاب جهنم سوف ينتهي في يوم من الأيام حتمًا، وإلا لم تكن رحمته واسعة لكلّ شيء.
وهناك آية أخرى بهذا المعنى (رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا) (غافر: 8). لقد ذكر هنا سعة علم الله ورحمته معًا. فالزعم بحرمان البعض من الرحمة الإلهية ببقائهم في العذاب دون نهاية يستلزم أن نعتقد أن هناك أشياء تخرج عن دائرة العلم الإلهي. وكما أن هذا الظن باطل بالبداهة، كذلك باطل حرمان البعض من الرحمة الإلهية ببقائهم في النار الأبدية.
وقد يقول هنا قائل: هذا المنطق يلزمنا أن نعتقد بأن البعض لن يعاقَبوا حتى عقابًا مؤقتًا، وإلا سنضطر للقول بأن البعض يخرجون من علم الله خروجًا مؤقتًا؟
والجواب أننا إذا سلّمنا بانتهاء العذاب في آخر الأمر فلا بد لنا من التسليم أيضًا بأن العقاب في الآخرة وسيلة للإصلاح في واقع الأمر، وإذا كان العقاب يهدف للإصلاح فلا شك في كونه مظهرًا من مظاهر الرحمة الإلهية، ومثاله مثال العقاب الذي ينزله المعلم بتلميذه. وهكذا فإنه لا يخرج عبد من عباد الله من رحمته الواسعة ولو للحظة، بل يبقى دائمًا تحت ظلها. ولكن لن يكون الأمر كذلك إذا اعتبرنا العذاب أبديًا دون نهاية.
خامسًا: يقول الله تعالى (فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ( * ) وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر: 30-31)، أي الذي يصير عبدًا حقيقيًا لله تعالى يُدخله في الجنة. ويقول عزَّ مِنْ قائل في موضع آخر (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 57) أي أن كل إنسان سوف يصبح في آخر الأمر عبدًا حقيقيًا لله عز وجل، لأن هذه هي غاية خلقه التي لا يمكن أن يبقى محرومًا للأبد من إحرازها. وحيث إن الناس جميعًا سوف يصيرون عبادًا لله تعالى -عاجلاً أو آجلاً- فلا بد من أن يدخلوا جميعًا في الجنة أيضا في آخر الأمر.
سادسًا: يعلن ربنا جلّ شأنه (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ) (الزلزال: 8). ولكن تخفيف العذاب عنه لا يعني أنه رأى نتيجة الخير الذي فعله. لذلك من الضروري أن يعاقَب المرء على سوء أعماله لفترة، ثم ينتهي عقابه ليرى جزاء أعماله الحسنة.
سابعًا: يخبرنا الله تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ ( * ) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) (القارعة: 9-10) أي الذي لا تكون أعماله ذات ثقل وقيمة فإن جهنم ستكون بمثابة أمٍ له. والظاهر أن الجنين لا يبقى في بطن أمه للأبد، بل يمكث فيه إلى حين اكتمال نموه واكتساب قوته. كذلك العُصاة إنما يمكثون في الهاوية أي الجحيم إلى أن تنمو وتنضج فيهم الملكات التي تمكّنهم من الرؤية الإلهية.
وباختصار، إن كل هذه الآيات تصرّح بأن جهنم ليست أبدية غير منقطعة، وأن الخلود لا يعني البقاء بدون نهاية، وإنما يعني فقط زمنًا طويلاً قد عبّر عنه القرآن بقوله: (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا).
وأما قول الله تعالى عن أهل الجنة والنار: (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) فإنما المراد منه أنهم سيمكثون هناك إلى زمن بقاء سماء وأرض الجنة والجحيم. فما دامت الجحيم ستؤول إلى الفناء هكذا -مع العلم أنه ليست هناك أية آية في القرآن تنفي انتهاء الجحيم- فلا شكّ أن مكوث أهلها فيها أيضًا سيصل إلى النهاية. ولكن الجنة، كما بيّنتُ، عطاءٌ غير مجذوذ أي غير منقطع بخلاف الجحيم كما صرّح القرآن.