الخميس، 29 أغسطس 2013

يحيى عبابنة-نقش ثمودي (لوحة النقش العجيب)2\3

قراءة الحرف في النقش
الجانب الكتابي:
ونعني به تلك الكتابات التي جعلها الناقش جزءاً من الرؤيا الكلية التي أراد أن يُعَبِّر عنها في التشكيل الفني. وتمتاز هذه الكتابات بسمَة يمكن أن نطلق عليها التطويع الفني، فصورة الحرف تعبير كتابي عن صوت (كتابة)، هو كذلك جزء من الصورة، فالناقش فنَّان من هذه الناحية.
ومن ميزات هذه الكتابة أنّها تظهر الكاتب أو الناقش على وعي كبير بأنواع الخطوط، فهو يعرف الخط الثمودي معرفة كاملة، ويدرك تداخل الصور في التعبير عن الرمز الكتابي، فالمعروف للمعنيين أن بعض الرموز كان يعبِّر عن أكثر من حرف واحد، فالرمزكان يعبر عن العين والجيم معاً في نقوش ثموية مختلفة، غير أنه عبر عنهما في هذا النقش معاً، كما أن الرمز(  ) استعمل للتعبير عن صورتي الباء والسين، وفقاً لجهتي القراءة. وكذلك غيرهما من الرموز لمستعملة في النقش كما سنلاحظ.
ومن الخطوط الموجودة في النقش أيضاً الخط السرياني، ومن الغريب أن يكون هذا الخط معروفاً في هذا الوقت المبكر، إلا إذا كان الناقش يعرفه قبل وقت انتشاره الذي أعقب وقت انتشار الخطوط الثمودية.
ويمكن أن نتأول من التشكيل الصوري كلمتين كتبتا بالخط الكنعاني القديم الذي تبنّاه اليهود في المراحل الأولى من حياتهم التي عاشوها إلى جانب القبائل الكنعانية، قبل أن يقلعوا عن استعماله، ويستعملوا الخط الآرامي المربع الذي صار يعرف بالخط العبري المربَّع، وما زال مستعملاً عندهم إلى يومنا هذا.
وقبل النقل الصوتي (الكتابة الصوتية) لصور الحروف الموجودة في النقش ودلالاتها، أشير إلى قضية مهمة جداً في قراءة النقش، وهي التي لاحظناها في التشكيل الصوري الفني، فقد كانت الصورة قابلة للتشكيل أنّى جعلنا اتجاهها، فإذا نظرنا إليها عمودياً رأينا صورة ما، وإذا قلبناها، سنرى صورة أخرى، وهو أمر تمكن الناقش من نقله إلى الصور الكتابية أيضاً، فقد بدت الكلمة مقروءة بصورة ما من اليمين مثلاً ولكنك تستطيع أن تقرأها بصورة مختلفة من الشمال، ولكنها تصبح ذات دلالة أخرى، وهو أمر تحتمله الكتابات الثمودية التي لم يكن اتجاه الكتابة مهماً فيها، فالكاتب يستطيع أن يبدأ من الشمال إلى اليمين أو العكس، ويستطيع أن يكتب كتابة حلزونية من أي جهة شاء وكذلك من الأعلى إلى الأسفل أو من الأسفل إلى الأعلى، ولكن اتجاه الكتابة وقراءتها شيء، والقصد إلى تشكيل كتابي يُقرأ من جهات مختلفة بدلالات مختلفة مقصودة شيءٌ آخر، فهو لم يرد أن يجعل من نقشه نقشاً تذكارياً، بل أراد أن يصنع رؤيا، وأن يخلّد شيئاً يتعلق بالبعد الديني (غير الوثني)، ولذا فقد سخر معرفة واسعة بالخطوط والكتابات القديمة، كما ابتعد عن الخطين العبري المربع والعربي الشمالي (ما عدا الخط الثمودي المأخوذ من الخطوط العربية الجنوبية (اليمنية) المعروفة بالخط المسند.
ونستطيع أن نخمِّن سبب ابتعاده عن الخط العربي الشمالي الذي مازلنا نستعمله، وهو الذي كتب به القرآن الكريم، فالخط بكل بساطة لم يكن معروفاً أو شائعاً على الأقل، ولذا فإن الناقش لم يكن يعرفه.
وأما عدم استعمال الخط العبري المربع، فهو أن الناقش نفسه يريد أن يخفيه عن مستعملي هذا الخط، وهم اليهود؛ لأنه يخاف منهم ولا يريد أن يتعرض لردة فعلهم، فيقع في دائرة الأذى، أو يوقع عمله في تلك الدائرة، فلعله يريد أن يقول شيئاً ليس من السهولة أن يقوله بحريَّة.
الكلمات المستعملة في النقش:
سنقسم الكتابات المستعملة في النقش بحسب القلم الذي تنتمي إليه، إلى الأقسام الثلاثة الآتية:
1-
الكلمات الثمودية:
الكتابة الثمودية، كتابة عربية، استعملها العرب الشماليون قبل اكتشاف الخط العربي الشمالي بزمن ليس قصيراً، ويعيد أغلب الدارسين الخط الثمودي إلى القرن السابع أو الثامن قبل ميلاد نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام، وقد قسم الباحث (Winnett) النقوش الثمودية التي عثر عليها حتى الآن إلى خمس مجموعات بحسب تاريخها، وهي:
*
المجموعة : أ ، وتعود إلى ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد.
*
المجموعة: ب، وتعود إلى الفترة الواقعة بين القرن الثالث إلى القرن الأول قبل الميلاد أيضاً.
*
المجموعة: ج، وهـي تعود إلى القرن الأول أو الثانــي الميلاديين.
*
المجموعة: د، وتعود إلى المدة الواقعة بين القرنين الأول والثالث الميلاديين، فقد ورد فيها نقش مؤرَّخ بـ (267م).
*
المجموعة: هـ، وتعود إلى القرن الرابع أو الخامس الميلاديين(.. وينظر: آمنة الزعبي "اللهجة العربية الثمودية" (ص19)، Winnett, F, A Study of the Lehynite & Thamudic Inscriptions, PP.50-54).
وقد نقضت (Eerstin Eksell) هذا التقسيم، ورأت أنه لا يصدق على زمن النقوش الثمودية، وأعادت النقوش الثمودية إلى القرن الثامن قبل الميلاد (ksell, K, Meaning in Ancient North Arabian Carvings, P. 17).
ونورد ملاحظة يعرفها المعنيّون بالكتابات القديمة، وهي أن الكتابات الثمودية كأكثر اللغات السامية، لا تعني برسم الصوائت (الحركات) قصيرة كانت أم طويلة، فهم يكتبون (عالم) كما يكتبون (علم)، لا فرق بينهما، وإنما كانت تعرف صوتياً، لا كتابياً، وقد كتب المصحف الشريف على هذه الطريقة، وما زال كذلك إلى وقتنا الحاضر. والكلمات الثمودية متداخلة في نقشنا هذا تداخلاً مقصوداً عجيباً بحسب التفريغ، فالمساحة التي تفصل بين كل حرف وآخر هي حرف لكلمة أخرى تتداخل معها، وهكذا بين كل حرفين، وهي تقرأ من اليمين إلى اليسار في التشكيلين الناتجين عن التداخل الذي ذكرناه، وهذه الكلمات هي:

العبارة الثمودية الأولى:
وجميع هذه القراءات لها تفسير يرتبط بالصورة والدلالات التي تحملها. وتفصيلها على النحو الآتي:
وهي القراءة التي تحتملها الرؤيا العامة للصورة، وتعني وفقاً للتحليل الذي نرتئيه: الشديد الجماع اللئيم، وجاء في العربية: الطاء: الرجل الكثير الجماع، وفي بعض الكتب: (الشيخ الكثير النكاح)(الخليل بن أحمد الفراهيدي، (الحروف، ضمن كتاب، ثلاثة كتب في الحروف)، حققه رمضان عبد التواب (ص20).)، وعليه قول زهير بن أبي سلمى:
وإني وإن قَلَّ في كُل الهوى طمعي

طاء الجماع قويٌّ غير عنِّينِ
ويمكن أن يكون الناقش قد قصد أن يهجو الرجل الموجود في الوضع (أ) بأنه شيخ نكوح، أو لعلّه قصد إلى القول بأنه فحل، وعند ذلك لا يكون في العبارة هجاء. ومن الجدير بالذكر أن النقش على هذه القراءة قد أهمل التعبير عن الهمزة، وهو أمر مألوف في لغة النقوش الثمودية، ولهذا السقوط نظائر، كما في كلمة (brt) بمعنى (بريئة) ( Harding & Littmann, Some Thamudic Inscriptions, No. 293)، وكلمة (hd) بمعنى (هدوء) (Jaussen & Savignac, Mission archeologique en Arabie, No. 374)، وقد جاءت دون همزة.
وهو إخبار عن مبتدأ مقدّر ، تدل عليه الصورة، أي: هذا طبنٌ لكَعٌ. والطَّبن والطبانية: الفطنة، ورجل طَبنٌ: فَطنٌ حاذقٌ عالمٌ بكل شيء (نشوان الحميري (شمس العلوم) (ص4060).)، و(طَبَننَ): تعني دَفَنَ النارَ ،(المرجع السابق (ص4062).) وهو معنى مرجّح، لعله مرتبط بقول الله على لسان موسى عليه السلام: ]إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى[ ( سورة طه الآية (10).)، فيكون المعنى أن صاحب هذه الصورة هو طابن النار، أي: مطفئها، وأرجِّح أن يكون اللفظ: طَبنٌ أو طابن بمعنى الفطن أو المخادع. وأما اللُّكع فهو الؤم مع حمق ودناءة (ابن منظور، (لسان العرب)، لكع (8/383).).
ذكرنا معنى (طاء) سابقاً، وأمَّا (لهع) أو (لهيع)، فهو المسترسل في الكلام، أو المتفيهق فيه، أو أنه المتواني في الشراء والبيع، أو هو من فيه فتور أو كسل (ابن منظور، (لسان العرب)، (لهع) (8/389).)، وكلُّها دلالات تحتملها الكلمة في رسمها الذي نراه.
لقد أوردنا سابقاً أن الطَّبن هو الفطن الحاذق العالم بكل شيء، وأوردنا في الفقرة السابقة أن اللهع هو المسترسل في الحديث، أو الذي فيه فتورٌ، في حديثه أو سلوكه، فيكون الكلام إشارة إلى الرجل الذي نراه في الوضع (أ)، هو رجل فَطِنٌ مسترسلٌ في الحديث، متفيهقٌ فيه، وهو كلامٌ يمدح به هذا الشخص.
ربما كان لفظه (لسيع)، وهي صيغة (فعيل) بمعنى مفعول، أي المجامع الملسوع (الملدوغ) كما نقول: لديغ أو جريح، بمعنى ملدوغ أو مجروح.
أي: فطِنٌ ملسوع كناية عما تعرَّض له الرجل الذي نراه في الوضع (أ) من غدر وخديعة، أو أنه مَن تعرَّض للسع من نارٍ أو من الهوام والأفاعي.
وتعني هذه العبارة النكوح ابن المثابر على الأمر (النكاح) الولوع به، أي أن هذا الرجل منكاح كوالده، مثابر عليه.
وتعني هذه العبارة أن هذا الرجل فطنٌ عالم بكل شيء، حاذق، مثابر على الفطنة والعلم، وله علاقة باللسان.
فاللهجة في اللغة: طرف اللسان(ابن منظور، (لسان العرب) (لهج) (2/419).). ومن المفيد أن نذكر هنا أن الكاتب قصد إلى تعدد القراءات، كما قصد إلى تنوع الدلالات، فقد كان يقصد أن يمدح أو يذم، وتقودنا الصورة إلى تحديد الممدوح أو المذموم، فصاحب الصورة الحسنة، كان هو المقصود بالمدح، وأما الشخص صاحب الأوصاف الذميمة، فهو المذموم بهذه الصفات السيئة.

* العبارة الثمودية الثانية:
تقرأ هذه الكلمة من الوضع (ب)، تحت الصورة المواجهة للرجل ذي العين الواحدة، وكتابتها الصوتية على النحو الآتي:
وغيرها من القراءات الصوتية المحتملة، وفيما يأتي دلالات الألفاظ المذكورة:
النسب في اللغة هو القرابة في الأبناء والآباء خاصَّة، ويكون في البلاد أيضا، ومنه يقال: انتسب واستنسب، أي ذَكَرَ نسبه (ابن منظور، (لسان العرب)، (نسب)، (1/889). وابن فارس: (مجمل اللغة) (نسب) (4/399-400).)، وأما كلمة (ghl)، فهي (جهل(، ويمكن قراءتها بصور مختلفة، ولكنّها تحتمل المعنى نفسه، فقد تكون (جاهل النسب) بمعنى مجهول النسب، كما في كلمة (دافق) في قوله تعالى: ]خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ[( سورة الطارق آية (6). )، بمعنى مدفوق، فيكون المعنى: الذي يجهل الناس نسبه ولا يعرفونه، كأن يكون لقيطاً مثلاً، أو قد تكون اسم فاعل، والمعنى: الذي يجهل نسبه ولا يعرف أباه أو نَسَبَ أبيه. وقد تكون (جهيل) على وزن (فعيل) بمعنى مجهول، كما نقول: أسير وقتيل بمعنى مأسور ومقتول، وجاء في العربية أمثلة كثيرة على صيغة فعيل بمعنى مفعول، وقدأوردنا جانباً كبيراً منها في كتابنا "دراسات في فقه اللغة وفنولوجيا العربية"، ونورد هنا بعضها اختصاراً:
بعيث بمعنى مبعوث، وهو الرسول، وحليب بمعنى محلوب ، وأخيذ بمعنى مأخوذ، وأسير بمعنى مأسور، وحنيذ بمعنى محنوذ، أي: مشوي، ودفين بمعنى مدفون، وظنين بمعنى مظنون به، وذبيح بمعنى مذبوح، وجريح بمعنى مجروح، وكحيل بمعنى محكول، وطحين بمعنى مطحون، وغيرها كثير (يحيى عبابنه، (دراسات في فقه اللغة والفنولوجيا العربية)، (75-81).).
النبط قوم معروفون كانوا يقيمون في مناطق واسعة من البوادي الشامية والعراق، وقد علا شأنهم في القرون التي عايشت وضع هذا النقش، أي القرون التي سبقت الميلاد، إلى أن قام الرومان باستئصال شأفتهم في أوائل القرن الثاني الميلادي، وتخريب عاصمتهم (البتراء)، وهي اليوم خرائب كثيرة تقع في جنوب الأردن.
وقد جاء في اللغة ما يحمل انتقاصاً منهم من جهة عروبتهم، ولهذا جاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: (تمعددوا ولا تستنبطوا) (ابن الأثير، (النهاية في غريب الحديث والأثر)، (5/9).)، أي: تشبَّهوا بمعد، ولا تتشبَّهوا بالنبط، وقد وصفوا بالحذق في الزراعة والتجارة.
ومن دلالته أيضاً الموت (ابن الأثير، (النهاية في غريب الحديث والأثر)، (لهج) (7/466).) . وعلى هذا يكون معنى هذه العبارة (جهل نبط) أي النبطي المجهول، أو الأعجمي غير الواضح المعروف.
ومعناه القريب المأخذ هو الجاهل الذي آذى الآخرين بصوته، فهو كالكلب النابح، الذي ينبح الآخرين دون فائدة، أو أن يكون (جاهل نابح)، أي أن صفته أنه كذلك، ومن معانيه أيضاً: مجهول الصوت الذي لا يعرف أحدٌ صوته، فهو كالكلب الذي يختلط صوته بأصوات كثيرة.
ومعناه القريب المأخذ هو الجاهل الذي آذى الآخرين بصوته، فهو كالكلب النابح، الذي ينبح الآخرين دون فائدة، أو أن يكون (جاهل نابح)، أي أن صفته أنه كذلك، ومن معانيه أيضاً: مجهول الصوت الذي لا يعرف أحدٌ صوته، فهو كالكلب الذي يختلط صوته بأصوات كثيرة.
ومعناه القريب المأخذ هو الجاهل الذي آذى الآخرين بصوته، فهو كالكلب النابح، الذي ينبح الآخرين دون فائدة، أو أن يكون (جاهل نابح)، أي أن صفته أنه كذلك، ومن معانيه أيضاً: مجهول الصوت الذي لا يعرف أحدٌ صوته، فهو كالكلب الذي يختلط صوته بأصوات كثيرة.

* العبارة الثمودية الثالثة:
إن الكشف عن موقع هذه العبارة يحتاج إلى خبرة في التعامل مع النقوش القديمة، ولا سيما مع هذا النقش، فقد موَّهها الناقش تمويهاً ذكياً جداً، إذ إنَّه كتب العبارتين السابقتين اللتين تقرآن من اليمين إلى الشمال ومن الشمال إلى اليمين، بالحروف النافرة (البارزة)، وقد اختار الرموز بعناية فائقة، بحيث مثّلت المناطق المحفورة (الغائرة) عبارة مستقلة أيضاً، ويستطيع قارئ هذه الدراسة أن يكتشف هذا بسهولة الآن، إذا دقق النظر في لون الخط، فبين الحروف السوداء خطوط بيضاء، تبدوا أوّل وهلة كما لو كانت تفريغات الحفر، ولكنها لم تكن تفريغت عبثية، بل مثَّلت عبارة مستلقَّة.وتفريغ هذه العبارة هو:
قراءات العبارة:
لم تسعفنا المراجع في الوصول إلى دلالة لأحد اشتقاقات (أفح) سوى أن (أفيح) هو اسم موضع قريب من ديار قبيلة مذحج العربية (ابن الأثير، (النهاية) (2/473).) ، وهو موضع يقع إلى الشرق من ديار أزذ شنوءة، شمالي اليمن(رابين تشيم، (اللهجات العربية الغربية القديمة)، (ص195).).
ودلالته من دلالة المواجهة، أي: لاقى الآخر وجهاً لوجه، أي: فاجأ وجهه، ومنه المكافحة في الحرب، ومن دلالات هذا الجذر: الجبن، كفِحَ بمعنى: جَبُن(المرجع السابق، (كفح) (2/678).) . فيكون المعنى: جبان إذا ارتبط بالوضع (ب)، والمصادق المحارب، إذا ارتبط بالوضع (أ).
جاء في اللغة أن (أمح) معنى يرتبط بالجرح، وهو أن الجرح يضرب على صاحبه بألم (المرجع السابق، (أمح) (2/473).)، ونحن نربط هذا المعنى بالوضع (أ)، ويؤيد هذا تلك الزفرة التي تخرج من فمه، وما يبدو من علامات الألم والدموع التي نراها على وجه الشاب في الوضع (أ).
دمح: طأطأ رأسه أو ظهره وحناه (رابين تشيم، (اللهجات العربية الغربية القديمة)، (دمح) (2/510).)، ولعل في هذا ما يمكن أن يكون تعريضاً بالذل الذي سيلحق بمن اتخذ الأذى (العقرب)، والخبث (القرد)، والقذارة (الخنزير) ولياً له، وهو الشخص في الوضع (ب).

* الكلمة الثمودية الرابعة:
وكتابتها ،وهي الكلمة نفسها التي نجدها في الفقرات السابقة، غير أن اتجاه القراءة وتأويل رسم الحروف الثمودية مختلف، ويحتمل قراءات أخرى، وهي:
أي حَمد، أو حامد، أو حميد، وهو من الصفات الحسنة، ولعله إيماء على الشخص في الوضع (أ).
معناه من معنى الخفّة في العمل والسرعة فيه، والاحتفاد: السرعة في كل شيء، والحفدان كذلك (رابين تشيم، (اللهجات العربية الغربية القديمة)،(لهج) (2/419).)،ومن المرجَّح أنَّه يدل على الشخص في الوضع (ب)، فقد رُوي عن الأعور الدجال أنه يطوي الأرض طياً، ولعل في هذا إشارة إلى أنه كان من أعوان القرد والخنزير الظاهرين في الصورة إن كانت تعبيراً عن هذه الرؤيا، وهو أمرٌ فيه وجاهة وترجيح، فإن من صفة سرعة الدجال أنه (كالغيث استدبرته الريح) ( ابن كثير، (النهاية في الفتن والملاحم) (1/121).) .
الأولى: الطين الأسود المنتن الذي يكون في الماء الراكد كالآبار، والثانية من الغضب من الشيء(ابن منظور، (لسان العرب)، (حمأ) (1/74-75)) ، فإذا كانت من دلالة النتن، فهي دالة على الوضع (ب)، لأن الناقش قد عبَّر عنه تعبيراً سلبياً شكلاً ودلالة، فأراد أن يُشنِّع عليه في الدلالة، وأما إذا كانت من معنى الغضب، فإن المرجح أن يكون المقصود منها هو الشخص في الوضع (أ).
امتلأ، وطفح عقله بمعنى ارتفع، والسكران يقال له طافح إذا ملأه الشراب (المرجع السابق، (طفح) (2/627)) ، وارجِّح أن يكون من معنى الارتفاع بالعقل، وهو بهذا صفة للرجل في الوضع (أ).

* الكلمة الثمودية السادسة:
وهي الكلمة السابقة مقلوبة رأساً على عقب ومعكوسة أيضاً، وتقرأ: ، وقد قرأناها على النحو الآتي
وصف بأنه فعل ممات، وهو (حَمَطَ يَحْمُط)، والتحميط: أن يُضرب الرجل فيقول: لم يوجعني ضربه (ابن منظور، (لسان العرب) (حمط) (7/312))، وإذا كان من هذه الدلالة التي أرجِّحها، فإن المعنى أن هذا الشخص (ب) مع ما يمتلكه من الأذى والخبث والقذارة التي تدل عليها رسوم العقرب والقرد والخنزير لا يملك ما يضر به الآخرين (الشخص أ).
(المرجع السابق، (ذمط) (7/340).)، ولكنه قد يستعار في اللغة الأدبية والتعمية، للتعبير عن السرعة للبشر. وهذا ما تمكنا من قوله في الكلمات الثمودية التي رصدناه حتى الآن، غير أن هذا الأمر ليس نهائياً، فربما كان الوقت ليس كافياً لمثل هذا النقش الزاخر بالدلالات، وسيكون لنا رجع نظر فيه مرات.
2-
الكلمات السريانية:
لا يمكن الجزم بأن الكلمات التي نلاحظها مباشرة في النقش كانت تشكيلات صورية، فإذا كانت كما نعتقد، فإن هذه الكتابة السريانية تعد أقدم تشكيل كتابي سرياني على الإطلاق، وقد كتب بخط السرطو أو النسطوري، وليس بالخط السرياني الاسترانجولي، وهو عبارة عن كلمة واحدة نقرأها من اليمين إلى الشمال مع كل من الصورتين (الوضعين أ و ب).
وأما عن عدد الكلمات السريانية في النقش، فلا يزيد على كلمتين تقرأ الأولى من الوضع (أ)، من اليمين إلى اليسار، فإذا قلب النقش إلى الوضع (ب)، فإن النقش سيقرأ من اليمين إلى اليسار على صورة أخرى، وبدلالة مختلفة تماماً، وفيما يلي تفصيل ذلك:
1- الوضع (أ):
2- الوضع (ب):
وأما إذا كانت مخففة فإنها ستكون من النتن، وهو القذارة.
هذه هي الكلمات التي رأيناها في النقش، ولعل إرجاع النظر فيه مرات، وهو ما يحتاج إليه هذا النقش الفريد، سيقدم شيئاً جديداً، ومن الممكن أن يطَّلع عليه غيرنا مين بعلم الكتابات القديمة، وعندها قد يضيف شيئاً جديداً، أو يقول فيه غير ما قلنا.
مسألة المزج بين الصورة والكتابة في النقوش الثمودية القديمة:
لا نستطيع أن نقول إن لهذا النقش مثيلاً، بل هو في حدود ما نعلم لوحة فنية ذات رؤى دينية ليس لها نظير، وهذا لا يعني أبداً اجتماع الرسم مع الكلمة، فهذا الاجتماع موجود حتى فيما نعرفه باسم (مخربشات الرعاة)، كما في النقشين المرفقين بعد قليل، ولكن الغريب في هذا النقش هو الفنية العالية التي مكَّنت صاحب النقش من التعبير عن عدد من المعاني والدلالات عن طريق المزج بين الصورة والكتابة، بالخطوط نفسها، أي أنَّه كان يسخر الخطوط التي يرسم بها الصور للتعبير عن الكتابة، كما يستخدم الكتابة لتكون جزءاً من الأجزاء التعبيرية عن الصورة، فالأنف مثلاً قد يكون أنفاً للوضع (أ)، كما يكون أذناً للوضع (ب)، وقد يكون جزءاً من الكلمة، وكذلك الأذن، والفم، وغيرهما مما رأيناه في عرض الكتابة والصور.
وأما أن يضمِّن الثمودي أو الناقش بالقلم الثمودي أو القلم الصفاوي نقشه صورة معزولة عن مثل هذا التمازج، فهو أمر معروف، وإن كان فيه من البداءة والبساطة ما ليس موجوداً في هذا النص الذي كان كل خط فيه محسوباً بعناية فائقة، قد لا نجد لها نظيراً، بل إنني لم أرَ ولم أسمع بمثله في فنون العالم القديم.
(1) ومن الأمثلة على بساطة التعبير الذي يستعمل فيه الناقش الصورة دون مدلول أو مضامين ما جاء في النقوش الثمودية نفسها(النقشان من نقوش (Eksell): ينظر: Eksell. K. Meaning in Ancient North Arabian Carvings. P. 87
على أننا نقول مرة أخرى إن هذه الرسوم رسوم ساذجة إذا ما قيست بالنقش الذي ندرسه، وأزيد هنا أن هذا النقش يمكن كتابة الكثير من الملاحظات حول رؤاه المرتبطة بقصة الدجال بلا شك، فالمدلولات التي تجمعت فيه تشير إلى هذه القضية، والصور والكتابات تتشابك فيما بينها لتنقل الرؤيا الدينية التي تتعلق بالدجال وما يرافقه من أذا وبعد عن الإنسانية واتحاد مع عناصر الشر التي رمز إليها بالقرد والعقرب والخنزير، وربما الشيطان الذي يسيِّر خطاه، وهو ما نتركه لدراسة مفصّلة سنعد لها في الأيام المقبلة بحول الله تعالى، وقد كان غرضنا هنا التعريف والتحليل لما نشاهده في اللوحة دون أن نغوص في دلالاتها.
والله يهدي إلى سواء السبيل.

د.مصطفى العزبي-التحليل التشكيلي (لوحة النقش العجيب) 3\3

وتتكون هذه اللوحة من جزئين الاول فيها يتمثل فى البرواز المحيط والذى يشكل الاطار الخارجى للعمل وهو عبارة عن مجموعة متكررة من الوحدات غير متساوية الابعاد ، هذه الوحدات المتكررة تصنع اطارا للشكل وتتجه حركته من يمين العمل لاعلى ثم الى اليسار فأسفل ، وتاخذ مظهرا شبه منتظم حيث تتوالد من بعضها البعض فتبدا ضيقة ثم تتسع لتخرج منها وحدة ويعلوها حز فى منتصفها بطول الوحدة وبعمق 1مم .
وترتبط تلك الوحدات التكرارية فى الاركان من خلال زوايا منفصلة وعددها اربعة - فى كل ركن واحدة - حيث تتاكد زواياها القائمة بحز عمودى يتجه ناحية الزاوية المباشرة وهذه الوحدات التكرارية فى مجملها تشكل اطارا ربما قصد به الفنان التعبير عن شيء ما اذا ماتم قراءة العمل فى اطاره الرمزى .
والجزء الثانى يتمثل فى الشكل المنقوش فى منتصف العمل والذى يمثل العنصر الاساسى حيث يفصل بينه وبين الاطار الخارجى أخدود بعمق 2,5 سم تقريبا فى اعلى العمل ويصل الى 3,5سم فى اسفله بحيث يكون منحدرا وهو فى وضعيته الافقية ويتخلل هذا الاخدود مجموعة من البروزات العرضية وعددها 5 فى الأيمن و5 فى اليسار و5 فى الاعلى و4 فى الاسفل وقد عملت تلك البروزات كخلفية للشكل الذى يتوسط العمل فهى ليست منتظمة فى توزيعها ولا موحدة من حيث الشكل .
الا ان الفنان قد حافظ على انحدارها من اعلى الى اسفل لتنتهى بثقب فى الزاوية اليمنى السفلية للعمل وهو ما يؤكد الشكل الوظيفى للعمل حيث اعد لاستقبال وتسريب سائل ما كان يوضع على سطح العمل ويتوسط العمل بشكل اساسى وجه انسان نقشت ملامحة بوضع تتمثل فيه الجبهة والانف والفم والذقن فى وضع جانبى عرف فى الكثير من الحضارات القيمة وتاكدت سماته عند الفراعنة وبلاد الرافدين .
كما ان الفنان قد عالج الوجه معالجة تشكيلية تبرز تلك الملامح بطريقه تؤكد وعيه بتشريح الوجه الانسانى ويتاكد هذا فى منطقة الانف وعلاقتها بالعين والخد وكذلك علاقة الانف بالفم وقدرته على تشكيل الشفاة العليا حيث نرى انه كان حريصا على ابراز تكوين الشفاة من خلال عمل تجويف اعلى الشفاة ، اضافة الى تشكيله للانف بحيث راعى فيها الارتفاعات والانخخفاضات لتاتى فى تشكيل سليم يؤكد قدرة الفنان على سيطرته على الخامة التى يتعامل معها رغم صلابتها ومقاومتها الشديد له اثناء محاولته التعبير عما يريد وذلك من خلال التأكيد على شخصية صاحب العمل والتى اتسمت ملامحة بالقوة .
كما نلاحظ ان العين قد عولجت بحيث تكون مواجهة وكذلك منطقة الحاجب على عكس باقى العناصر فى الوجه واحترم الفنان الشكل الوظيفى لهذا العمل لذا جاء الجزء الداخلى على شكل مستطيل ليست به بروزات الا فى القليل بحيث انتهت كل العناصر عند حدود هذا المستطيل ليصبح التكوين محاطا باطار هندسى ليضمن له صفة التماسك والقوة ليصبح ملائما للوظيفة التى نحت من اجلها .
واختار الفنان للجزء السفلى الذى يتمثل فى الذقن عنصرا ليكمل به الشكل ويتمثل فى ذيل العقرب والذى يحدد به الشكل من اسفل حيث تناسبت عناصر تكوين وتشكيل العقرب مع حركة الشعر فى الذقن والتى تتمثل فى ثمانية خطوط راسية استكملت فى جسم العقرب فى حزوز عرضيه ولتكتمل بذلك الرؤية التشكيلية ولتكون امتدادا طبيعيا لها فى شكل اشعاعى يرتبط بالخطوط التى فى خلفية العمل .
وعلى الرغم من كبر حجم العقرب فى اللوحه الا انه قام بدور تشكيلى استطاع من خلاله ان يكمل الشكل فى اسفل العمل كما انه استعاض عن الاذن كذلك بعلامة او رمز تشكيلى يبدا من عند الاذن فى حركة حلزونية ليحيط بالخد ثم يعود مرة اخرى ليتجه اسفل اللوحة فى حركة دائرية ليشير الى ذيل العقرب قاطعا خطوط الذقن الرئيسية للتشكيل .
كما اكد الفنان من خلال توزيعه لتلك العناصر والرموز حول منطقة الوجه الملامح الملامح الاساسية للشخصية التى اراد التعبير عنها حيث تاكدت ملامح الوجه فى مساحات عريضة كما نرى فى الانف والخد والجبهة حيث اتاحت فرصة كبيرة للتعبير من خلال تلك الملامح التى جاءت لتعبر عن القوة والصلابة .
كما يلاحظ وجود بعض الخدوش والعلامات او الرموز فى منطقة الخد ربما قصد الفنان التعبير عن شيء ما من خلالها وفى تقديرى ان الفنان اقتطع تلك القطعة من الصخر وقام بتسويتها من جميع جوانبها ثم اختار ان يشكل على احد اوجهها .
ونظرا لمقاومة الخامة شديدة الصلابه فانه قد اكتفى ان يشكل عناصره بطريقه فيها الكثير من التلخيص لتعبر عن فكرته الاساسية.
وعلى الرغم من ان العمل يصنف ضمن النحت البارز شديد البروز الا انه لم يراع الارتفاعات فى العمل وبالتالى فهو عمل رمزى اراد من خلاله الفنان ان يعبر عن مضمون رمزى يتصل بشخصية صاحب الصورة او ربما باشياء عقائدية وينتمى العمل فى مجملة الى الاسليب الفنية التى ظهرت فى العراق القديمة ويغلب عليها الطابع الرمزى وكذلك اسلوب المعالجة حيث التبسيط والتلخيص فى الملامح والعناصر فالعمل يتميز بحبكة التصميم حيث رتبت العناصر ترتيبا هندسيا سمح لها بالتجانس والتفاعل فى اطار حركى تتدافع فيه العناصر على سطح العمل لتحتل مكانها ضمن اطار تشكيلى محكم.

أحمد الجوهري-السامري هو الدجال(لوحة النقش العجيب)1\3

لوحة فيها موسى عليه السلام والمسيح الدجال، لماذا؟ وما العلاقة بينهما؟ نعم، لأن السامري الذي أضل بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام هو المسيح الدجال. هذا الرجل صِنّوُ إبليس، وشريكه في إغواء الناس والفساد في الأرض، وهو رجل منظر من المنظرين الذين قال الله عز وجل عنهم:{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ# قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ# إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص:79-81].
إذن فإبليس ليس هو المنظر الوحيد فهناك منظرون آخرون غيره سيعمَّرون أعماراً طويلة جداً، منهم المسيح الدجال.
وعلى ذلك فإن جميع الأنبياء عليهم السلام أنذروا أممهم المسيح الدجال، وحتى نوح عليه السلام أنذر أمته الدجال، وإن المتأمل لقصة موسى عليه السلام والسامري ليرى العجب، حيث ذهب موسى عليه السلام لمناجاة الله عز وجل ومكث أربعين ليلة، وكان قد استخلف أخاه هارون على قومه.
وأنزل الله عز وجل على موسى عليه السلام ألواحاً مكتوباً فيها كلام الله عز وجل، وسأل الله عز وجل موسى عليه السلام لماذا ترك قومه وجاء متعجلاً؟ {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى# قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى# قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ# فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي# قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ# فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:83-88].
نلاحظ هنا أن موسى عليه السلام صار عنده علم من الله عز وجل بهذه الفتنة التي وقعت بقومه، ومن هو الفاعل، ولكن ليس الخبر كالمعاينة، رجع فوجد القوم يسجدون ويطوفون ويرقصون حول (عجل)، فغضب إلى حد الإغلاق، حيث أنه ألقى ورمى الألواح المقدسة التي نزلت من السماء، والتي فيها كلام الله تعالى، وذلك من شدة الغضب، وأخذ برأس أخيه هارون عليه السلام ولحيته يجره ويعنّفه، وهارون ليس بمجرم، وليس له ذنب في تلك الجريمة، وجعل هارون يسترحم موسى عليه السلام من جهة أمه، لأن الأُمَّ أقرب إلى الحنان والعطف، وقال إنه لم يشأ أن يُحدث فتنة وشرخاً في صفوف بني إسرائيل، وأنهم كادوا أن يقتلوه، وأنه نهاهم عن عبادة العجل، ولكنهم أصروا وقالوا إنهم لن يبرحوا، وسيبقون عاكفين على العجل إلى أن يرجع موسى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:150].
إذا كانت هذه الشدة وهذا العنف مع هارون البريء، الذي ليس له ذنب في هذه الجريمة، وهذه الفتنة العظيمة، فكيف كان الحال مع السامري المجرم المذنب.
نحن نتوقع أن يقوم موسى عليه السلام بقتله، أو تعذيبه عذاباً شديداً، ولكن العجب العجاب أن الأمر مختلف تماماً، فنجد موسى عليه السلام يخاطب السامري بهدوء ولين: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ# قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه:95-96].
عذر أقبح من ذنب، صنع عجلاً من ذهب، ثم أخذ قبضة من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام ، وألقاها على العجل الذي من ذهب، فدبت فيه الحياة، وصار له خوار، وقال بنو إسرائيل هذا هو إلهنا وإله موسى، وإن موسى نسي أن هذا هو الإله.
نلاحظ أن الرجل، (أي السامري) عنده قدرات ليست عادية، فهو يرى جبريل عليه السلام، (قال بصرت بما لم يبصروا به)، فهو يرى ما لا يراه الناس، يرى الملائكة، وهذا هو حال المسيح الدجال (لأن المسيح الدجال عند خروجه يأتي المدينة المنورة فيرى الملائكة على أنقابها تحرسها بالسيوف).
وهو يُحوّل العجل الذهبي إلى عجل حيّ (لا يستطيع أي واحد من أولاد آدم أن يحول المادة إلى كائن حي، ولا حتى في هذا الزمان حيث العلوم المتقدمة) ، وهذه القدرات غير موجودة إلا عند المسيح الدجال، وعند من شاء الله عز وجل من الأنبياء عليهم السلام، فقد كان عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكان عليه السلام يحي الموتى بإذن الله.
والسامريُّ يعلم أن موسى عليه السلام رجل قوي وله هيبة، ولكنه لا يخشاه، بل يجادل ويصر على الجريمة لأنه يعلم أن موسى عليه السلام لا يستطيع أن يؤذيه. وهذا ما حدث، لم يستطع موسى عليه السلام أن يعاقبه! بل قال له: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:97].
(اذهب) هذه هي الكلمة نفسها التي قالها الله عز وجل لإبليس: {قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا} [الإسراء: 63]. هذا إبليس يُقال له (اذهب)، ويُنظر إلى يوم الوقت المعلوم، والسامريُّ يقول له موسى عليه السلام (اذهب).
عجباً!! اذهب بدون عقاب، بدون جزاء، هارون البريء يُجَرُّ من شعر لحيته ورأسه، والسامريُّ المجرم يقال له (اذهب)!! نعم، لأن الله عز وجل أخبر موسى عليه السلام أن هذا الرجل لن تسلط عليه، وأن هذا الرجل له موعد؛ موعده مع عيسى ابن مريم عليه السلام هو الذي سيقتله.
وإلى أن يأتي ذلك الميعاد المحتوم قال له موسى عليه السلام: اذهب: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ}، أي أنها ميزة ومنحة لك، لا يستطيع أحد أن يمسك بسوء أو بأذى، وقياساً على هذا قول الله عز وجل لآدم: }إِنَّ لَكَ ألاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى{ [طه:118]، ثم نجد موسى عليه السلام يقول: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ}.
وقد ساق المفسرون - رحمهم الله - أقوالاً لا تستقيم في تفسير هذه الآية حيث قالوا: إن موعدك يوم القيامة وحسابك عند الله! كيف ذلك ولو صح هذا القياس لقلنا للسارق والقاتل والمجرم: اذهب فإن موعدك يوم القيامة ولا عقاب في الدنيا، وهل يُعقل أن موسى عليه السلام يرمي الألواح المقدسة ويبطش بأخيه هارون البريء، ثم يقول للسامري المجرم اذهب، هكذا بهذه البساطة.
ثم إن الذين وقعوا في فتنة عبادة العجل من قوم موسى عليه السلام ، كانت توبتهم أن يقتلوا أنفسهم، فامتثلوا لأمر الله عز وجل فقتل بعضهم بعضاً، ثم تاب الله عليهم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54].
أما السامريُّ الذي (هو المسيح الدجال) فإن له موعداً سيلاقيه في الدنيا قبل يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:152].
سيكون عقابه وهلاكه هو ومن انتظم تحت لوائه، على يد نبي الله عيسى عليه السلام ، ورجال أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
روى الطبراني والبزار عن نهيك بن صريم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيّه وهم غربيّه».
{وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:97]، لأنه لم يعد عجلاً من ذهب، ولو بقي كذلك عجلاً من ذهب لتحوَّل بعد حرقه إلى كتلة، وهنا لا يقال (لننسِفنَّهُ) بمعنى: لنذرينَّهُ في البحر، لأنه يتحول بعد الحرق إلى رماد عندما يكون عجلاً من لحمٍ ودم، وهنا يقال (لننسِفَنَّهُ)أي: لنذرينَّهُ. وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه في مصحفه (لنذبَحَنَّهُ)، كما جاء في «فتح القدير» للشوكاني.
هذا الرجل (السامريُّ) هو المسيح الدجال الذي أُعطي قدرات عظيمة، فسخرها للشر والفساد في الأرض، حتى إذا آن أوان خروجه ليزعم أنه الله أظهر الله عز وجل في صورته علامات تدل على أنه الأعور الكذاب ليعرفه بها الذين (يعبدون الله الواحد الأحد الذي في السماء).
عن سليمان بن شهاد قال: نزلت على عبد الله بن معتم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحدثني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الدجال ليس به خفاء إنه يجيء من قبل المشرق فيدعو لي فيتبع وينصب للناس فيقاتلهم ويظهر عليهم فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر دين الله ويعمل به فيتبع ويُجب على ذلك ثم يقول بعد ذلك إني نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه فيمكث بعد حتى يقول أنا الله فتغشى عينه وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه حبة من خردل من إيمان ... )). الحديث بطوله رواه الطبراني.

الخميس، 15 أغسطس 2013

محمد سمير عطا-حقيقة بناء الاهرام من القراءن الكريم



بعد وقفة طويلة متأنية أمام صفحة هامة من صفحات تاريخنا، خرج الباحث محمد سمير عطا بكتابه المثير للجدل "الفراعنة لصوص حضارة" ليصدم الرأي العام بعنوانه أولا ، ويجبره على إعادة التفكير في مصدر رواياتنا التاريخية وخاصة أنه يسوق العديد من الأدلة العلمية والقرآنية التي تؤكد حجته ، وسواء كانت الأدلة مقنعة أم لا ، كان لزاما أن نتوقف أمامها كثيرا . 

معلوم أن مصر تزخر بمائة هرم مكتشف حتى الآن ، والهرم الأكبر وحده يحتوي على مليونين وثلاثمائة ألف قطعة حجرية ، متوسط حجم الحجر الواحد طنان ونصف. وقد تم تقطيع الأحجار من مناطق بعيدة تبعد مئات الكيلومترات ، وبأحجار الهرم الأكبر وحده يمكننا إقامة سور حول الكرة الأرضية بأكملها عند خط الاستواء بارتفاع ( 30 سم مربع ) !.

ويتناول الباب الأول من الكتاب الذي بين أيدينا "النظريات المتداولة حاليا عن الأهرام ونواقضها" ؛ فيعرض لرأي جمهور كبير من العلماء الذين يرون أن الفراعنة هم بناة الأهرام، ويستندون في ذلك على أن جميع النقوش باللغة الهيروغليفية المدونة على الآثار المصرية تروي أن تلك المباني تؤول ملكيتها إلى الفراعنة، وكذلك إدعاء الفراعنة أن تلك المباني مقابر لملوكهم.

ثم يسرد المؤلف نواقض تلك النظرية قائلا بأنه من حيث المنطق يستحيل أن يبني الفراعنة الأهرام مستخدمين في ذلك الأخشاب لتقطيع الحجارة الكبيرة، ونقلها مئات الكيلومترات. كما يوضح أن تاريخ قدماء المصريين دون بواسطتهم أنفسهم وبالتالي تنعدم فيه برأيه المصداقية الكافية بما في ذلك أنهم بناة الأهرام ، ويذكر الباحث أن الفراعنة اشتهر لدى ملوكهم بعد التنصيب عملية إزالة النقوش من جدران الأبنية المختلفة لتدوينه من جديد بشكل يجعل تلك الأبنية وكأنها شيدت في عهد الملك الجديد.

ويؤكد الكتاب أن الزعم بأن الفراعنة قد بنوا مقابر لملوكهم لاعتقادهم بالبعث للحياة مرة أخرى ، أمر رفضه العلماء ؛ حيث لم يعثر على أي مومياء نهائيا داخل أي هرم!! ثم يتساءل: إذا كانت هذه الأبنية الضخمة مقابر الفراعنة فأين قصورهم؟ ولماذا لا يتحدث عنها أحد؟ فهل يعقل أن الذين ادعوا الألوهية يشيدون قبورا غاية في الروعة مثل الأهرامات كما يزعمون الآن ويسكنون في بيوت حقيرة من الطين؟

كما يورد الكتاب العديد من الأراء التي تبحث في بناة الأهرام، منها الزعم بأن اليهود بناة الأهرام وأن تكليفهم ببنائها كان أحد انواع التسلط الفرعوني للاستعلاء عليهم، او أن الجن المسخر لسيدنا سليمان عليه السلام هم بناة الأهرام ، ورأي ثالث يزعم أن بناتها هم غزاة من الكواكب الأخرى ! حتى وصل الشطط ببعض الباحثين للزعم بأن الله هو من بنى الأهرام لتقام حولها طقوس العبادة !

قوم عاد

يؤكد الباحث في كتابه نظريته القائلة بأن الفراعنة ليسوا بناة الأهرام الحقيقيين، ويعتقد أن بناتها هم قوم عاد الذين شيدوا عمادا "لم يخلق مثلها في البلاد"، ويسوق لنا الكثير من الأدلة منها أن قوم عاد كانوا ضخام الحجم ؛ طول الواحد منهم يقترب من ارتفاع النخلة أي حوالي 15 مترا في السماء. وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعا.. فلم يزل الخلق ينقص من بعد حتى الآن".

ومن الأدلة القرآنية على أن بناة الآثار المعروفة حاليا بالفرعونية هم قوم عاد، قوله تعالى : "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" سورة الشعراء ، والريع هو المكان المرتفع من الأرض، وجاء في أسباب نزول الآية أن سيدنا " هود " عليه السلام احتج على قومه بتركهم الإيمان بالله وانشغالهم ببناء أبنية ضخمة كالجبال على المرتفعات لمجرد التفاخر. وتنطبق هذه الأوصاف على الأهرام فهي بناء ضخم كالجبل مبني على مرتفع نطلق عليه هضبة الأهرام.

وثاني الأدلة القرآنية هي الآية الكريمة من سورة الفجر ، يقول تعالى " "ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد" ، و"العماد" هي الأبنية المرتفعة ذات الرأس المدبب الحاد بدقة، ويربط المؤلف ذلك بالمسلات المصرية الشهيرة ، مشيرا إلى أنه سواء أكان المقصود من الآية، الأهرام أم المسلات، فكلاهما ذو رأس مدبب لا مثيل لبنائه في العالم أجمع.

ثم يستشهد الباحث بالآية القرآنية  "وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية* سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل ترى لهم من باقية" سورة الحاقة ، وتعني الآيات أنهم اندثروا بسبب ريح شديدة أهلكتهم ولذلك لم نعثر على جثثهم، ويدلل المؤلف بأن أبا الهول عند اكتشافه كان مغطى بالرمال، ولا يمكن لعوامل التعرية أن ترفع الرمال إلى هذا الارتفاع العالي دون بقية الأماكن، مما يؤكد أن رياحا عارمة هبت على تلك المنطقة، وهو نفس اسلوب عقاب قوم عاد.



آثار مدفونة في الرمال

يقول الباحث : تمثال أبو الهول غير مدون عليه أية كتابات تثبت إنتمائه لأي من الفراعنة، مما أذهل العلماء أن أكبر وأشهر تمثال في العالم غفل الفراعنة عن التدوين والنقش عليه، وهو ما يعزي أن أبا الهول كان مغطى بالرمال في عهد الفراعنة فلم يكتشفوه ، بينما أكد العديد من علماء الجيولوجيا بأن تحليل الترسبات على جسد أبي الهول تدل على وجود كمية مياه هائلة أذابت الكثير من على جسده، مما يدل أنه عاصر العصر المطير الذي انتهت حقبته منذ ما يناهز 11.000 عام، وهو ما يعني أنه بكل حال من الأحوال لا يمت للفراعنة بصلة ، بحسب مؤلف الكتاب.

وهنا يتساءل الكتاب : هل يعقل أن الفراعنة الذين نقشوا وزخرفوا كل المعابد ولم يتركوا حجرا إلا ونقشوا عليه ونسبوه إلى ملوكهم ، نسوا أن ينقشوا داخل الأهرام مفخرة المباني المصرية والعالم أجمع؟

يعتقد المؤلف أن لغز الأهرام المدفونة بالرمال وغير المكتملة البناء التي حيرت العلماء، جاءت بسبب اندثار البناة من قوم عاد بريح مفاجأة عاتية، موضحا أنه تم اكتشاف 65 هرما مدفون بالرمال غير مكتملين، ويتساءل : لماذا تم وقف العمل فيهم فجأة؟ رغم أن الحضارة الفرعونية لم تختف من الوجود فجأة!

أما رابع الأدلة القرآنية التي يسوقها المؤلف على أن عاد هم بناة الأهرام ، قول الله تعالى في سورة الأحقاف : "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم" ، وفي سورة العنكبوت يقول تعالى : "وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم"  ، مما يعني أن الله عز وجل أبقى من مساكنهم عبرة لمن بعدهم، ويقول مؤلف الكتاب : ما نعتقد نحن أنها معابد، إنما هي مبان لهم كانوا يسكنوها حيث نلاحظ دائما من ارتفاع الأعمدة أنه مساو لارتفاع قوم عاد، ونلاحظ ارتفاع النوافذ وحجم الحجارة المشيدة منها، إنها مساكنهم التي اتخذها الفراعنة من بعدهم معابد.

كما يوضح أن كل حضارة احتوت على بعض التماثيل والأبنية الضخمة ولكنها من القلة بحيث تعد على أصابع اليد، أما الأبنية المصرية فهي من الكثرة التي توحي أن أصحاب تلك الأبنية كانوا من العماليق، كما أن جميع الحضارات شيدت أبنيتها من حجر صغير يتناسب مع أحجام شعوبها مهما كانت ضخامة تلك الأبنية.

ولا يعترض مؤلف الكتاب على فكرة أن يكون الفراعنة قد سكنوا مساكن قوم عاد لقوله تعالى : "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" سورة إبراهيم ، ثم قاموا ببناء حوائط داخلية لتتناسب معهم، مع زخرفتها بنقوش ونسب فخر بنائها لهم، تماما كما فعل النصارى الأوائل حينما سكنوا معبد إدفو هربا من اضطهاد الروم لهم، ثم قاموا بشطب النقوش الفرعونية من جدران المعبد لأنها تمجد ديانة أخرى.


تساؤلات مثيرة

الباب الثالث يقدم الآيات القرآنية الدالة على أن الفراعنة لم يبنوا الأهرام، ومنها يذكر قوله تعالى "وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين" (القصص: 38 ) هذه الآية توضح حجم قدرة الفراعنة على بناء الأبنية العالية من الحجارة، ولذلك طلب فرعون من وزيره هامان البناء من الطين؛ لإدراكهما عدم المقدرة على البناء من الحجارة. بل لا يستطيع فرعون مثلا أن يتسلق الهرم الأكبر لأنه أملس بسبب المادة التي كانت تغلفه وقتئذ وقد فتتها العرب فيما بعد لاستخدامها في أبنيتهم؛ ولم يتبق منها إلا ما في قمم الهرم الأوسط.

ويوضح المؤلف أنه عندما كان يتهدم سور من الحجارة العملاقة كان الفراعنة يقومون بترميمه من الطين اللبن !! فلماذا لا يرممونه من نفس مكونات البناء وهي الحجارة العملاقة؟ معتبرا أن ذلك ببساطة لأنهم لا يستطيعون تحريك تلك الأحجار  ، كما يؤكد أن الفراعنة قاموا بعمل عشرات الإضافات داخل مساكن قوم عاد والتي استخدموها كمعابد وذلك باستخدام الطوب اللبن الصغير والذي شوه المنظر المعماري للأبنية الحجرية العملاقة.

ويتساءل الباحث كذلك لماذا تم بناء القلاع الفرعونية الخمسة بسيناء من الطين؟ ألم يكن من المفترض أن تشيد القلاع من أقوى ما يملكون لو كانوا هم من استخدم الحجارة؟!

خلط بين حضارتين

المؤلف يستدل مما سبق أن هناك لبس وخلط بين حضارتين متتابعتين على أرض واحدة بسبب قصور في المعلومات، فتاريخ الفراعنة كان مجهولا قبل مجيء الحملة الفرنسية، وبترجمة اللغة الهيروغليفية 1822 تسرع الجميع وألحقوا كل شىء سابق على الحقبة النصرانية إلى الحضارة الفرعونية.

يري العديد من الأثريين في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا من الذين يبحثون عن الحقيقة البحتة، أن هناك حضارة موغلة في القدم السحيق كانت متفوقة بصورة مجهولة السبب والكيفية، وأغلب الظن أنها حضارة قارة أطلنطيس المفقودة، وعندما غرقت فر من نجى منهم لمصر، وهم الذين شيدوا تلك المباني المدهشة، وبعد اندثارهم بأحقاب طويلة ورث الفراعنة تلك المباني، فسكنوها من خلفهم ونقشوا عليها ما يحلو لهم.

ويؤكد المؤلف في خاتمة بحثه أنه لم يسلب مصر مجدا، بل أضاف لها بعدا تاريخيا هاما ما كان يخطر ببال أحد، وهو أن أرض مصر - وكلمة مصر تعني في اللغة العربية المنطقة الرئيسية – قد احتضنت حضارة أخرى سابقة للفراعنة، وذلك يعني أن حضارة مصر تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة بكثير وهو ما نظنه الآن، فربما تمتد الحضارة المصرية إلى 10 آلاف عام أو أكثر، فقوم عاد هم خلفاء قوم نوح عليه السلام.