الاثنين، 20 مايو 2013

مكانة مسند الربيع بين كتب الحديث


يرى الإباضية أن مسند الربيع بن حبيب من أصح كتب الحديث سندا لأن معظم الأحاديث رواها الإمام الربيع عن شيخه أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أحد الصحابة، وقد وردت في المسند بعض الأحاديث التي رواها أبوعبيدة عن آخرين غير جابر إلا أنها قليلة.
وقد ذكر أئمة الحديث أن رُتَبَ الحديث الصحيح تتفاوت ,فالمرتبة العليا ما أطلق عليه بعض رجال الحديث بأن أصح الأسانيد هي الأسانيد الثلاثية كسند الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن الرسول (صلى الله عليه وسلم )، وسند إبراهيم النخعي عن علقمة عن ابن مسعود عن الرسول (صلى الله عليه وسلم )،  وسند مالك عن نافع عن ابن عمر عن الرسول (صلى الله عليه وسلم ) لأن هذه الأسانيد قصيرة السند واشتهر رجالها بقوة الحفظ والضبط وكمال الصدق والأمانة.
وإذا تتبعنا الأحاديث التي رواها الربيع في الجزء الأول والثاني  في المسند لوجدنا أن معظمها ثلاثية السند ورجالها من أوثق الرجال وأحفظهم وأصدقهم. فالأحاديث الثلاثية التي في المسند رواها الإمام الربيع أغلبها عن أبي عبيدة عن جابر عن أحد الصحابة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ). ومن هذا يعتبر الإباضية أن الأحاديث الواردة في الجزأين الأول والثاني من المسند هي من أصح الأحاديث الواردة عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) ويعتبرونها أعلى درجة من الأحاديث التي رواها الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله.
ورغم أن الأحاديث التي في المسند ثلاثية ورجالها مشهورون بالثقة، والحفظ والضبط  وأن أغلب الأحاديث مروية في كتب السنة الأخرى إلا أننا لا نجد لهذا الكتاب ذكرا عند أكثر المهتمين بعلوم الحديث  – لا في القديم ولا في الحديث - بل إن من المهتمين بعلوم الحديث من لم يسمع عنه مطلقا.
فجمهور علماء الأمة الذين اهتموا بتتبع أحوال رواة الحديث واقتفاء آثارهم جرحا وتعديلا قد أهملوا أو أغفلوا ذكر الربيع بن حبيب في كتب الجرح والتعديل عدا ما قاله يحيى بن معين في  كتابه "التاريخ" حيث قال: (الربيع بن حبيب يروي عن الحسن وابن سيرين وهو ثقة)[4]. وعدا بعض من ذكره من أئمة الحديث كالإمام أحمد والبخاري.
وقد سئل أستاذ  معاصر يحمل شهادة الدكتوراه في علوم الحديث عن مسند الربيع بن حبيب فكان رده: سمعت عنه ولم أره. وسئل آخر وهو رئيس قسم التفسير والحديث في إحدى الجامعات المعتبرة عن الربيع ومسنده فأجاب: من الربيع وما مسند الربيع؟.
وبقدر ما نتأسف عند سماع ردود  كهذه من رجال كرسوا حياتهم ودراستهم لعلم الحديث، إلا أنه قد نلتمس العذر لبعضهم، لأنه لم تتيسر لهم ظروفهم للإطلاع على فكر الإباضية. ثم إن التعتيم السياسي والتاريخي على مدى أكثر من ألف قرن كان له بالغ الأثر في صد المثقفين والباحثين عن الإطلاع على فكر الإباضية عموما. ولا بد أن نسجل هنا أن الإباضية أنفسهم قد قصروا في نشر فكرهم،والتعريف بمذهبهم في القديم والحديث إلا ما رأيناه في السنوات الأخيرة من طباعة بعض كتب الإباضية وما قامت به وزارة التراث القومي والثقافة في سلطنة عُمان من طباعة بعض أمهات الكتب عند الإباضية. ونحن نطمح أن يكون نشر آثار الإباضية دافعا لعلماء ومفكري الأمة الإسلامية للتعرف على فقه المذهب الإباضي ووضعه في مكانه الصحيح من أجل توحيد صفوف المسلمين ولمّ شعثهم في عصرٍ هُم أحوج ما يكونون فيه إلى وحدة صفوفهم لصد الطغيان المتربص بهم في الداخل والخارج.
ورغم وجود هذه الكتب إلا أننا نذكر بكل أسف أنه يوجد من الباحثين والمفكرين والفقهاء المعاصرين من يعرف عن الإباضية تاريخا وفكرا وعقيدة ومع ذلك يحاول - عن قصد أو غير قصد - تهميش الفكر الإباضي والتعتيم عليه والرد عليه بطريقة غير موضوعية ولا علمية. ولا ندرى سبب ذلك في هذا العصر الذي نتوقع فيه توفر الأمانة العلمية والنقاش العلمي المتزن والتفتح الفكري والعقلي.
ولا ننكر وجود بعض الأسباب التاريخية التي من أجلها لم يُعرف الإمام الربيع بين المحدثين من أهل السّنة و لم يعرف كتابه ضمن كتب الحديث رغم أنه من أوائل  كتب الحديث التي صُنّفت ومن هذه الأسباب:
·    اعتبار الإباضية إحدى فرق الخوارج المبتدعة الضالة مما أدى إلى تجنب المحدثين  الرواية عنه لأنهم اشترطوا فيمن يؤخذ عنه الحديث ألا يكون مبتدعا وداعيا لبدعته.
·        عزلة فرضها الإمام الربيع على نفسه بإغلاق الباب في وجوه طلبة العلم من غير أصحابه.
·        قلة مصادر تاريخ الإباضية بذهاب كثير منها نتيجة التعصب والظلم والحسد وحرق المكتبات.
·    ظلم الولاة والحكام الذين تسلطوا على الأمة الإسلامية في العصور الأولى   وسياستهم الجائرة التي طاردت كل من رفع صوته يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكرّهوا الأمة فيمن يقول بجواز الخروج على الحاكم  ووصفوه بالخروج من الدين.
·        انحسار الإباضية في مناطق بعيدة عن مراكز السياسة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق