الخميس، 31 يناير 2013

مروان محمد عبد الهادي-أبو هريرة وكعب الأحبار "إسرائيليات باتت تلمودا للمُسلمين ومصدراً من مصادر تفسير القرآن"

بسم لله الرحمن الرحيم 

سلك الحبر كعب بدهائه العجيب طرقاً غير مألوفة، استحوذ فيها على عقول المُسلمين، فكسب ثقتهم واحترامهم، حتى امتلأت كتب التفسير والحديث والتاريخ بتراهاته وسمومه، تارة يزعم أنه سمِعها من النبي (ص) وتارة أخرى أنها في التوراة أو من مكنون علمه.. ولم يرَ بعض الصحابة بأساً من أن يقصوها بجانب كتاب الله تعالى، لعدم تمييزهم الصدق من الكذب من أقواله لجهلهم باللغة العبرانية من ناحية، ولأنهم كانوا أقل منه مكراً وأضعف دهاءً من ناحية ثانية، فراجت أكاذيبه بغير نقد أو تمحيص. لقد تلقى الصحابة في بداية الأمر ومن تبعهم من المُسلمين هذه المُفتريات على أنها صحيحة ولا ريب فيها، ولكن ما لبث بعضهم أن فطن له بعدما تبين كذبه وانكشاف أمره، فنزعوا عنه ثوب الثقة ، باستثناء أبو هريرة والعبادلة الثلاث، عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص.

كعب الأحبار
هو كعب بن مانع الحميري من آل ذي رعين، وقيل من ذي الكلاع، ويُكنى أبا إسحاق من كبار أحبار اليهود، وعُرف بكعب الأحبار وأسلم في عهد عمر على التحقيق وسكن المدينة في خلافته، وكان معه في فتح القدس، ثم تحول إلى الشام في زمن عُثمان، إلى أن جعله مُعاوية من مُستشاريه لكثرة علمه، وهو الذي أمره أن يقص في بلاد الشام ليكون أقدم القصاصين الإخباريين الذين سربوا أقاصيص التلمود - الإسرائيليات - والتي ما لبثت أن أصبحت جُزءاً من دين المسلمين، وهي حقيقةٌ لا يُنكرها إلا جاهل أو مُكابر. وقال عنه الذهبي في تذكرة الحُفاظ: إنه قدم من اليمن في دولة أمير المؤمنين عمر (ص) فأخذ عنه الصحابة وغيرهم وروى عنه جماعة من التابعين مُرسلاً، ومات بحمص في سنة 23 أو 33 أو 38 هجري.

اقتباس: "ولما أسلم كعب في الدولة العُمرية جعل يُحدث عمر رضي الله عنه، فربما استمع له عمر، فترخص الناس في إسماع ما عنده ونقلوا ما عنده من غث وسمين، ولكن ما لبث عمر أن فطن لكيده وتبين له سوء دخلته، فنهاه عن الحديث، وتوعده إن لم يترك الحديث ليُلحقنه بأرض القردة" (البداية والنهاية، صفحة 206 ج8)

إسلام كعب الأحبار 
ساق كعب الأحبار سبباً عجيباً لإسلامه تسلل به إلى عقول المُسلمين وقلوبهم، فقد أخرج ابن سعد بسند (إن صَحَّ) عن سعيد بن المسيب قال: "قال العباس لكعب: ما منعك أن تسلم في عهد النبي وأبي بكر؟ فقال: إن أبي كتب لي كتابٌ من التوراة، فقال: أعجل به، وختم على سائر كتبه وأخذ عليَ بحق الوالد على الولد أن ألا أفض الختم عنها، فلما رأيت ظهور الإسلام، قلت لعل أبي غيب عني عِلماً.. ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته.. فجئت الآن مُسلما!!"

أقل ما يُقال في إسلام كعب الأحبار، أنها كانت فرصة خُطط لها بدهاء ومكر لإفساد المُسلمين في عقيدتهم، حيث استطاع هذا اليهودي بوسائله الشيطانية أن يجعل من أبي هريرة أُلعوبة يوجهها حيثما وكيفما شاء، تُدسُ عن طريقه الخُرافات والأوهام والأكاذيب، فتنخر في أصول الإسلام فتشوهه وتُدخل الشك إليه.

يقول الحكيم ابن خلدون عندما تكلم عن التفسير (ألنقلي) في مُقدمته صفحة رقم 439 و 440

اقتباس: العرب لم يكونوا أهل كتاب ولا علم، وإنما غلبت عليهم البداوة والأمية، وإذا تشوفوا إلى معرفة شيء مما تتشوف إليه النفوس البشرية في أسباب المُكونات وبدء الخليقة وأسرار الوجود، فإنما يسألون عنه أهل الكتاب قبلهم، ويستفيدون منهم، وهم أهل التوراة من اليهود ومن تبع دينهم من النصارى، مثل كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدا لله بن سلام وأمثالهم، فامتلأت التفاسير من المنقولات عندهم.. وتساهل المُفسرون في مثل ذلك حتى امتلأت كتب التفاسير بهذه المنقولات، وأصلها كلها كما قلنا من التوراة أو وما كانوا يفترون. وفي الصفحة رقم 9 من نفس الكتاب:

اقتباس: "وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمُفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثَاً أو سميناً، لم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات، وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلوا عن الحق، وتاهوا في بيداء الوهم والغلط". 

لقد تلاقت أهداف السلطان مع أهداف (البعض) من أهل الكتاب الذين تضافرت جهودهم بعد أن غُلبوا على أمرهم وأُخرجوا من ديارهم لإيجاد وسيلة ناجعة لتحقيق أهدافهم، فجعلوا أول همهم ضرب المُسلمين في صميم دينهم، وبعد عجزهم من أن ينالوا من كتاب الله الذي حُفظ بالتدوين وفي الصدور، وأصبح في مِنعة من التحريف، اتجهوا لأحاديث رسول الله (ص) التي لم تدون ولم تُكتب في عهده كما كُتب القرآن الكريم، ولا كتبه صحابته - صلوات عليه من بعده. ولكي يصل هؤلاء الأحبار، الذين يزعمون أنهم شعب الله المُختار ولا يعترفون لأحدٍ بفضل، ولا يُقرون لنبي بعد موسى (ع) إلى مآربهم، استعانوا بمكرهم ودهائهم، فطووا نفوسهم على دينهم وتظاهروا بالإسلام والورع والتقوى، وبعد أن سكن إليهم المُسلمين واغتروا بهم، افتروا على رسول الله (ص) أحاديث لم تصدر عنه، وإسرائيليات باتت تلمودا للمُسلمين ومصدراً من مصادر تفسير القرآن!؟

وروى السيوطي في الإتقان صفحة رقم 152 ج1 أن كعب الأحبار قال " في التوراة: يا محمد إني مُنزل عليك توراة حديثة تفتح أعيناً عمياً، وآذانا صمَاً وقلوباً غُلفا " وروى الجواليقي في كتاب المغرب صفحة 122 قال: قال ابن الأعرابي " ذكر عن كعب الأحبار أنه قال: أسماء النبي في الكتب السالفة: محمد وأحمد وحمياط... أي حامي الحرم! كذلك روى القاضي عياض في الشفاء صفحة رقم 55 ج1 أن وهب بن منبه قال: " قرأت في أحد وسبعين كتاباً، فوجدت في جميعها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرجح الناس عقلاً، وأفضلهم رأياً" وفي رواية أخرى: فوجدا في جميعها أن الله تعالى لم يُعط جميع الناس من بدء الدنيا إلى انقضائها من العقل في جنب عقله ( صلى الله عليه وسلم ) إلا كحبة رمل من رمال الدنيا..

أخرج الترمذي عن عبد الله بن سلام، وهو أحد كبار اليهود الذين أسلموا.. أنه مكتوب في التوراة في السطر الأول.. محمد رسول الله عبده المُختار، مولده مكة ومهاجرة طيبة.. وأخرج كذلك، مكتوب في التوراة صفة النبي وعيسى بن مريم يُدفن معه!! (فتح الباري) صفحة 274 ج4 لقد روى الدرامي عن كعب الأحبار في صفة رسول الله (ص) وفي السطر الأول: محمد رسول الله عبده المُختار، لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يجزي السيئة بالسيئة ، ولكن يعفو ويغفر، مولده في مكة.. وهجرته بطيبة ومُلكه بالشام.. وفي السطر الثاني: محمد رسول الله أمته الحمادون، يحمدون الله في السراء والضراء، يحمدون الله في كل منزل، ويُكبرون على كل شرف، رعاة الشمس، يُصلون الصلاة إذا جاء وقتها ولو كانوا على رأس كناسة، ويتآزرون على أوساطهم ويُوضئون أطرافهم.. وأصواتهم بالليل في جو السماء كأصوات النحل.. 

روى البخاري عن عبد الله بن يسار قال: "لقيت عبدا لله بن عمر بن العاص فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله بالتوراة، قال: " أجل ( والله! ) إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن " يا أيها النبي إنا أراسلناك شاهداً ومُبشراً ونذيرا وحِرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المُتوكل.. ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، بل يعفو ويغفر، ولا يقبضه الله حتى يُقيم به المِلة العوجاء بأن يقولوا " لا إله إلا الله" ويفتح بها أعيناً عُمياً وآذاناً صمَاً وقلوباً غُلفاً..

هل لكعب الأحبار يد في قتل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه؟ 
اقتباس: ذكر المُسور بن مخرمة أن عمر لما انصرف إلى منزله بعد أن أوعده أبو لؤلؤة جاء كعب الأحبار فقال: يا أمير المؤمنين " (أعهد فإنك ميت في ثلاث ليال) "رواية للطبري ثلاثة أيام" قال: وما يدريك؟ قال، أجده في كتاب التوراة، قال عمر: أتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال: اللهم لا ولكن أجد حليتك وصفتك، (وأنك قد فني أجلك) قال ذلك وعمر ولا يحس وجعاً، فلما كان الغد، جاءه كعب فقال: (بقي يومان) فلما كان الغد جاءه كعب فقال: (مضى يومان وبقي يوم) ( رواية الطبري - يقي يوم وليلة ) (وهي لك لصبيحتها) فلما أصبح خرج عمر إلى الصلاة، وكان يوكل بالصفوف رجالا، فإذا استوت كبرَ، ودخل أبو لؤلؤة في الناس وبيده خنجر له رأسان نصابه في وسطه فضرب عمر ست ضربات، إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته. انتهى - تاريخ بن الأثير صفحة 34/3 والجزء الخامس من تاريخ الطبري.

وذكر ابن سعد في الطبقات الكُبرى صفحة 236/3/1 
اقتباس: فقد أخرج الخطيب عن مالك أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهي زوجته فوجدها تبكي، فقال: "ما يُبكيك؟ قالت هذا اليهودي ( أي كعب الأحبار ) يقول أنك على أبواب جهنم، فقال عمر: ما شاء الله! ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين " لا تعجل عليَ والذي نفسي بيده، لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة؟ فقال عمر: ما هذا؟ مرة في الجنة ، ومرة في النار؟! قال كعب، يا أمير المؤمنين والذي نفس بيده إننا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا مت لم يزالوا يقتحمون فيها إلى يوم القيامة! ولما طُعن عمر جاء كعب فجعل يبكي بالباب ويقول: والله لو أن أمير المؤمنين يُقسم على الله أن يؤخره لأخره. انتهى. (طبقات ابن سعد صفحة 263/ج3/ق2 ) وقد صدقت يمين كعب الأحبار، فقد قُتل عمر (ض) يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة 23 هجرية. ودُفن يوم الأحد هلال المُحرم سنة 24 هجرية. 

أبو هريرة الدوسي صاحب الشخصية المثيرة للجدل..
الباحث النزيه يجد نفسه أمام تساؤلات لا إجابة قطعية عليها في الوقت الحاضر، إلا من خلال دفوعات أبو هريرة نفسه وبسنده.. التي أكثر منها البخاري ومُسلم في صحيحيهما، لأن تاريخ أبي هريرة لا يُعرف إلا منه ولا يتم إلا به.. لقد أجمع رجال الحديث على أن أبا هريرة كان أكثر الصحابة حديثاً عن رسول الله (ص) وأنه عاشر النبي عامًا وتسعة أشهر أي 21 شهرًا، الفترة ألأخيرة من حياة الرسول (ص) وقد روى عنه 5374 حديثًا خرّج منها البخاري ومُسلم 1574 حديثاً، أكثر من تسعة أضعاف ما للصحابة من أحاديث.. ومن بينهم الخُلفاء الأربعة الذين عاشوا مع الرسول الكريم (ص) ويغلب على روايته طابع القصص وأخبار الأمم السالفة، إذ أن ما يُقارب ربع الأحاديث بأخبار الأمم السالفة في الكتب التسعة، راويها هو أبو هريرة، وتصل هذه النسبة إلى 26.25% في صحيح البخاري وإلى 68.48% في صحيح مُسلم، مع التأكيد على خصوص مرويا ته وما تُثيره من تساؤلات وإشكالات لدى الدارسين والنقاد قديما وحديثاً.

فلينظر ناظر بعقله في أبي هريرة المُتهم من الإكثار من الرواية من قبل الصحابة كما ورد في بطون الكتب التي يعتمدها أهل السُنة والجماعة.. مما سيأتي بيانه في السطور القادمة، مما جعله مُضطراً للدفاع عن نفسه وتكرار الرد على هذه التُهم ودفوعاته التي سنورد لك شيئاً منها، ثم ليُنظر إلى الخُلفاء الأربعة وسبقِهم واختصاصهم وحضورهم في تشريع الأحكام، وحسن بلائهم في اثنتين وخمسين سنة، ثلاث وعشرين كانت في خدمة رسول الله (ص) وتسع وعشرون من بعده. فكيف يمكن والحال هذه أن يكون المأثور عن أبي هريرة وحده أضعاف المأثور عنهم جميعاً؟ أفتونا يا صحاب الاختصاص..

* صحيح البخاري الحديث رقم 115 كتاب العلم " إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة "

* صحيح ألبحاري، الحديث رقم 1906 كتاب البيوع: " إنكم تقولون أن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم "

* صحيح الُبخاري، الحديث رقم: 2179 كتاب المزارعة: " يقولون أن أبو هريرة يُكثر الحديث والله الموعد "

* صحيح البُخاري، الحديث رقم: 6807 كتاب الاعتصام بالكتاب والسُنة: " إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم "

* صحيح مُسلم، الحديث رقم: 4547 كتاب فضائل الصحابة: " إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم "

* مُسند أحمد الحديث رقم 6976 " إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم "

* مُسند أحمد الحديث رقم 7380 " إنكم تقولون أكثر أبو هريرة عن النبي، صلى الله عليه وسلم"

لم يختلف الناس في اسم أحد في الجاهلية والإسلام كما اختلفوا في اسم أبي هريرة، فلا يعرف أحد على التحقيق الاسم الذي سماه به أهله ليُدعى بين الناس به. قال النووي "اسم أبي هريرة عبد الرحمن بن صخر، على الصحيح من ثلاثين قولاً.. وقال الحافظ المغرب ابن عبد البر في الاستيعاب: "اختلفوا في اسم أبي هريرة اختلافا كثيراً ولا يُحاط به ولا يُضبط في الجاهلية والإسلام – ومثل هذا الاختلاف والاضطراب لا يصح معه شيء يُعتمد عليه – وقد غلبت عليه كنيته، فهو كمن لا اسم له إلا كنيته!" 

وقال صاحب المشكاة: "قد اختلف الناس في اسم أبي هريرة ونسبه اختلافا كبيراً، وقد غلبت عليه كنيته حتى نسى الاسم الأصلي، لأنه قد أُختلف فيه كثيراً، ومن ضروب التخمين الجزم باسمه الحقيقي، وهذه الكنية قد بين هو نفسه سببها فقال: "كنت أرعى غنم أهلي – وكانت لي هرة صغيرة - فكنت أضعها بالليل في شجرة، وإذا كان النهار ذهبت بها معي فلعبت بها فكنوني أبا هريرة.."

نشأته وأصله
وإذا كانوا قد اختلفوا في اسم أبا هريرة، فإنهم كذلك لم يعرفوا شيئاً عن نشأته، ولا عن تاريخه قبل إسلامه، غير ما ذكر هو عن نفسه، من أنه كان يلعب بهرة صغيرة. وأنه كان فقيراُ مُعدماً، يخدم الناس بطعام بطنه – وكل ما يُعرف عن أصله أنه من عشيرة سليم بن فهم من قبيلة أزد ثم من دوس. ومن قوله في ذلك: "نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً بطعام بطني" وقال ابن قتيبة في ترجمته بكتاب “المعارف” بعد أن ذكر اختلاف الناس في اسمه، وأنه من قبيلة في اليمن اسمها يُقال لها دوس" وقال أبو هريرة " نشأت يتيماً وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لبسره بنت غزوان بطعام بطني، وعُقبة رجلي،فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا، وكنيت بأبي هريرة بهرة صغيرة كنت ألعب بها"

قدم أبو هريرة بعد أن تخطى الثلاثين من عمره، وكان النبي (ص) حينئذٍ في غزوة خيبر، التي وقعت في سنة 7 من الهجرة: قال ابن سعد في الطبقات الكُبرى: "قدم الدوسيون فيهم أبو هريرة ورسول الله (ص) بخيبر، فكلم رسول الله (ص) أصحابه في أن يُشركوه في الغنيمة ففعلوا – ولفقره أتخذ سبيله إلى الصفة بعد أن عاد إلى المدينة فعاش بها ما أقام في المدنية وكان من أشهر من أمها. لقد تأخر قدوم أبا هريرة إلى النبي (ص) عشرين سنة كاملة، وبلده دانية من بلاد الحجاز، حتى وقعت عزوة خبير!؟" 

اقتباس: "الذي نستطيع أن نقطع به ونحن مُطمئنون إليه بما تبين لنا من القرائن والأدلة الصحيحة وما بدا من اعترافاته الصريحة أن أبا هريرة - إنما كان يبتغي من قدومه على النبي (ص) أن يُحقق مطامعه الشخصية، ومآربه الذاتية، لا ليلتمس أن يتفقه في الدين كما يفعل غيره من الذين أسلموا مُخلصين"

كان أبو هريرة صريحاً صادقاً في الإبانة عن سبب صحبته للنبي (ص) كما كان صريحاً صادقاً في الكشف عن حقيقة نشأته، فلم يقل أنه صاحبه للمحبة والهداية - كما كان يُصاحبه غيره من سائر المسلمين - وإنما قال: "أنه قد صاحبه على ملئ بطنه" وكان يُلقب ( بشيخ المُضيرة ) وقد نالت هذه المُضيرة من عناية الُعلماء والكتاب والشُعراء ما لم ينله منها من أصناف الحلوى، وظلوا يتندرون بها، ويغمزون أبا هريرة قرونا طويلة. كما أجمع مؤرخو أبي هريرة على أنه كان مزّاحاً مِهذاراً، يتودد إلى الناس ويُسليهم بكثرة الحديث، والإغراب في القول ليُشدد ميلهم إليه، ويزداد إقبالهم عليه، وكانوا يتهكمون بروايته ويتندرون عليها لما تفنن فيها وأكثر منها. (انتهى) "شيخ المُضيرة" الشيخ محمود أبو ريه.

سيرته في ولايته
وحين توفي النبي (ص) ولاه الخليفة عمر بن الخطاب عام (20 هجري) على البحرين بعد وفاة العلاء بن الحضرمي، وسرعان ما عزله وولى مكانه عُثمان بن أبي العاص الثقفي، أما السبب في ذلك فكان عندما أجاب الخليفة عمر بأنه – أبو هريرة – يملك عشرين ألفاً من بيت مال البحرين حصل عليها من التجارة بقوله (كنت أتجرأ) وكان رد الخليفة عمر "عدواً لله والإسلام، عدواً لله وكتابه، سرقت مال الله، حين استعملتك على البحرين وأنت بلا نعلين ما رجعت بك أميمه “أمه” إلا لرعاية الحمير" (4) وضربه بالدرة حتى أدماه، وقد منعه من عن رواية الحديث النبوي بقوله: "لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس" (5) ويؤكد أبو هريرة ذلك فيقول: "ما كنت أستطيع أن أقول قال رسول الله (ص) حتى قُبض عمر، أو لو كنت أحدث في زمان عمر مثل ما أحدثكم لضربني بمخففته" (6)

أبو هريرة وكعب الأحبار
ذكر عُلماء الحديث.. في باب “رواية الصحابة عن التابعين، أو رواية الأكابر عن الأصاغر” أن أبا هريرة والعبادلة ومعاوية وأنس وغيرهم، قد رووا عن كعب الأحبار اليهودي الذي أظهر الإسلام خِداعاً وطوي قلبه على يهوديته – ويبدوا أن أبا هريرة كان أكثر الناس انخداعا به، وثقة فيه، ورواية عنه وعن إخوانه، كما كان أكثرهم رواية للحديث، ويتبين من الاستقراء أن كعب الأحبار قد سلط قوة دهائه على سذاجة أبي هريرة لكي يستحوذ عليه ويُنميه ليُلقنه كل ما يريد أن يبثه في الدين الإسلامي من خرافات وأوهام، وكان له أساليب غريبة وطرق عجيبة. فقد روى (الذهبي في طبقات الحُفاظ) – في ترجمة أبي هريرة – أن كعباً قال فيه – أي في أبي هريرة – "ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم لما فيها من أبي هريرة!!" فأنظر مبلغ دهاء هذا الكاهن ومكره بأبي هريرة الذي يتجلى في درس تاريخه أنه كان رجلاً فيه غفلة وغرة! إذ من أين يعلم أبو هريرة ما في التوراة وهو لم يعرفها، ولو عرفها لما استطاع أن يقرأها، لأنها كانت باللغة العبرية وهو لا يستطيع أن يقرأ حتى لغته العربية، إذ كان جاهلاً لا يقرأ ولا يكتب؟؟ انتهى أضواء على السنة المُحمدية، الشيخ محمود أبو ريه.

روى ابن سعد في طبقاته الكُبرى عن عبد الله بن شقيق أن أبا هريرة جاء إلى كعب يسأل عنه. وكعب في القوم، فقال كعب ما تريد منه؟ فقال: أما إني لا أعرف أحداً من أصحاب رسول الله، أن يكون أحفظ لحديث رسول الله مني!! فقال كعب: "أما أنك لم تجد طالب شيء إلا سيشبع منه يوماً من الدهر إلا طالب علم، أو طالب دنيا!" فقال: أبو هريرة: أنت كعب ؟ فقال: نعم، فقال: لمثل هذا جئتك، إني جئتك لأطلب عندك العلم، وأستقي من معينك الغزير. 

يصف الدكتور طه حسين كعب الأحبار فيقول: "كان غريب الأطوار، عرف كيف يخدع كثيراً من المُسلمين ومنهم (عمر) وكان كعب يهودياً من أهل اليمن زعم أنه سأل علياً رحمه الله عن النبي حين ذهب علي إلى اليمن مُرسلاً من رسول الله (ص) فلما أنبئه عليٌ بصفته، بصفة النبي (ص) عرف هذه الصفة مما كان يجده بزعمه في التوراة، ولم يأت المدينة أيام النبي (ص) وإنما أقام على يهوديته في اليمن. وزعم بعد ذلك أنه اسلم ودعا إلى الإسلام في اليمن، وقد أقبل على المدينة أيام عمر، فأقام فيها مولى للعباس بن عبد المُطلب رحمه الله وكان بارعاً في الكذب على المُسلمين يزعم أنه يجد صفاتهم في الكتب، وكان المُسلمون يُعجبون بذلك ويتعجبون له، وما لبث أن كذب على عمر نفسه فزعم أنه يجد صفته في التوراة، فعجب عمر وقال: تجد اسم عمر في التوراة؟ قال كعب: لا أجد اسمك ولكن أجد صفتك!!"

وما يدلك على أن هذا الحبر الداهية قد طوى أبا هريرة تحت جناحه حتى جعله يُردد كلام هذا الكاهن بالنص، ويجعله حديثاً مرفوعاً إلى النبي (ص) نورد لك شيئاً منه:

صحيح البخاري، الحديث رقم: 3361 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) قال: (خلق الله آدم على صورته)، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر من الملائكة، جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن) أخرجه البخاري - باب: بدء السلام.

(خلق الله آدم على صورته) الضمير في صورته يعود على الله! فقد روى ابن إبي عاصم (516) أيضاً عن أبي هريرة، قال رسول الله: إذا قاتل أحدكم فليجنب الوجه، فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه.. وقال الشيخ الألباني إسناده صحيح! وروى ابن أبي عاصم في السنة أيضاً: (517) عن ابن عمرقال: قال رسول الله لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خُلق على صورة الرحمن.. "قال الشيخ عبد الله الغنيمان: هذا حديث صحيح صححه الأئمة، الإمام أحمد، وإسحاق ابن راهوية وليس لمن ضعفه دليل إلا قول ابن خريمة، وقد خالف من هو أجلّ منه!!)

أما شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول: "لم يكن بين السلف من القرون الثلاثة نزاع في أن الضمير عائد إلى الله تعالى، فإنه مستفيض من طرق متعددة، عن عدد من الصحابة، وسياق الأحااديث كلها تدل على ذلك.. ولكن لما انتشرت الجهمية في المائة الثالثة جُعل الضمير عائداً لغير الله تعالى، حتى نُقل ذلك عن طائفة من العلماء المعروفين بالعلم والسنة في عامة أمورهم، كأبي ثور، وابن خزيمة، وأبي الشيخ الأصفهاني وغيرهم، ولذلك أنكر عليهم أئمة الدين وغيرهم من علماء السنة." (نقض التأسيس 202\3)

هل نفهم من هذا الحديث المكذوب على رسول الله (ص) أن طول الله تعالى ستون ذراعاً؟! هل من قارئ يدلنا على هذا الوصف في كتاب الله، والله سبحانه تعالى يقول:- 

فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ (كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ- الشورى 11 

المصدر: سفر التكوين الإصحاح الأول الفقرة 27 - فخلق الله الإنسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقه

صحيح مسلم، الحديث رقم 7340 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) سيحان وجيحان والفرات والنيل كلٌ من انهار الجنة!

نأمل من السادة علماء الحديث.. توجيه قارئ التنزيل الحكيم إلى الآيات التي تشير إلى أن سيحان وجيحان، أو الفرات ودجلة من أنهار جنة الرضوان في السماء. لقد فات على أبي هريرة أن اليهود وبعد تحريفهم لكتبهم لا يؤمنون أصلاً بوجود جنة في السماء.

المصدر: التوراة سفر التكوين. الإصحاح الثاني، الفقرات 7-14 وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس - اسم الواحد فيشون وهو المحيط بجميع ارض الحويلة حيث الذهب - و ذهب تلك الأرض جيد هناك المقل و حجر الجزع - واسم النهر الثاني جيحون وهو المحيط بجميع ارض كوش - واسم النهر الثالث حداقل وهو الجاري شرقي أشور والنهر الرابع الفرات.

صحيح مسلم، الحديث رقم 7231 عن أبي هريرة قال: أخذ رسول الله بيدي فقال: خلق الله عزَ وجل التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد. وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق. في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.

لا نجد في هذا الحديث المفترى، الذي يتعارض مع آيات التنزيل الحكيم، أي ذكرٍ ((لخلق السماوات)) والله تعالى أخبرنا في آياته البينات، أنه خلق الأرض في يومين اثنين، وجعل سبحانه في الأرض جبالا وبارك فيها، فجعلها دائمة العطاء لأهلها في تمام أربعة أيام. يومان لخلق الأرض، ويومان جعل فيها رواسي وقدر أقواتها، وفي يومين اثنين قضى الله تعالى خلق السموات السبع وتسويتهن، فتم بذلك خلق السماوات والأرض في ستة أيام. أما فيما يتعلق بخلق آدم (ع) في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة، فهو تقولٌ على الله سبحانه وتعالى. يقول الحق سُبحانه:

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ - الأعراف 54

قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ - فُصِلت 9

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ - فُصِلت 10

ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ - فُصِلت 11

فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ - فُصِلت 12

المصدر: التوراة الإصحاح الأول الفقر 1-31

اليوم ألأول: وقال الله ليكن نور فكان نور

اليوم الثاني: وقال الله ليكن جلد في وسط المياه و ليكن فاصلا بين مياه ومياه

اليوم الثالث: وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء إلى مكان واحد ولتظهر اليابسة وكان كذلك ودعا الله اليابسة أرضا ومجتمع المياه دعاه بحارا ورأى الله ذلك انه حسن

اليوم الرابع: قال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل وتكون لآيات وأوقات و أيام وسنين وتكون أنوارا في جلد السماء لتنير على الأرض وكان كذلك

اليوم الخامس: فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الأنفس الحية الدبابة التي فاضت بها المياه كأجناسها و كل طائر ذي جناح كجنسه ورأى الله ذلك انه حسن

اليوم السادس: قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض

اليوم السابع: فأكملت السماوات والأرض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل وبارك الله اليوم السابع و قدسه لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقا

وقد بلغ من دهاء كعب الأحبار واستغلاله لسذاجة أبا هريرة وغفلته، أنه كان يُلقنه ما يريد بثه في الدين الإسلامي من خرافات وترا هات، حتى إذا رواها أبو هريرة عاد هو فصدقها.. وذلك ليؤكد هذه الإسرائيليات - ليُمكنَ لها في عقول المسلمين – كأن الخبر قد جاء عن أبي هريرة وهو في الحقيقة عن كعب الأحبار. وإليك مثلاً من ذلك نُختم به ما ننقله من الأحاديث التي رواها أبو هريرة عن النبي (ص) وهي في الحقيقة من الإسرائيليات:

صحيح مسلم، الحديث رقم 1381: عن أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قال: يأتي المسيح الدجال (حسب شرح النووي في الحاشية) من قبل المشرق، همه المدينة حتى ينزل دبر أحد. ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام. وهناك يهلك.

ليس في كتاب الله تعالى ذكر لأي مسيح دجال، أو عودة المسيح الأصلي أبداً. بل هي من تحريفات أهل الكتاب، ومن الآوهام والتخرصات التي تواترها المسلمون من أهل السنة والشيعة على حد سوآء، وهي حقن تخدير لا أكثر ولا أقل من ذلك. الأجدر للمسلمين من أتباع الرسالة المحمدية حل مشاكلهم بأيديهم بدون مسيح منتظر، أو إمام موعود، أو مهدي غائب.. لننظر إلى قول الحق سُبحانه في هذه الآية التي لا تقبل التأويل: إنَّ اللَّـهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّـهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ ﴿الرعد:11﴾

المصدر: الإنجيل - إنجيل متى الإصحاح 24 الفقرات 23-24 " 

فإن قال لكم احد إن المسيح هنا أو هناك فلا تصدقوا فسوف يبرز أكثر من مسيح دجال ونبي دجال، ويقدمون آيات عظيمة وأعاجيب، ليضللوا حتى المختارين

صحيح البخاري، الحديث رقم 3366 حدثنا أبو كريب، وموسى بن حزام، قالا حدثنا حسين بن علي، عن زائدة، عن ميسرة الأشجع، عن أبي حازم، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء.

ليس في القرآن الكريم أية إشارة، تلميحاً أو تصريحاً تشير لخلق المرأة من ضلع أو من أي جزء آخر.. 

يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا- النساء 1

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ- الأعراف 189

خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ - الزمر 6

المصدر: التوراة - سفر التكوين الإصحاح الثاني، الفقرات 21-22

فأوقع الرب الإله سباتا على ادم فنام فاخذ واحدة من أضلاعه وملا مكانها لحما وبني الرب الإله الضلع التي أخذها من ادم امرأة و احضرها إلى ادم، فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي.

صحيح مسلم، الحديث رقم 6290 عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: فخنتن إبراهيم – عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم

ليس في القرآن الكريم أي ذكر عن اختتان إبراهيم.

المصدر: سفر التكوين، الإصحاح 17 " وكان إبراهيم ابن تسع وتسعين سنة حين ختن في لحم غولته "

وانطلاقاً مما تقدم، وعلى ضوء هذه المعلومات التي استقيناها حصراً من كتب أهل السنة والجماعة، والتي يجهلها السواد الأعظم من المسلمين، يثور في رأسنا سؤال لا يهدأ نطرحه على السادة علماء الحديث.. بصفة خاصة، وعلى رجال الدين عموماً، وهم قطعاً وبصراحة متناهية الوحيدون الذي لا يجوز لهم أبداً التحدث بالدين بعد أن هجروا الكتاب الذي أنزل على قلب رسول الله (ص) وحياً، الذي حوله أصحابه إلى أشرطة تتلى في الأفراح والأتراح، واستبدلوه بالذي هو أدنى، بالأحاديث الظنية، والروايات اللتي تطفح بالإسرائيليات، والناسخ والمنسوخ.. 

فإذا كان أبو هريرة صاحب الشخصية المثيرة للريبة وللجدل، والذي لم يكن من السابقين الأولين ولا من المهاجرين، ولا من الأنصار، ولا من المجاهدين بأموالهم أو بأنفسهم، ولا من أصحاب الكلمة في الجاهلية وأول الإسلام، ولا من المُفتين، ولا من - القرآء الذين حفظوا القرآن - ولا جاء في فضله حديث عن الرسول (ص) والمُتهم من قِبل عمر (ض) بالسرقة، ووصفه بأنه عدواً لله والإسلام، عدواً لله وكتابه، وضربه بالدُرة وأدماه وهدده بالطرد بقوله: "لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القرود أو بأرض دوس" ألم تصل تلك المعلومات إلى الشيخين البخاري ومُسلم قبلنا؟ لماذا أخرجوا له كل هذه الأحاديث العبثية التي أساءت للإسلام والمُسلمين وأصابتهم في مقتل؟؟ 

ميثم الجنابي - شخصية ومصير كعب الأحبار!


هو كعب بن ماتع الحميري. توفي عام 34 للهجرة. أصوله من يهود حمير اليمنيين. اعتنق الإسلام زمن عمر بن الخطاب وتحول بفعل قربه من السلطة وثقافته النسبية (التوراتية) إلى شخصية مؤثرة آنذاك. وهي "ثقافة" بسيطة وشفوية. من هنا غلوها في إدخال هذا الكم الهائل من الأساطير التوراتية في الموقف من الأحداث السياسية والدرامية التي مر بها تاريخ الإسلام بعد موت النبي محمد. وهي ظاهرة لقطها المؤرخ الذهبي ووضعه في كتابه (سير أعلام النبلاء)، عندما أشار إلى حالته الغريبة التي جعلت منه وهو "التابعي" أو الذي اسلم في خلافة عمر بن الخطاب، مصدرا لرواية الصحابة مثل أبو هريرة وغيره. أما في الواقع فانه لا غرابة في الأمر. وذلك لأنهما يشتركان ويتكاملان. فقد اسلما في أوقات متقاربة نسبيا. أبو هريرة عام 7 للهجرة، وكعب زمن عمر (ويقال زمن خلافة أبو بكر). وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أصولهم اليمنية، بمعنى التقائهم بالفطرة والمكان والنفسية، و"ذكاء" كعب و"علمه" بوصفه حبرا من أحبار اليهود، وسذاجة أبو هريرة بوصفه ناقلا مباشرا لما يسمعه، فان من السهل معرفة سر ونوعية التأثير المحتمل لكعب الحميري على أبي هريرة.
وليس مصادفة أن يكون اغلب الحديث النبوي الزائف الذي نقله أبو هريرة مشبعا بالفكرة الأسطورية. فقد كان أبو هريرة ضمن هذا السياق مجرد حامل ونقّال. بمعنى انه لا يعبأ بما ينقل. لأن الشيء الوحيد الذي كان يمتلكه هو "ذاكرة" بلا عقل. من هنا ثقوبها المليئة بإمكانية تمرير كل شيء، والإسرائيليات بشكل خاص. وقد لقط ابن كثير (في كتابه تفسير القرآن) الدس التوراتي من جانب كعب الحميري، عندما كتب يقول، بان القصص المروية عن ملكة سبأ وسليمان هي من وضع أهل التوراة مثل كعب ووهب بن منبه، أي أولئك الذين نقلوا ما اسماه ابن كثير بأخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرّف وبدّل ونسخ.
وليس مصادفة أن يكذبه ابن عباس مرات عديدة في تفسيره للقرآن. بمعنى معارضته لفهم القرآن بمعايير ومفاهيم وصور التوراة. وهي عملية طبيعية بالنسبة لكعب الأحبار، تماما بالقدر الذي لم تكن مثار حساسية دينية. لاسيما وان القرآن يحتوي على "إسرائيليات" عديدة، بوصفها جزء من تراث المنطقة وتقاليدها الدينية والأسطورية. فالأساطير الإسرائيلية جميعا من وحي تراث المنطقة وتاريخها، بمعنى أنها لا نخرج من وادي الرافدين ومصر وفلسطين وفارس. من هنا لم يكن "حشر الإسرائيليات" في الإسلام آنذاك من جانب عبد الله بن سلام ووهب بن منبه وكعب الأحبار فعلا متعمدا بقدر ما انه كان يسري بفعل ثقافتهم الأولية الخاصة.
وفيما يخص كعب الحميري فقد كان تفسيره للقرآن والأحداث بمعايير الرؤية اليهودية يهدف إلى جعل الإسلام نهاية الفكرة الوحدانية والحق. وبالتالي فان "الدس التوراتي" كان بهذا المعنى يهدف إلى البرهنة على أفضلية الإسلام. وهي فكرة يمكن رؤيتها في كل الخطاب الديني والأخلاقي لكعب الأحبار. ومن الصعب توقع مواقف أخرى لكعب الأحبار بهذا الصدد، خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار إسلامه المتأخر وهو في عمر تجاوز الثلاثين من العمر، إضافة إلى احترافه الديانة اليهودية بوصفه احد أعلامها و"أحبارها" في اليمن. لهذا لا نعثر في آرائه ومواقفه على استشهاد بالقرآن والحديث مقارنة بما تمتلئ مواقفه وآراءه من التراث الشفوي لليهودية التوراتية.
الأمر الذي حدد رؤيته للماضي والحاضر والمستقبل بوحي خزين تجاربه الدينية والمعرفية. وهو خزين يهودي. لكن مشاعره كانت تميل كليا للإسلام والدفاع عنه كما هو جلي فيما ينقله لنا أبو نعيم الأصفهاني في (حلية الأولياء). وإذا كانت اغلب تصوراته تسير صوب التجسم وإمكانية رؤية الله، فلأنها الرؤية المميزة لليهودية. وهي مكونات تخدم على الدوام جمود الرؤية والمواقف وأسطوريتها، التي عادة ما تكون أداة بيد السلطة بسبب ما في هذه الرؤية من بساطة وتسطيح للوعي. وليس مصادفة أن يصبح كعب الأحبار قريبا ومقربا من السلطة زمن عمر بن الخطاب وعثمان، رغم تباينهما الكبير. وان يحاول معاوية بن أبي سفيان تقريبه منه. وبهذا الصدد تنسب إلى كعب الأحبار فكرة يقول فيها بان مولد النبي بمكة، وهجرته بطيبة، وملكه بالشام! وقد تكون تلك عبارة أطلقها معاوية ونسبها إلى كعب الأحبار. خصوصا إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن كعبا لم يتقرب من معاوية رغم إغواء الأخير إياه. وفضّل أن يعيش في حمص ويموت فيها، قبل مقتل عثمان بسنة واحدة (عام 34 للهجرة).
لقد حبذ كعب الحميري العيش بالقرب من السلطة والابتعاد عن مهمة "الجهاد" الكبرى آنذاك. لهذا لم نسمع عنه اشتراكه في حروب الفتح الإسلامي. لكننا نراه ينهمك في وضع الأفكار السياسية المتلفعة بالخطاب الديني الأسطوري. وهو انهماك جعله قريبا من السلطة في غضون فترة سريعة جدا. فقد اسلم زمن خلافة عمر بن الخطاب وتحول إلى احد المقربين منه. كما احتل هذا الموقع زمن خلافة عثمان بن عفان. وهو تقرب لم يخلو أحيانا من التملق. قد يكون هو السبب الذي جعل بعض كتب التاريخ تنسب إليه إمكانية المؤامرة في مقتل عمر بن الخطاب. وهو تأويل مفتعل. وذلك لان العبارة المنسوبة إليه بهذا الصدد التي كان يقولها لعمر قبل مقتله بأيام بأنه شهيد، لا تعني فيما لو جرى وضعها ضمن تقاليد الرؤية الدينية سوى الصيغة المقدسة لنهاية المرء. وهي فكرة يمكن أن تداعب قلوب المسلمين الأوائل! وإذا كان كعب الحميري يضع هذه الرؤية والمواقف حسب صور التوراة أو أنها "موجودة في التوراة"، فلأنها الصيغة التي تداعب الخيال الإسلامي آنذاك عما دعاه القرآن بعبارات عديدة مثل "موجود في الكتاب" و"مصدق لما بين يديه" وما شابه ذلك. وعدما استغراب عمر بن الخطاب أن يكون شهيدا، فإن جواب كعب الحميري هو "إن صفاتك موجودة في التوراة". وهو نفس الموقف الذي قال به عندما تعرض عثمان لإمكانية القتل. وإذا كان عمر بن الخطاب قد رفض هذا التأويل انطلاقا من انه لا شهادة في ارض العرب، فان عثمان رفضه حبا بالحياة! بينما نرى عمر يعارض فكرة كعب من بناء المسجد شمال الصخرة بحيث تصبح قبل القبلة في التوجه للصلاة. من هنا بناء عمر للمسجد في مقدمة ما يسمى بجبل الهيكل. وحتى في هذا الموقف لا ينبغي فهم رؤية كعب الحميري إلا ضمن سياق محاولة إدخال التوراة في كل موقف، بوصفها الجزء الجوهري من ذخيرته المعرفية والدينية.
إن هذا التناقض الجلي في شخصية كعب الحميري هو الذي جعل منها اشد عسرا بالنسبة لتاريخ الأفراد والأفكار. كما أن الأساطير والحكايات التي حيكت عنه وحوله جعلته اشد تعقيدا بالنسبة لتحديد موقعه الفعلي في الثقافة الإسلامية الأولى وموقع المثقفين من السلطة. أما في الواقع، فقد تمثل كعب الحميري هذا التناقض وعاش معه حتى النهاية. بمعنى دخوله الإسلام بتراثه اليهودي. وعيشه وفعله بمقاييس اليهودية من اجل الإسلام. وكذلك محاولة الجمع بين واقعية الرؤية العربية المتربية بتقاليد الجاهلية وحبكة الرؤية الأسطورية لليهودية. وهو تناقض جعله فريسة السلطة واستحالة الانفكاك عن تأييدها. الأمر الذي أثار حفيظة الوعي الإسلامي الأخلاقي النقدي، بحيث وجد في مواقفه شخصية غريبة عن الإسلام، ومن ثم رده دوما وذكّره بأصوله اليهودية. فعندما أراد عثمان اقتسام أموال عبد الرحمن بن عوف بعد موته، نراه يخاطب كعبا:
- ما تقول فيمن جمع هذا المال، فكان يتصدق منه، ويعطي في السبيل ويفعل ويفعل؟
- إني لأرجو له خيرا!
عندها غضب أبو ذر الغفاري ورفع العصا في وجه كعب قائلا:"وما يدريك يا ابن اليهودية! ليودّن صاحب هذا المال يوم القيامة لو كانت عقارب تلسع السويداء من قلبه!". وعندما كان عثمان يأخذ من مال المسلمين (قرضا بلا عودة!) نراه يسأل كعبا بهذا الصدد عما إذا كان مسموحا للخليفة أن يأخذ من بيت مال المسلمين إذا كان بحاجة على أن يردها فيما يعد. فلم يعترض كعب! بينما نرى أبو ذر يعارضه بشدة مخاطبا كعب الأحبار:"أتعلمنا يا ابن اليهودية"؟!
وهو نفس الرد السريع الذي قال به المسلمون الذين حاصروا عثمان قبيل مقتله، عندما سمعوا قول كعب بان مقتل عثمان سوف يؤدي إلى حروب دامية. وهو "تنبؤ" سليم، يحمل من حيث أصوله ووسيلته معنى "الإخلاص" للسلطة. بمعنى إنها فكرة ليست محكومة بالرؤية التاريخية السياسية، بقدر ما أنها كانت تعمل من اجل أمل الإبقاء على عثمان حيا يرزق في سرقته وإفساده للدولة والأمة والفكر. وهي الحالة التي لقفها معاوية وكل أولئك الذين كونوا عصابته الظاهرة والمستترة وراء عباءة الإسلام المزيف. كما كان الحال بالنسبة لعمر بن العاص. فقد كان، حسب كلماته، يؤلب حتى الرعاة على أغنامهم على قتل عثمان! بينما نراه يتحول إلى مقدمة الرافعين لشعار الثأر لمقتل عثمان عندما جرى اختيار الإمام علي خليفة للمسلمين للمرة الأولى بصورة حرة ومن جانب المجتمع وقواه الحية!

الأحد، 14 أكتوبر 2012

المنظرين الخمسة في القران بقلم الحسن محمد ماديك

المنظرون

إبليس من المنظرين 

إن الله لم يجب دعاء إبليس إلى الإنظار كما في قوله قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون الحجر 36 سورة ص 79 ومن المثاني معه قوله قال أنظرني إلى يوم يبعثون الأعراف 14 وقوله لئن أخرتن إلى يوم القيامة الإسراء 62 بل كان إبليس كما في قوله وكان من الكافرين البقرة 34 وسورة ص 74 والله لا يجيب دعاء الكافرين أبدا كما في قوله وما دعاء الكافرين إلا في ضلال الرعد 14 غافر 50 لكن ا
لله أخبر أن إبليس من المنظرين كما في قوله قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم الحجر 37 ـ 38 وسورة ص 80 ـ 81 ومن المثاني معه قوله قال إنك من المنظرين الأعراف 15 وقوله قال اذهب الإسراء 63 أي أخر عنه الموت كغيره من المنظرين .
وإبليس من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وهو في الدنيا قبل يوم الدين يوم القيامة الذي طلب الإنظار أي تأخير موته إليه ويوم يموت إبليس معلوم للناس جميعا غير مجهول ألا ترى أن حرف الحجر وحرف سورة ص قد تضمنا قوله قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم وتضمن حرف الأعراف قال إنك من المنظرين ولم يقل بعده إلى يوم الوقت المعلوم إذ قال الله قبله قوله فاخرج إنك من الصاغرين الأعراف 13 ، ولقد تضمن القرآن أن الصاغرين هم المجرمون الذين لن يؤمنوا بالآيات الخارقة للتخويف والقضاء الموعودة كما يأتي بيانه في كلية الآيات فالذين سيتكبرون عنها هم الموصوفون بقوله سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما يمكرون الأنعام 124 يعني في فجر ليلة القدر كما بينت وهي ليلة معلومة وأجل مسمى كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر .

السامري من المنظرين وهو الدجال المنتظر

وإن السامري الدجال كذلك من المنظرين لقوله قال فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه سورة طـه 97 من قول موسى ومن أعلم من موسى الذي كلمه ربه وآتاه التوراة ـ بخبر السامري ـ ويعني قول موسى أن السامري منظر لن يموت في عهده وإلا لقتله موسى بيده ولا يخفى أن موسى أمر بقتل عبدة العجل كما في قوله وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم البقرة 54 .
وقوله قال فاذهب فإن لك في خطاب السامري من المثاني مع قوله قال اذهب فمن تبعك منهم في خطاب إبليس لدلالة كل منهما على الإنظار أي أن العقاب أخر عن كل منهما .
وقوله فإن لك في الحياة يعني أن إنظاره هو إلى آخر الحياة وهي أعم من حياة السامري لو لم يكن من المنظرين وكما في الحديث الصحيح "إن يكن هو فلن تسلط عليه " قاله النبي لعمر لما أراد قتل ابن صياد ظنا منه أنه هو الدجال .
وقوله أن تقول لا مساس دليل على أنه يسجن في حيث لا يمسه أحد ولا يمس هو أحدا في سجنه ذلك كما في الأحاديث النبوية .
وقوله وإن لك موعدا لن تخلفه دليل آخر على الإنظار وأن موعده متأخر عن موسى وإلا لقتله موسى ولكن موعده هو خروجه في آخر هذه الأمة ليعيث فيها فسادا أربعين يوما ثم ينزل الله عيسى ابن مريم فيقتله في باب لد كما أخبر خاتم النبيين في بيان موعد لن يخلفه السامري الدجال بعد خروجه من سجنه ، والعجيب أن النبي لم ينكر حياة الدجال لما أخبر عن ابن صياد في المدينة وإنما ذهب ليراه ولو لم يكن الدجال حيا آنذاك لأخبرهم أنه لم يولد بعد .
إن فتنة السامري الدجال في قوم موسى بعده قبل رجوعه بالتوراة ستتكرر ولم تنقض برجوع موسى وذلك قول موسى إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء الأعراف 146 أي بعد أن أخذت الرجفة سبعين رجلا من خيار قوم موسى الذين اعتذروا وتابوا من عبادة قومهم العجل وكان ذلك بعد قول موسى فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس وإن لك موعدا لن تخلفه سورة طـه 97 ولو كانت فتنة السامري قد انقضت بذلك لما قال موسى بعد أن أخذت الرجفة قومه مناجيا ربه قوله إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء بصيغة المستقبل في تضل و وتهدي ولقال بدله أضللت بها من تشاء وهديت من تشاء أي ممن لم يفتن بالسامري والعجل .
وستتكرر فتنة السامري الدجال كما هو مدلول قوله وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا وهو مما قاله ربنا لموسى بعد أن كلمه وآتاه التوراة بعد أربعين ليلة بينتها المثاني في حرف البقرة والأعراف ، والعجيب حقا أن موسى لما تسلم التوراة المكتوبة قد قال الله له كلاما هو من نبوة موسى المتأخرة كثيرا إذ لم يقع منها شيء بعد حتى يومنا هذا وذلك قوله سأوريكم دار الفاسقين سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين الأعراف 145 ـ 146 ، وجميعه من نبوة موسى التي تضمنها القرآن للتذكير بها كما في قوله ولقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون القصص 51 وهي منتظرة لأن قوله سأوريكم دار الفاسقين لم يقع بعد إذ لم تهلك أمة ـ بعذاب جامع كالذي أهلكت به قوم نوح والأحزاب من بعدهم ـ بعد أن نزلت التوراة وكما سيأتي بيانه ضمن بيان القرآن.
وكان من تفصيل الكتاب أن قصّ الله بعد نبوة موسى في سورة الأعراف خبر السامري الدجال ابتداء من قوله واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار الأعراف 148 على نسق تفصيل الكتاب في ذكر الموعود المتأخر قبل القريب وهو أن موسى بعد أن آتاه الله التوراة ونبّأه سيجد قومه قد أضلهم السامري بالعجل .
إن سورة طـه التي تضمنت قصة السامري باسمه هي من القرآن نبوة خاتم النبيين كما هي دلالة قوله كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا ذكرا طـه 99 .
وإن السامري من بني إسرائيل الذي فتن قوم موسى بالعجل هو الدجال الأعور كما هو دلالة قوله بصرت بما لم يبصروا به طـه 96 وهو الطعن في الذين يتمتعون بعينين سالمتين .
وإن قوله وكذلك سولت لي نفسي طـه 96 من قول السامري هو من المثاني مع قوله واتبع هواه الأعراف 176 إذ هو نفسه الدجال الأعور المنظر ولا يعني وصفه بقوله واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها أنه كان من المكرمين كالرسل والنبيين إذ وصف الله ثمود بمثل ذلك في قوله وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها أي أن آية خارقة قد جاءهم بها رسولهم صالح وكذلك رأى السامري آية خارقة جاء بها موسى .
والعجيب أن النبي قد اعتبر السامري الدجال أكبر فتنة من جميع الفتن ما بين خلق آدم والساعة وكذلك قال الله فأتبعه الشيطان الأعراف 175 يعني أن السامري أصبح سيد إبليس ومتبوعه لأن السامري سيدعي أنه إله الناس إذ غضب من قبل أن حرق موسى عجله ومعبوده وسيدعي ما ادعاه من قبل للعجل وقصر إبليس عن ادعاء ذلك .
إن قوله ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون النحل 89 ـ 90 ومن المثاني معه قوله قل إن الله لا يأمر بالفحشاء الأعراف 28 .
ويعني حرف النحل أن من تبيان الكتاب لكل شيء أن الدجال سيزعم للناس أنه هو الله ويأمرهم بالفحشاء والمنكر والبغي وقد أخبر الله في الكتاب أن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى خلاف ما سيأمر به الدجال وأن الله وعظ بهذا البيان لعل الناس يتذكرونه إذا جاءهم الدجال وزعم أنه هو الله ليتذكروا بمنهاجه أنه دجال شيطان وليعلموا بحرف الأعراف بعد حياة النبي كما هو مدلول القول أن الدجال الذي يأمر بالفحشاء ليس هو الله وقد أمر الله المسلمين يومئذ بقوله وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا النحل 91 ـ 92 أي ليثبتوا على الإيمان ولا يفتنوا بالدجال ومخارقه .
إن قوله ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين البقرة 155 لمن المثاني مع قوله لتبلون في أموالكم وأنفسكم عمران 186 ويعني أن المتقين في آخر هذه الأمة سيبتلون بالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات التي ستفيض على الدجال ومن معه كما في قوله أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به النحل 92 .
إن قوله واستفزز منهم من استطعت بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم الإسراء 64 لمنتظر وسيتم إيقاعه يوم يخرج الدجال فيتبعه الشيطان كما في قوله فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين الأعراف 175 يعني أن الشيطان إبليس سيسخر لمتبوعه السامري الدجال خيله ورجله وهكذا يمخرق على الناس فيتبعونه بخوارقه وخوارق الشيطان معه .
وكان إبليس من الجن والسامري من بني إسرائيل من بني آدم شيطانان من المنظرين كما بينت .

عيسى وأمه من المنظرين

وإن عيسى وأمه من المنظرين كما في قوله قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير المائدة 17 ويعني أن المسيح ابن مريم وأمه لم يكونا قد أهلكا يوم نزل القرآن لأربع قرائن أولاها أن ذلك من القول كما هي دلالة قوله قل وثانيها قوله فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا أي أن الله لم يرد ذلك بعد وأنه إذا أراده مستقبلا فلن يستطيع منعه أحد .
إن السياق لا يستقيم لو كان المسيح عيسى وأمه قد ماتا قبل نزول القرآن كما لا يستقيم أن يقال فمن يملك من الله شيئا أي يستطيع منعه إن أراد أن يهلك عادا الأولى قوم هود بالريح العقيم لأن إهلاكهم قد مضى وانقضى ولم يأت في القرآن القول الفصل مثل هذا النظم الهزل ، لأن الشرط بقوله إن أراد يعني أن إرادة الله لم تقع بعد يوم نزل القرآن وأن موت المسيح عيسى وأمه لا يزال منتظرا وهو مقدمة إهلاك من في الأرض جميعا ومنه ما على ظهرها يومئذ من الناس والدواب .
وثالثها قوله يخلق ما يشاء بصيغة المستقبل أي أن الله قبل أن يريد إهلاك المسيح ابن مريم وأمه سيخلق ما يشاء من الخلق ومنه الجيل الذي سيعاصر نزولهما .
ورابعها قوله إن الله على كل شيء قدير لدلالتها على أن ما قبلها هو من الغيب المنتظر وقوعه بعد نزول القرآن كما هي دلالة اسمه القدير الذي تضمن وعدا حسنا لم يقع بعد يوم نزل القرآن كما بينت في الأسماء الحسنى .
وإن قوله ويكلم الناس في المهد وكهلا عمران 46 لمن المثاني مع قوله تكلم الناس في المهد وكهلا المائدة 110 وقد مضت الأولى وهي كلامه في المهد ونحن في انتظار الثانية وهي أن يكلم المسيح وهو كهل الناس أي بعد أكثر من ألفي عام على ولادته .
وإن قوله وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما النساء 157 ـ 158 لمن المثاني مع قوله إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة عمران 55 ويعني حرف النساء الذي تضمن الاسمين العزيز الحكيم أن رفع عيسى وعد من الله كما فصله حرف عمران وقد تحقق الجزء الأول من الوعد في الدنيا وهو أن الله قد توفاه ورفعه إليه وطهره من الذين كفروا أما الجزء الثاني من الوعد في الدنيا فمنتظر وهو قوله وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة وقوله فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا عمران 56 كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر وسيتم بعزة الله وحكمته أن يكون الذين يتبعون عيسى بعد نزوله فوق الذين كفروا وكما في الحديث أنه سيقتل الدجال ويقاتل اليهود حتى يختبئوا وراء الحجر والشجر من الذلة ، وهم يختبئون لأن أيديهم ستكون يومئذ مغلولة ليقع فيهم وعد الله الذي نبّأ به في القرآن غلّت أيديهم المائدة 64 ولم يقع بعد وهو منتظر ، إذ هو من الوعد في الدنيا والغيب في القرآن ، ويعني تطهيره من الذين كفروا أنه يوم ينزل إلى الأرض لا يحل لكافر أن يجد نفسه بتحريك الفاء بالفتح إلا مات وإن نفسه لينتهي حيث ينتهي طرفه كما في الحديث .
إن قوله إني متوفيك ليعني أن الله قد ألقى النوم على عيسى قبل رفعه كما في قوله وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه الأنعام 60 ومن المثاني معه قوله الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها الزمر 42 والتوفي في الأحرف الثلاثة قد أسند إلى الله على نسق واحد لعدم اختصاص عيسى والرسل به بل جميع الناس يعرفون النوم كما بينت في اسم الله ضمن الأسماء الحسنى .
ولقد قتل وصلب الذي كان حريصا على قتل عيسى إذ ألقي عليه شبهه كما في قوله ولكن شبه لهم النساء 157 ومن المثاني معه قوله ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين عمران 54 إذ كان من مكر الله أن شبّه لهم الأحمق فقتل وصلب ظنا منهم أنه عيسى الذي رفعه الله إليه .
إن قوله وجعلناها وابنها آية للعالمين الأنبياء 91 لمن المثاني مع قوله وجعلنا ابن مريم وأمه آية الفلاح 50 ويعني أنهما سيجعلهما ربهما آية للعالمين وهم أعم من بني إسرائيل من قبل وكما في قوله واصطفاك على نساء العالمين عمران 42 وهي لم تعاصر من قبل إلا بني إسرائيل .
نعم لقد كان عيسى مثلا لبني إسرائيل أي رسولهم وإنما يعني جعلهما آية للعالمين أنهما من المنظرين ومن الآيات الخارقة الموعودة في القرآن ليشهدها العالمون وهم أعم من العرب وبني إسرائيل كما يأتي بيانه في كلية الآيات .
ويأتي من بيان حرف عمران في كلية الآيات .

يحيى من المنظرين

وإن يحيى لمن المنظرين لقوله وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا مريم 15 وهو من قول الله وإخباره في القرآن ويعني أنه يوم نزل القرآن فإن يحيى قد ولد بصيغة الماضي وأنه يوم نزل القرآن لم يمت بعد وإن يومي موته وبعثه لا يزالان منتظران كما هي صيغة المستقبل ولو كان قد مات قبل نزول القرآن لكان السياق وسلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث .
إن إخبار الله عن يحيى ليس مثل إخبار عيسى عن نفسه وهو في المهد إذ لا يزال يوما موته وبعثه منتظران وإنما عرف إنظار عيسى وتأخيره من غير حرف مريم والسلام عليّ يوم ولدتّ ويوم أموت ويوم أبعث حيا مريم 33 .
إن السلام على كل من يحيى وعيسى يوم يموتان ليعني أن يحيى لم يقتل كما زعم التراث وأن رأسه صار مهرا لبغيّ طلب خالها الملك أن يتزوجها إذ لا سلام على مقتول إذ السلام هو انتفاء الخوف والحزن كما بينت في كلية النصر في ليلة القدر .
إن الله عالم الغيب والشهادة قد سمّى يحيى في القرآن بـ يحيى خمس مرات أفيموت أو يقتل قبل أن تطول به الحياة آلاف السنين سبحان الله أن يخفى عليه يوم سمّى يحيى ولم يجعل له من قبل سميا أن يكون ممن يقتل وهو شاب فيقع فيه خلاف ما أخبر الله عنه يوم قال عنه يحيى بل يبقى يحيى حيا مصدقا بكلمة الله عيسى بعد نزوله إلى الأرض وليقع نفاذ وعد الله الذي نبّأ الله به نبيّه زكريا كما في قوله فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله بيشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله آل عمران 39 .

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

الأسباب الحقيقية للثورة على عثمان بن عفان 2

أحدثت سياسة عثمان المالية والاقتصادية الخاطئة انقلاباً هائلاً في وضع المجتمع العربي آنذاك، 
فبرزت قطع من نسيجه وانخفضت قطع أخرى، ففقد وحدة الإنتماء الإقتصادي وطابع المساواة 
الذي تركه عليه رسول الله، وظهرت الطبقات بمعالمها واضحة 
(وبلغ نظام الطبقات غايته بحكم هذا الانقلاب، فوجدت طبقة الارستقراطية العليا ذات المولد والثراء الضخم والسلطان الواسع، 
ووجدت طبقة البائسين الذين يعملون في الأرض، ويقومون ع
لى مرافق هؤلاء السادة،
ووجدت بين هاتين الطبقتين المتباعدتين طبقة متوسطة هي طبقة العامة من العرب الذين كانوا يقيمون في الأمصار،
ويغيرون على العدو ويحمون الثغور، ويذودون عمن وراءهم من الناس وعما وراءهم من الثراء،
وهذه الطبقة المتوسطة التي تنازعها الأغنياء ففرقوها شيعا وأحزاباً (الفتنة الكبرى ص109)

فمواقف رجال مجلس الشورى أثناء بيعة عثمان لا يمكن فصلها عن مشاعر البشر،
والمكاسب التي حققوها في ظل سياسة اقتصادية معينة،
فكانت المفاضلة بين عثمان وعلي لا على أساس الأكفأ والأحق،
بل على أساس الحفاظ على الوضع الراهن والسياسة المفيدة،
ومن هنا نفهم الإصرار على ضرورة اتباع سيرة أبي بكر وعمر،
ثم الميل من بعد الى من يرجى منه عدم المساس بالمكاسب المادية والإجتماعية التي نالوها فيما سبق.

نقل ابن خلدون في مقدمته عن المسعودي قوله: (في أيام عثمان اقتنى الصحابة الضياع والمال، فكان
لعثمان يوم قتل عند خازنه خمسون ومائة ألف دينار، وخلف إبلاً وخيلاً كثيرة،
وبلغ الثمن الواحد من متروك الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلف ألف فرس وألف أمة،
وكانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يوم، ومن ناحية السراة أكثر من ذلك،
وكان على مربط عبدالرحمن بن عوف ألف فرس، وله ألف بعير وعشرة آلاف من الغنم. وبلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة وثمانين ألفاً،
وخلف زيد بن ثابت من الفضة والذهب ما يكسر بالفؤوس، غير ما خلف من الأموال والضياع بمائة ألف دينار.
وبنى الزبير داره بالبصرة وكذلك بنى بمصر والكوفة والإسكندرية،
وكذلك بني طلحة داره بالكوفة، وشيد داره بالمدينة وبناها بالجص والآجر والساج.
وبني سعد بن أبي وقاص داره بالعقيق، ورفع سمكها وأوسع فضاءها، وجعل على أعلاها شرفات)(المقدمة: ص204ـ 205)

هكذا كان وضع أكثر أعضاء مجلس الشورى وما حققوه من مكاسب اجتماعية وسياسية،
لا يمكن إغفال دورها في صياغة الأحداث عند تقييمنا لوقائع تاريخنا السياسية الهامة.

ثم إن ابن سعد روى نصاً غريباً خلاصته أن سعيد بن العاص أتى عمر يستزيده في الأرض ليوسع داره
فوعده الخليفة بعد صلاة الغداة وذهب معه حينئذ الى داره، يقول سعيد:
(فزادني وخط لي برجليه، فقلت يا أمير المؤمنين زدني فإنه نبتت لي نابتة من ولد وأهل،
فقال: حسبك، واختبيء عندك (يعني اجعل الكلام في سرك) أنه سيلي الأمر من بعدي من يصل رحمك، ويقضي حاجتك.
قال فمكثت خلافة عمر بن الخطاب حتى استخلف عثمان وأخذها عن شورى ورضا،
فوصلني وأحسن، وقضى حاجتي، وأشركني في أمانته) (طبقات ابن سعد:5|31)
فإن صحت هذه الرواية جاز لنا أن نتساءل كيف عرف عمر (رض) أن عثمان سيلي الأمر بعده؟
أكان ذلك ضرباً من الكشف أم أمراً آخر؟ وإن كان كشفاً فلماذا يأمره بأن يجعل الكلام في سره ولا يبوح به لأحد؟

وهناك رواية أخرى تقول:
(إن عمرو بن العاص كان قد لقي علياً في ليالي الشورى
فقال إن عبد الرحمن رجل مجتهد، وأنه متى أعطيته العزيمة كان أزهد له فيك،
ولكن الجهد والطاقة، فإنه أرغب له فيك.
ثم لقي عثمان فقال إن عبدالرحمن رجل مجتهد وليس والله يبايعك إلا بالعزيمة فاقبل) (الطبري:3|302)
أي أن عمرو بن العاص خدع علياً وقال له إن عبدالرحمن إذا سألك أتبايع على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة أبي بكر وعمر،
فقل له بل جهدي من ذلك وطاقتي، لأن هذا يعجب عبدالرحمن.
ثم قال لعثمان أن يقول نعم، لأن ذلك سيجعله فيك أرغب.

ومع أنني لا أعتقد بصحة هذه الرواية لأن شخصية الإمام علي (ع) لم تكن بهذا الضعف،
كما لم تكن شخصية انتهازية ترضى بسلوك أي وسيلة لتصل الى غايتها، وتجلس في السلطة،
وهو الزاهد الذي كان يرى الدنيا بأسرها أهون من عفطة عنز،
إلا أن الرواية، بافتراض صحتها، تشير الى أن الأمر لم يخل من خداع.

وسواء كانت لعبة الشورى، أم مشورة عمرو،
فالقرار الذي أصدره الإمام علي (ع) بشأن كل ما حدث في تولية عثمان أنه (خدعة وأيما خدعة) (الطبري:3|302)
أما معاوية فقال عن شورى عمر فيما بعد
(لم يشتت بين المسلمين ولا فرق أهواءهم ولا خالف بينهم إلا الشورى التي جعلها عمر الى ستة نفر) (العقد الفريد:4|281)
ولأنها كانت كذلك ولم تكن صافية بلا شوائب، أدت الى ما نعرفه من حوادث،
وكما ندم أبو بكر(رض) على تقمصها ندم عبدالرحمن بن عوف على فعله حتى قال لعلي(ع):
(إن شئت أخذت سيفك وآخذ سيفي فإنه خالف ما أعطاني وروي كذلك أنه قال لبعض الصحابة في المرض الذي مات فيه:
(عاجلوه قبل أن يطغى ملكه)(الفتنة الكبرى: ص172)
وعاش عبدالرحمن بن عوف لم يكلم عثمان أبداً حتى مات (العقد الفريد: 4|280)

خلافة عثمان ولادة الدولة الأموية
وهكذا أصبح عثمان بن عفان الخليفة الثالث، يذكر المؤرخون أن أبا سفيان قال لابن عشيرته عثمان بن عفان بعد انعقاد البيعة له:
(يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فو الذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة)(المسعودي، مروج الذهب 2/230).
وأبو سفيان الذي لا يريد أن يصرح بحلفه باللات والعزى يعبر بقوله هذا عن طبيعة التفكير القبلي والجاهلي الذي تطبع على أساسه وشاب.

والخليفة عثمان -على كل حال- لم يخيب ظنه، حيث بدأ فور تسلمه الخلافة بعزل جميع الولاة الذين عينهم سلفه عمر
باستثناء ابن عمه معاوية، واستبدلهم بأقاربه من بني أمية.

ومن ذلك تعيين عثمان لابن عمه مروان بن الحكم معاوناً له، وهو بمثابة منصب وزير الدولة الأول،
وعزل سعد بن أبي وقاص من ولاية الكوفة وتوليته عليها بدلاً منه أخاه لأمه الوليد بن عقبة بن أبي معيط
ثم توليته عليها فيما بعد سعيد بن العاص وهو أحد أقاربه أيضاً وكذلك عزل أبا موسى الأشعري عن ولاية البصرة
وعين مكانه ابن خاله عبد الله بن عامر،
وعزل أيضاً عمرو بن العاص من حكومة مصر وولاها لأخيه بالرضاعة عبد الله بن سعد بن أبي سرح.

وكان معاوية في خلافة عمر قد عُهد إليه ولاية دمشق وحدها أو حسب روايات أخرى بعض أعمالها،
وعندما جاء عثمان جمع له ولاية بلاد الشام كلها، حيث كانت هذه المنطقة من الناحية العسكرية أهم مناطق الدولة الإسلامية،
لأنها كانت بمثابة السد العازل، بمقدور حاكمها أن يعزل الولايات الشرقية عن الغربية،
وقد تربع معاوية على سدتها مدة طويلة حتى استقرت جذوره فيها لدرجة جعلته يشعر أن بمقدوره الاستقلال عن العاصمة المركزية،
بل ومحاربتها كما حصل فعلاً زمان خلافة علي.
وبهذه التعيينات يكون عثمان قد وضع البذور لدولة أموية،
أو كما وصف العلامة أبو الأعلى المودودي بأن عهد عثمان كان بداية التحول من الخلافة الراشدة إلى الملك العضوض،
وأنه لم تكن هناك حجة كافية لأن تخضع الدولة كلها من خراسان شرقاً إلى شمال إفريقيا غرباً لحكام من بيت واحد (المودودي، الخلافة والملك، ص 65).

وفي شرحه لتركيبة العائلة الأموية، يقول المودودي: (إن أفراد هذه العائلة الذين ارتقوا في عهد عثمان كانوا جميعاً من الطلقاء.
والمراد بالطلقاء تلك البيوت المكية التي ظلت إلى آخر وقت معادية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللدولة الإسلامية،
فعفا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنهم بعد فتح مكة ودخلوا في الإسلام.
ومعاوية، والوليد بن عقبة، ومروان بن الحكم كانوا من تلك البيوت التي أعطيت الأمان وعفا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنهم.
أما عبد الله بن أبي سرح فقد ارتد بعد إسلامه،
وكان واحداً من الذين أمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بقتلهم حتى ولو وجدوا تحت أستار الكعبة.

وبالطبع ما من أحد يقبل أن يعزل السابقون الأولون الذين خاطروا بأرواحهم في سبيل رفعة الإسلام
فارتفع لواء الدين بتضحياتهم، وأن يحكم الأمة بدلاً منهم مثل هؤلاء الناس الذين لم يكونوا يصلحون لتولي زعامة المسلمين...
وهم يقفون في آخر صفوف الصحابة والتابعين لا في أولها) (المودودي، الخلافة والملك، ص 65-66).

عثمان وسيرة الشيخين في الحكم
من الواضح أن الخليفة عثمان قد حاد عن سيرة الشيخين
والتي عقدت له الخلافة على أساس تعهده بالعمل بها،
وذلك بإعطائه لأقاربه المناصب الكبرى،
وبإغداقه عليهم الأموال من بيت مال المسلمين،
وبخصهم بامتيازات أخرى اعترض الناس عليها.

ويضرب المودودي مثالاً لفداحة ما صنعه عثمان في هذا الأمر:
(ولنأخذ وضع مروان بن الحكم مثالاً:
فقد أسلم أبوه الحكم بن العاص عم سيدنا عثمان (رض) في فتح مكة،
ثم قدم المدينة واستقر بها، ولكن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
أخرجه منها - بعد أن بدت منه بعض الأمور - وأمره بالإقامة في الطائف.

وقد ذكر ابن عبد البر في الإستيعاب أن من أسباب ذلك أن الحكم بن العاص
كان يفشي المشاورات التي كانت تتم سراً بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
وأكابر الصحابة والتي كان يسمعها بطريقة أو بأخرى وثاني الأسباب
أنه كان يقلد الرسول حتى رآه ذات مرة وهو يفعل ذلك.

وعلى أي حال، فلا بد أنه ارتكب ذنباً كبيراً أصدر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
على أساسه أمراً بإخراجه من المدينة،
وكان مروان وقتئذ في الثامنة من عمره فسكن الطائف مع أبيه،
ولما تولى الخلافة كل من أبي بكر وعمر كان يلتمس في كل مرة منهما السماح بالعودة إلى المدينة ورفضا.
ولما تولى عثمان (رض) الخلافة أعاده المدينة...
فكان صعباً على الناس أن يصدقوا أن ابن هذا الشخص
الذي أخطأ في حق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
يكون أهلاً لأن يصبح معاون الخليفة من دون أكابر الصحابة (رضوان الله عليهم)،
خاصة إذا كان الوالد المذنب على قيد الحياة وله قدر من النفوذ على أمور الدولة عن طريق ابنه) (المودودي، الخلافة والملك، ص 66-67).

وبقي الحكم بن العاص حياً حتى آخر عهد عثمان وتوفي سنة 32 هجرية.
وهكذا كان، فقد استغل مروان بن الحكم منصبه كمعاون للخليفة ومستشاره الأول
في ارتكاب الأعمال الفاسدة، واختلاس الأموال، وتهديد الصحابة الكبار بكلمات لم يكن يتحمل سماعها من لسان الطلقاء،
حتى أن نائلة نصحت الخليفة (وهي زوجته) قائلة:
(فإنك متى أطعت مروان قتلك، ومروان ليس له عند الله قدر ولا هيبة ولا محبة)
(تاريخ الطبري ج 3 ص 296، البداية والنهاية ج 7 ص 172).

إلا أن الخليفة عثمان أصغى إلى نصيحتها هذه على ما يبدو بإعطائه لمروان (500 خمسمئة ألف دينار)،
وهي قيمة خمس غنائم إفريقيا !

إيذاء خيرة الصحابة
لم تكن اعتراضات الناس ونقمتهم على الخليفة لمجرد إسناده أهم مناصب الدولة لأقاربه،
والإغداق عليهم من بيت مال المسلمين،
وإنما أيضاً للانتهاكات الخطيرة في تعاليم الإسلام وآدابه،
والمظالم التي ارتكبت بحق خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم،
لا سيما أبي ذر الغفاري، وعبد الله بن مسعود، وعمار بن ياسر، وإليك قصة ما حدث لكل واحد منهم:
1 - أبو ذر الغفاري وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء أصدق من أبي ذر)،
ولكنه لاقى النفي إلى الشام لاعتراضه على الخليفة عثمان في مسألة توزيع الأموال وتبذيرها على أقاربه،
ثم لاقى النفي مرة أخرى، ولكن هذه المرة إلى البادية في قرية تدعى (الربذة) خارج المدينة
عقاباً له من الخليفة لاعتراضه على والي الشام معاوية بن أبي سفيان لاكتنازه الأموال وتبذيرها على حساب بيت مال المسلمين.
ويروي زيد بن وهبة هذه الحادثة قائلاً:
(مررت بالربذة، فإذا أنا بأبي ذر الغفاري (رض) فقلت له: ما أنزلك منزلك هكذا؟
قال: كنت بالشام فاختلفت أنا ومعاوية في الآية
(والذين يكنزون الذهب والفضة وينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) [التوبة/34].
قال معاوية: نزلت في أهل الكتاب، فقلت: نزلت فينا وفيهم.
فكان بيني وبينه في ذلك، وكتب إلى عثمان يشكوني، فكتب إلي عثمان: أن أقدم المدينة فقدمتها)
(صحيح البخاري، كتاب الزكاة، ج 2 ص 278).

وكانت شكوى معاوية إلى الخليفة أن أبا ذر قد أفسد الناس بالشام،
حتى تعالت كلماته على لسان الناس في البيوت والطرقات:
(بشر الكانزين بمكاو من نار يوم القيامة) (خالد محمد خالد، رجال حول الرسول، ص 79).

2 - عبد الله بن مسعود وهو الذي كان صاحب بيت المال في الكوفة،
وقد كان يعترض على والي الخليفة عثمان الوليد بن عقبة - وهو أخوه لأمه -
بسبب عدم إرجاعه المال الذي يستدينه من بيت مال المسلمين، ولكثرة إدمانه الخمر،
حتى أنه صلى الصبح بالناس أربع ركعات وهو سكران، ثم التفت إلى الناس وقال: أزيدكم؟
ولكن عبد الله بن مسعود هو الذي عوقب أولاً من الخليفة لاعتراضه على الوليد
حيث قال له عثمان: (إنما أنت خازن لنا) (تاريخ الطبري ج 5 ص 134)
ثم أمر غلمانه بضربه حتى لاقى كسراً في أضلاعه.
وبعد كثرة تذمر الناس من تصرف الخليفة هذا، أمر بإقامة الحد على الوليد
(صحيح مسلم، باب حد الخمر. وأيضاً الخلافة والملك للمودودي ص 67- 68).
ومما يجدر ذكره أن الوليد بن عقبة كان من الذين أسلموا بعد فتح مكة،
وكلفه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ذات مرة بجباية صدقات بني المصطلق،
إلا أنه بعد أن وصل حدود المنطقة التي تسكنها هذه القبيلة خاف لسبب ما ورجع إلى المدينة،
وكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالقول أن بني المصطلق رفضوا دفع الزكاة وأرادوا قتله،
فغضب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل إليهم جيشاً لقتالهم،
وكادت أن تقع واقعة كبرى لولا أن رؤساء بني المصطلق علموا بالأمر
وجاءوا إلى المدينة ليخبروا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم يأتهم أحد لجباية الزكاة،
فنزل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)[الحجرات/6]،
عندما أصبح عثمان خليفة، عزل عن ولاية الكوفة سعد بن أبي وقاص بطل القادسية، وعين بدلاً منه هذا الفاسق.

3 - عمار بن ياسر وهو الذي قام بالصلاة على عبد الله بن مسعود ودفنه دون إعلام الخليفة بذلك بناء على وصية من ابن مسعود حتى لا يصلي عليه لما لقيه منه من أذى (تاريخ اليعقوبي، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد).
وكان هذا العمل مما أغضب الخليفة، إلا أن تصرف عمار الذي أثار حفيظة عثمان ضده وجعله يعاقبه عليه أشد العقاب هو - كما يروي ابن قتيبة - تجرؤه بحمل كتاب احتجاج ضد الخليفة وأقاربه كتبه عشرة من الصحابة من ضمنهم المقداد، وذكروا فيه مخالفات عثمان لسنة رسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنة صاحبيه (أبي بكر وعمر) وما كان من هبته لخمس خراج إفريقيا لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوو القرابة واليتامى والمساكين، وما كان من تطاوله في البنيان، حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة لأهله وبناته، وبنيان مروان القصور، وما كان من الوليد في الكوفة إذ صلى بالناس الصبح أربعة وهو سكران وتعطيله ثم تأخيره الحد عليه، وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شئ ولا يستشيرهم، وضربه ظهور الناس بالسياط وغير ذلك مما كتب في ذلك الكتاب الاحتجاجي والذي قام عمار بتقديمه إلى الخليفة. فقال مروان: يا أمير المؤمنين، إن هذا العبد الأسود قد جرأ عليك الناس، وإنك إن قتلته نكلت به من ورائه.
فقال عثمان لغلمانه: اضربوه! فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه وغشي عليه، فجروه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأدخل منزلها، وغضب له بنو المغيرة وكان حليفهم، وغضب له أيضاً علي عليه السلام وكبار الصحابة، حتى أن علياً قال لعثمان: (... فأنا أقول كما قال العبد الصالح (فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) [يوسف/18].. إلى آخر الرواية) (ابن قتيبة الدينوري، الإمامة والسياسة ج 1 ص 50 - 51).
وغضبت له عائشة أيضاً، فكانت تحمل قميص النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقول: (هذا قميص النبي لم يبل وقد أبليت سنته) إلى أن قالت: (اقتلوا نعثلاً فقد كفر) (تاريخ الطبري ج 5 ص 172، تاريخ ابن الأثير، ابن سعد: الطبقات الكبرى3/66).

كيف كان مقتل الخليفة؟
مع كل تلك الممارسات التي قام بها عثمان وأقاربه بانتهاك كل الشرائع والسنن، فقد كان فضلاء الصحابة يحاولون نصح الخليفة، ولكن دون جدوى، وكانت تأتيه الوفود من الأقاليم تحمل معها رسائل احتجاج ومطالبات معينة، فكانت ترفض بشدة في كل مرة، ولا يعطي الخليفة لها أية قيمة أو انتباه. فلم يكن مستغرباً بعد كل ذلك أن تثور ثورة الثائرين، والذين تزعم حركتهم أناس من مصر، والكوفة، والبصرة، حيث تبادلوا الاتصالات فيما بينهم سراً، حتى توجهوا بعدد يزيد على الألفين، وحاصروا الخليفة لمدة أربعين يوما، وطالبوا بعزله. إلا أن عثمان رفض التفاوض معهم. وعند اشتداد الحصار عليه، قام باستشارة عبد الله بن عمر بالأمر (وكأن فكرة التنازل قد بدأت تراوح في ذهنه) فأشار عليه ابن عمر بالبقاء في الحكم قائلاً: (لا أرى أن تسن هذه السنة في الإسلام، كلما سخط قوم على أميرهم خلعوه) (ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 3 ص 66).
وبعد ذلك اقتحم الثوار القصر وقتلوا الخليفة، وبقي جسده مسجى على الأرض لثلاثة أيام دون أن يدفن.

الأسباب الحقيقية للثورة على عثمان بن عفان 1

الأسباب الحقيقية للثورة على عثمان بن عفان 
فلم يكن لابن سبأ أي دور في إثارة الفتنة في تلك الحقبة من الزمن ولا كان هو السبب من وراء نقمة المسلمين على عثمان وهيجانهم عليه، ولا البطر أو حلم عثمان وتسامحه وعفوه وكراهة بعض القبائل لرئاسة قريش هي بالأسباب الحقيقية لهذه الثورة، وإنما سبب ذلك بعض أفعال عثمان وأفعال ولاته المخالفة للشريعة الإسلامية، فعلى من يريد معرفة حقيقة هذا الأمر وصحة ما نقوله عليه بم
راجعة كتب التاريخ عند أهل السنة، فهذا أبو الفداء يقول في تاريخه:
(ثم دخلت سنة أربع وثلاثين فيها قدم سعيد إِلى عثمان، وأخبره بما فعله أهل الكوفة، وأنهم يختارون أبا موسى الأشعري فولى عثمان أبا موسى الكوفة، فخطبهم أبو موسى وأمرهم بطاعة عثمان، فأجابوا إِلى ذلك، وتكاتب نفر من الصحابة بعضهم إِلى بعض، أن أقدموا فالجهاد عندنا، ونال الناس من عثمان، وليس أحد من الصحابة ينهي عن ذلك، ولا يذب إِلا نفر، منهم زيد بن ثابت، وأبو أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، ومما نقم الناس عليه رده الحكم بن العاص، طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطريد أبي بكر وعمر أيضاً، وإعطاء مروان بن الحكم خمس غنائم إِفريقية، وهو خمس مائة ألف دينار... ) (2) .
وفيه أيضاً: ( وأقطع مروان فدكاً وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي طلبتها فاطمة،فروى أبو بكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " نحن معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة "، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه، إِلى أن تولى عمر بن عبد العزيز فانتزعها من أهله، وردها صدقة ) (3) .
وقال الشهرستاني: (ووقعت فى زمانه اختلافات كثيرة وأخذوا عليه أحداثا كلها محالة على بنى أمية.
منها: رده الحكم بن أمية إلى المدينة بعد أن طرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسمى طريد رسول الله وبعد أن تشفع إلى أبى بكر وعمر رضى الله عنهما أيام خلافتهما فما أجابا إلى ذلك ونفاه عمر من مقامه باليمن أربعين فرسخا.
ومنها: نفيه أبا ذر إلى الربذة وتزويجه مروان بن الحكم بنته وتسليمه خمس غنائم أفريقية له وقد بلغت مائتى ألف دينار.
ومنها: إيواؤه عبد الله بن سعد بن أبى سرح وكان رضيعه بعد أن أهدر النبى عليه الصلاة والسلام دمه وتوليته إياه مصر بأعمالها وتوليته عبد الله بن عامر البصرة حتى أحدث فيها ما أحدث إلى غير ذلك مما نقموا عليه وكان أمراء جنوده معاوية ابن أبى سفيان عامل الشام وسعد بن أبى وقاص عامل الكوفة وبعده الوليد بن عقبة وسعيد بن العاص وعبد الله بن عامر عامل البصرة وعبد الله بن سعد بن أبى سرح عامل مصر وكلهم خذلوه ورفضوه حتى أتى قدره عليه ) (4) .
ونقل البلاذري في أنساب الأشراف أنساب الأشراف عن سعيد بن المسيب قال: (لما ولي عثمان كره ولايته نفرٌ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن عثمان كان يحب قومه، فولي الناس اثنتي عشرة حجة وكان كثيراً ما يولي من بني أمية من لم يكن له مع النبي صلى الله عليه وسلم صحبه، فكان يجيء من أمرائه ما ينكره، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في الست الأواخر استأثر ببني عمه فولاهم وولى عبد الله بن سعد بن أبي سرح مصر فمكث عليهم سنين فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه، وقد كانت من عثمان قبل هنات إلى عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمار بن ياسر، فكان في قلوب هذيل وبني زهرة وبني غفار وأحلافها من غضب لأبي ذر ما فيها، وحنقت بنو مخزوم لحال عمار بن ياسر... ) (5) .
وذكر الذهبي أنّ الزهري قال: (ولي عثمان، فعمل ست سنين لا ينقم عليه الناس شيئاً، وإنه لأحب إليهم من عمر، لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم عثمان لان ولهم ووصلهم، ثم إنه توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر ، وكتب لمروان بخمس مصر أو بخمس إفريقية ، وآثر أقرباءه بالمال ، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها . واتخذ الأموال ، واستسلف من بيت المال ، وقال : إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما ، وإني أخذته فقسمته في أقربائي ، فأنكر الناس عليه ذلك ) (6).
وقال الذهبي : (ومما نقموا عليه – أي على عثمان - أنه عزل عمير بن سعد عن حمص، وكان صالحاً زاهداً، وجمع الشام لمعاوية، ونزع عمرو بن العاص عن مصر، وأمر ابن أبي سرح عليها، ونزع أبا موسى الأشعري عن البصرة، وأمر عليها عبد الله ن عامر، ونزع المغيرة بن شعبة عن الكوفة وأمر عليها سعيد بن العاص) (7) .
وفي كتاب الإمامة والسياسة لابن قتيبة الدينوري أنّ أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله اجتمعوا ( فكتبوا كتابا ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة دارا لنائلة ودارا لعائشة وغيرهما من أهله وبناته وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح وهو أمير عليها سكران أربع ركعات ثم قال لهم إن شئتم أزيدكم صلاة زدتكم وتعطيله إقامة الحد عليه وتأخيره ذلك عنه وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شيء ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه الصلاة والسلام ثم لا يغزون ولا يذبون وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط وأنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران.
ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان وكان ممن حصر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له أنت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال ومن كان معك قال كان معي نفر تفرقوا فرقا منك قال من هم قال لا أخبرك بهم .
قال فلم اجترأت علي من بينهم فقال مروان يا أمير المؤمنين إن هذا العبد الأسود يعني عمارا قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه قال عثمان أضربوه فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشى عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار فأمرت به أم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها وغضب فيه بنو المغيرة وكأن حليفهم فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلا عظيما من بني أمية فقال عثمان لست هناك ) (8) .
وقال المقدسي: (وكان سبب ذلك – أي سبب حصار عثمان ومقتله - أن الناس نقموا عليه أشياء فمن ذلك كفله بأقاربه كما قاله عمر رضي الله عنه، فآوى الحكم بن أبي العاص بن أمية طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سيره إلى بطن وج ،ولأنه كان يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويطلع الناس عليه.
ومنها: أنه أقطع الحارث بن الحكم مهرقته موضع شرقي المدينة وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة ووصل إلى ذلك الموضع ضرب برجله وقال: هذا مصلانا ومستمطرنا ومخرجنا لأضحانا وفطرنا فلا تنقضوها ولا تأخذوا عليها كرى، لعن الله من نقض من بعض سوقنا شيئا.
ومنها: أنه أقطع مروان بن الحكم فدك قرية صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه خمس الغنائم من إفريقية ...
ومنها: أنه أعطى عبد الله بن خالد بن أسيد بن رافع أربعمائة ألف درهم وأعطى الحكم بن أبي العاص مائة ألف درهم .
ومنها: أن عبيد الله بن عمر قتل الهرمزان بأبيه عمر وقتل ابنين لأبي لؤلؤة عليه اللعنة فلم يقده.
ومنها: أنه عزل عمال عمر وولى بني أمية وانتزع عمرو بن العاص عن مصر واستعمل عليها عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وانتزع سعد بن أبي وقاص عن الكوفة واستعمل الفاسق الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وهو أخوه لأمه فوقع في الخمر فشربها ويصلي الصلاة لغير وقتها، فصلى بالناس يوما الفجر أربعاً وهو ثمل فلما انصرف، قال: أزيدكم فإني نشيط ؟! فشغب الناس وحصبوه ... فلما شكاه الناس عزله واستعمل عليهم شرا منه سعيد بن العاص فقدم رجل عظيم الكبر شديد العجب وهو أول من وضع العشور على الجسور والقناطر.
ومنها: أن ابن أبي سرح قتل سبعمائة رجل بدم واحد فأمر بعزله ولم ينكر عليه.
ومنها: أنه جعل الحروف كلها حرفا واحدا وأكره الناس على مصحفه.
ومنها: أنه سير عامر بن عبد قيس من البصرة إلى الشام لتنزهه عن أعماله وسير أبا ذر الغفاري إلى الربذة وذلك أن معاوية شكاه أنه يطعن عليه فدعاه واستعتبه ولم يعتب فسيره إلى الربذة وبها مات رحمه الله.
ومنها: أنه تزوج نائلة بنت الفرافصة الكلبية فأعطاها مائة ألف من بيت المال وأخذ سفطا فيه حلى فأعطاه بعض نسائه واستسلف من بيت المال خمسة آلاف درهم وكان اشترط عليه عند البيعة أن يعمل بكتاب الله وسنة رسوله وبسيرة الشيخين رضي الله عنهما فسار بها ست سنين ثم تغير كما ذكر ....
ومنها: أنه لما ولي صعد المنبر فتسنم ذروته حيث كان يقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ينزل عنه درجة تعظيما لقدر النبي صلى الله عليه وسلم فلما ولي عمر نزل عن مقعد أبي بكر بدرجة فصارت رجلاه في الأرض لأن المنبر درجتان فتكلم الناس في ذلك وأظهروا الطعن فخطب عثمان وقال هذا مال الله أعطيه من أشاء وأمتعه من أشاء فأرغم الله أنف من رغم أنفه فقام عمار بن ياسر فقال أنا أول من رغم أنفه من ذلك فقال له عثمان لقد اجترأت علي يا ابن سمية فوثبوا بنو أمية على عمار فضربوه حتى غشي عليه فقال ما هذا بأول ما أوذيت في الله وضرب عبد الله بن مسعود في مخالفته قرأته) (9).
فهذه هي الأساب وغيرها هي التي كانت السبب في ثورة الناس من صحابة وتابعين على عثمان بن عفان والتي انتهت بقتله، فالقول أنّ عبد الله بن سبأ هو الذي أجج نار الفتنة ضد عثمان وجعل أولئك المسلمين يثورون عليه قول لا يمكن للعقل قبوله إذ كيف يستطيع شخص مثل ابن سبأ أن يخدعهم فيشعلوا نار الفتنة ويجهزوا على خليفتهم.
قال الشيخ حسن بن فرحان المالكي: (بعض الدراسات المعاصرة ترجع أسباب الفتنة لعبد الله بن سبأ، وهذا باطل لأنّ عبد الله بن سبأ إنّما افترى دوره أخباري كذّاب اسمه سيف بن عمر، وقد خالفه كل من كتب عن الفتنة من المحدثين والمؤرخين من الثقات والضعفاء قبل سيف وبعده ) (10) .
وقال الشيخ المذكور في كتابه " مع الشيخ عبد الله السعد في الصحبة والصحابة " : ( وجود ابن سبأ أو عدم وجوده لا يهمّنا من قريب ولا من بعيد وإنّما يهمّنا الإجابة على سؤال هو: هل هو سبب الفتنة أو أحد أسبابها أم لا؟ فإنّ كانت الإجابة بـ"نعم" فأين الأسانيد في ذلك من غير طريق سيف الكذاب؟ وإن كان سبب الفتنة هو المال وولاة عثمان كما هو متواتر الأحاديث والمرويات وإجماع الأمة في القرون الثلاثة الأولى فلا يجوز أن نقرّ الأكاذيب بدعوى أنّ هذا يخدم السنة ضد الشيعة! فالسنة ليست إلاّ الصدق والعدل والعلم، وهم يعرفون أنّ قصة ابن سبأ ليس فيها نصرة ضد الشيعة وإنّما فيها نصرة للطلقاء على السابقين ) (11) .

دور الصحابة في الثورة على عثمان بن عفان
لقد كان للصحابة دور كبير في الثورة على عثمان بن عفان، فمنهم من ثار عليه وشارك بعضهم في الإجهاز عليه وقتله، ومنهم من خذله ولم ينصره، ففي تاريخ الطبري : (لما رأى الناس ما صنع عثمان كتب من بالمدينة من أصحاب النبي إلى من بالآفاق منهم وكانوا قد تفرقوا في الثغور إنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل تطلبون دين محمد فإن دين محمد قد أفسد من خلفكم وترك فهلمّوا فأقيموا دين محمد فأقبلوا من كل أفق حتى قتلوه ) (12) .
وفيه: (كتب أصحاب رسول الله بعضهم إلى بعض أن اقدموا فإن كنتم تريدون الجهاد فعندنا الجهاد وكثر الناس على عثمان ونالوا منه أقبح ما نيل من أحد وأصحاب رسول الله يرون ويسمعون ليس فيهم أحد ينهى ولا يذب إلا نفير منهم زيد بن ثابت وأبو أسيد الساعدي وكعب بن مالك وحسان بن ثابت ... ) (13).
وفي كتاب أخبار الوافدين من الرجال للعباس بن بكار الضبي وتاريخ دمشق لابن عساكر: (دخل أبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني(14) على معاوية فقال له معاوية: يا أبا الطفيل، قال: نعم، قال: ألست من قتلة عثمان؟! قال: لا، ولكني ممن حضره فلم ينصره، قال: ما منعك من نصره؟ قال: لم ينصره المهاجرون والأنصار ... ) (15) .
وفي تاريخ ابن عساكر وغيره: ( كان المصريون الذين حضروا عثمان ستمائة رأسهم عبد الرحمن بن عديس البلوي،(16) وكنانة بن بشر بن عتاب الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي(17)، والذين قدموا من الكوفة مائتين رأسهم مالك الأشتر النخعي، والذين قدموا من البصرة مائة رجل، رأسهم حكيم بن جبلة العبدي) (18).
وفي تاريخ المدينة لابن شبة عن ابن دأب أن الحارث بن خليف قال: (سألت سعدا عن قتل عثمان رضي الله عنه فقال قتل بسيف سلته عائشة رضي الله عنها وشحذه طلحة رضي الله عنه وسمه ابن أبي طالب رضي الله عنه، قلت: فالزبير؟ قال: فسكت وأشار بيده وأمسكنا ولو شئنا لرفعنا ولكن عثمان رضي الله عنه تغير وتغير وأساء وأحسن ولم يجد متقدما فإن كنا أحسنا فقد أحسنا وإن كنا أسأنا فنستغفر الله ... ) (19) .
وقد دلّت الأخبار من جهة أهل السنة على أنّ معاوية بن أبي سفيان والي عثمان على الشام قد خذله أيضاً، ففي تاريخ الطبري (فلما رأى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس كتب إلى معاوية بن أبي سفيان وهو بالشام بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول، فلما جاء معاوية الكتاب تربص به وكره إظهار مخالفة أصحاب رسول الله وقد علم اجتماعهم ... ) (20) .
ويوقفك هذا النص أيضاً على أنّ أهل المدينة بما فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كلهم قد خلعوا طاعة عثمان وردّوا بيعته وتمرّدوا عليه,
وفي تاريخ الطبري عن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة قال: (دخلت على عثمان رضي الله عنه فتحدثت عنده ساعة فقال يا ابن عياش تعال فأخذ بيدي فأسمعني كلام من علي باب عثمان فسمعنا كلاما منهم من يقول ما تنتظرون به ومنهم من يقول انظروا عسى أن يراجع فبينا أنا وهو واقفان إذ مر طلحة بن عبيد الله فوقف فقال أين ابن عديس فقيل ها هو ذا قال فجاءه ابن عديس فناجاه بشيء ثم رجع ابن عديس فقال لأصحابه لا تتركوا أحدا يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده قال فقال لي عثمان هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله ثم قال عثمان اللهم اكفني طلحة بن عبيد الله فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا، وأن يسفك دمه إنه انتهك مني ما لا يحل له ... ) (21) .
وفي الطبقات الكبرى لابن سعد : (أن محمد بن أبي بكر تسور على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب وسودان بن حمران وعمرو بن الحمق فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة فتقدمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال قد أخزاك الله يا نعثل فقال عثمان لست بنعثل ولكن عبد الله وأمير المؤمنين فقال محمد ما أغنى عنك معاوية وفلان فقال عثمان يا بن أخي دع عنك لحيتي فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه فقال محمد ما أريد بك أشد من قبضي على لحيتك فقال عثمان أستنصر الله عليك وأستعين به ثم طعن جبينه بمشقص في يده ورفع كنانة بن بشر بن عتاب مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثم علاه بالسيف حتى قتله قال عبد الرحمن بن عبد العزيز فسمعت بن أبي عون يقول ضرب كنانة بن بشر جبينه ومقدم رأسه بعمود حديد فخر لجنبه وضربه سودان بن حمران المرادي بعدما خر لجنبه فقتله وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال أما ثلاث منهن فإني طعنتهن لله وأما ست فإني طعنت إياهن لما كان في صدري عليه ) (22).
وفي تاريخ المدينة للنميري عن صالح بن كيسان قال: (دخل عليه – على عثمان - محمد بن أبي بكر بشريان كان معه فضربه في حشائه حتى وقعت في أوداجه فخر وضرب كنانة بن بشر جبهته بعمود وضربه أسودان بن حمران بالسيف وقعد عمرو بن الحمق على صدره فطعنه تسع طعنات، وقال علمت أنه مات في الثالثة فطعنته ستا لما كان في قلبي عليه ) (23) .
وفي تاريخ الطبري: ( مر عثمان على جبلة بن عمرو الساعدي(24) وهو بفناء داره ومعه جامعة، فقال يا نعثل، والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار، ثم جاءه مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزله عنه ) (25) .
وفيه أيضاً عن عامر بن سعد قال: (كان أول من اجترأ على عثمان بالمنطق السيء جبلة بن عمرو الساعدي مر به عثمان وهو جالس في ندي قومه وفي يد جبلة بن عمرو جامعة فلما مر عثمان سلم فرد القوم فقال جبلة لم تردون على رجل فعل كذا وكذا قال ثم أقبل على عثمان فقال والله لأطرحن هذه الجامعة في عنقك أو لتتركن بطانتك هذه قال عثمان أي بطانة فوالله إني لأتخير الناس فقال مروان تخيرته ومعاوية تخيرته وعبدالله بن عامر بن كريز تخيرته وعبدالله بن سعد تخيرته منهم من نزل القرآن بدمه وأباح رسول الله دمه ... ) (26) .
وفي تاريخ الطبري : (خطب—عثمان—الناس فقام إليه جهجاه الغفاري (27) فصاح يا عثمان ألا إن هذه شارف قد جئنا بها عليها عباءة وجامعة فانزل فلندرعك العباءة ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ثم نطرحك في جبل الدخان فقال عثمان قبحك الله وقبح ما جئت به... ) (28) .
ونقل المؤرخون أن الصحابي جهجاه هذا قام إلى عثمان وهو يخطب على المنبر فقال له: (قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى ... ) (29).
ويذكر المؤرخون أنّ عثمان بن عفان ترك بعد مقتله ثلاثة أيام لم يدفن، ولمّا أرادوا دفنه شارك بعض الصحابة في المنع من دفنه في البقيع، قال ابن حجر العسقلاني في ترجمة الصحابي أسلم بن بجرة: ( وقال ابن عبد البر هو أحد من منع من دفن عثمان بالبقيع) (30) .
وروى ابن شبة النميري عن عروة بن الزبير أنّه قال : ( منعهم من دفن عثمان بالبقيع أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي، قال: فانطلقوا به إلى حش كوكب فصلّى عليه حكيم بن حزام ، وأدخل بنو أمية حش كوكب بالبقيع ) (31) .
ومن كل ما أوردناه يظهر أنّه لم يكن لابن سبأ أي دور في نقمة الناس على عثمان ومقته والثورة عليه، وإنما سبب ذلك أفعاله وأفعال ولاته المخالفة للشريعة الغراء، وأن الصحابة من كان منهم في المدينة أو خارجها هم الذين كانوا على رأس الثائرين والناقمين عليه، ومنهم من شارك في قتله والمنع من دفنه في مقابر المسلمين، فدعوى الخميس أن السبب الرئيسي في ذلك هو ابن سبأ والأسباب الأخرى التي ذكرها دعوى كاذبة لا أساس لها من الصحة أبدا.

الرّد عليه حول محاولته الخلط بين الشخصية الحقيقة لابن سبأ والمختلقة
قال عثمان الخميس أثناء حديثه عن عبد الله بن سبأ الذي زعم أنّه السبب الرئيسي في إثارة الفتنة والثورة على عثمان بن عفان : ( وقد تسالم المتقدمون على إثبات هذه الشخصية، بل نسبوا إليها معتقدات خاصة بها، ولكّنها لا تخرج عن دائرة التشيّع، والذي تولّى كبر هذه المسألة رجل يقال له مرتضى العسكري في كتاب له أسماه " عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى " وممن أنكر ابن سبأ أيضاً طه حسين في كتابه " علي وبنوه " وغيرهما ... ) (32) .
أقول: إنّ من أنكر من المحققين والكتاب شخصية ابن سبأ، إنما أنكر تلك الشخصية التي اختلقها سيف بن عمر التميمي(33)، والتي أعطاها أدواراً بطولية وحاك حولها العديد من القصص والأساطير والمشاغبات، وجلها السبب من وراء حدوث الفتنة أيام عثمان بن عفان، يقول الدكتور عبد العزيز الهلابي – وهو استاذ في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود بالرياض- : ( والذي نخلص إليه في بحثنا هذا أنّ ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود، فإن وجد شخص بهذا الإسم فمن المؤكد أنّه لم يقم بالدّور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفرق لا من الناحية السياسية ولا من ناحية العقيدة) (34) .
نعم هناك شخصية تحمل اسم عبد الله بن سبأ تعرضت لها الروايات الشيعية ولم تذكر عنها شيئاً مما نسبه سيف بن عمر التميمي لشخصية ابن سبأ المختلقة سوى أنّه غالى في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فادّعى له الربوبية، ولنفسه النبوّة فعرض عليه أمير المؤمنين التوبة فلم يفعل، فأحرقه بالنار وانتهى أمره، روى ذلك الكشي في رجاله بسنده عن هشام بن سالم أنّه قال: ( سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول وهو يحدّث أصحابه بحديث ابن سبأ وما ادّعى من الربوبية في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فقال عليه السلام: إنّه لما ادّعى ذلك استتابه أمير المؤمنين عليه السلام فلم يتب فأبى أن يتوب فأحرقه بالنّار) (35) .
ولا يبعد أن يكون سيف بن عمر التميمي قد سمع بابن سبأ هذا وغلوّه في الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فاختلق شخصية أخرى من خياله تحمل نفس الإسم ونسب إليها ما نسبه من قصص وأساطير مما ذكره عنه الطبري وغيره، وأعطاها دوراً بطوليّاً هائلاً في خلق الفتنة وإثارة الأحداث في تلك الحقبة من الزمن وجعلها من وراء كل الأسباب التي أدّت إلى الثورة على عثمان بن عفان، وذلك تغطية على الأسباب الحقيقية التي أدّت إلى ثورة المسلمين من صحابة وتابعين عليه ومقتله.
وابن سبأ الذي وردت الإشارة إليه في روايات الشيعة لا علاقة له بالشيعة الإمامية الإثني عشرية، بل هو غال ملعون عندهم حكموا بكفره والبراءة منه، قال العلامة الحلي رحمه الله : (عبد الله بن سبأ غال ملعون، حرقه أمير المؤمنين عليه السلام بالنّار، وكان يزعم أنّ عليّاً عليه السلام إله، وأنّه نبي، لعنه الله ) (36) .
ومثل قول العلامة الحلي هذا قال الشيخ حسن بن زين الدين في التحرير الطاووسي (صفحة 346) والعلامة الأردبيلي في جامع الرّواة (2/485) والسيد البروجردي في طرائف المقال (2/96) وقال الأخير: ( ونعم ما قاله في المنتهى عبد الله بن سبأ ألعن من أن يذكر) .
وقال السيد الخوئي عليه الرّحمة بعد أن نقل بعض الروايات عن بعض الأئمة الطاهرين عليهم السلام المصرّحة بكفر ابن سبأ ولعنهم له: ( فهذه الروايات تدل على أنّه كفر وادّعى الإلوهية في علي عليه السلام لا أنّه قائل بفرض إمامته عليه السلام، مضافاً إلى أنّ أسطورة عبد الله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة، اختلقها سيف بن عمر الوضّاع الكذاب، ولا يسعنا المقام الإطالة في ذلك والتدليل عليه، وقد أغنانا العلامة الجليل والباحث المحقق السيد مرتضى العسكري في ما قدّم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافية، وعن سيف وموضوعاته في مجلدين طبعا باسم " عبد الله بن سبأ " وفي كتابه الآخر " خمسون ومائة صحابي مختلق" ) (37) .
والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على رسوله محمد وآله الطيبين الطاهرين.