الجمعة، 31 مايو 2013

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة (المتابعات لرواية الشعبي)8\4


أولا : رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس:-
1 ـ رواها أبو داود[182] من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة به (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر فإذا أنا بامرأة تجر شعرها قال ما أنت قالت أنا الجساسة اذهب إلى ذلك القصر فأتيته فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض فقلت من أنت قال أنا الدجال خرج نبي الأميين بعد قلت نعم قال أطاعوه أم عصوه قلت بل أطاعوه قال ذاك خير لهم).
وعثمان قال عنه أحمد: (لا أجيزه)[183] وقال ابن نمير (كذاب) وقال ابن حبان: (يروي عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات وحمل عليه الناس في الجرح فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حالة من الأحوال لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الثقات)[184].
ورواه أبو يعلى[185] وابن أبي عاصم[186] والطبراني[187] من طرق عن ابن أبي ذئب إلا أن فيه ما يلي:-
‌أ- أنه من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري وقد تكلم فيها الأئمة فكان يحيى القطان لا يرضى حديثه عن الزهري ولا يقبله. وقال يحيى بن معين: حديثه عن الزهري ضعيف[188].
‌ب- أن ابن أبي ذئب لم يصرح بالسماع من الزهري وقد عنعنه في كل الروايات وقد ثبت عنه أنه روى حديثاً عن عطاء ولم يسمعه منه[189]، وكذا حدث عن نافع حديثاً ولم يسمعه منه[190]. وهذا تدليس فلا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع.
‌ج- أن الزهري مع إمامته مشهور بالتدليس وقد جعله ابن حجر في الطبقة الثالثة[191] ،وهم الذين لا يقبل منهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقد رواه معنعناً.
‌د- أن ابن أبي ذئب تفرد به عن الزهري وليس هو من حفاظ أصحابه[192]، ولم يتابعه عليه أحد منهم كما لم يتابعه أحد من الثقات على روايته من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن مع كثرة من روى عنه فاجتمع في هذه الرواية ضعف وتدليس وغرابة فهي منكرة.
وقد رواه ابن أبي عاصم[193] والطبراني[194] من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري عن أبي سلمة به.
إلا أن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال عنه أبو داود: (ضعيف متروك الحديث).[195]
وإبراهيم بن إسماعيل من تلاميذ الزهري ومن طبقة ابن أبي ذئب وكلاهما مدني فلا يبعد أن يكون ابن أبي ذئب قد دلسه عنه.
2 ـ وقد رواه عن أبي سلمة أيضاً: الوليد بن عبد الله بن جميع واختلف عليه اختلافاً شديداً:-
فرواه أبو داود[196] من طريق محمد بن فضيل عنه عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله في قصة الجساسة؟
ورواه أحمد[197] عن أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري في قصة النبي e مع
ابن صياد؟! وكذا رواه العقيلي من طريق أبي نعيم[198].
بينما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده[199] عن يزيد بن هارون عنه عن أبي سلمة عن جابر في قصة ابن صياد؟!! وكذا رواه العقيلي من طريق يزيد بن هارون. [200]
كما روي عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري في قصة الجساسة[201]؟!
وهذا تخليط فاحش من الوليد بن جميع فأحياناً يرويه عن أبي سلمة عن جابر تارة قصة الجساسة، وتارة في قصة ابن صياد. وأحياناً يرويه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري تارة قصة الجساسة وتارة قصة ابن صياد؟!!
وقد قال ابن حبان: (ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به)[202] وقال عنه الحاكم – مع تساهله -: (لو لم يخرج له مسلم لكان أولى).[203]
وقد قال الدارقطني عن رواية الوليد عن أبي سلمة عن جابر ورواية الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة (قول الزهري أشبه بالصواب).[204]
كما أن محمد بن فضيل الذي روى عنه الحديث على أنه في قصة الجساسة متكلم فيه أيضاً، وقد خالفه من هو أحفظ منه: الحافظان يزيد بن هارون وأبو نعيم الفضل بن دكين إذ روياه عن الوليد على أنه في قصة ابن صياد لا قصة الجساسة إلا أنهما اختلفا عليه في اسم الصحابي فرواه يزيد بن هارون على أنه عن جابر، ورواه أبو نعيم على أنه عن أبي سعيد الخدري.
والصحيح أنه عن جابر كما رواه يزيد بن هارون ووافقه عليه محمد بن فضيل، وفي قصة ابن صياد كما رواه يزيد بن هارون ووافقه عليه أبو نعيم، فقد رواه أحمد[205] من طريق أبي الزبير عن جابر في قصة ابن صياد.
فاجتمع في رواية محمد بن فضيل عن الوليد عن أبي سلمة في قصة الجساسة:
1- ضعف في محمد بن فضيل.
2- مخالفة منه للحفاظ الأثبات.
3- ضعف شديد في الوليد بن جميع.
4- اضطراب فاحش منه في روايته هذه.
5- مخالفته لرواية من رواه عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ومع ضعف رواية الزهري إلا أنها أمثل حالاً من هذه الرواية.
6- تفرده بروايته هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر في قصة الجساسة كما نص على ذلك ابن عدي.[206]
ثانيا : يحيى بن يعمر عن فاطمة:-
رواها ابن حبان[207] عن هارون بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن عون بن كهمس، عن أبيه، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر به.
وهذا وهم بلا شك من عون على أبيه كهمس إذ المحفوظ عن ابن بريدة هو ما رواه حسين المعلم عنه عن الشعبي. وقد سئل أحمد عن عون هذا فقال: (لا أعرفه)[208] وقد قال عنه ابن حجر: (مقبول)[209] أي عند المتابعة وإلا فليّن ولم يتابع على هذه الرواية، بل ولا يعرف ليحيى بن يعمر رواية عن فاطمة بنت قيس، ولم يذكره أحد في الرواة عنها، وإنما سبق وهم عون إلى حديث أبيه عن ابن بريدة عن ابن يعمر عن ابن عمر في قصة جبريل وسؤال النبي e عن الإسلام والإيمان والإحسان وهو حديث مشهور فقد رواه ابن حبان من طريق كهمس عن ابن بريدة عن يحيى.
فلما جاء عون يحدث بحديث أبيه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة سبق وهمه أو دخل في كتابه إسناد في إسناد أو سبق لسانه إلى يحيى بن يعمر بدل الشعبي لشهرة حديث يحيى بن يعمر عن ابن عمر في قصة جبريل فإذا هذا الخطأ البيّن يصبح طريقاً آخر ومتابعة لحديث الشعبي؟!!!
وهذه من الغرائب التي فاتت الطبراني مع كثرة ما جمع منها في تخريج حديث فاطمة؟!!
وعلى كل فهذه المتابعة منكرة للأسباب التالية:-
1- ضعف في عون بن كهمس.
2- ومخالفة للرواية المحفوظة عن ابن بريدة.
3- وتفرد بهذا الإسناد.
4- ولأنه لا يعرف – أصلاً – رواية ليحيى بن يعمر عن فاطمة.
5- ولمطابقة لفظه لحديث الشعبي حتى في قوله لفاطمة: (حدثيني بشيء سمعتيه من رسول الله e ولا تحدثيني بشيء لم تسمعيه من رسول الله e… إلخ).
وهذه عبارة الشعبي نفسها فثبت يقيناً خطأ عون وأنه لا دخل ليحيى بن يعمر في هذا الحديث.
كما وهم بشير بن المهاجر فرواه عن ابن بريدة عن أبيه بريدة في قصة الجساسة.
ذكره ابن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة الرازيين وسألهما ما علته؟ فقالا: (له عورة، روى عبد الوارث عن حسين بن ذكوان المعلم عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي e في ذلك. قالا: فأفسد هذا الحديث حديث بشير).[210]
وإنما وهم بشير بن المهاجر ولزم الجادة إذ رواية ابن بريدة عن أبيه جادة مشهورة وأكثر حديث بريدة إنما يرويه عنه ابنه عبد الله فظن بشير أن حديث الجساسة منها.
وهذا اختلاف على ابن بريدة شديد، وقد سئل عنه الدارقطني فقال :( يرويه عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن فاطمة. وخالفه بشير بن المهاجر فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه حسين المعلم فرواه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة).[211]
وهكذا تتكاثر الروايات والطرق بسبب أوهام الرواة وأخطائهم؟!

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة (بيان طبقات أصحاب الشعبي)8\3


وقد ذكر أحمد[160] وعلي بن المديني[161] وأبو داود[162] مراتب أصحاب الشعبي على النحو التالي:-
الطبقة الأولى: إسماعيل بن أبي خالد، وأبو حصين عثمان بن عاصم.
الطبقة الثانية: أبو إسحاق الشيباني، وداود بن أبي هند، ومطرف بن طريف، وبيان بن بشر، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن سالم، وفراس بن يحيى، وابن عون.
الطبقة الثالثة: مغيرة بن مقسم، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن أبي السفر.
الطبقة الرابعة: مالك بن مغول، وعبد الملك بن حيان ابن أبحر، وأبو حيان التيمي.
الطبقة الخامسة: مجالد بن سعيد، ومحمد بن سالم.
الطبقة السادسة: أجلح بن عبد الله، وأشعث بن سوار، وجابر الجعفي.
الطبقة السابعة: داود بن يزيد الأودي، والسري بن إسماعيل.
فهذا ترتيب أصحاب الشعبي بحسب ما ظهر من عبارات هؤلاء الأئمة ولا يوجد بينهم كبير خلاف اللهم إلا في أصحاب الطبقة الثانية والثالثة في تقديم بعضهم أو تأخيره.
والطبقة الأولى هي طبقة الحفاظ، وقد اختار أكثرهم تقديم إسماعيل بن أبي خالد على جميع أصحاب الشعبي، وهو اختيار يحيى بن القطان والثوري وأحمد وابن معين بل وشيخه الشعبي كان أيضاً يفضله.
ثم الطبقة الثانية وهي طبقة الشيوخ الأثبات من أصحاب الشعبي.
ثم الثالثة وهي طبقة الثقات من أصحابه.
ثم الرابعة وهم مثل الثالثة إلا أنهم أقل معرفة بحديثه وأقل رواية عنه.
ثم الخامسة والسادسة طبقة الضعفاء من أصحاب الشعبي، ومجالد من أكثر أصحاب الشعبي رواية عنه إلا أنه ضعيف، والسادسة دون الخامسة في الضعف.
ثم السابعة وهي طبقة المتروكين من أصحاب الشعبي.
ومع كثرة طرق هذه الحديث عن الشعبي إلا أنه لم يروه من أهل هذه الطبقات إلا:-
1- إسماعيل بن أبي خالد، وهو أحفظ أصحاب الشعبي وأعلمهم بحديثه، إلا أنه إنما يرويه عن مجالد عن الشعبي.
2- وداود بن أبي هند، وهو من أهل الطبقة الثانية إلا أنه لم يصرح بالسماع وهو مدلس كما أن المحفوظ هو من رواية حماد بن سلمة عنه وفيها ضعف واضطراب.
3- والشيباني، وهو من الطبقة الثانية إلا أن الإسناد لا يكاد يصح إليه لضعف في رواته وعنعنة في إسناده.
4- ومجالد بن سعيد، وروايته أشهر الروايات على الإطلاق، رواها عنه ستة من الثقات منهم أربعة من الحفاظ الكبار؟!
ولهذا لم يذكر ابن أبي عاصم من روى هذا الحديث من أهل هذه الطبقات إلا (مجالد وداود بن أبي هند) ولم يخرجه أحمد في مسنده إلا من طريقهما، ولو كان عند أحد أثبت منهما لخرجه من طريقه مع أنه احتاط فيه إسناداً ومتناً وانتقاه من سبعمائة ألف رواية[163]، وقد قال ابن حجر: (مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالاً من غيره وهذا يدل على أنه انتخبه).[164]
ولعله لهذا السبب لم يخرجه البخاري في صحيحه، لأنه إنما يخرج عن الأئمة ما رواه عنهم أهل الطبقة الأولى وهي طبقة الحفاظ، فإن لم يجده عندهم نزل إلى أهل الطبقة الثانية وهي طبقة الشيوخ الأثبات[165]، فلما لم يجده عند أهل الطبقة الأولى إلا عند إسماعيل عن مجالد وهو ضعيف، ولا عند أهل الطبقة الثانية إلا عند داود من طريق حماد عنه ـ وليس واحد منهما على شرطه ولم يخرج لهما في صحيحه شيئاً ـ ترك هذا الحديث بالمرة وتنكب عن تخريجه لما لم يجده على شرطه.
وقد جاء مسلم فلم يجد هذا الحديث يثبت عن أهل الطبقات الأربع الأول وهم ثقات أصحاب الشعبي إلا عن داود بن أبي هند غير أنه من طريق حماد عنه، ولم يحتج مسلم بما رواه حماد عن داود، ولم يخرج له إلا ما تابعه عليه أصحاب داود[166]، فتركه لذلك ولعنعنة داود بن أبي هند، فاضطر أن يخرج الحديث من أربعة طرق أخرى ليس منها طريق واحد عن أحد من ثقات أهل هذه الطبقات ـ وهم أصحاب الشعبي وأعرف الناس بحديثه ـ فثبت بذلك أن الحديث لا يثبت عن الشيباني ولا عن أحد من ثقات أهل هذه الطبقات، وإلا لخرجه مسلم من طريقه ولما اضطر إلى تخريجه من طريق (ابن بريدة وسيار وغيلان وأبي الزناد) وليس أحد منهم من أهل الكوفة ولا من المعدودين في تلاميذ الشعبي وأصحابه، ولم يخرج البخاري عن أحد منهم من حديث الشعبي شيئاً إلا عن سيار[167] حديثين اثنين مما يرويه هشيم بن بشير وشعبة عن سيار عن الشعبي[168]، ولم يخرج البخاري ولا أحد من أصحاب الكتب الستة عن قرة بن خالد عن سيار شيئاً إلا مسلم وحده.[169]
ولم يخرج النسائي هذا الحديث في الكبرى إلا من طريق داود بن أبي هند ـ وليس هو في الصغرى ـ كما لم يخرجه ابن ماجه إلا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن مجالد.
وقد أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل عن مجالد، ومن طريق ابن بريدة، وكل ذلك دليل على أنه ليس عند أحد من أصحاب الشعبي إلا مجالد وابن أبي هند، ولم يصرح بالسماع من الشعبي وهو مدلس، فظهر أنه أخذه عن مجالد، إذ هما متعاصران في بلد واحد وهو العراق، ومشتركان في كثير من الشيوخ والتلاميذ،ووفاتهما متقاربة ما بين140 إلى 145 هـ .
وقد تفرد مسلم عن أصحاب الكتب السبعة فأخرجه من طريق (غيلان وسيار وأبي الزناد) وليس منها شيء محفوظاً، وقد يعتذر عن مسلم بأنه إنما أوردها في المتابعات واعتمد على رواية ابن بريدة وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه يقدم من الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى ثم يتبع بأحاديث يقع في أسانيدها من ليس موصوفاً بالحفظ والإتقان.[170]
ولهذا قصرت رتبته عن صحيح البخاري قال ابن حجر: (فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري)[171]وقال النووي: (عاب عائبون على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء…. الذين ليسوا على شرط الصحيح)[172]، ثم اعتذر بأعذار أقومها أنه إنما أخرج لهم في المتابعات لا الأصول.
والمقصود أن الروايات التي تفرد بها مسلم بل وحتى رواية ابن بريدة التي اتخذها أصلاً ليست سوى غرائب ومناكير، وأسانيدها لا تخلو من ضعف أو عنعنة مدلس، وكثرة طرقها عن الضعفاء والمدلسين لا يزيدها إلا وهناً على وهن لترك الثقات لها، ولو كانت صحيحة لكان الثقات أولى بها، وأكثر عناية بروايتها من الضعفاء والمدلسين وقد قال أحمد: (لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء)[173]، وقال أيضاً: (يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً أحاديث ضعيفة وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا قال: هذا شيء لا ينتفعون به).[174]
ولا شك في أن رواية أبي الزناد منكرة لا أصل لها عن أبي الزناد ولم يروها إلا الحزامي ولا عن الحزامي إلا يحيى بن بكير؟!
كما أن رواية ابن بريدة غريبة لم يروها عنه إلا حسين المعلم ولا عن حسين إلا عبد الوارث واشتهرت عن ابنه عبد الصمد؟!
وكذا رواية غيلان لم يروها عنه إلا جرير بن حازم؟!
ورواية سيار لم يروها عنه إلا قرة بن خالد؟!
ورواية قتادة لم يروها عنه إلا هشام ولا عن هشام إلا معاذ،وقتادة لم يسمع من الشعبي؟!
وليس منها إسناد سالم من النقد، وليس فيها ما تقوم به الحجة لما فيها من العلل إما ضعف في رواتها أو عنعنة في أسانيدها. بينما رواية مجالد محفوظة عنه رواها عنه ستة من الثقات الأثبات؟!!
وأما باقي الروايات التي أخرجها الطبراني فأكثرها عن الضعفاء والمتروكين وأكثرها مروي بالعنعنة وقد ذكر ابن رجب[175] أن معاجمه مجمع للغرائب والمناكير، لأنه كلما تأخر العهد طالت الأسانيد، وكثرت الأوهام والتدليسات، وأولع الرواة بالغريب، وقد قال أحمد: (إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو ليس له إسناد قائم، وإن كان قد روى شعبة أو سفيان)[176] فإذا كان هذا هو الحال في عصر أحمد فكيف هو بعد ذلك خاصة في حديث أهل العراق وقد قال الحازمي بعد ذكر التدليس: (وكان جماعة من ثقات الكوفيين والبصريين مولعين به ممن حديثه مخرج في الصحاح).[177]
ولا أدل على ذلك من حديث الشعبي هذا حيث تكاثرت طرقه على النحو التالي:-
1- رواه الحميدي المكي (ت219هـ) في مسنده عن سفيان بن عيينة عن مجالد.
2- ورواه ابن أبي شيبة الكوفي (ت235هـ) عن حماد بن أسامة عن مجالد وعن علي بن مسهر عن مجالد.
3- ورواه أحمد بن حنبل البغدادي (ت241هـ) عن يحيى القطان عن مجالد ومن طريق حماد عن داود بن أبي هند.
4- ورواه مسلم (ت261هـ) من طريق ابن بريدة وأبي الزناد وسيار وغيلان.
5- ورواه الطبراني (ت360هـ) في المعجم من طريق عشرين راو عن الشعبي؟!!
أي أن عدد الرواة تضاعف عشر مرات في مدة مائة سنة ما بين وفاة أحمد وتأليف الطبراني لمعجمه؟!
والغريب أن تكون أضعف الروايات هي أشهرها على الإطلاق فيرويها عن مجالد الكوفي أربعة من حفاظ وثقات الكوفة وهم إسماعيل بن أبي خالد، وحماد بن أسامة، وزيد بن أبي أونيسة، وعلي بن مسهر، وحافظ البصرة يحيى بن سعيد القطان، وحافظ الحجاز سفيان بن عيينة، ولا يجد ابن أبي شيبة وهو إمام أهل الكوفة رواية أصح منها يودعها في مصنفه.
بينما أصح الروايات التي احتج بها مسلم وقدمها على غيرها لا يرويها إلا ابن بريدة ولا عنه إلا حسين ولا عنه إلا عبد الوارث ولا عنه إلا ابنه عبد الصمد؟‍‍!
وما كان يحيى القطان ليروي عن مجالد مثل هذا الحديث وهو يجده عن غيره من الثقات، وما كان إسماعيل ليرويه عنه ـ وهو أعلم الناس بحديث الشعبي و أرواهم له ـ لو وجده عند أحد من أصحابه الثقات.
كل ذلك يؤكد شهرة حديث مجالد، وأنه محفوظ عنه، ومعروف به، والحديث حديثه، وعنه رواه الناس، وإن دلسه من دلسه فرواه عنه يحيى في البصرة، وحدث به سفيان في مكة، وحدث به حماد بن أسامة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعلي بن مسهر في الكوفة، وحدث به زيد بن أبي أنيسة في الرها، ولا يوجد قط حديث يرويه ثقة وضعيف ثم يشتهر عن الضعيف دون الثقة، ومن عرف حال علماء الحديث، وشدة عنايتهم في تتبع أحاديث الثقات وجمعها وحفظها والتحديث بها والرحلة من أجل سماعها علم يقيناً أنه ما كان حديث مجالد هذا ليشتهر كل هذه الشهرة وهو عند غيره من الثقات، وقد كان مجالد حياً في عصر التدوين إذ توفي سنة 144هـ.[178]
وعلى كل فليس في كل أسانيد هذا الحديث إسناد واحد سالم من النقد، وكان بالإمكان أن يقوي بعضها بعضاً لولا أن الحديث مشهور عن مجالد، وغريب عن غيره، ولم تسلم هذه الغرائب من عنعنات المدلسين، فلا سبيل لأن يقوي بعضها بعضاً ما دامت تعود إلى مجالد، إذ أن جميع الرواة عن الشعبي هم من طبقة مجالد فلا يبعد ـ على فرض صحة الطرق إليهم ـ أنهم بلغهم عن مجالد أو سمعوه منه كما سمعه إسماعيل بن خالد فأخذوا يروونه عن الشعبي وأسقطوا اسم مجالد من الإسناد، فعادت كلها إلى طريق واحد، وقد قال العلائي: (بعض المراسيل رويت من وجوه متعددة مرسلة والتابعون متباينون فيظن أن مخارجها مختلفة وأن كلاً منها يعتضد بالآخر ثم عند التفتيش يكون مخرجها واحداً ويرجع كلها إلى مرسل واحد).[179]
فإذا كان بعض المرسل كذلك، فالمدلس أسوء حالاً لما فيه من حذف وإسقاط للواسطة والإيهام بالسماع واتصال الإسناد.
على أن قاعدة تقوية الحديث إذا كثرت طرقه ليست على إطلاقها[180]، ولا هي محل اتفاق فقد قال ابن حجر: (فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة فيه إذا أتى من طرق).[181]
فإذا ثبت ذلك وأن الحديث لا يثبت عن الشعبي إلا من طريق مجالد لزم البحث في المتابعات والشواهد عن غير الشعبي من التابعين وعن غير فاطمة من الصحابة.

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة(دراسة طرق حديث الشعبي بحسب شهرتها)8\2


أولا : رواية مجالد بن سعيد عن الشعبي: -
وهي أشهر روايات هذا الحديث على الإطلاق، فقد رواها عن مجالد ستة من الحفاظ والثقات الأثبات وهم:-
‌أ- إسماعيل بن أبي خالد: كما عند أبي داود والطبراني والآجري من طرق عن المعتمر بن سليمان، وعند ابن ماجة من طريق عبد الله بن نمير، وعند الآجري من طريق أبي شهاب، كلهم المعتمر وابن نمير وأبو شهاب عن إسماعيل عن مجالد عن الشعبي به.
‌ب- يحيى بن سعيد القطان: كما عند أحمد، وعند الطبراني من طريق مسدد بن مسرهد ،كلاهما أحمد ومسدد عن يحيى عن مجالد به.
‌ج- سفيان بن عيينة: كما في مسند الحميدي عنه عن مجالد به، والرمادي عن سفيان كما في الطبراني.
‌د- حماد بن أسامة: كما في مصنف ابن أبي شيبة عنه عن مجالد به.
‌ه- زيد بن أبي أنيسة: كما عند الطبراني من طريق الرهاوي عنه عن مجالد به.
‌و- علي بن مسهر: كما عند ابن أبي شيبة عنه عن مجالد به.
فالحديث محفوظ مشهور عن مجالد عن الشعبي، رواه عنه ستة من الثقات، أربعة منهم من الأئمة الحفاظ، منهم اثنان من حفاظ الكوفة هما حماد بن أسامة، وإسماعيل بن أبي خالد الذي هو بإجماع أهل الحديث أحفظ أصحاب الشعبي[28]، وأعلمهم بحديثه وأرواهم له، والمقدم عليهم جميعاً عند الاختلاف في حديث الشعبي، ومع ذلك لا يروى هذا الحديث إلا عن مجالد عن الشعبي!
وكذا رواه عن مجالد يحيى بن سعيد القطان إمام أهل البصرة وحافظها، والمتشدد في الرواية، وكان لا يحبذ الرواية عن مجالد لشدة ضعف مجالد عنده ، ومع هذا اضطر لرواية هذا الحديث عنه؟!
وفيهم أيضا سفيان بن عيينة إمام أهل الحجاز وحافظهم؟!
فاجتمع على رواية هذا الحديث عن مجالد أئمة أهل الحديث من الحجاز والبصرة والكوفة قبل أن يعرف عن غيره؟!
بل إن ابن أبي شيبة حافظ أهل الكوفة لم يرو هذا الحديث في مصنفه ـ الذي جمع فيه فأوعى حتى بلغت مروياته نحو أربعين ألف رواية ـ إلا من طريق مجالد مع أنه أورد مرويات كثيرة جداً في شأن الدجال؟!
وهذا أحمد حافظ العراق على الإطلاق، وإمام أهل الحديث في زمانه – الذي انتقى مسنده من سبعمائة ألف رواية فاختار أجودها – وكان يرى أحاديث مجالد شبه الحلم، ومع ذلك يروي هذا الحديث من طريقه[29]؟!
ومجالد قال عنه في التهذيب (قال البخاري كان يحيى بن سعيد يضعفه، وكان ابن مهدي لا يروي عنه، وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئا، وقال ابن المديني قلت ليحيى بن سعيد مجالد قال في نفسي منه شيء، وقال أحمد بن سنان القطان سمعت ابن مهدي يقول حديث مجالد عند الاحداث أبي أسامة وغيره ليس بشيء، ولكن حديث شعبة وحماد بن زيد وهشيم وهؤلاء يعني إنه تغير حفظه في آخر عمره، وقال عمرو بن علي سمعت يحيى بن سعيد يقول لبعض أصحابه أين تذهب قال إلى وهب بن جرير اكتب السيرة عن أبيه عن مجالد، قال تكتب كذبا كثيرا لو شئت أن يجعلها لي مجالد كلها عن الشعبي عن مسروق عن عبد الله فعل! وقال أبو طالب عن أحمد ليس بشيء يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس، وقد احتمله الناس، وقال الدوري عن ابن معين لا يحتج بحديثه، وقال ابن أبى خيثمة عن ابن معين ضعيف واهي الحديث، كان يحيى ابن سعيد يقول لو أردت أن يرفع لي مجالد حديثه كله رفعه، قلت ولم يرفعه؟ قال للضعف. وقال ابن أبي حاتم سئل أبي يحتج بمجالد قال لا.. وليس مجالد بقوي في الحديث، وقال النسائي ليس بالقوي ووثقه مرة، وقال ابن عدي له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة وعن غير جابر وعامة ما يرويه غير محفوظة، وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة أربع وأربعين ومائة في ذي الحجة حديثه عند مسلم مقرون.وقال يعقوب بن سفيان تكلم الناس فيه وهو صدوق، وقال الدارقطني مجالد لا يعتبر به، وقال الساجي قال محمد بن المثنى يحتمل حديثه لصدقه، وقال ابن سعد كان ضعيفا في الحديث، وقال العجلي جائز الحديث وكان يحيى بن سعيد يقول كان مجالد يلقن في الحديث إذ لقن، وقال البخاري صدوق، وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به).[30]
ثانيا : رواية داود بن أبي هند عن الشعبي:-
والرواية المشهورة عنه رواية حماد بن سلمة كما عند أحمد والنسائي في الكبرى وابن حبان والطبراني من طرق عن حماد عن داود به هذا هو الطريق المشهور.
وقد ضعف الأئمة حديث حماد عن داود بن أبي هند[31].
ولم يخرج البخاري عن حماد ولا عن داود بن أبي هند شيئاً أصلاً.
كما لم يخرج مسلم من حديث حماد إلا ما تابعه عليه الثقات، ولم يخرج عنه من روايته عن داود شيئاً تفرد به[32]، ولهذا لم يخرج هذا الإسناد في قصة تميم الداري.
إلا أنه تابعه خالد الطحان عن داود به كما عند الطبراني والروياني.[33]
وليس في كلا الروايتين تصريح من داود بالسماع من الشعبي وإنما رواه عنه معنعناً، وقد ذكر ابن حبان أن داود روى عن أنس خمسة أحاديث لم يسمعها منه، وأنه كان يهم إذا حدث من حفظه[34]، وذكر ابن حجر أنه رأى أنس بن مالك، ونقل عن الأثرم عن أحمد أن داود كثير الاضطراب والاختلاف.[35]
فإذا كان قد رأى أنساً وحدث عنه أحاديث لم يسمعها منه فهذا هو التدليس، وقد ذكره الدميني في المرتبة الثانية من المدلسين[36]، ولعل مسلماً لم يخرج هذه الرواية لتفرد حماد به عن داود، أو لعدم ثبوت تصريح داود بالسماع من الشعبي.
ثالثا : رواية عبد الله بن بريدة عن الشعبي:-
وهي الأصل الذي قدمه مسلم في الباب وأصح شيء عنده فيه!
ولم يروه عن ابن بريدة إلا حسين المعلم ولا عن حسين إلا عبد الوارث بن سعيد ولا عن عبد الوارث إلا ابنه عبد الصمد ؟!
ومن طريق عبد الصمد رواه مسلم وأبو داود والطبراني.
وفي هذه الرواية علل :
1 ـ فهي رواية غريبة لم تشتهر إلا عن عبد الصمد عن أبيه.
وقد رواه الطبراني عن حفص بن عمر الصباح عن عبد الله بن عمرو عن عبد الوارث به.[37]
إلا أن الصباح هذا متكلم فيه، فقد قال عنه أبو أحمد الحاكم: حدث بغير حديث لم يتابع عليه.[38]
وقال عنه الذهبي ليس بالمتقن.[39]
ولم أجد من تابعه على روايته هذه إلا إبراهيم بن فهد عند ابن مندة[40]، غير أن ابن فهد متهم بالكذب وأحاديثه مناكير وأمره مظلم.[41]
فلا ينتفع بمتابعته، والصحيح أن هذه الطريق لا تكاد تثبت إلا عن عبد الصمد وعنه رواه الناس، والحديث حديثه عن أبيه، وقد تكلم الأئمة في عبد الصمد فقال عنه أبو داود: (يحتمل التلقين).[42]
وقال أبو حاتم: (صدوق صالح الحديث).[43]
وقال عنه ابن قانع: (ثقة يخطىء).[44]
وقال ابن معين: (يقول في كتبه حدثنا حدثنا، ولم يكن في كتابه حدثنا، رأيت كتابه فلم أر فيه: حدثنا).[45]
أي أن في أصوله (فلان عن فلان) بالعنعنة إلا أنه عند الأداء يحملها كلها على التحديث فيقول: (فلان ثنا فلان) لأنه ليس من أئمة هذا الفن ولا من الحفاظ المتقنين ولهذا قال عنه ابن حجر: (صدوق).[46]
وقد كان ابن معين لا يعتد بمثل هذه الصيغة إلا إذا كانت من حافظ ثبت وأثبتها كذلك في كتابه عند التحمل ولهذا قال: (ليس الحافظ عندنا إلا من كان في كتابه (حدثنا) فإن لم يكن في كتابه (حدثنا) وقال (حدثنا) فليس بشيء)[47] وما ذلك إلا لكثرة الوهم وسبق اللسان إلى صيغة (حدثنا).
فلذا لا يمكن الاحتجاج بقول عبد الصمد (حدثنا أبي قال سمعت حسيناً المعلم حدثنا عبد الله بن بريدة حدثنا الشعبي) على إثبات السماع بين حسين المعلم وابن بريدة أو بين ابن بريدة والشعبي؛ لأنه لا وجود لهذه الصيغة في أصل كتابه – على فرض وجود هذا الحديث فيه – وإنما أحاديثه معنعنة كما قال ابن معين.
فإذا كان عبد الصمد صدوقاً، ويحتمل التلقين، ويخطىء في حديثه، وجب التحري في قبول ما انفرد به، وقد توبع من عبد الله بن عمرو لولا أنه من رواية ابن الصباح عنه وليس بالمتين، وعلى كل حال فالمتابعة ترجح ثبوته عن عبد الوارث بن سعيد.
2 ـ كما أن حسيناً المعلم مع كونه ثقة إلا أنه متكلم فيه أيضا، فقد ذكره العقيلي في الضعفاء وقال عنه: (مضطرب الحديث)[48]، وروى عن يحيى بن سعيد القطان ـ وهو تلميذه ـ قوله عنه: (فيه اضطراب)[49]، وذكره ابن الجوزي في الضعفاء وقال(قال يحيى فيه اضطراب وقال العقيلي ضعيف وقد أخرج البخاري ومسلم عنه).[50]
3 ـ وكذا عبد الله بن بريدة متكلم فيه، فقد ذكره العقيلي في الضعفاء، وروى عن أحمد ما يدل على ضعفه عنده.[51]وقد ذكر ابن حجر عن أحمد قوله: (أما سليمان بن بريدة فليس في نفسي منه شيء وأما عبد الله! ثم سكت)[52]. وقال أيضاً: (ضعيف فيما يروي عن أبيه)[53]ونقل عن إبراهيم الحربي قوله:(لم يسمعا من أبيهما وفيما روى عبد الله عن أبيه أحاديث منكرة).[54]
وقال الجوزجاني: (قلت لأبي عبد الله: سمع عبد الله من أبيه؟ قال: ما أدري عامة ما يروى عن بريدة عنه. وضعّف حديثه)[55].
فإذا ثبت ما قاله إبراهيم الحربي أنه لم يسمع من أبيه شيئاً فإن روايته عنه حينئذ تكون تدليساً، إذ أنه لا خلاف في أنه أدرك أباه وعاصره مدة طويلة، إذ توفي بريدة سنة 63هـ[56]، وولد عبد الله سنة 15هـ، وتوفي سنة 115هـ[57]، أي كان له عند وفاة أبيه نحو خمسين سنة تقريباً ففي شك أحمد وتردده في سماعه من أبيه وصم له بالتدليس إذ لم يحمل عنعنته عن أبيه على السماع.
ومن كان هذا حاله لا يحتج بما رواه إلا إذا صرح بالسماع ممن روى عنه، ولعله لهذا السبب تحاشى البخاري روايته عن أبيه فلم يخرج منها مع كثرتها إلا حديثاً واحداً في المغازي.[58]
4 ـ وعلى فرض ثبوته عن ابن بريدة فقد اضطرب في روايته لهذا الحديث اضطرابا شديدا، وقد سئل الدارقطني عن حديثه هذا فقال :( يرويه عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن فاطمة. وخالفه بشير بن المهاجر فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه حسين المعلم فرواه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة).[59]
وقد رواها ابن حبان[60] عن هارون بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن عون بن كهمس، عن أبيه، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر عن فاطمة به.
فاجتمع في طريق ابن بريدة ضعف في بعض رواته، وغرابة في إسناده، واختلاف على راويه في روايته.
رابعا : رواية قتادة عن الشعبي:
وفي هذه الطريق علل هي :
1 ـ غرابة في إسناده إذ لم يروها عن قتادة إلا هشام ولا عن هشام إلا ابنه معاذ ومن طريقه رواه الترمذي وقال: (غريب من حديث قتادة) وهو كما قال.
2 ـ ومعاذ متكلم فيه فقد قال عنه ابن معين: (ليس بذاك القوي)[61]، وقال أيضاً: (لم يكن بالثقة إنما رغب فيه أصحاب الحديث للإسناد وليس عند الثقات الذين حدثوا عن هشام هذه الأحاديث)[62]، أي التي ينفرد بروايتها معاذ عن أبيه عن قتادة دون باقي أصحاب هشام الحفاظ لحديثه.
وقد سئل عنه أبو داود: أحجة هو؟ فقال: (أكره أن أقول شيئاً كان يحيى لا يرضاه .. وأظنه يحيى القطان).[63]
وهذا من الأحاديث التي تفرد بها عن أبيه عن قتادة، وليس مثله من يقبل منه مثل هذا التفرد عن إمامين كبيرين اعتنى الحفاظ بجمع حديثهما، بل لو تفرد هشام عن قتادة لعدّ حديثه منكراً[64]، حتى يتابع على روايته لعناية أصحاب قتادة بحديثه وحفظهم له كشعبه بن الحجاج وسعيد بن أبي عروبة وهمام.[65]
وقد قال ابن حجر عن معاذ: (صدوق ربما وهم).[66]
3 ـ ثم إنه على فرض ثبوت الحديث عن قتادة فإن فيه علة تمنع من الحكم له بالاتصال والصحة، وهي عنعنة قتادة وهو مشهور بالتدليس وممن لا تقبل عنعنته.[67]
وقد قال الدار قطني في حديث رواه قتادة عن الشعبي معنعناً: (لم يرفعه عن الشعبي غير قتادة وقتادة مدلس لعله بلغه عنه)[68]، بل قال يحيى بن معين: (لم يسمع من الشعبي)[69] وكذا قال البسوي: (لم يسمع قتادة من الشعبي إنما أرسل عنه).[70]
ومعلوم أن مرسل قتادة من شر أنواع المرسل وأشده ضعفاً لأنه حافظ لا يكاد ينسى من حدثه فلا يسقط الواسطة إلا إذا كان لا يستجيز التصريح باسمه لضعفه، ولهذا كان يحيى القطان يرى مراسيل قتادة شبه الريح وأنها لا شيء.[71]
فلو سلمت هذه الرواية من غلط معاذ ووهمه، لم تسلم من إرسال قتادة وتدليسه، إذ ربما بلغه الحديث عن مجالد لشهرته عنه فرواه عن الشعبي وأسقط اسم مجالد، فكيف وقد نص الأئمة على عدم سماعه أصلا من الشعبي شيئا !!
خامسا: رواية غيلان بن جرير عن الشعبي:-
وفيها علل هي :
1 ـ غرابة في الإسناد، إذ لم يروها عن غيلان إلا جرير بن حازم، وعنه ابنه وهب بن جرير، وقد رواه مسلم من طريقين عن وهب عن أبيه عن غيلان.
2 ـ ضعف في الإسناد، فوهب متكلم فيه وقد ذكره ابن عدي في الضعفاء وذكر كلام عفان وابن مهدي فيه وساق له حديثين أنكرهما[72]، وكذا ذكره العقيلي في الضعفاء[73]. إلا أنه توبع على روايته كما سيأتي.
وأبوه جرير متكلم فيه أيضاً فقد قال عنه أحمد: (كثير الغلط)[74] وقال ابن حبان: (كان يخطىء لأن أكثر ما كان يحدث من حفظه)[75] وذكره العقيلي في الضعفاء.[76]
3 ـ عنعنة وتدليس ، فقد روى العقيلي عن حماد بن زيد إنكاره عليه تصريحه بالسماع.[77]
وقال أحمد: (كان سجية في جرير بن حازم يقول: حدثنا الحسن قال حدثنا عمرو بن تغلب، وأبو الأشهب يقول: عن الحسن قال: بلغني أن النبيe قال لعمرو بن تغلب)؟!![78]
فلا ينتفع والحال هذه بتصريحه بالسماع بين غيلان والشعبي.
وهو أيضاً مدلس[79] وقد قال في روايته هذه (سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) وليست هذه العبارة صريحة في سماع غيلان من الشعبي وليست في قوة (غيلان عن الشعبي) أو (غيلان حدثنا الشعبي) بل تحتمل أن غيلان كان يحدث عن الشعبي بواسطة أو بما بلغه عن الشعبي كأن يقول: (قال الشعبي) أو: (بلغنا عن الشعبي) فكل ذلك يصدق عليه أنه كان يحدث عن الشعبي، ومما يؤكد ذلك أن الطبراني[80] وابن مندة[81]أخرجاه من طريق موسى بن إسماعيل عن جرير وفيه (سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) مما يثير الشك في عدوله عن الصيغة التي يستخدمها دائماً وهي (حدثنا فلان حدثنا فلان) إلى مثل هذه العبارة الموهمة التي تشعر بعدم اتصال السند فقد يكون نسي الواسطة التي ذكرها غيلان كما يحدث منه ذلك كثيراً[82] لكونه يحدث من حفظه ويخطىء، أو يكون قد دلسه وأسقط الواسطة قصداً لضعف هذه الواسطة، فقد روى أحمد عن وكيع وابن مهدي وعفان ثلاثتهم عن جرير قال سمعت أبا فروة قال حدثنا جار لنا عن شريح القاضي …إلخ.
قال عفان: ثم ذكرت للأغضف حديث جرير عن أبي فروة. فقال أي الأغضف حدثني أي جرير عن الحسن بن عمارة عن أبي فروة ؟!!! [83]
وهذا وهم فاحش، أو تدليس شنيع عن رجل كمثل الحسن بن عمارة المتروك لضعفه[84]، ولعله لهذا السبب تجنب أحمد رواية جرير هذه مع أنها عند شيخه موسى بن إسماعيل.
وعليه فلا يمكن الاحتجاج بمثل هذه الصيغة ما دام قد ثبت أن جريراً يتساهل في استخدام عبارات التحديث ويصرح بالسماع فيما هو في الأصل مروي بالعنعنة، كما أنه مدلس أيضاً ويدلس عن مثل الحسن بن عمارة.
وقد يعتذر لمسلم بأنه إنما أخرج هذه الرواية في المتابعات التي لا تخلو من ضعف[85]، وإنما اعتمد على رواية ابن بريدة.
ثم إن جريراً من تلاميذ مجالد ويروي عنه السيرة[86] مما يدل على كثرة حديثه عنه فلا يبعد أن يكون سمع هذا الحديث منه فوهم على غيلان أو دلسه عنه، فإن له أوهاماً عجيبة عن كثير من شيوخه.[87]
سادسا: رواية أبي الزناد عن الشعبي:-
وفيها علل:
1 ـ غرابة في الإسناد، فلم يروها عنه إلا المغيرة الحزامي، ولا عن المغيرة إلا يحيى بن بكير المصري، ومن طريقه رواه مسلم والطبراني، ولم يستطع الطبراني مع جمعه للغرائب أن يجد متابعاً ليحيى بن بكير أو للحزامي عن أبي الزناد؟!
2 ـ ضعف في ابن بكير مع جلالته، وقد قال النسائي عنه: (ضعيف) و (ليس بثقة)[88]، وقال أبو حاتم: (لا يحتج به)[89]، وقال يحيى بن معين فيه: (ليس بشيء).[90]
وشيخه الحزامي مع كونه ثقة فقد ذكره ابن عدي في الضعفاء، وروى عن ابن معين قوله فيه: (الحزامي صاحب أبي الزناد ليس بشيء)[91]، وقال أيضاً: (ضعيف الحديث)[92]، وقال النسائي: (ليس بالقوي)[93]، وقد ذكر ابن عدي أنه روى عن أبي الزنـاد ما لا يوافقه عليه الثقات.
ولا ريب أن هذا الحديث منها إذ أنه تفرد بروايته عن أبي الزناد وهو من كبار علماء المدينة وحفاظهم الذين اعتنى العلماء بجمع حديثهم وله كثير من التلاميذ[94]، ففي تفرد المغيرة بهذا الحديث عنه ما يوهنه ويقضي عليه بالحكم بالنكارة والرد.
3 ـ ومما يزيد الشك في حديثه هذا أن إسحاق بن أبي فروة المدني يروي عن أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس قصة طلاقها وهو جزء من حديث الشعبي هـذا عنها.
ولا يروي هذا الحديث عن إسحاق إلا الليث كما عند ابن ماجه[95] والطبراني.[96]
والحزامي وابن أبي فروة كلاهما مدني ومن طبقة واحدة؟! ويحيى بن بكير والليث بن سعد كلاهما مصري؟! ويحيى من تلاميذ الليث بن سعد وأكثر الناس رواية عنه؟! وإسحاق بن أبي فروة متروك ليس بثقة[97]. وهو كثير الحديث روى عنه الليث نسخة طويلة وعامة أحاديثه مناكير لا يتابعه عليها أحد في أسانيدها ولا متونها.[98]
فالظاهر أن الحزامي تلقف هذا الحديث من إسحاق ودلسه عنه فرواه عن أبي الزناد معنعناً، فلم يصرح بالسماع من أبي الزناد لا عند مسلم ولا عند الطبراني!
وعلى كل حال فحديث أبي الزناد عن الشعبي عن فاطمة في قصة طلاقها محفوظ من رواية الليث بن سعد عن إسحاق بن أبي فروة عن أبي الزناد، فإما أن يحيى بن بكير وهم فيه على الحزامي أو أن الحزامي دلسه وأسقط ابن أبي فروة من الإسناد.
وعليه فالإسناد فيه ضعف من جهة الرواة، وعنعنة بين الحزامي وأبي الزناد، وغرابة من هذا الوجه إذ لا متابع ليحيى، ولا للحزامي، ولا يعرف هذا الحديث عن أبي الزناد من وجه تقوم به الحجة.
ويعتذر عن مسلم بأنه أورده في المتابعات لا في الأصول.
سابعا: رواية سيار العنـزي عن الشعبي:
ولم يروها عنه إلا قرة بن خالد وقد اختلف عليه:-
ففي رواية مسلم: (ثنا سيّار ثنا الشعبي).
وعند الطبراني من طريق حماد بن مسعدة[99] وسعيد بن الربيع[100]، وعند البغوي من طريق سهل بن حماد[101] ثلاثتهم عن قرة بن خالد قال: (عن سيّار)، وقال حماد وسهل (عن الشعبي) معنعناً ليس فيه التصريح بالسماع.
وكذا رواه عنه أبو داود الطيالسي (ثنا قرة ثنا سيار عن الشعبي).[102]
وقد كان أحمد ينكر دخول التحديث في كثير من الأسانيد ويقول هو خطأ أي ذكر السماع[103]،وكان لا يسلم من الوقوع في مثل هذا الوهم حتى كبار الحفاظ[104]،لدقته وخفائه، ولهذا كان يحيى بن معين لا يقبل منه إلا ما كان محفوظاً كتابة.
وقرة بن خالد وإن كان ثقة إلا أنه قد رأى أنساً وروى عنه، مع أنه لم يسمع منه شيئاً[105]، وهذا هو التدليس فقد عرفه ابن حجر فقال: (من ذُكر بالتدليس أو الإرسال إذا روي بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال)[106]، وقال ابن رجب: (من يحدث عمن رآه بما لم يسمعه منه فإنه لا يقبل منه حديثه حتى يصرح بالسماع ممن روى عنه… ولم يعتبر الشافعي أن يتكرر التدليس ولا أن يغلب على حديثه بل اعتبر تدليسه ولو بمرة واحدة).[107]
وعبارة الشافعي: (من دلس مرة فقد أبان لنا عن عورته… فقلنا لا نقبل من مدلس حديثاً حتى يقول فيه (حدثني) و (سمعت))[108].
بل إن الأئمة ربما توقفوا في قبول عنعنة الثقة وإن لم يكن مدلساً إذا كان متن الحديث منكراً ويرون أن العنعنة كافية للقدح في صحة مثل هذا الخبر قال المعلمي: (إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة قادحة فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقاً أعلوه بعلة غير قادحة مطلقاً ولكنهم يرونها كافية للقدح بذلك المنكر، فمن ذلك إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع هذا مع أن الراوي ليس مدلساً…)[109] ثم ذكر على ذلك أمثلة من صنيع الأئمة.
ومن ذلك قول أبي حاتم في حديث رواه أبو صالح عن الليث بن سعد فأنكره فقال: (ولم يذكر أيضاً الليث في هذا الحديث خبر (أي تصريح بالسماع) ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلسه ولم يروه غير أبي صالح)[110]؟!.
مع أن الليث إمام كبير ولم يوصف بتدليس، وكذا أبو صالح لم يوصف بتدليس بل قال عنه أبو حاتم (حسن الحديث… صدوق أمين).[111]
وقرة بن خالد مع كونه ثقة إلا أن ابن مهدي غض من درجته عن درجة جرير بن حازم ـ وكلاهما من شيوخه ـ فقد قال: (جرير أوثق عندي من قرة بن خالد)[112]، وفي رواية (فوق قرة)[113]، فإذا كان جرير الذي قال عنه أحمد: (يحدثهم بالتوهم أشياء عن قتادة يسندها بواطيل… كأن حديثه عن قتادة غير حديث الناس)، وقال عنه أيضاً: (يروى عن أيوب عجائب) وقال عنه يحيى بن معين أنه ضعيف في قتادة يحدث عنه عن أنس بأحاديث مناكير.[114]
وقال عنه مسلم في حديث رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري وأخطأ فيه: (جرير لم يعن بالرواية عن يحيى إنما روى من حديثه نزراً ولا يكاد يأتي بها على التقويم والاستقامة…)[115] ،فإذا كان هذا حال جرير فلم يجعله ابن مهدي أوثق من خالد وفوقه إلا وقد رأى من خالد بن قرة ما يغض من مكانته ودرجته، وقد نقل البسوي عن علي بن المديني هذا الحوار مع أحد شيوخه: (قال علي: كان يحدثني عن الشيخ فيقول: قال حدثني قال أخبرني.
فأفرح به. فيقول: تفرح بهذا؟! لم يكن ممن يعتمد عليه في هذا قرة.
سمعت الحسن قال سمعت صعصعة!!
يقول: هكذا هو).[116]
وهذا النص مشكل إلا أنه يمكن فهمه على ضوء ما رواه العقيلي[117] عن علي بن المديني وحواره مع ابن المهدي في شأن تفضيله جرير على قرة وقد قال علي له بعد ما سمع منه هذا التفضيل: (أحفظ هذا عنك؟ قال: نعم) خاصة وأن البسوي نقل عبارة علي السابقة في معرض كلام البسوي عن طبقات أصحاب الحسن البصري وترتيب درجاتهم في الحفظ والإتقان وقد جعل قرة وجريراً في أواسطهم.
فيظهر أن الشيخ الذي كان يحاوره علي بن المديني ـ كما في نص البسوي ـ هو ابن مهدي، وكان حديثهما عن أحد الشيوخ الذين يصرحون بالسماع في الأسانيد المروية أصلاً بالعنعنة فكان علي بن المديني إذا سمع مثل هذا التصريح فرح به إلا أن شيخه ابن مهدي نبهه إلى عدم الاعتداد بمثل هذا التصريح إذا كان ممن لا يعتد به ولا يعتمد عليه، لأن هذا الشيخ يقول: (سمعت فلاناً يقول حدثنا فلان) على السجية والطبع ولا يتحرى الدقة في أداء صيغ التحديث فهو الذي يقول: سمعت الحسن قال سمعت صعصعة؟! بينما أصحاب الحسن يروونه عن الحسن بالعنعنة عن صعصعة.
وفي صحيح ابن حبان(..حدثنا قرة بن خالد عن الحسن قال: حدثني صعصعة بن معاوية قال: لقيت أبا ذر بالربذة وقد أورد رواحل له، فسقاها).[118]
وقال أحمد (ثنا يحيى بن سعيد عن قرة ثنا الحسن حدثني صعصعة بن معاوية قال : انتهيت إلى الربذة).[119]
بينما أخرجه ابن حبان(..حدثنا جرير بن حازم، حدثنا الحسن، قال: قال صعصعة بن معاوية عم الأحنف: أتيت أبا ذر بالربذة). [120]
وصيغة (قال قال صعصعة) أقرب إلى الانقطاع منها بالاتصال.
وقد رواه أصحاب الحسن يونس وحبيب وحميد وأشعث وأبو حرة والمفضل وعنبسة وعامر كلهم بالعنعنة بين الحسن وصعصعة (عن الحسن عن صعصعة).[121]
وكذا جاء عن هشام بن حسان في أكثر الروايات عن الحسن عن صعصعة. [122]
فعامة أصحاب الحسن الحفاظ الأثبات يروونه عنه عن صعصعة بالعنعنة،وقد رواه قرة بن خالد بإثبات السماع بين الحسن وصعصعة، وكذا جاء في بعض الروايات عن جرير وهشام بن حسان.
وقد عاب ابن مهدي من روى عن (الحسن سمعت صعصعة) ثم قال(لم يكن ممن يعتمد عليه في هذا قرة)؟ فعاب على قرة روايته الحديث مصرحاً فيه بالسماع.
والمقصود أن تفضيل ابن مهدي لجرير بن حازم ـ مع ما اشتهر عنه من الوهم في صيغ الأداء ـ على قرة بن خالد يشعر بأن قرة يقع منه شيء من هذا القبيل، وإن لم يكن يخطىء كجرير في رفع الموقوف ووصل المرسل ونحو ذلك من الأوهام، إذ لم يذكر عن قرة شيء من ذلك، فلا بد من حمل عبارة ابن مهدي في قرة على أهون المحامل وهو عدم ضبط صيغ الأداء.
ثم إن إسماعيل بن أبي خالد – وهو أحفظ أصحاب الشعبي – من تلاميذ سيار أيضاً، وكذا زيد بن أبي أنيسة من تلاميذ سيار[123]، وبعيد أن يكون الحديث عند سيار عن الشعبي، ويرويه إسماعيل وزيد عن مجالد، فيحتمل أن سياراً إنما يرويه عن مجالد هو أيضاً ويحتمل أن قرة دلسه.
ومما يؤكد ذلك أن حافظ البصرة ابن أبي عاصم (ت287هـ)[124] قد ذكر حديث الشعبي عن فاطمة في قصة طلاقها فقال: (وممن رواه عن الشعبي: ابن بريدة وقتادة وسلمة بن كهيل وأبو إسحاق والمغيرة وإسماعيل بن أبي خالد وسيار وداود بن أبي هند ومجالد وأبو الزناد والأشعث وزكريا)[125].
ثم ذكر من روى حديثها في الدجال فقال: (ابن بريدة وقتادة وغيلان وداود بن أبي هند ومجالد)[126] فلم يذكر سياراً هنا وذكره هناك مما يدل على أنه غير معروف من حديث سيار، وإلا لذكره إذ هو أولى بالذكر من مجالد.
ويعتذر عن مسلم بأنه إنما أورده متابعة لحديث ابن بريدة.
(8) رواية عمران بن سليمان عن الشعبي:-
ولم يروها عنه إلا عيسى بن يونس، كما عند ابن حبان إلا أنها عنده من طريق عبد الملك بن سليمان القرقساني عن عيسى بن يونس عن عمران.
وهذا إسناد ضعيف معلول فقد ذكره العقيلي في الضعفاء وقال: (عبد الملك بن سليمان عن عيسى بن يونس حديثه غير محفوظ)[127].
ولم يخرج له ابن حبان في صحيحه إلا هذا الحديث، وعيسى بن يونس إمام حافظ روى عنه عشرات من الأئمة الحفاظ منهم علي بن المديني ويحيى بن معين ومسدد وأبو مسهر وابن أبي شيبة وغيرهم من الحفاظ الأثبات[128] الذين كتبوا حديثه فلا يقبل أن يتفرد عنه كمثل عبد الملك بن سليمان الذي ليس معدوداً في تلاميذه ولا معروفاً بالرواية عنه.
إلا أن الطبراني[129] رواه عن عبد الله بن الحسن الحراني ثنا عبد الله بن جعفر الرقي عن عيسى بن يونس به، وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات إلا أنه له علة، لأن عبد الله بن جعفر قد اختلط سنة 218هـ وظل يحدث حتى توفي سنة 220هـ وقال عنه النسائي: (ليس به بأس قبل أن يتغير)[130]، وقد ولد عبد الله بن الحسن سنة 206هـ[131] أي كان له اثنا عشرة سنة عندما اختلط ابن جعفر، وقد ذكر الخطيب البغدادي ما يدل على أنه قد سمع الحديث سنة 218هـ من النفيلي[132]، ولعله أول شيوخه، فيكون سماعه من ابن جعفر في حال اختلاطه قطعا، وعلى فرض ثبوت هذا الحديث عن عيسى بن يونس، فإن عمران بن سليمان غير معروف فقد ذكره البخاري[133] وابن أبي حاتم[134] فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان كعادته في ثقاته[135] وذكر أنه كوفي وقال عنه الأزدي: (يعرف وينكر)[136]، ولم يذكره العجلي في ثقاته مع أنه كوفي وهو أدرى وأعلم بأهل بلده من ابن حبان الذي اشتهر بتوثيق المجاهيل.
ثم إنه لم يصرح بالسماع من الشعبي في هذا الحديث بل رواه عنه معنعناً عند ابن حبان وعند الطبراني؟!
(9) رواية محمد بن أبي أيوب عن الشعبي:-
ولم يروها عنه إلا أبو نعيم الفضل بن دكين الحافظ واختلف عليه: فرواه الطبراني[137] عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عن محمد به مطولاً وفي آخره ألفاظاً غريبة لم يتابع عليها ومنها أن الدجال كان مسنداً ظهره إلى الجبل وأنه زفر فسار في الجبل ثم وقع ثم سار ثم وقع… إلخ؟!
ورواه الداني[138] بإسناد صحيح من طريق الحافظ أحمد بن أبي خيثمة عن أبي نعيم عن محمد به مختصراً ولفظه: (خرج رسول الله e يوماً فجلس على المنبر فقال: هذه طيبة – يعني المدينة – لا يدخلها الدجال، ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف).
ولا شك أن رواية ابن أبي خيثمة الحافظ[139] أولى من رواية عبد العزيز البغوي، فقد كان النسائي لا يروي عنه ولا يرضاه مع كونه ثقة[140] وذكر ابن حجر ما يدل على تساهله عند القراءة عليه.[141]
وقد جاء في روايته ألفاظ غريبة لا يتابع عليها. ومحمد بن أبي أيوب لم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة شيئاً إلا مسلماً أخرج له حديثاً واحداً[142]، وقد قال عنه ابن حجر: (صدوق).[143]
(10) رواية أبي إسحاق الشيباني عن الشعبي:-
وقد ذكره الدارقطني في غرائبه فقال (غريب من حديث سليمان الشيباني عن الشعبي ما كتبناه إلا عن ابن عقدة).[144]
وقد رواها الطبراني[145] من طريق عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن الشيباني به.
وعثمان بن أبي شيبة مع جلالته له أوهام ومناكير[146]، ومحمد متكلم فيه فقد قال ابن سعد: (بعضهم لا يحتج به)[147]وقال عنه ابن حاتم: (شيخ)[148] أي في (المنـزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه)[149] وهذه العبارة تفيد تليين حال الراوي لا تمتينه وهي إلى التضعيف أقرب منها للتوثيق.[150]
وقد ذكر مسلم حديثاً رواه محمد بن فضيل فقال: (فأما رواية ابن فضيل فوهم كله برمته الإسناد والمتن)[151] وقد قال عنه ابن حجر: (صدوق)[152] ،وقد تابعه على هذه الرواية أسباط بن محمد كما عند ابن منده[153] بإسناد لا بأس به من طريق أسباط عن الشيباني به، وأسباط أيضاً متكلم فيه قال عنه يحيى بن معين: (ثقة والكوفيون يضعفونه)[154]،وقال عبد الله بن المبارك في شأن محمد بن فضيل وإسباط بن محمد: (لا أرى أصحابنا يرضونهما)[155] وقد ذكره العقيلي في الضعفاء وقال: (ربما يهم في الشيء)[156]ومع ما فيهما من ضعف فإنه لم يصرح أحد منهما بالسماع من الشيباني ولا ذكرا سماعاً بين الشيباني والشعبي، وهما كوفيان وقد قال يزيد بن هارون: (قدمت الكوفة فما رأيت بها أحداً إلا وهو يدلس إلا مسعر بن كدام وشريكاً)[157] وقال الحاكم: (أكثر المحدثين تدليساً أهل الكوفة).[158]
ومما يدل أن هذا الحديث مدلس على الشيباني أن في آخره زيادة في الإسناد عن الشعبي عن ابن أبي هريرة عن أبيه وعن محمد بن القاسم عن عائشة بنحو حديث فاطمة، وهذه لا تعرف إلا من رواية مجالد كما سيأتي بيانه، وهذه المطابقة والمشابهة كافية في إثبات تدليسه عن مجالد.[159]
فهذه الطرق العشرة هي أمثل طرق حديث الشعبي، وقد ذكر الطبراني طرقاً أخرى كوفية لا تخلو من متروك أو منكر ، وليس في هذه الطرق العشرة طريق واحد يداني طريق مجالد في شهرته إذ رواه ستة من الثقات عنه، بينما لم يروه عن كل واحد من التسعة الباقين إلا راو واحد؟!! وأكثرها لا يكاد يثبت عمن روي عنه، بل إن أصح هذه الروايات وهي رواية ابن بريدة التي احتج بها مسلم وقدمها على سائر الروايات لم يروها عن ابن بريدة إلا حسين المعلم ولم يروها عن المعلم إلا عبد الوارث ولم يروها عن عبد الوارث إلا ابنه عبد الصمد على الصحيح؟!
وهذا يكشف مدى شهرة رواية مجالد وأن الحديث محفوظ عنه مشهور به، وأن الحديث حديثه، تواطأ على روايته عنه الأئمة الحفاظ، ورواه عنهم أصحاب المسانيد والمصنفات، بل إنه مشهور عن إسماعيل بن أبي خالد (ت 146هـ) ومجالد (144 هـ) ربما قبل أن يولد عبد الصمد (ت207هـ)؟‍‍!
وبعيد كل جدا أن يشتهر حديث كل هذه الشهرة عن ضعيف كمجالد وهو يوجد عند غيره من الثقات، ومن عرف حال أهل الحديث كسفيان بن عيينة ويحيى القطان وعنايتهم بجمع الحديث وتتبعه علم يقينا أنه لا يقع مثل ذلك عنده أبدا، وإنما لما اشتهر من حديث مجالد عن الشعبي، صار بعض الرواة يحدثون به ويدلسونه.
ثم إنه ليس في هؤلاء العشرة من هو معدود من أصحاب الشعبي إلا أربعة، وسيأتي بيان طبقات أصحاب الشعبي ومراتبهم.

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة(تخريج روايات حديث الشعبي عن فاطمة)8\1


سياق الإمام مسلم لحديث فاطمة في صحيحه: قال (حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث، وحجاج بن الشاعر كلاهما عن عبد الصمد (واللفظ لعبد الوارث بن عبد الصمد)، حدثنا أبي عن جدي، عن الحسين بن ذكوان، حدثنا ابن بريدة، حدثني عامر بن شراحيل الشعبي، شعب همدان، أنه سأل فاطمة بنت قيس، أخت الضحاك بن قيس، وكانت من المهاجرات الأول، فقال: حدثيني حديثاً سمعتيه من رسول الله e لا تسنديه إلى أحد غيره. فقالت: لئن شئت لأفعلن، فقال لها: أجل حدثيني. فقالت: نكحت ابن المغيرة، وهو من خيار شباب قريش يومئذ فأصيب في أول الجهاد مع رسول الله e فلما تأيمت خطبني عبد الرحمن بن عوف في نفر من أصحاب رسول الله e، وخطبني رسول الله e على مولاه أسامة بن زيد، وكنت قد حدثت أن رسول الله e قال: ((من أحبني فليحب أسامة)) فلما كلمني رسول الله e قلت: أمري بيدك. فأنكحني من شئت. فقال: ((انتقلي إلى أم شريك)) وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة في سبيل الله، ينزل عليها الضيفان، فقلت: سأفعل. فقال: ((لا تفعلي. إن أم شريك امرأة كثيرة الضيفان فإني أكره أن يسقط عنك خمارك، أو ينكشف الثوب عن ساقيك، فيرى القوم منك بعض ما تكرهين، ولكن انتقلي إلى ابن عمك عبد الله بن عمر بن مكتوم)) (وهو رجل من بني فهر، فهر قريش وهو من البطن الذي هي منه) فلما انقضت عدتي سمعت نداء المنادي، منادي رسول الله e ينادي: الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد فصليت مع رسول الله e فكنت في صف النساء التي تلي ظهور القوم، فلما قضى رسول الله e صلاته، جلس على المنبر وهو يضحك فقال: ((ليلزم كل إنسان مصلاه))، ثم قال: ((أتدرون لم جمعتكم؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ((إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأن تميماً الداري كان رجلاً نصرانياً، فجاء فبايع وأسلم، وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال. حدثني أنه ركب في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلاً من لخم وجذام، فلعب بهم الموج شهراً في البحر، ثم أرفؤا إلى جزيرة في البحر حتى مغرب الشمس، فجلسوا في أقرب السفينة، فدخلوا الجزيرة فلقيتهم دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرون ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقالوا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة، قالوا: وما الجساسة؟ قالت: أيها القوم انطلقوا إلى هذا الرجل في الدير فإنه إلى خبركم بالأشواق. قال: لما سمت لنا رجلاً فرقنا منها أن تكون شيطانة، قال فانطلقنا سراعاً حتى دخلنا الدير فإذا فيه أعظم إنسان رأيناه قط خلقاً، وأشده وثاقاً، مجموعة يداه إلى عنقه، ما بين ركبتيه إلى كعبيه بالحديد ؟ قلنا: ويلك ما أنت؟ قال: قد قدرتم على خبري فأخبروني ما أنتم ؟ قالوا: نحن أناس من العرب ركبنا في سفينة بحرية فصادفنا البحر حين اغتلم، فلعب بنا الموج شهراً، ثم أرفأنا إلى جزيرتك هذه، فجلسنا في أقربها فدخلنا الجزيرة، فلقيتنا دابة أهلب كثير الشعر، لا يدرى ما قبله من دبره من كثرة الشعر، فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجساسة. قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل في الدير، فإنه إلى خبركم بالأشواق، فأقبلنا إليك سراعاً وفزعنا منها، ولم نأمن أن تكون شيطانة. فقال: أخبروني عن نخل بيسان. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: أسألكم عن نخلها هل يثمر ؟ قلنا له: نعم. قال: أما إنه يوشك أن لا تثمر. قال: أخبرني عن بحيرة الطبرية. قلنا: عن أي شأنها تستخبر ؟ قال: هل فيها ماء؟ قالوا: هي كثيرة الماء. قال: أما إن ماءها يوشك أن يذهب. قال: أخبروني عن عين زغر. قالوا: عن أي شأنها تستخبر. قال: هل في العين ماء؟ وهل يزرع أهلها بماء العين ؟ قلنا له: نعم. هي كثيرة الماء وأهلها يزرعون من مائها. قال: أخبروني عن نبي الأميين ما فعل ؟ قالوا: قد خرج من مكة ونزل يثرب. قال: أقاتله العرب ؟ قال: نعم. قال: كيف صنع بهم ؟ فأخبرناه أنه قد ظهر على من يليه من العرب وأطاعوه. قال لهم: قد كان ذلك ؟ قلنا: نعم. قال: أما إن ذاك خير لهم أن يطيعوه، وأني مخبركم عني، إني أنا المسيح، وإني أوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطتها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة. فهما محرمتان علي كلتاهما، كلما أردت أن أدخل واحدة، أو واحداً منها استقبلني ملك بيده السيف صلتاً يصدني عنها، وإن على كل نقب منها ملائكة يحرسونها. قالت: قال رسول الله e وطعن بمخصرته في المنبر ((هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة )) يعني المدينة ((ألا هل كنت حدثتكم ذلك )) فقال الناس: نعم. ((فإنه أعجبني حديث تميم أنه وافق الذي كنت أحدثكم عنه وعن المدينة ومكة ألا إنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو. من قبل المشرق ما هو )) وأومأ بيده إلى المشرق. قالت فحفظت هذا من رسول الله e.
ـ حدثنا يحيى بن حبيب الحارثي، حدثنا خالد بن الحارث الهجيمي، أبو عثمان حدثنا قرة، حدثنا سيار أبو الحكم، حدثنا الشعبي قال: دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب ابن طاب، وأسقتنا سويق سلت، فسألتها عن المطلقة ثلاثاً أين تعتد ؟ قالت: طلقني بعلي ثلاثاً، فأذن لي النبي e أن اعتد في أهلي. قالت فنودي في الناس: إن الصلاة جامعة، قالت: فانطلقت فيمن انطلق من الناس، قالت: فكنت في الصف المقدم من النساء وهو يلي المؤخر من الرجال، قالت: فسمعت النبي e وهو على المنبر يخطب فقال: ((إن بني عم لتميم الداري ركبوا في البحر)) وساق الحديث وزاد فيه: قالت: كأنما انظر إلى النبي e، وأهوى بمخصرته إلى الأرض، وقال: ((هذه طيبة)) يعن المدينة.
ـ وحدثنا الحسن بن علي الحلواني وأحمد بن عثمان النوفلي. قالا: حدثنا وهب بن جرير. حدثنا أبي. قال: سمعت غيلان بن جرير يحدث عن الشعبي، عن فاطمة بنت قيس، قالت: قدم على رسول الله e تميم الداري فأخبر رسول الله e أنه ركب البحر، فتاهت به سفينته فسقط إلى جزيرة، فخرج إليها يلتمس الماء، فالتقى إنساناً يجره شعره، واقتص الحديث. وقال فيه، ثم قال: أما إنه لو قد أذن لي في الخروج قد وطئت البلاد كلها غير طيبة، فأخرجه رسول الله e إلى الناس فحدثهم قال: ((هذه طيبة وذاك الدجال)).
ـ حدثني أبو بكر ابن إسحاق، حدثنا يحيى بن بكير، حدثنا المغيرة (يعني الحزامي ) عن أبي الزناد، عن الشعبي عن فاطمة بن قيس، أن رسول الله e قعد على المنبر فقال: ((يا أيها الناس حدثني تميم الداري أن أناساً من قومه كانوا في البحر في سفينة لهم فانكسرت بهم، فركب بعضهم على لوح من ألواح السفينة فخرجوا إلى جزيرة في البحر)) وساق الحديث.[3]
تخريج طرق الحديث عن الشعبي : وقد رواه عن الشعبي كل من :
أولا : مجالد بن سعيد عن الشعبي: وقد رواه عنه كل من :
1 ـ سفيان بن عيينة : رواه عنه الحميدي[4] ، والطبراني.[5]
2 ـ يحيى بن سعيد القطان : رواه عنه أحمد[6]، والطبراني.[7]
3 ـ حماد بن أسامة : رواه عنه إسحاق وابن أبي شيبة.[8]
4 ـ علي بن مسهر : رواه عنه ابن أبي شيبة.[9]
5 ـ إسماعيل بن أبي خالد : رواه أبو داود[10] ، وابن ماجه[11]، والآجري من طرق عنه.[12]
6 ـ زيد بن أبي أنيسة : رواه الطبراني.[13]
ثانيا : داود بن أبي هند عن الشعبي :
رواه أحمد[14]، والنسائي[15] ، وابن حبان[16]، والطبراني[17] كلهم من طرق عن حماد بن سلمة عنه.
ثالثا : عبد الله بن بريدة عن الشعبي:
رواه مسلم[18] وأبو داود[19]، كلاهما من طريق عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريده.
رابعا : قتادة عن الشعبي :
رواه إسحاق بن راهويه والترمذي[20]، كلاهما من طريق معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة به.
خامسا : عمران بن سليمان عن الشعبي:
رواه ابن حبان[21]، من طريق عبد الملك بن سليمان القرقساني عن عيسى بن يونس عن عمران به.
سادسا : أبو الزناد عبد الله بن ذكوان :
رواه مسلم[22]، والطبراني[23]، من طريق يحيى بن بكير عن المغيرة الحزامي عن أبي الزناد به.
سابعا : غيلان بن جرير عن الشعبي :
رواه مسلم[24]، والطبراني[25]، كلاهما من طريق وهب بن جرير عن أبيه جرير بن حازم عن غيلان به.
ثامنا : سيار العنزي عن الشعبي :
رواه مسلم[26]، والطبراني[27]، من طريق خالد بن قرة عن سيار به.
ومن خلال تخريج الحديث يظهر مدى شهرته عن مجالد بن سعيد حيث رواه عنه ستة من الحفاظ الأثبات الثقات، بينما الروايات عن غيره لم تشتهر عمن رووها بل عامتها غرائب كما سيأتي بيانه!