الجمعة، 31 مايو 2013

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة (بيان طبقات أصحاب الشعبي)8\3


وقد ذكر أحمد[160] وعلي بن المديني[161] وأبو داود[162] مراتب أصحاب الشعبي على النحو التالي:-
الطبقة الأولى: إسماعيل بن أبي خالد، وأبو حصين عثمان بن عاصم.
الطبقة الثانية: أبو إسحاق الشيباني، وداود بن أبي هند، ومطرف بن طريف، وبيان بن بشر، وحصين بن عبد الرحمن، وإسماعيل بن سالم، وفراس بن يحيى، وابن عون.
الطبقة الثالثة: مغيرة بن مقسم، وزكريا بن أبي زائدة، وعبد الله بن أبي السفر.
الطبقة الرابعة: مالك بن مغول، وعبد الملك بن حيان ابن أبحر، وأبو حيان التيمي.
الطبقة الخامسة: مجالد بن سعيد، ومحمد بن سالم.
الطبقة السادسة: أجلح بن عبد الله، وأشعث بن سوار، وجابر الجعفي.
الطبقة السابعة: داود بن يزيد الأودي، والسري بن إسماعيل.
فهذا ترتيب أصحاب الشعبي بحسب ما ظهر من عبارات هؤلاء الأئمة ولا يوجد بينهم كبير خلاف اللهم إلا في أصحاب الطبقة الثانية والثالثة في تقديم بعضهم أو تأخيره.
والطبقة الأولى هي طبقة الحفاظ، وقد اختار أكثرهم تقديم إسماعيل بن أبي خالد على جميع أصحاب الشعبي، وهو اختيار يحيى بن القطان والثوري وأحمد وابن معين بل وشيخه الشعبي كان أيضاً يفضله.
ثم الطبقة الثانية وهي طبقة الشيوخ الأثبات من أصحاب الشعبي.
ثم الثالثة وهي طبقة الثقات من أصحابه.
ثم الرابعة وهم مثل الثالثة إلا أنهم أقل معرفة بحديثه وأقل رواية عنه.
ثم الخامسة والسادسة طبقة الضعفاء من أصحاب الشعبي، ومجالد من أكثر أصحاب الشعبي رواية عنه إلا أنه ضعيف، والسادسة دون الخامسة في الضعف.
ثم السابعة وهي طبقة المتروكين من أصحاب الشعبي.
ومع كثرة طرق هذه الحديث عن الشعبي إلا أنه لم يروه من أهل هذه الطبقات إلا:-
1- إسماعيل بن أبي خالد، وهو أحفظ أصحاب الشعبي وأعلمهم بحديثه، إلا أنه إنما يرويه عن مجالد عن الشعبي.
2- وداود بن أبي هند، وهو من أهل الطبقة الثانية إلا أنه لم يصرح بالسماع وهو مدلس كما أن المحفوظ هو من رواية حماد بن سلمة عنه وفيها ضعف واضطراب.
3- والشيباني، وهو من الطبقة الثانية إلا أن الإسناد لا يكاد يصح إليه لضعف في رواته وعنعنة في إسناده.
4- ومجالد بن سعيد، وروايته أشهر الروايات على الإطلاق، رواها عنه ستة من الثقات منهم أربعة من الحفاظ الكبار؟!
ولهذا لم يذكر ابن أبي عاصم من روى هذا الحديث من أهل هذه الطبقات إلا (مجالد وداود بن أبي هند) ولم يخرجه أحمد في مسنده إلا من طريقهما، ولو كان عند أحد أثبت منهما لخرجه من طريقه مع أنه احتاط فيه إسناداً ومتناً وانتقاه من سبعمائة ألف رواية[163]، وقد قال ابن حجر: (مسنده أنقى أحاديث وأتقن رجالاً من غيره وهذا يدل على أنه انتخبه).[164]
ولعله لهذا السبب لم يخرجه البخاري في صحيحه، لأنه إنما يخرج عن الأئمة ما رواه عنهم أهل الطبقة الأولى وهي طبقة الحفاظ، فإن لم يجده عندهم نزل إلى أهل الطبقة الثانية وهي طبقة الشيوخ الأثبات[165]، فلما لم يجده عند أهل الطبقة الأولى إلا عند إسماعيل عن مجالد وهو ضعيف، ولا عند أهل الطبقة الثانية إلا عند داود من طريق حماد عنه ـ وليس واحد منهما على شرطه ولم يخرج لهما في صحيحه شيئاً ـ ترك هذا الحديث بالمرة وتنكب عن تخريجه لما لم يجده على شرطه.
وقد جاء مسلم فلم يجد هذا الحديث يثبت عن أهل الطبقات الأربع الأول وهم ثقات أصحاب الشعبي إلا عن داود بن أبي هند غير أنه من طريق حماد عنه، ولم يحتج مسلم بما رواه حماد عن داود، ولم يخرج له إلا ما تابعه عليه أصحاب داود[166]، فتركه لذلك ولعنعنة داود بن أبي هند، فاضطر أن يخرج الحديث من أربعة طرق أخرى ليس منها طريق واحد عن أحد من ثقات أهل هذه الطبقات ـ وهم أصحاب الشعبي وأعرف الناس بحديثه ـ فثبت بذلك أن الحديث لا يثبت عن الشيباني ولا عن أحد من ثقات أهل هذه الطبقات، وإلا لخرجه مسلم من طريقه ولما اضطر إلى تخريجه من طريق (ابن بريدة وسيار وغيلان وأبي الزناد) وليس أحد منهم من أهل الكوفة ولا من المعدودين في تلاميذ الشعبي وأصحابه، ولم يخرج البخاري عن أحد منهم من حديث الشعبي شيئاً إلا عن سيار[167] حديثين اثنين مما يرويه هشيم بن بشير وشعبة عن سيار عن الشعبي[168]، ولم يخرج البخاري ولا أحد من أصحاب الكتب الستة عن قرة بن خالد عن سيار شيئاً إلا مسلم وحده.[169]
ولم يخرج النسائي هذا الحديث في الكبرى إلا من طريق داود بن أبي هند ـ وليس هو في الصغرى ـ كما لم يخرجه ابن ماجه إلا من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن مجالد.
وقد أخرجه أبو داود من طريق إسماعيل عن مجالد، ومن طريق ابن بريدة، وكل ذلك دليل على أنه ليس عند أحد من أصحاب الشعبي إلا مجالد وابن أبي هند، ولم يصرح بالسماع من الشعبي وهو مدلس، فظهر أنه أخذه عن مجالد، إذ هما متعاصران في بلد واحد وهو العراق، ومشتركان في كثير من الشيوخ والتلاميذ،ووفاتهما متقاربة ما بين140 إلى 145 هـ .
وقد تفرد مسلم عن أصحاب الكتب السبعة فأخرجه من طريق (غيلان وسيار وأبي الزناد) وليس منها شيء محفوظاً، وقد يعتذر عن مسلم بأنه إنما أوردها في المتابعات واعتمد على رواية ابن بريدة وقد ذكر في مقدمة كتابه أنه يقدم من الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى ثم يتبع بأحاديث يقع في أسانيدها من ليس موصوفاً بالحفظ والإتقان.[170]
ولهذا قصرت رتبته عن صحيح البخاري قال ابن حجر: (فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري)[171]وقال النووي: (عاب عائبون على مسلم روايته في صحيحه عن جماعة من الضعفاء…. الذين ليسوا على شرط الصحيح)[172]، ثم اعتذر بأعذار أقومها أنه إنما أخرج لهم في المتابعات لا الأصول.
والمقصود أن الروايات التي تفرد بها مسلم بل وحتى رواية ابن بريدة التي اتخذها أصلاً ليست سوى غرائب ومناكير، وأسانيدها لا تخلو من ضعف أو عنعنة مدلس، وكثرة طرقها عن الضعفاء والمدلسين لا يزيدها إلا وهناً على وهن لترك الثقات لها، ولو كانت صحيحة لكان الثقات أولى بها، وأكثر عناية بروايتها من الضعفاء والمدلسين وقد قال أحمد: (لا تكتبوا هذه الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء)[173]، وقال أيضاً: (يطلبون حديثاً من ثلاثين وجهاً أحاديث ضعيفة وجعل ينكر طلب الطرق نحو هذا قال: هذا شيء لا ينتفعون به).[174]
ولا شك في أن رواية أبي الزناد منكرة لا أصل لها عن أبي الزناد ولم يروها إلا الحزامي ولا عن الحزامي إلا يحيى بن بكير؟!
كما أن رواية ابن بريدة غريبة لم يروها عنه إلا حسين المعلم ولا عن حسين إلا عبد الوارث واشتهرت عن ابنه عبد الصمد؟!
وكذا رواية غيلان لم يروها عنه إلا جرير بن حازم؟!
ورواية سيار لم يروها عنه إلا قرة بن خالد؟!
ورواية قتادة لم يروها عنه إلا هشام ولا عن هشام إلا معاذ،وقتادة لم يسمع من الشعبي؟!
وليس منها إسناد سالم من النقد، وليس فيها ما تقوم به الحجة لما فيها من العلل إما ضعف في رواتها أو عنعنة في أسانيدها. بينما رواية مجالد محفوظة عنه رواها عنه ستة من الثقات الأثبات؟!!
وأما باقي الروايات التي أخرجها الطبراني فأكثرها عن الضعفاء والمتروكين وأكثرها مروي بالعنعنة وقد ذكر ابن رجب[175] أن معاجمه مجمع للغرائب والمناكير، لأنه كلما تأخر العهد طالت الأسانيد، وكثرت الأوهام والتدليسات، وأولع الرواة بالغريب، وقد قال أحمد: (إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريب أو فائدة فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو ليس له إسناد قائم، وإن كان قد روى شعبة أو سفيان)[176] فإذا كان هذا هو الحال في عصر أحمد فكيف هو بعد ذلك خاصة في حديث أهل العراق وقد قال الحازمي بعد ذكر التدليس: (وكان جماعة من ثقات الكوفيين والبصريين مولعين به ممن حديثه مخرج في الصحاح).[177]
ولا أدل على ذلك من حديث الشعبي هذا حيث تكاثرت طرقه على النحو التالي:-
1- رواه الحميدي المكي (ت219هـ) في مسنده عن سفيان بن عيينة عن مجالد.
2- ورواه ابن أبي شيبة الكوفي (ت235هـ) عن حماد بن أسامة عن مجالد وعن علي بن مسهر عن مجالد.
3- ورواه أحمد بن حنبل البغدادي (ت241هـ) عن يحيى القطان عن مجالد ومن طريق حماد عن داود بن أبي هند.
4- ورواه مسلم (ت261هـ) من طريق ابن بريدة وأبي الزناد وسيار وغيلان.
5- ورواه الطبراني (ت360هـ) في المعجم من طريق عشرين راو عن الشعبي؟!!
أي أن عدد الرواة تضاعف عشر مرات في مدة مائة سنة ما بين وفاة أحمد وتأليف الطبراني لمعجمه؟!
والغريب أن تكون أضعف الروايات هي أشهرها على الإطلاق فيرويها عن مجالد الكوفي أربعة من حفاظ وثقات الكوفة وهم إسماعيل بن أبي خالد، وحماد بن أسامة، وزيد بن أبي أونيسة، وعلي بن مسهر، وحافظ البصرة يحيى بن سعيد القطان، وحافظ الحجاز سفيان بن عيينة، ولا يجد ابن أبي شيبة وهو إمام أهل الكوفة رواية أصح منها يودعها في مصنفه.
بينما أصح الروايات التي احتج بها مسلم وقدمها على غيرها لا يرويها إلا ابن بريدة ولا عنه إلا حسين ولا عنه إلا عبد الوارث ولا عنه إلا ابنه عبد الصمد؟‍‍!
وما كان يحيى القطان ليروي عن مجالد مثل هذا الحديث وهو يجده عن غيره من الثقات، وما كان إسماعيل ليرويه عنه ـ وهو أعلم الناس بحديث الشعبي و أرواهم له ـ لو وجده عند أحد من أصحابه الثقات.
كل ذلك يؤكد شهرة حديث مجالد، وأنه محفوظ عنه، ومعروف به، والحديث حديثه، وعنه رواه الناس، وإن دلسه من دلسه فرواه عنه يحيى في البصرة، وحدث به سفيان في مكة، وحدث به حماد بن أسامة، وإسماعيل بن أبي خالد، وعلي بن مسهر في الكوفة، وحدث به زيد بن أبي أنيسة في الرها، ولا يوجد قط حديث يرويه ثقة وضعيف ثم يشتهر عن الضعيف دون الثقة، ومن عرف حال علماء الحديث، وشدة عنايتهم في تتبع أحاديث الثقات وجمعها وحفظها والتحديث بها والرحلة من أجل سماعها علم يقيناً أنه ما كان حديث مجالد هذا ليشتهر كل هذه الشهرة وهو عند غيره من الثقات، وقد كان مجالد حياً في عصر التدوين إذ توفي سنة 144هـ.[178]
وعلى كل فليس في كل أسانيد هذا الحديث إسناد واحد سالم من النقد، وكان بالإمكان أن يقوي بعضها بعضاً لولا أن الحديث مشهور عن مجالد، وغريب عن غيره، ولم تسلم هذه الغرائب من عنعنات المدلسين، فلا سبيل لأن يقوي بعضها بعضاً ما دامت تعود إلى مجالد، إذ أن جميع الرواة عن الشعبي هم من طبقة مجالد فلا يبعد ـ على فرض صحة الطرق إليهم ـ أنهم بلغهم عن مجالد أو سمعوه منه كما سمعه إسماعيل بن خالد فأخذوا يروونه عن الشعبي وأسقطوا اسم مجالد من الإسناد، فعادت كلها إلى طريق واحد، وقد قال العلائي: (بعض المراسيل رويت من وجوه متعددة مرسلة والتابعون متباينون فيظن أن مخارجها مختلفة وأن كلاً منها يعتضد بالآخر ثم عند التفتيش يكون مخرجها واحداً ويرجع كلها إلى مرسل واحد).[179]
فإذا كان بعض المرسل كذلك، فالمدلس أسوء حالاً لما فيه من حذف وإسقاط للواسطة والإيهام بالسماع واتصال الإسناد.
على أن قاعدة تقوية الحديث إذا كثرت طرقه ليست على إطلاقها[180]، ولا هي محل اتفاق فقد قال ابن حجر: (فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة فيه إذا أتى من طرق).[181]
فإذا ثبت ذلك وأن الحديث لا يثبت عن الشعبي إلا من طريق مجالد لزم البحث في المتابعات والشواهد عن غير الشعبي من التابعين وعن غير فاطمة من الصحابة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق