أولا : رواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس:-
1 ـ رواها أبو داود[182] من طريق عثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبي سلمة به (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر العشاء الآخرة ذات ليلة ثم خرج فقال إنه حبسني حديث كان يحدثنيه تميم الداري عن رجل كان في جزيرة من جزائر البحر فإذا أنا بامرأة تجر شعرها قال ما أنت قالت أنا الجساسة اذهب إلى ذلك القصر فأتيته فإذا رجل يجر شعره مسلسل في الأغلال ينزو فيما بين السماء والأرض فقلت من أنت قال أنا الدجال خرج نبي الأميين بعد قلت نعم قال أطاعوه أم عصوه قلت بل أطاعوه قال ذاك خير لهم).
وعثمان قال عنه أحمد: (لا أجيزه)[183] وقال ابن نمير (كذاب) وقال ابن حبان: (يروي عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات وحمل عليه الناس في الجرح فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حالة من الأحوال لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الثقات)[184].
أ- أنه من رواية ابن أبي ذئب عن الزهري وقد تكلم فيها الأئمة فكان يحيى القطان لا يرضى حديثه عن الزهري ولا يقبله. وقال يحيى بن معين: حديثه عن الزهري ضعيف[188].
ب- أن ابن أبي ذئب لم يصرح بالسماع من الزهري وقد عنعنه في كل الروايات وقد ثبت عنه أنه روى حديثاً عن عطاء ولم يسمعه منه[189]، وكذا حدث عن نافع حديثاً ولم يسمعه منه[190]. وهذا تدليس فلا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالسماع.
ج- أن الزهري مع إمامته مشهور بالتدليس وقد جعله ابن حجر في الطبقة الثالثة[191] ،وهم الذين لا يقبل منهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقد رواه معنعناً.
د- أن ابن أبي ذئب تفرد به عن الزهري وليس هو من حفاظ أصحابه[192]، ولم يتابعه عليه أحد منهم كما لم يتابعه أحد من الثقات على روايته من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن مع كثرة من روى عنه فاجتمع في هذه الرواية ضعف وتدليس وغرابة فهي منكرة.
وقد رواه ابن أبي عاصم[193] والطبراني[194] من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع عن الزهري عن أبي سلمة به.
إلا أن إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع قال عنه أبو داود: (ضعيف متروك الحديث).[195]
وإبراهيم بن إسماعيل من تلاميذ الزهري ومن طبقة ابن أبي ذئب وكلاهما مدني فلا يبعد أن يكون ابن أبي ذئب قد دلسه عنه.
2 ـ وقد رواه عن أبي سلمة أيضاً: الوليد بن عبد الله بن جميع واختلف عليه اختلافاً شديداً:-
فرواه أبو داود[196] من طريق محمد بن فضيل عنه عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله في قصة الجساسة؟
ورواه أحمد[197] عن أبي نعيم الفضل بن دكين عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري في قصة النبي e مع
ابن صياد؟! وكذا رواه العقيلي من طريق أبي نعيم[198].
بينما رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده[199] عن يزيد بن هارون عنه عن أبي سلمة عن جابر في قصة ابن صياد؟!! وكذا رواه العقيلي من طريق يزيد بن هارون. [200]
كما روي عنه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري في قصة الجساسة[201]؟!
وهذا تخليط فاحش من الوليد بن جميع فأحياناً يرويه عن أبي سلمة عن جابر تارة قصة الجساسة، وتارة في قصة ابن صياد. وأحياناً يرويه عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري تارة قصة الجساسة وتارة قصة ابن صياد؟!!
وقد قال ابن حبان: (ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات فلما فحش ذلك منه بطل الاحتجاج به)[202] وقال عنه الحاكم – مع تساهله -: (لو لم يخرج له مسلم لكان أولى).[203]
وقد قال الدارقطني عن رواية الوليد عن أبي سلمة عن جابر ورواية الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة (قول الزهري أشبه بالصواب).[204]
كما أن محمد بن فضيل الذي روى عنه الحديث على أنه في قصة الجساسة متكلم فيه أيضاً، وقد خالفه من هو أحفظ منه: الحافظان يزيد بن هارون وأبو نعيم الفضل بن دكين إذ روياه عن الوليد على أنه في قصة ابن صياد لا قصة الجساسة إلا أنهما اختلفا عليه في اسم الصحابي فرواه يزيد بن هارون على أنه عن جابر، ورواه أبو نعيم على أنه عن أبي سعيد الخدري.
والصحيح أنه عن جابر كما رواه يزيد بن هارون ووافقه عليه محمد بن فضيل، وفي قصة ابن صياد كما رواه يزيد بن هارون ووافقه عليه أبو نعيم، فقد رواه أحمد[205] من طريق أبي الزبير عن جابر في قصة ابن صياد.
فاجتمع في رواية محمد بن فضيل عن الوليد عن أبي سلمة في قصة الجساسة:
1- ضعف في محمد بن فضيل.
2- مخالفة منه للحفاظ الأثبات.
3- ضعف شديد في الوليد بن جميع.
4- اضطراب فاحش منه في روايته هذه.
5- مخالفته لرواية من رواه عن الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ومع ضعف رواية الزهري إلا أنها أمثل حالاً من هذه الرواية.
6- تفرده بروايته هذا الحديث عن أبي سلمة عن جابر في قصة الجساسة كما نص على ذلك ابن عدي.[206]
ثانيا : يحيى بن يعمر عن فاطمة:-
رواها ابن حبان[207] عن هارون بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن عون بن كهمس، عن أبيه، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يعمر به.
وهذا وهم بلا شك من عون على أبيه كهمس إذ المحفوظ عن ابن بريدة هو ما رواه حسين المعلم عنه عن الشعبي. وقد سئل أحمد عن عون هذا فقال: (لا أعرفه)[208] وقد قال عنه ابن حجر: (مقبول)[209] أي عند المتابعة وإلا فليّن ولم يتابع على هذه الرواية، بل ولا يعرف ليحيى بن يعمر رواية عن فاطمة بنت قيس، ولم يذكره أحد في الرواة عنها، وإنما سبق وهم عون إلى حديث أبيه عن ابن بريدة عن ابن يعمر عن ابن عمر في قصة جبريل وسؤال النبي e عن الإسلام والإيمان والإحسان وهو حديث مشهور فقد رواه ابن حبان من طريق كهمس عن ابن بريدة عن يحيى.
فلما جاء عون يحدث بحديث أبيه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة سبق وهمه أو دخل في كتابه إسناد في إسناد أو سبق لسانه إلى يحيى بن يعمر بدل الشعبي لشهرة حديث يحيى بن يعمر عن ابن عمر في قصة جبريل فإذا هذا الخطأ البيّن يصبح طريقاً آخر ومتابعة لحديث الشعبي؟!!!
وهذه من الغرائب التي فاتت الطبراني مع كثرة ما جمع منها في تخريج حديث فاطمة؟!!
وعلى كل فهذه المتابعة منكرة للأسباب التالية:-
1- ضعف في عون بن كهمس.
2- ومخالفة للرواية المحفوظة عن ابن بريدة.
3- وتفرد بهذا الإسناد.
4- ولأنه لا يعرف – أصلاً – رواية ليحيى بن يعمر عن فاطمة.
5- ولمطابقة لفظه لحديث الشعبي حتى في قوله لفاطمة: (حدثيني بشيء سمعتيه من رسول الله e ولا تحدثيني بشيء لم تسمعيه من رسول الله e… إلخ).
وهذه عبارة الشعبي نفسها فثبت يقيناً خطأ عون وأنه لا دخل ليحيى بن يعمر في هذا الحديث.
كما وهم بشير بن المهاجر فرواه عن ابن بريدة عن أبيه بريدة في قصة الجساسة.
ذكره ابن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة الرازيين وسألهما ما علته؟ فقالا: (له عورة، روى عبد الوارث عن حسين بن ذكوان المعلم عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي e في ذلك. قالا: فأفسد هذا الحديث حديث بشير).[210]
وإنما وهم بشير بن المهاجر ولزم الجادة إذ رواية ابن بريدة عن أبيه جادة مشهورة وأكثر حديث بريدة إنما يرويه عنه ابنه عبد الله فظن بشير أن حديث الجساسة منها.
وهذا اختلاف على ابن بريدة شديد، وقد سئل عنه الدارقطني فقال :( يرويه عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر عن فاطمة. وخالفه بشير بن المهاجر فرواه عن عبد الله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه حسين المعلم فرواه عن ابن بريدة عن الشعبي عن فاطمة).[211]
وهكذا تتكاثر الروايات والطرق بسبب أوهام الرواة وأخطائهم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق