الخميس، 29 أغسطس 2013

د.مصطفى العزبي-التحليل التشكيلي (لوحة النقش العجيب) 3\3

وتتكون هذه اللوحة من جزئين الاول فيها يتمثل فى البرواز المحيط والذى يشكل الاطار الخارجى للعمل وهو عبارة عن مجموعة متكررة من الوحدات غير متساوية الابعاد ، هذه الوحدات المتكررة تصنع اطارا للشكل وتتجه حركته من يمين العمل لاعلى ثم الى اليسار فأسفل ، وتاخذ مظهرا شبه منتظم حيث تتوالد من بعضها البعض فتبدا ضيقة ثم تتسع لتخرج منها وحدة ويعلوها حز فى منتصفها بطول الوحدة وبعمق 1مم .
وترتبط تلك الوحدات التكرارية فى الاركان من خلال زوايا منفصلة وعددها اربعة - فى كل ركن واحدة - حيث تتاكد زواياها القائمة بحز عمودى يتجه ناحية الزاوية المباشرة وهذه الوحدات التكرارية فى مجملها تشكل اطارا ربما قصد به الفنان التعبير عن شيء ما اذا ماتم قراءة العمل فى اطاره الرمزى .
والجزء الثانى يتمثل فى الشكل المنقوش فى منتصف العمل والذى يمثل العنصر الاساسى حيث يفصل بينه وبين الاطار الخارجى أخدود بعمق 2,5 سم تقريبا فى اعلى العمل ويصل الى 3,5سم فى اسفله بحيث يكون منحدرا وهو فى وضعيته الافقية ويتخلل هذا الاخدود مجموعة من البروزات العرضية وعددها 5 فى الأيمن و5 فى اليسار و5 فى الاعلى و4 فى الاسفل وقد عملت تلك البروزات كخلفية للشكل الذى يتوسط العمل فهى ليست منتظمة فى توزيعها ولا موحدة من حيث الشكل .
الا ان الفنان قد حافظ على انحدارها من اعلى الى اسفل لتنتهى بثقب فى الزاوية اليمنى السفلية للعمل وهو ما يؤكد الشكل الوظيفى للعمل حيث اعد لاستقبال وتسريب سائل ما كان يوضع على سطح العمل ويتوسط العمل بشكل اساسى وجه انسان نقشت ملامحة بوضع تتمثل فيه الجبهة والانف والفم والذقن فى وضع جانبى عرف فى الكثير من الحضارات القيمة وتاكدت سماته عند الفراعنة وبلاد الرافدين .
كما ان الفنان قد عالج الوجه معالجة تشكيلية تبرز تلك الملامح بطريقه تؤكد وعيه بتشريح الوجه الانسانى ويتاكد هذا فى منطقة الانف وعلاقتها بالعين والخد وكذلك علاقة الانف بالفم وقدرته على تشكيل الشفاة العليا حيث نرى انه كان حريصا على ابراز تكوين الشفاة من خلال عمل تجويف اعلى الشفاة ، اضافة الى تشكيله للانف بحيث راعى فيها الارتفاعات والانخخفاضات لتاتى فى تشكيل سليم يؤكد قدرة الفنان على سيطرته على الخامة التى يتعامل معها رغم صلابتها ومقاومتها الشديد له اثناء محاولته التعبير عما يريد وذلك من خلال التأكيد على شخصية صاحب العمل والتى اتسمت ملامحة بالقوة .
كما نلاحظ ان العين قد عولجت بحيث تكون مواجهة وكذلك منطقة الحاجب على عكس باقى العناصر فى الوجه واحترم الفنان الشكل الوظيفى لهذا العمل لذا جاء الجزء الداخلى على شكل مستطيل ليست به بروزات الا فى القليل بحيث انتهت كل العناصر عند حدود هذا المستطيل ليصبح التكوين محاطا باطار هندسى ليضمن له صفة التماسك والقوة ليصبح ملائما للوظيفة التى نحت من اجلها .
واختار الفنان للجزء السفلى الذى يتمثل فى الذقن عنصرا ليكمل به الشكل ويتمثل فى ذيل العقرب والذى يحدد به الشكل من اسفل حيث تناسبت عناصر تكوين وتشكيل العقرب مع حركة الشعر فى الذقن والتى تتمثل فى ثمانية خطوط راسية استكملت فى جسم العقرب فى حزوز عرضيه ولتكتمل بذلك الرؤية التشكيلية ولتكون امتدادا طبيعيا لها فى شكل اشعاعى يرتبط بالخطوط التى فى خلفية العمل .
وعلى الرغم من كبر حجم العقرب فى اللوحه الا انه قام بدور تشكيلى استطاع من خلاله ان يكمل الشكل فى اسفل العمل كما انه استعاض عن الاذن كذلك بعلامة او رمز تشكيلى يبدا من عند الاذن فى حركة حلزونية ليحيط بالخد ثم يعود مرة اخرى ليتجه اسفل اللوحة فى حركة دائرية ليشير الى ذيل العقرب قاطعا خطوط الذقن الرئيسية للتشكيل .
كما اكد الفنان من خلال توزيعه لتلك العناصر والرموز حول منطقة الوجه الملامح الملامح الاساسية للشخصية التى اراد التعبير عنها حيث تاكدت ملامح الوجه فى مساحات عريضة كما نرى فى الانف والخد والجبهة حيث اتاحت فرصة كبيرة للتعبير من خلال تلك الملامح التى جاءت لتعبر عن القوة والصلابة .
كما يلاحظ وجود بعض الخدوش والعلامات او الرموز فى منطقة الخد ربما قصد الفنان التعبير عن شيء ما من خلالها وفى تقديرى ان الفنان اقتطع تلك القطعة من الصخر وقام بتسويتها من جميع جوانبها ثم اختار ان يشكل على احد اوجهها .
ونظرا لمقاومة الخامة شديدة الصلابه فانه قد اكتفى ان يشكل عناصره بطريقه فيها الكثير من التلخيص لتعبر عن فكرته الاساسية.
وعلى الرغم من ان العمل يصنف ضمن النحت البارز شديد البروز الا انه لم يراع الارتفاعات فى العمل وبالتالى فهو عمل رمزى اراد من خلاله الفنان ان يعبر عن مضمون رمزى يتصل بشخصية صاحب الصورة او ربما باشياء عقائدية وينتمى العمل فى مجملة الى الاسليب الفنية التى ظهرت فى العراق القديمة ويغلب عليها الطابع الرمزى وكذلك اسلوب المعالجة حيث التبسيط والتلخيص فى الملامح والعناصر فالعمل يتميز بحبكة التصميم حيث رتبت العناصر ترتيبا هندسيا سمح لها بالتجانس والتفاعل فى اطار حركى تتدافع فيه العناصر على سطح العمل لتحتل مكانها ضمن اطار تشكيلى محكم.

أحمد الجوهري-السامري هو الدجال(لوحة النقش العجيب)1\3

لوحة فيها موسى عليه السلام والمسيح الدجال، لماذا؟ وما العلاقة بينهما؟ نعم، لأن السامري الذي أضل بني إسرائيل في زمن موسى عليه السلام هو المسيح الدجال. هذا الرجل صِنّوُ إبليس، وشريكه في إغواء الناس والفساد في الأرض، وهو رجل منظر من المنظرين الذين قال الله عز وجل عنهم:{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ# قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ# إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [ص:79-81].
إذن فإبليس ليس هو المنظر الوحيد فهناك منظرون آخرون غيره سيعمَّرون أعماراً طويلة جداً، منهم المسيح الدجال.
وعلى ذلك فإن جميع الأنبياء عليهم السلام أنذروا أممهم المسيح الدجال، وحتى نوح عليه السلام أنذر أمته الدجال، وإن المتأمل لقصة موسى عليه السلام والسامري ليرى العجب، حيث ذهب موسى عليه السلام لمناجاة الله عز وجل ومكث أربعين ليلة، وكان قد استخلف أخاه هارون على قومه.
وأنزل الله عز وجل على موسى عليه السلام ألواحاً مكتوباً فيها كلام الله عز وجل، وسأل الله عز وجل موسى عليه السلام لماذا ترك قومه وجاء متعجلاً؟ {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى# قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى# قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ# فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي# قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ# فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ} [طه:83-88].
نلاحظ هنا أن موسى عليه السلام صار عنده علم من الله عز وجل بهذه الفتنة التي وقعت بقومه، ومن هو الفاعل، ولكن ليس الخبر كالمعاينة، رجع فوجد القوم يسجدون ويطوفون ويرقصون حول (عجل)، فغضب إلى حد الإغلاق، حيث أنه ألقى ورمى الألواح المقدسة التي نزلت من السماء، والتي فيها كلام الله تعالى، وذلك من شدة الغضب، وأخذ برأس أخيه هارون عليه السلام ولحيته يجره ويعنّفه، وهارون ليس بمجرم، وليس له ذنب في تلك الجريمة، وجعل هارون يسترحم موسى عليه السلام من جهة أمه، لأن الأُمَّ أقرب إلى الحنان والعطف، وقال إنه لم يشأ أن يُحدث فتنة وشرخاً في صفوف بني إسرائيل، وأنهم كادوا أن يقتلوه، وأنه نهاهم عن عبادة العجل، ولكنهم أصروا وقالوا إنهم لن يبرحوا، وسيبقون عاكفين على العجل إلى أن يرجع موسى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:150].
إذا كانت هذه الشدة وهذا العنف مع هارون البريء، الذي ليس له ذنب في هذه الجريمة، وهذه الفتنة العظيمة، فكيف كان الحال مع السامري المجرم المذنب.
نحن نتوقع أن يقوم موسى عليه السلام بقتله، أو تعذيبه عذاباً شديداً، ولكن العجب العجاب أن الأمر مختلف تماماً، فنجد موسى عليه السلام يخاطب السامري بهدوء ولين: {قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ# قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي} [طه:95-96].
عذر أقبح من ذنب، صنع عجلاً من ذهب، ثم أخذ قبضة من أثر حافر فرس جبريل عليه السلام ، وألقاها على العجل الذي من ذهب، فدبت فيه الحياة، وصار له خوار، وقال بنو إسرائيل هذا هو إلهنا وإله موسى، وإن موسى نسي أن هذا هو الإله.
نلاحظ أن الرجل، (أي السامري) عنده قدرات ليست عادية، فهو يرى جبريل عليه السلام، (قال بصرت بما لم يبصروا به)، فهو يرى ما لا يراه الناس، يرى الملائكة، وهذا هو حال المسيح الدجال (لأن المسيح الدجال عند خروجه يأتي المدينة المنورة فيرى الملائكة على أنقابها تحرسها بالسيوف).
وهو يُحوّل العجل الذهبي إلى عجل حيّ (لا يستطيع أي واحد من أولاد آدم أن يحول المادة إلى كائن حي، ولا حتى في هذا الزمان حيث العلوم المتقدمة) ، وهذه القدرات غير موجودة إلا عند المسيح الدجال، وعند من شاء الله عز وجل من الأنبياء عليهم السلام، فقد كان عيسى عليه السلام يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وكان عليه السلام يحي الموتى بإذن الله.
والسامريُّ يعلم أن موسى عليه السلام رجل قوي وله هيبة، ولكنه لا يخشاه، بل يجادل ويصر على الجريمة لأنه يعلم أن موسى عليه السلام لا يستطيع أن يؤذيه. وهذا ما حدث، لم يستطع موسى عليه السلام أن يعاقبه! بل قال له: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:97].
(اذهب) هذه هي الكلمة نفسها التي قالها الله عز وجل لإبليس: {قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا} [الإسراء: 63]. هذا إبليس يُقال له (اذهب)، ويُنظر إلى يوم الوقت المعلوم، والسامريُّ يقول له موسى عليه السلام (اذهب).
عجباً!! اذهب بدون عقاب، بدون جزاء، هارون البريء يُجَرُّ من شعر لحيته ورأسه، والسامريُّ المجرم يقال له (اذهب)!! نعم، لأن الله عز وجل أخبر موسى عليه السلام أن هذا الرجل لن تسلط عليه، وأن هذا الرجل له موعد؛ موعده مع عيسى ابن مريم عليه السلام هو الذي سيقتله.
وإلى أن يأتي ذلك الميعاد المحتوم قال له موسى عليه السلام: اذهب: {قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ}، أي أنها ميزة ومنحة لك، لا يستطيع أحد أن يمسك بسوء أو بأذى، وقياساً على هذا قول الله عز وجل لآدم: }إِنَّ لَكَ ألاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى{ [طه:118]، ثم نجد موسى عليه السلام يقول: {وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّنْ تُخْلَفَهُ}.
وقد ساق المفسرون - رحمهم الله - أقوالاً لا تستقيم في تفسير هذه الآية حيث قالوا: إن موعدك يوم القيامة وحسابك عند الله! كيف ذلك ولو صح هذا القياس لقلنا للسارق والقاتل والمجرم: اذهب فإن موعدك يوم القيامة ولا عقاب في الدنيا، وهل يُعقل أن موسى عليه السلام يرمي الألواح المقدسة ويبطش بأخيه هارون البريء، ثم يقول للسامري المجرم اذهب، هكذا بهذه البساطة.
ثم إن الذين وقعوا في فتنة عبادة العجل من قوم موسى عليه السلام ، كانت توبتهم أن يقتلوا أنفسهم، فامتثلوا لأمر الله عز وجل فقتل بعضهم بعضاً، ثم تاب الله عليهم: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:54].
أما السامريُّ الذي (هو المسيح الدجال) فإن له موعداً سيلاقيه في الدنيا قبل يوم القيامة: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} [الأعراف:152].
سيكون عقابه وهلاكه هو ومن انتظم تحت لوائه، على يد نبي الله عيسى عليه السلام ، ورجال أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
روى الطبراني والبزار عن نهيك بن صريم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتقاتلن المشركين حتى يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن أنتم شرقيّه وهم غربيّه».
{وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} [طه:97]، لأنه لم يعد عجلاً من ذهب، ولو بقي كذلك عجلاً من ذهب لتحوَّل بعد حرقه إلى كتلة، وهنا لا يقال (لننسِفنَّهُ) بمعنى: لنذرينَّهُ في البحر، لأنه يتحول بعد الحرق إلى رماد عندما يكون عجلاً من لحمٍ ودم، وهنا يقال (لننسِفَنَّهُ)أي: لنذرينَّهُ. وقد قرأ ابن مسعود رضي الله عنه في مصحفه (لنذبَحَنَّهُ)، كما جاء في «فتح القدير» للشوكاني.
هذا الرجل (السامريُّ) هو المسيح الدجال الذي أُعطي قدرات عظيمة، فسخرها للشر والفساد في الأرض، حتى إذا آن أوان خروجه ليزعم أنه الله أظهر الله عز وجل في صورته علامات تدل على أنه الأعور الكذاب ليعرفه بها الذين (يعبدون الله الواحد الأحد الذي في السماء).
عن سليمان بن شهاد قال: نزلت على عبد الله بن معتم وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحدثني عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((الدجال ليس به خفاء إنه يجيء من قبل المشرق فيدعو لي فيتبع وينصب للناس فيقاتلهم ويظهر عليهم فلا يزال على ذلك حتى يقدم الكوفة فيظهر دين الله ويعمل به فيتبع ويُجب على ذلك ثم يقول بعد ذلك إني نبي فيفزع من ذلك كل ذي لب ويفارقه فيمكث بعد حتى يقول أنا الله فتغشى عينه وتقطع أذنه ويكتب بين عينيه كافر فلا يخفى على كل مسلم فيفارقه كل أحد من الخلق في قلبه حبة من خردل من إيمان ... )). الحديث بطوله رواه الطبراني.

الخميس، 15 أغسطس 2013

محمد سمير عطا-حقيقة بناء الاهرام من القراءن الكريم



بعد وقفة طويلة متأنية أمام صفحة هامة من صفحات تاريخنا، خرج الباحث محمد سمير عطا بكتابه المثير للجدل "الفراعنة لصوص حضارة" ليصدم الرأي العام بعنوانه أولا ، ويجبره على إعادة التفكير في مصدر رواياتنا التاريخية وخاصة أنه يسوق العديد من الأدلة العلمية والقرآنية التي تؤكد حجته ، وسواء كانت الأدلة مقنعة أم لا ، كان لزاما أن نتوقف أمامها كثيرا . 

معلوم أن مصر تزخر بمائة هرم مكتشف حتى الآن ، والهرم الأكبر وحده يحتوي على مليونين وثلاثمائة ألف قطعة حجرية ، متوسط حجم الحجر الواحد طنان ونصف. وقد تم تقطيع الأحجار من مناطق بعيدة تبعد مئات الكيلومترات ، وبأحجار الهرم الأكبر وحده يمكننا إقامة سور حول الكرة الأرضية بأكملها عند خط الاستواء بارتفاع ( 30 سم مربع ) !.

ويتناول الباب الأول من الكتاب الذي بين أيدينا "النظريات المتداولة حاليا عن الأهرام ونواقضها" ؛ فيعرض لرأي جمهور كبير من العلماء الذين يرون أن الفراعنة هم بناة الأهرام، ويستندون في ذلك على أن جميع النقوش باللغة الهيروغليفية المدونة على الآثار المصرية تروي أن تلك المباني تؤول ملكيتها إلى الفراعنة، وكذلك إدعاء الفراعنة أن تلك المباني مقابر لملوكهم.

ثم يسرد المؤلف نواقض تلك النظرية قائلا بأنه من حيث المنطق يستحيل أن يبني الفراعنة الأهرام مستخدمين في ذلك الأخشاب لتقطيع الحجارة الكبيرة، ونقلها مئات الكيلومترات. كما يوضح أن تاريخ قدماء المصريين دون بواسطتهم أنفسهم وبالتالي تنعدم فيه برأيه المصداقية الكافية بما في ذلك أنهم بناة الأهرام ، ويذكر الباحث أن الفراعنة اشتهر لدى ملوكهم بعد التنصيب عملية إزالة النقوش من جدران الأبنية المختلفة لتدوينه من جديد بشكل يجعل تلك الأبنية وكأنها شيدت في عهد الملك الجديد.

ويؤكد الكتاب أن الزعم بأن الفراعنة قد بنوا مقابر لملوكهم لاعتقادهم بالبعث للحياة مرة أخرى ، أمر رفضه العلماء ؛ حيث لم يعثر على أي مومياء نهائيا داخل أي هرم!! ثم يتساءل: إذا كانت هذه الأبنية الضخمة مقابر الفراعنة فأين قصورهم؟ ولماذا لا يتحدث عنها أحد؟ فهل يعقل أن الذين ادعوا الألوهية يشيدون قبورا غاية في الروعة مثل الأهرامات كما يزعمون الآن ويسكنون في بيوت حقيرة من الطين؟

كما يورد الكتاب العديد من الأراء التي تبحث في بناة الأهرام، منها الزعم بأن اليهود بناة الأهرام وأن تكليفهم ببنائها كان أحد انواع التسلط الفرعوني للاستعلاء عليهم، او أن الجن المسخر لسيدنا سليمان عليه السلام هم بناة الأهرام ، ورأي ثالث يزعم أن بناتها هم غزاة من الكواكب الأخرى ! حتى وصل الشطط ببعض الباحثين للزعم بأن الله هو من بنى الأهرام لتقام حولها طقوس العبادة !

قوم عاد

يؤكد الباحث في كتابه نظريته القائلة بأن الفراعنة ليسوا بناة الأهرام الحقيقيين، ويعتقد أن بناتها هم قوم عاد الذين شيدوا عمادا "لم يخلق مثلها في البلاد"، ويسوق لنا الكثير من الأدلة منها أن قوم عاد كانوا ضخام الحجم ؛ طول الواحد منهم يقترب من ارتفاع النخلة أي حوالي 15 مترا في السماء. وقد ورد في الحديث الشريف عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "خلق الله آدم على صورته، وطوله ستون ذراعا.. فلم يزل الخلق ينقص من بعد حتى الآن".

ومن الأدلة القرآنية على أن بناة الآثار المعروفة حاليا بالفرعونية هم قوم عاد، قوله تعالى : "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" سورة الشعراء ، والريع هو المكان المرتفع من الأرض، وجاء في أسباب نزول الآية أن سيدنا " هود " عليه السلام احتج على قومه بتركهم الإيمان بالله وانشغالهم ببناء أبنية ضخمة كالجبال على المرتفعات لمجرد التفاخر. وتنطبق هذه الأوصاف على الأهرام فهي بناء ضخم كالجبل مبني على مرتفع نطلق عليه هضبة الأهرام.

وثاني الأدلة القرآنية هي الآية الكريمة من سورة الفجر ، يقول تعالى " "ألم تر كيف فعل ربك بعاد* إرم ذات العماد* التي لم يخلق مثلها في البلاد" ، و"العماد" هي الأبنية المرتفعة ذات الرأس المدبب الحاد بدقة، ويربط المؤلف ذلك بالمسلات المصرية الشهيرة ، مشيرا إلى أنه سواء أكان المقصود من الآية، الأهرام أم المسلات، فكلاهما ذو رأس مدبب لا مثيل لبنائه في العالم أجمع.

ثم يستشهد الباحث بالآية القرآنية  "وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية* سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل ترى لهم من باقية" سورة الحاقة ، وتعني الآيات أنهم اندثروا بسبب ريح شديدة أهلكتهم ولذلك لم نعثر على جثثهم، ويدلل المؤلف بأن أبا الهول عند اكتشافه كان مغطى بالرمال، ولا يمكن لعوامل التعرية أن ترفع الرمال إلى هذا الارتفاع العالي دون بقية الأماكن، مما يؤكد أن رياحا عارمة هبت على تلك المنطقة، وهو نفس اسلوب عقاب قوم عاد.



آثار مدفونة في الرمال

يقول الباحث : تمثال أبو الهول غير مدون عليه أية كتابات تثبت إنتمائه لأي من الفراعنة، مما أذهل العلماء أن أكبر وأشهر تمثال في العالم غفل الفراعنة عن التدوين والنقش عليه، وهو ما يعزي أن أبا الهول كان مغطى بالرمال في عهد الفراعنة فلم يكتشفوه ، بينما أكد العديد من علماء الجيولوجيا بأن تحليل الترسبات على جسد أبي الهول تدل على وجود كمية مياه هائلة أذابت الكثير من على جسده، مما يدل أنه عاصر العصر المطير الذي انتهت حقبته منذ ما يناهز 11.000 عام، وهو ما يعني أنه بكل حال من الأحوال لا يمت للفراعنة بصلة ، بحسب مؤلف الكتاب.

وهنا يتساءل الكتاب : هل يعقل أن الفراعنة الذين نقشوا وزخرفوا كل المعابد ولم يتركوا حجرا إلا ونقشوا عليه ونسبوه إلى ملوكهم ، نسوا أن ينقشوا داخل الأهرام مفخرة المباني المصرية والعالم أجمع؟

يعتقد المؤلف أن لغز الأهرام المدفونة بالرمال وغير المكتملة البناء التي حيرت العلماء، جاءت بسبب اندثار البناة من قوم عاد بريح مفاجأة عاتية، موضحا أنه تم اكتشاف 65 هرما مدفون بالرمال غير مكتملين، ويتساءل : لماذا تم وقف العمل فيهم فجأة؟ رغم أن الحضارة الفرعونية لم تختف من الوجود فجأة!

أما رابع الأدلة القرآنية التي يسوقها المؤلف على أن عاد هم بناة الأهرام ، قول الله تعالى في سورة الأحقاف : "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم" ، وفي سورة العنكبوت يقول تعالى : "وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم"  ، مما يعني أن الله عز وجل أبقى من مساكنهم عبرة لمن بعدهم، ويقول مؤلف الكتاب : ما نعتقد نحن أنها معابد، إنما هي مبان لهم كانوا يسكنوها حيث نلاحظ دائما من ارتفاع الأعمدة أنه مساو لارتفاع قوم عاد، ونلاحظ ارتفاع النوافذ وحجم الحجارة المشيدة منها، إنها مساكنهم التي اتخذها الفراعنة من بعدهم معابد.

كما يوضح أن كل حضارة احتوت على بعض التماثيل والأبنية الضخمة ولكنها من القلة بحيث تعد على أصابع اليد، أما الأبنية المصرية فهي من الكثرة التي توحي أن أصحاب تلك الأبنية كانوا من العماليق، كما أن جميع الحضارات شيدت أبنيتها من حجر صغير يتناسب مع أحجام شعوبها مهما كانت ضخامة تلك الأبنية.

ولا يعترض مؤلف الكتاب على فكرة أن يكون الفراعنة قد سكنوا مساكن قوم عاد لقوله تعالى : "وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال" سورة إبراهيم ، ثم قاموا ببناء حوائط داخلية لتتناسب معهم، مع زخرفتها بنقوش ونسب فخر بنائها لهم، تماما كما فعل النصارى الأوائل حينما سكنوا معبد إدفو هربا من اضطهاد الروم لهم، ثم قاموا بشطب النقوش الفرعونية من جدران المعبد لأنها تمجد ديانة أخرى.


تساؤلات مثيرة

الباب الثالث يقدم الآيات القرآنية الدالة على أن الفراعنة لم يبنوا الأهرام، ومنها يذكر قوله تعالى "وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحا لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين" (القصص: 38 ) هذه الآية توضح حجم قدرة الفراعنة على بناء الأبنية العالية من الحجارة، ولذلك طلب فرعون من وزيره هامان البناء من الطين؛ لإدراكهما عدم المقدرة على البناء من الحجارة. بل لا يستطيع فرعون مثلا أن يتسلق الهرم الأكبر لأنه أملس بسبب المادة التي كانت تغلفه وقتئذ وقد فتتها العرب فيما بعد لاستخدامها في أبنيتهم؛ ولم يتبق منها إلا ما في قمم الهرم الأوسط.

ويوضح المؤلف أنه عندما كان يتهدم سور من الحجارة العملاقة كان الفراعنة يقومون بترميمه من الطين اللبن !! فلماذا لا يرممونه من نفس مكونات البناء وهي الحجارة العملاقة؟ معتبرا أن ذلك ببساطة لأنهم لا يستطيعون تحريك تلك الأحجار  ، كما يؤكد أن الفراعنة قاموا بعمل عشرات الإضافات داخل مساكن قوم عاد والتي استخدموها كمعابد وذلك باستخدام الطوب اللبن الصغير والذي شوه المنظر المعماري للأبنية الحجرية العملاقة.

ويتساءل الباحث كذلك لماذا تم بناء القلاع الفرعونية الخمسة بسيناء من الطين؟ ألم يكن من المفترض أن تشيد القلاع من أقوى ما يملكون لو كانوا هم من استخدم الحجارة؟!

خلط بين حضارتين

المؤلف يستدل مما سبق أن هناك لبس وخلط بين حضارتين متتابعتين على أرض واحدة بسبب قصور في المعلومات، فتاريخ الفراعنة كان مجهولا قبل مجيء الحملة الفرنسية، وبترجمة اللغة الهيروغليفية 1822 تسرع الجميع وألحقوا كل شىء سابق على الحقبة النصرانية إلى الحضارة الفرعونية.

يري العديد من الأثريين في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا من الذين يبحثون عن الحقيقة البحتة، أن هناك حضارة موغلة في القدم السحيق كانت متفوقة بصورة مجهولة السبب والكيفية، وأغلب الظن أنها حضارة قارة أطلنطيس المفقودة، وعندما غرقت فر من نجى منهم لمصر، وهم الذين شيدوا تلك المباني المدهشة، وبعد اندثارهم بأحقاب طويلة ورث الفراعنة تلك المباني، فسكنوها من خلفهم ونقشوا عليها ما يحلو لهم.

ويؤكد المؤلف في خاتمة بحثه أنه لم يسلب مصر مجدا، بل أضاف لها بعدا تاريخيا هاما ما كان يخطر ببال أحد، وهو أن أرض مصر - وكلمة مصر تعني في اللغة العربية المنطقة الرئيسية – قد احتضنت حضارة أخرى سابقة للفراعنة، وذلك يعني أن حضارة مصر تمتد لأكثر من سبعة آلاف سنة بكثير وهو ما نظنه الآن، فربما تمتد الحضارة المصرية إلى 10 آلاف عام أو أكثر، فقوم عاد هم خلفاء قوم نوح عليه السلام.

الأربعاء، 7 أغسطس 2013

عبد الملك الشملالي -نسب الرسول معلمة لتاريخنا

إن  البحث  العلمي  في  التاريخ  ليملي  علينا  أن  نميز  بين  الأخبار  الأكيدة  الواضحة  وبين  الأخبار  المختلف  في  شأن  صحتها ، فنبدأ  بالأخبار  الأكيدة ، ثم  نتبعها  بالغير  الأكيدة  لنصححها  على  ضوء  الأخبار  الأكيدة ، فما  لاءمها  كان  تبعا  طبيعيا  لها ، وما  خالفها  تركناه  جانبا  حتى  يظهر  أمرها
والخبر  الذي  أراه  لا  يختلف  عنه  إثنان  ويشيد  الجميع  بصحته ، هو  نسب  الرسول 
(ص)  حتى  نزار  من  معد  بن  عدنان ، 
    وطبيعي  أن  يكون  هذا  النسب  صحيحا ، لأنه  أولا  نسب  الرسول ، والناس  يبحثون  في  أخبار  رسولهم  المتبع  أكثر  مما  يبحثون  في  أخبار  أخرى . 
ولأنه  ثانيا  نسب  رئيس  ومؤسس  دويلة  أو  مشيخة  قريش ، وهو  قصي  بن  كلاب ، أب  الرسول  الخامس ،  والناس  يحفظون  أنساب  رؤسائهم  وملوكهم  أكثر  مما  يحفظون  أنساب  عامتهم ، وبين  الرسول  (ص)  وأبيه  الخامس  قصي  حوالي  150 سنة  فقط  .
                  وطبيعي  أن  يكون  هذا  النسب  نسبا  صحيحا ، ويكون  بمثابة  سلسلة  ذهبية  نفيسة  لنا  لا  مثيل  لها  في  تاريخ  العرب ، وطبيعي  أن  نجعل  منها  منارة  أو  معلمة  ينطلق  منها  بحثنا  ويرجع  إليها  كلما  خشي  على  نفسه  التيه  بين  تواريخ  الأحداث  .
                 
     هذه  السلسلة  الذهبية  تحمل  عشرين  أبا ، من  محمد  حتى  نزار  من  معد  بن  عدنان  . بمعنى ، هناك  عشرون  من  الأجيال  يتبع  كل  جيل  الجيل  الآخر  من  نزار  حتى  محمد .
                
        وإذا  افترضنا  للجيل  ثلاثين  سنة ، وهو  افتراض  يقربنا  إلى  الحقيقة  ولا  يعبر  عنها  كاملة ، فإننا  نستنتج  بأن  عمر  هذه  السلسلة  ستكون  حوالي  ستة  قرون  تزيد  عنها  شيئا  أو  تنقص  عنها  قليلا .
                 
        وتحديدنا  للجيل  بثلاثين  سنة  ليس  تحديدا  دقيقا ، فما  يتعلق  بالإنسان  لا  يمكن  أن  نقيسه  بمقياس  ثابت  مثلما  نقيس  الجماد ، وهنا  تكمن  صعوبة  الدراسات  الإجتماعية  على  الدراسات  الطبيعية . فالإنسان  شيء  يتحرك  ويتغير  عكس  الجماد  الذي  هو  ثابت  على  حاله .  فهناك  أب  يكبر  ابنه  بستين  سنة ، وهناك  أب  يكبر  ابنه  بسبعة  عشر  سنة ، وهناك  رجل  أكبر  من  عمه ، وهناك  أخ  أسن  من  أخيه  بأربعين  سنة ، فهل  نضع  الأخ  الأكبر  في  جيل  الآباء  والأخ  الأصغر  في  جيل  الأبناء ؟ أو  نضع  الإبن  الأكبر  في  جيل  الأبناء  والإبن  الأصغر  في  جيل  الأحفاد ؟ أو  نضع  الرجل  الذي  يكبر  عمه  في  جيل  الآباء  وعمه  الأصغر  منه  في  جيل  الأبناء ؟ . وهذه  بعض  الأمثلة  كما  ترى  تبين  مدى  عشوائية  هذا  المقياس  واضطرابه ، لكننا  لا  نملك  بديلا  عنه  .
               
       ولا  نملك  إلا  أن  نمسك  بهذا  المقياس  من  الوسط ، ونعتبر  تلك  التواريخ  التي  نأخذها  من  هذا  المقياس  تواريخا  افتراضية  تقربنا  فقط  من  الصحة  وتعطينا  شيئا  من  النظام  في  التواريخ ، ولابد  من  أن  نبحث  لها  عن  حجج  من  هنا  وهناك  تؤكد  لنا  هذه  الفرضية  أو  تنفيها . وفي  غياب  تلك  الحجج  لا  يسعنا  إلا  التمسك  بهذا  المقياس  المائع  لنحدد  على  الأقل  إطارا  زمنيا  مفترضا  لما  نتحدث  عنه ، وهذا  أفضل  بكثير  من  أن  نتيه  بين  التواريخ  والعصور  .
                 
         ومن  قبل  حدد  ابن خلدون  المؤرخ  المحقق ، الجيل  بخمسة وعشرين  سنة ، لكن  سواء  أكان  المقياس  25  أو  30  سنة ، فإنه  يبقى  مقياسا  افتراضيا  ليس  إلا  ، لأنه  مقياس  مطاط  يطول  ويقصر ، ونحن إن  حددنا  الجيل  بثلاثين  سنة ، فذلك  للتقريب  فقط .
              
       إذن  إذا  قسنا  سلسة  نسب  الرسول  بهذا  المقياس  فإنه  يجعلنا  نعطي  لنزار  تاريخا  قريبا  من  ميلاد  عيسى بن مريم ، وهو  السنة  الأولى  من  الميلاد ، ويمكننا  أن  نفترض  بأن  نزارا  كان  يعيش  في  نفس  العصر  الذي  عاش  فيه  المسيح ، ويمكننا  أن  نستنتج  بأن  النسب  المعروف  للرسول  ولقريش  وللعرب  لا  يتعدى  زمن  المسيح .
              
    وهذه  هي  السلسلة :          محمــــد   بــــن  عبــــد اللــــه   بـــن  عبــــد  المطــــلب   بــــن   هاشـــــم   بــــن   عبــــد  منــــاف   بــــن   قصــــي   بــــن   كــــلاب   بــــن   مـــــرة   بــــن    كعــــب    بــــن    لــــؤي    بــــن    غـــــالب    بـــــن    فهـــــر    بـــــن    مــــــالك    بـــــن     النـــــضر    بــــن    كنانـــــة    بـــــن    خزيمــــــة    بـــــن    مدركــــــــة    بـــــن   إليــــــاس    بــــن   مضــــــر     بــــــن     نـــــــــزار  .
                           عصــــــــــــــر   محمــــــــــــــــــــــــــــــــــــــد       :           560م
                           عصـــــــــــــر   عبــــــد  اللــــــــــــــــــــــــــه                     530م
                           عصــــــــــــر    عبــــــد  المطـــــــــــــــــــلب                     500م
                                 عصــــــــــــر    هــــــــــــاشــــــــــــــــــــــــم                     470م
                            عصــــــــــــر   عبـــــــــد  منـــــــــــــــــــا ف                    440م
                           عصــــــــــــر    قصـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي                    410م
                            عصــــــــــر   كــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاب                      380م
                            عصـــــــــــــر   مـــــــــــــــــــــــــــــــــــــرة                      350م
                           عصـــــــــــــر    كــــــــــــــــــــــــــــــــــــعب                      320م
                            عصـــــــــــــر   لــــــــــــــــــــــــــــــــــــــؤي                     290م
                            عصــــــــــــــر   غـــــــــــــــــــــــــــــــــــالب                      260م
                           عصـــــــــــــر    فهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر                    230م
                           عصـــــــــــــر    مـــــــــــــــــــــــــــــــــــالك                       200م
                            عصــــــــــــر   النضــــــــــــــــــــــــــــــــر                       170م
                            عصــــــــــــر   كنــــــــــــــــــانــــــــــــــــة                       140م
                           عصــــــــــر    خزيمـــــــــــــــــــــــــــــــة                        110م
                            عصـــــــــــر   مدركــــــــــــــــــــــــــــــــة                       80م
                            عصـــــــــــــر   إليــــــــــــــــــــــــــــــــــاس                       50م
                           عصــــــــــــــر    مضــــــــــــــــــــــــــــــــــر                       20م
                           عصـــــــــــــر    نــــــــــــــــــــــــــــــــــــزار                      1م
                        
       فمن  نزار  بدأ  العرب  الجاهليون  يتذكرون  تواريخهم  وأنسابهم ، ومن  نزار  نملك  شيئا  من  المادة  التاريخية  التي  تروي  لنا  بعضا  من  حلقات  قصة  العرب  الجاهليين ، أما  ما  قبل  نزار  فلا  نجد  كما  سنرى  في  موضوع  مستقل  إلا  نتفا  من  الأخبار  المهزوزة  لا  تغني  شيئا  ولا  توضح  شيئا ، إذ  هناك  صمت  مخيف  في  تاريخ  العرب  من  نزار  إلى  ابراهيم  عليه  السلام . إذن  فالتاريخ  الجاهلي  الذي  نطمع  في  تسجيل  بعض  أحداثه  القليلة  هو  تاريخ  عمره  يقرب  أو  يزيد  عن  ستة  قرون ، يبدأ  من  نزار  وينتهي  إلى  الرسول  عليه  الصلاة  والسلام ، وهو  عصر  النصرانية  التي  ابتدأت  بعيسى  عليه  السلام  إلى  أخيه  محمد  (ص)  .
                   
        هذه  الأسماء  العشرين  تمثل  عشرين  جيلا ، وسنبدأ  بكل  إسم  على  حدة  سيكون  عنوانا  لموضوع  ، أو  سيكون  عنوانا  لعصر ، فنقول  مثلا  عصر معد ، ونقول  عصر نزار ، ونقول  عصر  مضر  أو  عصر  قصي ، إلخ . وسنجمع  إخوة  الجد  الذي  هو  محل  الدراسة  ونحقق  في  إمكانية  وجودهم  من  عدم  إمكانيته ، ثم  نجمع  أصهاره  وأولاده  ومحاربيه  ومحالفيه  وكل  من  كانت  له  علاقة  به ، وبهذه  الطريقة  نتعدى  إلى  العائلات  الأخرى  ونحدد  تواريخها  ثم  نسرد  أحداثها  بشيء  من  اليقين  والترتيب ، ولا  نترك  خبرا  وصلنا  إلا  درسناه  بدقة  ووضعناه  في  مكانه  المناسب  من  التاريخ  الذي  نحن  بصدد  إعادة  كتابته  .

عبد الملك الشملالي-حكم من يخوض في نسب عدنان

 كان  العرب  في  جاهليتهم  وفي  صدر  الإسلام  يهتمون  بأنسابهم  ويحفظونها  عن  ظهر  قلب ، كانوا  يفتخرون  بهذه  الأنساب ، ويصونونها  من  النسيان ، ويذكرونها  في  أشعارهم .
   وتمكنوا  بفضل  هذه  الطريقة   أن  يحفظوا  لنا  شيئا  من  نسبهم  وتاريخهم ، نستطيع  أن  نستخرج  منها  حقائق  تاريخية  تفوق  الدر  في  نفاستها ، ذلك  لأن  كل  شيء  في  تاريخ  العرب  غال  ونفيس ، وأخباره  نادرة  كندرة  حبات  الماس ، ونحتاج  إلى  صبر  الباحثين  عن  الماس  لنتمكن  من  إيجاد  بعض  نتف  من  تاريخهم
     .
         وبرغم  اهتمامهم  الكبير  بأنسابهم  فإنهم  لم  يحفظوا  لنا  كل  نسبهم  وتاريخهم ، فما  يتذكرون  من  نسبهم  سوى  عشرين  أبا ، من  رسول  الله  (ص)  إلى  نزار ، وحتى  هذا  العدد  القليل  من  الآباء ليس  معروفا  عند  جميع  القبائل ، فإن  كان  الرسول  يحصي  عشرين  أبا  حتى  نزار ، فلأن  قبيلته  تعد  من  أغنى  وأشهر  قبائل  الجزيرة ،  بينما  رجال  ينتمون  إلى  بعض  القبائل  الأخرى  قد  لا  يحصون  إلا  القليل  منها  أحيانا  لا  تزيد  على  العشرة ، فهو  يحصي  بعض آبائه  المتأخرين  ثم  يلصقهم  مباشرة  بنزار ، إذ  لا  يعلم  شيئا  بين  آبائه  المتأخرين  وبين  نزار ، وكل  ما  يعلمه  هو  أن  أباه  المعروف  عنده  هو  ابن  القبيلة  الفلانية  المنتمية  إلى  شعب  عدنان ، ويحدث  هذا  خاصة  لتلك  الجماعات  التي  هجرت  قبائلها  ودخلت  في  قبائل  أخرى ، وهي  كثيرة  جدا.
                  
        أما  ما  وراء  نزار الذي  يعتبرونه  خطأ  ابنا  لمعد  بن  عدنان  إلى  اسماعيل  ابن  ابراهيم  عليهما  السلام ، فهي  فترة  طويلة  وبعيدة  جدا  لا  يعلمون  شيئا  من  نسبها  ولا  من  تاريخها ، فكأن  التاريخ  يبدأ  في  شمال  شبه  جزيرة  العرب  من  نزار ، وكأن  لا  شيء  كان  هناك  قبل  نزار ، وكأن  الأب  الثاني  للعرب  المستعربة  بعد  اسماعيل  هو  معد بن عدنان  الذي  جعلوه  أبا  لنزار، وكاد  أن  يكون  معد بن عدنان  لعرب  الشمال  كما  كان  نوح  عليه  السلام  عند  بني  اسرائيل ، الأب  الثاني  للإنسانية ، وسموا  أنفسهم  بالعدنانيين .
              
        والأمر  المثير  للإستغراب ، أن  تتوقف  أخبار  العرب  فجأة  عند  عصر  نزار ، ولا  ندري  بعد  ما  السبب ، ولابد  أن  حدثا  كبيرا  جدا حدث  قبل  هذا  العصر لا  نعلمه ، هو  الذي  سبب  في  هذا  الصمت  العميق ،  ويحتمل  أن  تكون  البلاد  قد  أقفرت  ولم  تبدأ في  العمران  إلا  من  عصر  نزار ، ونستشف  ذلك  مما  نسمعه  عن  العرب  العاربة  أو  البائدة  من  "طسم"  و"جديس"  وغيرها  التي  أبادتها  صروف  الزمن  ولم  تعد  لها  باقية ،  أو  على  الأقل  تكون  البلاد  قد  تعرضت  لحالة  من  الجهل  والفقر  والإضطراب  شديدة  لم  تخرج  منها  حتى  حان  عصر  نزار ، ولابد  أن  يكون  وراء  هذا  الإحتمال  أوذاك  أو  غيره  أسبابه  الوجيهة  التي  فرضته ، لكن  معرفة  ذلك  لا  مطمع  فيه  الآن  إلا  أن  تظهر  أثارة  من  علم  ما  زالت  مطمورة  في  مكان  ما  من  الأرض .
                    
    وبين  نزار  ومعد  غموض  شديد  واضطراب  في  الأخبار  لا  تناسق  فيها  ولا  تخضع  لمنطق الأحداث ، وتتعب  في  جمع  تلك  الأخبار  وتنظيمها  فلا  تجد  سوى  أشياء  غير  معقولة  يجعلها  الراوي  قهرا  معقولة ، وتستنتج  أن  معدا  هو  ابن  ظروف  معينة ، ونزارا  ابن  ظروف  أخرى  مغايرة ، وحاول  الراوي  الذي  جعل  معدا  أبا  لنزار  أن  يتكلف  فيوفق  بين  تلك  الظروف  بأخبار  لا  يمكن  لها  الحدوث ، ويظهر  أمر  تلفيقها  جليا .
                 
         ونفس  الشيء  جعله  الراوي  لجرهم  التي  جعلها  تلد  أبناء  إسماعيل  بن  إبراهيم  عليهما  السلام ، ثم  جعلها  في  الوقت  نفسه  تلد  أبناء  نزار ، مع  العلم  أن  القرون  التي  بين  نزار  وإسماعيل  تزيد  عن  عشرين  قرنا . لقد  اختلط  الأمر  على  الراوي  إذ  لم  يهتم  بتواريخ  الأشخاص  الذين  يؤرخ  لهم ، فأصبح  يتخبط  خبط  عشواء  في  أخباره ، وأصبح  لا  يدري  كم  يبعد  عصر  إسماعيل  عن  عصر  نزار ، فيحكي  حكاية  واحدة  تارة  على  جرهم  نزار  وتارة  أخرى  على  جرهم  إسماعيل ، وخلط  القرون  بذلك  بعضها  ببعض ،  وسنرى  أن  جرهم  هي  قبيلة  حديثة  جدا  كانت  في  عصر  نزار  في  القرن  الأول  للميلاد ، ولم  تكن  موجودة  في  عصر  إسماعيل  السحيق .
                    
     وحاول  العرب  أن  يقتحموا  تلك  المرحلة  المجهولة ،  مرحلة  ما  قبل  نزار ، وتهافتوا  في  أمرها ، وكثر  قيلهم  وقالهم  فيها ، وسردوا  آباء  للعرب  حتى  إبراهيم  واختلفوا  في  أعدادها  وأسمائها ،  وكثرت  الأخبار  الكاذبة  حولها ، ولم  يعودوا  يروون  حولها  سوى  الأكاذيب ، حتى  تبرم  من  ذلك  بعض  الأفاضل  من  الصحابة ، من  أمثال  عبد الله  بن  مسعود ، وعبد الله  بن  عباس ، فحاولوا  أن  يجعلوا  نهاية  لهذه  الظاهرة  ولو  بتأويل  آيات  وتلفيق  أحاديث  .

     
        وقد  ساق  ابن سعد  في  طبقاته  بعض  اعترافات  النسابة  القدماء  يعترفون  فيها  بجهلهم  لنسبهم  القديم ، نذكر  بعضها :                                                                                                                           
                قال  عـــــــروة :" مـــا  وجدنـــا  أحـــدا  يعـــرف  مـــا  وراء  معـــد  بـــن  عدنـــان "  ( الطبقات :1 /48)
                 وقال  أبوبكر  بن  سليمان  بن  أبي حثمة  : " مـــا  وجدنـــا  فـــي  علـــم  عالـــم  ولا  شعـــر  شاعـــر  أحـــدا  يعـــرف  مـــا  وراء  معـــد  بـــن  عدنـــان  بثبـــت " . ( الطبقات :1 / 48 ) .
             
        ونفس  الإعتراف  جاء  في  كتاب  "أنساب  الأشراف"  للبلاذري ،: أن  الشعبي  قال :" إنمـــا  حفظـــت  العـــرب  مـــن  أنسابـــها  إلـــى  أدد " . وأدد  هو  أبو  عدنان .
              
     واقتنع  البعض  باستحالة  معرفة  آباء  عدنان ، وساءهم  أن  يروا  بعض  الناس  يعدون  لعدنان  بعض  الآباء ، وزادهم  سوء  أن  يجدوهم  مختلفين  كثيرا  فيما  بينهم ، مختلفين  في  عدد  الآباء  وفي  أسمائهم ، فلم  يصبروا  على  هذه  الحالة ، واعتبروها  من  الهراء ، ومن  الخوض  في  أشياء  بغير  علم ،  فأخذهم  الغضب  أن  يروا  الناس  يخوضون  في  شيء  مجهول ، واعتبروا  من  يخوض  في  ذلك  كذابا  أو  خراصا  أو  راجما  بالغيب ،  وحاولوا  ردعهم  وصرفهم  عن  ذلك  وجعل  حد  لهذا  الهراء ،  فاتهموهم  بالكذب  صراحة ، ولما  لم  يكن  من  حقهم  أن  يتهموهم  بالكذب  بدون  حجة  مقبولة ، صنعوا  لذلك  حديثا  على  لسان  عبدالله  بن  عباس   زعموا  أنه  رواه  عن  رسول  الله  (ص) ، ليكون  اتهامهم  بالكذب  لكل  من  يذكر  نسب  عدنان  اتهاما  مقدسا  ينص  عليه  الدين ،  وليجعلوا  من  تاريخ  ما  بعد  عدنان  قضية  تحرم  الشريعة  الخوض  فيها ، وليس  هناك  ردع  أقوى  من  ردع  الشريعة  .
                
      وهذا  هو  النوع  من  التحربف  الذي  أصاب  ديننا  في  مهده ، إذ  القوم  كانوا  شديدي  التعصب  لآرائهم ، مستميتين  في فرضها  وإيجاد  الحجج  المفحمة  لها ، ويحمل  ذلك  التعصب  الأعمى  طائفة  منهم  إلى  إقحام  الرسول (ص)  في  الأمر ، ويجعلونه  يسب  مخالفيهم  معهم ، فيوهمون  الناس  أنهم  متمسكون  برأي  الرسول ، والحقيقة  أنهم  جعلوا  الرسول  متمسكا  برأيهم ، وهكذا  فهم  يشهرون  سلاح  الكذب  على  رسول  الله  (ص)  في  وجوه  مخالفيهم  فيرهبونهم  به  ويرغمونهم  على  الصمت ، متجاهلين  أن  من  تجرأ  على  رسول  الله  (ص)  وافترى  عليه  كذبا ، فليتبوأ  مقعده  من  النار ، مقنعين  أنفسهم  بأنهم  لا يكذبون  على  رسول  الله ، بل  يكذبون  له  ولصالح  دينه  ومناصرته ، وهكذا  وجدوا  تبريرا  مقبولا  لديهم  يصغر  جريمة  الكذب  على  رسول  الله  (ص)  في  أعينهم  ويأتونها  وضمائرهم  مرتاحة ،فقالوا:
    
               1ـ   أخبرنا  هشام  بن  محمد  بن  السائب ، أخبرني  أبي ، عن  أبي صالح ، عن  ابن عباس ،  أن  النبـــي  عليـــه  الصـــلاة  والســـلام ، كـــان  إذا  انتســـب  لـــم  يتجـــاوز  فـــي  نسبــــه  معـــد  بـــن  عدنـــان  ثـــــم   يمســـك  ويقـــول :  كـــذب  النســـابون ، قـــال  اللـــه  عـــز  وجـــل : " وقـــرونا  بيـــن  ذلـــك  كثيـــرا " ( الفرقـــان 38 ) . قـــال  ابـــن عبـــاس : لـــو  شـــاء  رســـول  اللـــه (ص)  أن  يعلمـــه  لعلمـــه . ( الطبقات :1 /47 ) .  وهذا  حديث  موضوع  على  لسان  رسول  الله (ص)  القصد  منه  كما  قلنا  إنزال  الآخرين  على  رأيهم ، وجعل  حد  للخلاف .
            
        وقد  تناول  السهيلي  ( 508 ـ 581 )  في  تفسيره  لسيرة  ابن هشام  هذا  الحديث  بالتحقيق ، فاستنتج  أنه  كلام  ابن عباس  وليس  كلام  الرسول  (ص) . فقد  جاء  في  تاريخ  ابن خلدون  ما  يلي : "  وأما  حديث  ابن عباس  أنه  (ص)  لما  بلغ  نسبه  إلى  عدنان  قال : من  هنا  كذب  النسابون ، فقد  أنكر  السهيلي  روايته  من  طريق  ابن عباس  مرفوعا ، وقال : الأصح  أنه  موقوف  على  ابن عباس "  ( تاريخ  ابن  خلدون : 3 / 6 ) .
              2ـ   عـــن  عبـــد اللـــه  بـــن  مسعـــود ، أنـــه  كـــان  يقـــرأ :" وعـــادا  وثمـــودا  والذيــــن  مـــن  بعدهـــم  لا يعلمهـــم  إلا   اللـــه " ( الفرقـــان : 38 )  ، كـــذب  النسابـــون . ( الطبقات :1 / 47 )
                     وذكر  ابن  عبد  البر  بعض  الذين  يحرمون  الخوض  في  نسب  معد  بن  عدنان  : كابن  مسعود  ( 32ـ / 33ه ) ، وابن عباس ( 3ـ / 68 )........، وعمـــرو  بـــن  ميمـــون  الأودي  ( توفى  75 ) ،ومحمـــد  بـــن كعـــب  القرظـــي ، إذا  تلـــوا :" والذيـــن  مـــن  بعدهـــم  لا  يعلمهـــم  إلا  اللـــه " قـــالوا : كـــذب  النســـابون . ( البداية  والنهاية  2 / 181 ) .

               
      وهكذا  اتخذ  عبد الله  بن  مسعود ، وعبد الله  بن  عباس ، وغيرهما  من  الصحابة ، ومن  تبعهم ،  آية  قرآنية  أو  آيتين  سلاحا  أشهروه  في  وجه  النسابين ، فنعتوهم  بالكذب  كلما  خاضوا  في  نسب  عدنان ، وهذه  جرأة  في  التأويل  لا  تليق  بابن مسعود  ولا  بابن عباس .
                  
      فالقرآن  لم  يقل  وابراهيم  واسماعيل  والذين  من  بعدهما  لا  يعلمهم  إلا  الله ، بل  قال : " وعادا  وثمودا  والذين  من  بعدهم  لا يعلمهم  إلا  الله " ، فعاد إرم  أو  الآراميون  هم  الذين  ورثوا  قوم  نوح  الهالك ، وثمود  ورثوا  قوم  عاد ، ثم  سكت  القرآن  ولم  يخبرنا  عمن  ورث  قوم  ثمود  ثم  عمن  ورث  ورثة  ثمود  حتى  ابراهيم  عليه  السلام ، هذه  الفترة  التي  أتت  بين  ثمود  وبين  إبراهيم ، ولا  ندري  كم  طولها ، هي  فترة  مجهولة  أو  حلقة  مفقودة  من  سلسلة  تاريخ  الشرق  الأوسط .
                   
       وقد  حاول  اليهود  أن  يملأوا  فراغها  بأخبار  يظهر  تناقضها  لكل  من نظر، ويبدو  أن  القرآن  يزرع  اليأس  في  اليهود  وفي  من  ينحو  منحاهم  في  محاولة  كشف  أخبار  تلك  القرون ، ويبدو  أن  الله عز وجل  أخفى  على  الناس  أحداث  تلك  الفترة ، وهذه  حقيقة  مهمة  للمتدبرين  يفهمون  بها  لم  اضطربت  الأخبار  قبل  ابراهيم  عليه  السلام ، ولم  لم  تغن  آثار  الحضارات  المنبوشة  من  الأرض  شيئا  في  توضيح  تلك  الفترة ، فالناس  لا  يفهمون  شيئا  عن  الأقوام  الذين  أتوا  قبل  السومريين ، وحين  نقرأ  السومريين  الذين  كانوا  معاصرين  لإبراهيم  (ع)  أو  أتوا  قبله  بقليل ، فإننا  لا  نستطيع  أن  نتوغل  في  تاريخهم  كثيرا ، أي  لا  نستطيع  أن  نتوغل  في  الفترة  التي  أتت  مباشرة  قبل  إبراهيم  (ع) ، وكل  ما  قبل  هذه  الفترة  مضطرب  وغير  واضح .
               
       لكن  الله  لم  يخفي  أحداث  ما  بعد  ثمود  إلى  يوم  القيامة ، كلا  بل  لما  ظهر  ابراهيم  أخذ  الله  يتحدث  لأنبيائه  عنه  وعن  من  أتى  بعده ، والجميع  يعلم  ابراهيم  وأبناءه  والأسباط  وعشرات  من  الأنبياء  كلهم  أتوا  بعده ، وقوم  لوط  وقوم  شعيب  والفراعنة  وغيرها  من  الأقوام  التي  أتت  بعد  إبراهيم  (ع) . إن  القرون  المجهولة  التي  يعنيها  القرآن  هي  القرون  التي  أتت  بعد  عاد  وثمود  وانتهت  بعهد  ابراهيم  الذي  ختم  الملل  وآتانا  بالملة  الحنيفية  التي  نحن  عليها  الآن ، والذي  تحدث  القرآن  عنه  كثيرا .
               
       وقد  عارض  ابن  عبد البر (368 ـ 463 ) من  قبل  تأويل  ابن مسعود  وقال : والمعنى  عندنا  غير  ما  ذهبوا ، والمراد  أن  من  ادعى  إحصاء  بني  آدم  فإنهم  لا يعلمهم  إلا  الله  الذي  خلقهم ، وأما  أنساب  العرب  فإن  أهل  العلم  بأيامها  وأنسابها  قد  وعوا  وحفظوا  جماهيرها  وأمهات  قبائلها ، واختلفوا  في  بعض  فروع  ذلك . ( البداية  والنهاية  2 / 180 ) .

        فأبو عمر بن  عبد البر  رآها  أنها  تعني  عدد  الناس  وليس  عدد  القبائل ، وهو  بذلك  جانب  الصواب  أكثر  مما  جانبه  ابن عباس  وابن مسعود ، فهي  تعني  بصراحة  واضحة  جدا  الأقوام  كأقوام  عاد  وثمود ، غير  أنها  لا تعني  جميع  الأقوام  الذين  أتوا  بعد  عاد  وثمود  إلى  يوم  القيامة ، بل  إلى  عهد  ابراهيم  حين  بدأ  القرآن  يتحدث  من  جديد ، وحين  بدأت  الكتب  السماوية  السابقة  تتحدث  بتفصيل .
              
         وتهيب  جل  المؤرخين  الذين  أتوا  فيما  بعد  من  أن  يخوضوا  في  هذا  النسب  البعيد ، وكان  من  بينهم  ابن سعد  صاحب  الطبقات ، إذ  صرح  في  كتابه  قائلا :                                                                                                                
                 " ولـــم  أر  بينهـــم  اختـــلافا  أن  معـــدا  مـــن  ولـــد  قيـــذر  بـــن  اسماعيـــل ، وهـــذا  الإختـــلاف  فـــي  نسبتـــه  يـــدل  عـــلى  أنـــه  لـــم  يحفـــظ ، وإنمـــا  أخـــذ  ذلـــك  مـــن  أهــــل  الكتـــاب  وترجمــوه  لهـــم  فاختلفـــوا  فيـــه ، ولـــو  صـــح  ذلـــك  لكـــان  رســـول  اللـــه ( ص ) أعلـــم  النـــاس  بـــه ، فـــالأمر  عندنـــا  علـــى  الإنتهـــاء  إلـــى  معـــد  بـــن  عدنـــان ، ثـــم  الإمســـاك  عمـــا  وراء  ذلـــك  إلـــى  اسماعيـــل  بـــن  ابراهيـــم . ( الطبقات :1 / 49 ) .
              
      قال  السهيلي  : " أما  مالك  رحمه  الله ، فقد  سئل  عن  الرجل  يرفع  نسبه  إلى  آدم ، فكره  ذلك  وقال  له : من  أين  له  علم  ذلك ؟ ، فقيل  له : فإلى  إسماعيل ؟ ، فأنكر  ذلك  أيضا  وقال : ومن  يخبره  به ؟ ، وكره  أيضا  أن  يرفع  نسب  الأنبياء ، مثل  أن  يقال  ابراهيم  بن  فلان  بن  فلان ، هكذا  ذكره  المعيطي  في  كتابه "  . ( البداية  والنهاية 2 /180 ) . فتلاحظ  هنا  أن  مالك  رحمه  الله  لم  يضطر  إلي  تأويل  آية  كما  فعل  ابن نسعود ، ولا  وضع  حديث  على  لسان  الرسول  كما  فعل  ابن عباس ، بل  اكتفى  بالمنطق  السليم  المقنع  ليصد  به  الخوض  في  ما  لا  يمكن  أن  يعلموه ، وهذا  هو  السلوك  الصائب  الي  يجب  على  الناس  أن  يقتدوا  به .

          قال  ابن دريد ( 223 ـ 321 ) : وانتسب  النبي  (ص)  إلى  عدنان  وقال : "كذب  النسابون" . فما  بعد  عدنان  فهي  أسماء  سريانية  لا  يوضحها  الإشتقاق  . ( الإشتقاق : 3 ) ، فابن دريد  له  منهاج  فريد  في  دراسة  التاريخ ، يعتمد  فيه  على  أسماء  الرجال  الذين  دخلوا  التاريخ  وعلى  تفسيرها  وفهم  معانيها ، وهو  منهاج  عظيم  الفائدة  مساعد  على  الوصول  إلى  الحقيقة ، لا  يمكننا  الإستغناء  عنه ، ولما  تصدى  لأسماء  آباء  عدنان  وجدها  أسماء  ليست  عربية ، بل  هي  سريانية  غريبة  عن  جزيرة  العرب ، فبدلا  من  أن  يستأنف  بحثه  لعله  يكتشف  حقيقة  جديدة ، إذ  ربما  سيقذف  به  البحث  إلى  أن  يجد  آباء  قريش  سريانيين ،  فزع  من  الأمر  واتهم  تلك  الأسماء  بأنها  كاذبة  وأن  ذلك  خارج  عن  نطاق  تخصصه ، فقفل  سجل  البحث  دون  أن  يستغل  تلك  الفرصة  التي  لاحت  له  ، فحرمنا  بذلك  من  علم  تعطشت  له  القلوب  كثيرا .
                         
       ومقابل  هذا  الإتجاه  الشاجب  لمن  يخوض  في  نسب  عدنان ، كان  هناك  اتجاه  مناقض  لا يرى  أي  بأس  في  الكلام  عن  نسب  عدنان ، وهو  اتجاه  تتزعمه  أم  سلمة   ( 28 ق.ه ـ51ه ) ، زوج  الرسول  (ص) ، وذلك  بروايتها  لحديث  عن  رسول  الله  (ص)  أنه  قال :" معد  بن  عدنان  بن  أدد  بن  يرى  بن  أعراق  الثرى " ، فكان  هذا  الحديث ، رغم  ما  فيه  من  المجاز  وتجاهل  لعدد  كبير  من  الآباء ، فقد  كان  حجة  ضد  حديث  ابن عباس  بأن  الرسول  (ص)  إذا  ذكر  نسبه  ووصل  إلى  عدنان  أحجم ، فهو  عند  أم سلمة  لم  يحجم ، بل  أضاف  أربعة  آباء  آخرين ، ففتحت  أم سلمة  بذلك  بابا  لمن  يريد  أن  يخوض  في  نسب  معد  بن  عدنان .                                 
              
       وقد  أضافت  كريمة  بنت  المقداد  صوتها  إلى  صوت  أم سلمة  ففندت  هي  كذلك  ما  ادعاه  غيرها  من  أن  رسول  الله  ( ص )  كان  لا  يتعدى  معدا  في  عرضه  للنسب ، وذلك  بروايتها  لنفس  الحديث  الذي  روته  أم  سلمة :
             
        أخبرنـــا  هشـــام  بـــن  محمـــد ، قـــال : وحدثنـــي  محمـــد  بـــن  عبـــد الرحمـــن  العجـــلاني ، عـــن  مـــوسى  بـــن  يعقـــوب  الزمعـــي ، عـــن  عمتـــه ، عـــن  أمهـــا  كريمـــة  بـــنت  المقـــداد  بـــن  الأســـود  البهـــراني ، قالـــت : قـــال  رســول  اللـــه ( ص ) :" معـــد  بـــن  عـــدنان  بـــن  أدد  بـــن  يـــرى  بـــن  أعـــراق  الثـــرى " ( انظر  الحديث  في  المستدرك ، والمعجم  الصغير ، ودلائل  النبوة ، والبداية  والنهاية ، وكنز  العمال ) .
              
      وقـــال  الزبيـــر  بـــن  بكـــار : حدثنـــي  يحيـــى  بـــن  المـــقداد الزمعـــي  عـــن  عمـــه  مـــوسى  بـــن  يعقــوب  بـــن  عبـــد اللـــه  بـــن  وهـــب  بـــن  زمعـــة ، عـــن  عمتـــه  أم سلمـــة  زوج  النبـــي  ( ص )  قالـــت : سمعـــت  رســـول  اللـــه  (ص)  يقـــول :" معـــد  بـــن  عدنـــان  بـــن  أدد  بـــن  زنـــد  بـــن  يـــرى  بـــن  أعــــراق  الثـــرى " ، قـــالت  أم سلمـــة : فزنـــد  هـــو  الهميســــع ، ويـــرى  هـــو  نبـــت ، وأعـــراق  الثــــرى  هـــو  اسمـــاعيل  بـــن  ابراهيـــم . ( الطبري:

                وهكذا  اختلف  صحابي  عالم ، هو  عبد الله بن  عباس  (3ـ / 68 ) ، وأم  المؤمنين ، هي  أم سلمة  ( 28 ق.ه ـ 51 ) ، حول  حكم  من  يخوض  في  أنساب  العرب  بعد  عدنان ، الصحابي  حديثه  ينكر الخوض  فيه ، وأم  المسلمين  حديثها  يقر ذلك  ، وهكذا  انقسم  الناس  قسمين .
             
       ويبدو  أن  هذا  التعارض  بين  الحديثين  شجع  البعض  على  الخوض   في  نسب  ما  وراء  معد  بن  عدنان ، منهم  أبو عبد الله  المصعب  الزبيري  ( 156 ـ 236 ) ،في  كتابه  نسب  قريش ، فقد  نقل  عن ابن شهاب : معد  بن  عدنان  بن  أدد  بـــن  الهميســـع  بـــن  أشجـــب  بـــن  نابـــت  بـــن  قيـــدار  بـــن  اسمـــاعيل  بـــن  ابراهيـــم  خليـــل  اللـــه  ( ص ).

           ومنهم  كذلك  ابن  هشام  ( توفى . 213 ه ) ، فقد  سرد  نسب  رسول  الله  ( ص )  منه  حتى  آدم ، مرورا  بعدنان  ثم  ابراهيم  ثم  نوح  عليهم  جميعا  السلام ، دون  أن  يتحفظ  عما  يقول  ودون  أن  يلتفت  إلى  أن  هناك  نهي  من  رسول  الله  ( ص )  عن  ذلك ،    وبعد  أن  سرد  سلسلة  النسب  من  محمد ( ص )  إلى  آدم ، قال : " وإنا  إن  شـــاء  اللـــه  مبتـــدئ  هـــذا  الكتـــاب  بذكـــر  اسماعيـــل  بـــن  ابراهيـــم ، ومـــن  ولـــد  مـــن  ولـــده  واولادهـــم  لأصلابهـــم  الأول  فـــالأول  مــــن اسماعيـــل  إلـــى  رســـول  اللـــه  ( ص ) " ، ذكر  هذا  دون  خوف  ولا تردد  من  أن  يتجرأ  على  نهي  رسول  الله  (ص) .
               
       وذكر  السهيلي  بعض  الذين  يرون  رأيه  في  إباحة  الخوض  في  نسب  معد  فقال : إنما  تكلمنا  في  رفع  هذه  الأنساب  على  مذهب  من  يرى  ذلك  ولم  يكرهه ، كابن اسحاق ، والبخاري ، والزبير بن بكار ، والطبري  وغيرهم . ( البداية  والنهاية 2 / 180 )  . مما  نفهم  منه  أنه  كان  يرى  هناك  مذهبين  مفروضين  ومتناقضين  في  ميدان  التاريخ ، مذهب  يحرم  الخوض  في  تاريخ  ما  قبل  عدنان ، ومذهب  يدعو  إلى  الخوض  فيه  .
              
       ونحن  ضد  المذهب  الذي  يمنعنا  من  الإهتمام  بعصر  عدنان ، لأن  حججه  أولا  واهية  متعسفة ، ولأنه  يحرمنا  من  فرصة  إيجاد  شيء  ما  قد  يلقي  بعض  الضوء  على  ذلك  العصر  المظلم ، ويحرمنا  من  الأمل  في  إمكانية  ربطه  بالعصر  الذي  قبله  والعصر  الذي  بعده ، فنحقق  بعض  الإستمرارية  والإنسجام  لأحداث  تاريخنا  الهزيل . خاصة  وقد  لاحت  لي  بعض  الملامح  في  كتب  التاريخ  قد  نستخرج  منها  حقائق  تفوق  الدر  في  نفاستها ، قد  تتمكن  من  أن  تنفي  غموضا  وحيرة  قاتلتين  نعاني  منهما  تجاه  هذا  العصر  .