الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

حاتم محمد-اللغة المصرية بين "المسيحية" والإسلام

 

يدندن الكثير من "المسيحيين" بأن هناك لغة مختلفة كان المصريون يتحدثون بها قبل الفتح الإسلامي لمصر، وقالوا: إنها اللغة القبطية، وإنها كانت سائدة في مصر القديمة.

ويقولون أيضًا: "إن هذه اللغة ما زالت تُستخدم حتى الآن في بعض الكنائس "المسيحية" .

   وادَّعوا أن شعب مصر إنما تحول بأكمله في جميع المدن والقرى للتحدث باللغة العربية بدلاً عن القبطية؛ نتيجة للاضطهاد الذي مُورِس بطرق شتى، ما أدَّى لاندثار تلك اللغة القبطية.

 

   وهو أمر في منتهى الغرابة؛ إذ أن "المسيحية" التي دخلت مصر بعد منتصف القرن الأول الميلادي لم تكتب إنجيلاً واحدًا معترفًا به باللغة القبطية.
 
   ومن الجدير بالذكر، أن القديس مرقص، وهو كاتب الإنجيل الثاني، وهو الذي بشَّر بـ "المسيحية" في مصر، وأنشأ بها كنيسة في الإسكندرية ومدرسة للاهوت، لم يكتب إنجيله بالقبطية، وإنما كتبه باليونانية، هذا مع ما يذكر من أنه ألفه في مصر على وجه الاحتمال؛ إما في بابليون وإما في الإسكندرية.

   وعلى أي حال، فلا تعرف ترجمة  لهذا الإنجيل ولا لغيره من الأناجيل للغة القبطية، بالرغم من انتشار "المسيحية" بمصر على مدار ستة قرون على حد أقوالهم ودعاويهم العريضة.

   حتى أن ما تم اكتشافه مؤخرًا من بعض الترجمات باللغة القبطية فيما عُرف بمخطوطات نجع حمادي، إنما هي تصنف لدى "المسيحيين" اليوم ضمن الكتب المحرفة ـ غير معترف بها ـ ويطلقون عليها (الأبوكريفا).

 

   وينسبونها إلي الفرق الغنوصية، وهي فرقة كانت تنكر صلب المسيح وقصة خيانة يهوذا له، فيا ترى أية "مسيحية" كان يؤمن بها الشعب المصري القبطي؟!
بل إن الباحث في أسماء آباء الكنيسة المصرية يجد أغلبيتها أسماء يونانية فمثلاً ( كرنذوس، أوريجينوس، ألكسندروس، ديمتريوس، ......إلخ).

 

   وهذا يدل على أن المؤمنين بـ "المسيحية" لم يكن أغلبهم من المصريين، وإلا فأين الأسماء المصرية التي برعت في الخدمة لما لا نجد لها كبير ذكر؟!!

 

   أو أن المصريين كانوا على مذهب "مسيحي" خلاف المذهب التثليثي لـ"المسيحيين" الرومان، مع إنكارهم للصلب، كما تدل عليه مكتبة نجع حمادي؛ فلذا كانوا خاملي الذكر؛ نتيجة أن الجاليات الرومانية كانت أعلى شأنًا من عامة الشعب المصري، بالرغم من انتساب الفريقين لـ"لمسيحية".

وإما أن أسماء الشعب المصري قد صارت يونانية، وتلك هي قمة الذوبان للهوية وبخاصة الهوية اللغوية.

فأين تلك اللغة التي تم اضطهادها؟ فهل يقصدون اليونانية؟!!

 

 حقيقة اللغة المصرية

 

   اللغة: هي مجموعة النغمات الصوتية التي يتلفظ بها قوم ما للتعبير عن أغراضهم المختلفة، ولا يُعرف بشر قد خلو من لغة ما للتعارف فيما بينهم. وما يدل على تلك النغمات الصوتية من خطوط هي اللغة المكتوبة.
ومن المعروف أن اللغة المصرية القديمة كانت تكتب بطريقة تصورية لا أبجدية.

   وكانت تكتب بثلاث صور هي: الهيروغليفية والهيراطيقية والديموطيقية، أو أن هذه الهيئات هي أدوار ثلاثة لكتابة اللغة في مراحل مختلفة.

 

   وأما اتجاه الكتابة فكان من اليمين للشمال، وإن سلمنا لنظرية شمبليون فإنها كانت تكتب من اليمين للشمال والعكس من الشمال لليمين ومن أعلى لأسفل.

 

حقيقة اللغة القبطية

 

أما ما يسمى باللغة القبطية فتكتب بالأبجدية اليونانية، وتكتب من الشمال لليمين فقط.

   وهي في حقيقة الأمر كانت محاولة من الرومان لكتابة اللهجة المصرية ـ النغمات الصوتية المصرية ـ بأبجديتهم اليونانية؛ لزيادة التقريب بينهم وبين المصريين.

 

   ولما كانت الأبجدية اليونانية لا تملك التعبير عن جميع النغمات الصوتية المصرية استعاروا بعض الحروف من اللغة المصرية.

   وبالرغم من ذلك، فقد ظلت بعض النغمات المصرية لا يوجد ما يعبر عنها في اللغة الجديدة، كالنغمات التي تخرج من وسط الحلق؛ فكلمة مثل "محب" وهو لفظ مصري قديم، مازال الكثير من "المسيحيين" يسمون به أبنائهم، لو كتب بالقبطية ثم تم النطق به لصارت صوت الحاء فيه هاء، وقِسْ على ذلك كلمات (حابي، حورس، واح وتعني واحة ،.....إلخ). فالقبطية لم تكن في بداية نشأتها لغة، ولكنها خط أو كتابة استخدمت للتعبير عن النغمات الصوتية المصرية.

 

   يذكر الدكتور بولس عياد، الأستاذ في قسم دراسة المجتمعات البشرية بجامعة كلورادو: أن اللغة القبطية كانت نَسْخًا مختزلاً للهجتين رئيستين من لهجات الشعب المصري القديم مكتوبًا بالأبجدية اليونانية.

 

   وكان أشد ما في الأمر، أن الوليد الجديد لم يعجز عن التعبير عن اللغة المصرية وحسب، بل فرض فيها كلماته اليونانية واصطلاحاتها.

   يقول أنطوان ذكري، في كتابه مفتـاح اللغـة المصريـة القديمـة (ص124) : "اندمج كثير من الكلمات اليونانية في اللغة القبطية؛ لأن أغلب الكتب القبطية ترجمت من اليونانية، فكان من السهل عليهم نقل الكلمـات اليونانية إلى لغتهم، كما سهل عليهم في بدء الأمر نقل الأبجدية اليونانية، ولم يجد الأقباط في لغتهم الأصلية كثيرًا من الاصطلاحات للتعبير بها عن الأفكار الجديدة التي أدخلتها "المسيحية" في عقائدهم. وكانت اللغة اليونانية منتشرة انتشارًا كبيرًا في أرض مصر في بداية ظهور الديانة "المسيحية" . ويعبر الأقباط للآن في بعض طقوسهم الدينية باللغة اليونانية".

 

وبذلك أضحت اللغة القبطية خليط من اللغة اليونانية المتداولة بين الجالية اليونانية في مصر وبعض المصريين المختلطين بهم.
 
   ويقول المؤرخ الأثري، جونسون في كتابه (النظام المنطوق للغة الديموطيقية): "لم تكن اللغة القبطية نقلاً أو نَسخًا للكتابات الديموطيقية بأبجدية يونانية، ولكنها كانت نسخًا مختزلاً لبعض ما ينطقه المصريون من لهجات مختلفة تأثرت كثيرًا بلهجات ولغات أجنبية، انتقلت إليهم عبر التاريخ الاستعماري الطويل ونتيجة لاختلاطهم المتكرر بموجات الهجرة السامية المختلفة".

 

   يؤكد ذلك ما ذكره المؤرخ سليم حسن في موسوعة مصر القديمة (1/126) أن: الأب النصراني اليسوعي "كرشر" عندما ظن في أواسط القرن السابع عشر أن اللغة القبطية التي تستعمل في ممارسة طقوس كنيسة مصر الأرثوذكسية، هي لغة تحفظ في ثناياها اللغة المصرية القديمة ولكنها تُكتب بحروف يونانية، وأخذ يقوم ـ بناءً على هذا الظن ـ ببحوث علمية في هذه اللغة، محاولاً أن يرجع بها إلى اللغة المصرية القديمة فلم يفلح قط!  بل وتساءل عن اللغة المصرية القديمة: هل هي حروف أو أصوات أو معان؟ وكيف يمكن قراءتها؟

 

النشأة والأسباب

 

   نستطع أن نجزم بأن الخط اليوناني المستخدم في كتابة اللغة المصرية والمسمى باللغة القبطية، لم يكن له وجود حتى عام 196 قبل الميلاد يدل على ذلك أن حجر رشيد، الذي كتب في ذلك الزمن نقشت عليه النصوص بالخط الهيروغليفي والديموطيقي واليوناني.

 

   فلو كانت تلك اللغة موجودة لظهرت في ذلك الحجر، بل لما كانت هناك حاجة للكتابة بالخط الهيروغليفي والديموطيقي.
 
   ويذهب أنطوان ذكري في كتابه (مفتـاح اللغـة المصريـة القديمـة) إلى أن ظهور القبطية كان في عام 389 م، لما حرَّم الإمبراطور ثيودوس الديانة المصرية الوثنية وأمر بغلق الهياكل.

 

   إلا أننا نرى أن نشأة ذلك الخط كان مبكرًا عن ذلك بكثير، وربما كان في بدايات القرن الأول الميلادي، يرشد إلى ذلك أن مخطوطات نجع حمادي التي تسخر من قصة الصلب، كتبت بما اصطلح عليه بالخط القبطي ويرجح أنها دونت في وقت أقرب إلى وقت المسيح من الكتابات الأخرى.


 
وإن كانت أقوال "المسيحيين" تُشير إلى أن نشأة الخط القبطي بدأت في نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث. فيقولون: "إن بنتينوس ـ وهو من أوائل من أداروا مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وقد تولاها عام 181م ـ عندما شعر بحاجة عامة للأقباط  والكنيسة إلى ترجمة الكتاب المقدس من اللغة العبرية واليونانية إلى لغة المصريين، حتى يتداوله الأقباط في الكنائس والمنازل، وجد أنها لا تصلح لترجمة الكتاب المقدس؛ لأنها كانت خليط من الهيروغليفية والديموطيقية.

 

   فأدخل بنتينوس الأبجدية القبطية، مستخدمًا الحروف اليونانية، مضيفًا إليها سبعة حروف من اللهجة الديموطيقية القديمة، وبهذا أمكن ترجمة الكتاب المقدس إلى القبطية تحت إشرافه".
(راجع آباء مدرسة الإسكندرية الأولون للقمص تادرس يعقوب ملطي: ص 47 وما بعدها)

 

   فهذه إذن، وجهة نظر بنتينوس الصقلي أن لغة المصريين الذين صنعوا الحضارة وهم أصلها ومنشأها ليست أهلاً لحمل الكتاب المقدس.

 

   وإضافة إلى ذلك، فإن بنتينوس وآباء الإسكندرية الذين كانوا في عصره كـ(أكليمنضس)؛ إما لم يكن لديهم علم بإنجيل المصريين وغيره من الكتب المدونة بالقبطية، والتي وُجدت في مكتبة نجع حمادي، وإمَّا أنهم أرادوا التبشير بين المصريين بمذهب "مسيحي" يثبت الصلب والتثليث، خلافًا لما كان عليه عامة "المسيحيين" المصريين من إنكارهما، كما تدل عليه تلك المكتبة، وكما يدل عليه ما عرف من حال المصريين في القرن الرابع الميلادي، ووقوفهم بجانب أريوس في مواجهة أثناسيوس بعد أن رفع عنهم نير الاضطهاد.

 

وعلى أي حال، كان الأمر فهو يكشف عن مدى الانفصام الذي كان بين الشعب المصري وآباء الإسكندرية اليونان.

   وعمومًا.. فما سبق يدل على أن اللغة القبطية ـ أو بالأصح الخط القبطي ـ ظهر بين الشعب المصري كلغة دينية طائفية، لم يكن يهتم بها أحد من المصريين إلا معتنقي "المسيحية"، بغض النظر عن مذهبهم، ولم تكن لغة قومية شعبية.

 

يقول الدكتور بولس عياد: "إن اللغة القبطية لم تُصنع لتكون لغة واحدة منطوقة للشعب المصري القديم".

وظل الأمر على تلك الصورة حتى تولى الإمبراطور ثيودوس، الذي تعامل بالعنف مع كل شيء، ومنها مصر.

 

   يقول أنطون ذكري، ص 120: "في سنة 389 م حرم الإمبراطور ثيودوس الديانة المصرية الوثنية وغلقت الهياكل تنفيذًا لأمره وأصبحت الديانة  الأرثوذكسية هي الديانة الرسمية للحكومة، وبذلك بطلت نهائيًّا الكتابة الهيروغليفية و الديموطيقية، واقتبسوا الحروف الهجائية اليونانية وأضافوا لها سبعة حروف من اللغة المصرية بالخط الديموطيقي؛ لعدم وجود ما يماثلها لفظيًّا في الأبجدية اليونانية".

 

   وهكذا حُوِّلت المعابد المصرية بالقوة إلى أديرة وكنائس "مسيحية"، وتمَّ إبطال الكتابة بالخط المصري القديم، فانتشرت الأمية بين المصريين قراءة وكتابة كالوباء.

 

   فاللغة الرسمية في دواوين الدولة اليونانية نطقًا وكتابة، واللغة الدينية المسموح بها خليط من المصرية واليونانية نطقًا وكتابة، بالأبجدية اليونانية.

 

   وإذا أضفنا لما سبق، ما تم أيضًا من تغيير لأسماء المدن، فمثلاً نجد اسم بانوبوليس بدلاً من أخميم، وهيراكليوبوليس بدلاً من أهناسيا، وهرموبوليس بدلاً من الأشمونين.

 

   يتبن لك مدى ما تعرضت له شخصية مصر من عمليات صهر على مدار ألف عام (الفترة من 331 قبل الميلاد دخول الإسكندر المقدوني مصر وحتى 638 بعد الميلاد الفتح الإسلامي) لتذوب مصر في الهوية الرومانية.

 

   ويتبن لك الحالة التي كانت عليها مصر إبان الفتح الإسلامي، وكيف أن مدنها عادت لتحمل أسمائها القديمة أخميم وأشمون وغيرها في ظل الإسلام، ولم يفكر المسلمون في فرض أسماء خاصة بهم مع القدرة على فعل ذلك.


 
   كما أن المصريين مازالوا حتى يومهم هذا يتسمُّون بأسماء مصرية قديمة كـ( محب ، عزيز ، أمجد ، مينا ،....... )وغيرها.

لماذا نرفض هويتنا؟!

 

   وبالرغم من ذلك أبَى "المسيحيون" إلا الذوبان في اليونان، فقد كانت القبطية الأولى مازالت تحمل بعض سمات اللهجة المصرية القديمة حتى جاء البابا كيرلس الرابع (1854 - 1856 م)، الذي يُسمَّى بـ"أبي الإصلاح" ليشكل لجنة برئاسة عريان باشا مفتاح لإحياء اللغة القبطية وضبط النطق، استرشادًا بالنطق اليوناني الحديث، فتم تغيير نطق الحروف القبطية حتى تتماشى مع النطق اليوناني للحروف؛ ما تسبب في تغيير نطق أغلب  الكلمات القبطية وظهور حروف لم تكن موجودة من قبل، مثل حرف الثاء و شبه اختفاء حروف كانت موجودة من قبل، مثل حرف الدال، حرف الدلتا ينطق دال في أسماء الأعلام فقط و هناك كلمات قليلة جدًّا ينطق بها حرف التاء دال، ماعدا ذلك لم يعد يوجد دال في اللغة القبطية، وقد دعيت هذه اللهجة بالبحيري، وهى المستخدمة الآن في الصلوات والألحان والتسابيح الكنسية، بخلاف اللهجات الفيومية والأخميمية.

 

   وأُطلق على طريقة النطق الجديدة اللفظ الحديث، وطريقة النطق الأصلية اللفظ القديم، وتم تدريس اللفظ الحديث في الإكليريكية، ومع مرور الوقت اختفى تقريبًا اللفظ الأصلي (القديم).

أحمد عبده ماهر-لا شريعة تُجيز بتر اليد عقوبةً للسرقة

خذ منها نسخة لأصدقائك حتى يتوقف فقه الضلال والغلظة باسم الإسلام 

بالبداية فإني أود أن أذكر بأني متخصص في الفقه الإسلامي، والشريعة الإسلامية، لكني متخصص لا يتاجر بدينه ولا يتقاضى عنه مالا، فالتخصص دراسة وليس شهادة، والفقه يحتاج لإدراك قبل أن يحتاج إلى العلم، ومن غير المتصور أن يضيف إليك أي معهدا علميا إدراكا، لكنه يضيف علما، فالإدراك منّة من الله. ولنبدأ بدراسة حد السرقة وذلك فيما يلي:

يقول تعالى:{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38.

لقد فسر الفقهاء والأئمة القطع على أنه بتر، وبتر اليد هو تطبيق فقهي لا ينتمي بحال لإدراك سوي، إنما هو إدراك شيطاني لمعاني ومرامي آيات كتاب الله، فلو أراد الله البتر لذكره، كما ذكره في سورة الكوثر قائلا:[ إن شانئك هو الأبتر ]، فالبتر يعني الفصل، لكن القطع يعني بقاء الأمر على حاله مع وجود حالة من التباعد، لكن كم ارتكب الفقهاء من جنايات بفهمهم الخاطئ على مر العصور. ولنبدأ بشرح الأمر.

فالقرءان يقول: [ تبت يدا أبي لهب وتب ] فدل هذا على أن الله يتكلم عن كلتا يدي أبي لهب، وليست يدا واحدة.

فحين يقول الله [ فاقطعوا أيديهما ] فإنه يتكلم عن كلتا يدي السارق، وكلتا يدي السارقة، يعني كل الأيادي وليست يدا واحدة لكل منهما، لأنه إن أراد يدا واحدة لكل من السارق والسارقة لقال فاقطعوا [ يديهما ]، لكن لأنه قال [ أيديهما ] فهو يعني 4 أيادٍ.

وحيث أن فقه الفقهاء أن يبتروا يدا واحدة لذلك فهم لا يطبقون النص القرءاني، كما لا يفوتني أن أذكر بأنه لا بتر ولا قطع بمعنى الجرح كعقوبة تعنيها تلك الآية.

لذلك فالأمر يعني أولا أن نكفّ أيديهما الأربعة [ للسارق والسارقة ] عن السرقة، وذلك بحبسهما أو تعليمهما حرفة، لأن القطع يعني المنع أو ما شابه ذلك,,,...

ودليل آخر يدل على أن القطع بمعنى المنع حيث يقول تعالى:

{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25؛

فهذا يعني منع وصل ما أمر الله به أن يوصل، لا أن يبتر ما أمر الله به أن يوصل، ولا إحداث جرح به.

ويقول تعالى:{ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ }الأنبياء93؛

يعني وتفرقوا أمرهم، فالقطع هو التفريق والمنع، بما يعني أن كل الدلائل القرءانية تؤكد أن القطع هو المنع والإبعاد، وليس البتر ولا الجرح.

أما أنهم يقولون بالبتر فهذا أيضا مخالف سواء أكانت يدا واحدة أو كلتا يدي السارق أو السارقة.

والتقطيع بتشديد حرف التاء... وكلمة [فقطّعن] بتشديد حرف الطاء، هو إحداث جرح قطعي بباطن اليد ، وذلك لقوله تعالى بسورة يوسف: [ فقطعن أيديهن ] فمعناها أن كل امرأة أحدثت جُرحا بيدها، ومن غير المستساغ أن نفهم أن النساء بترن أياديهن، كما أن هناك فرقا بين [قَطَعَ] و[قطّع] بتشديد حرف الطاء وهو ليس موضوعنا.

ومما هو جدير بالبيان أن القطع بمعنى الجرح أو البتر أو التفريق ورد بالقرءان بتشديد حرف الطاء في غالب أمره، ولم يرد أبدا بغير ذلك، لكن في آية حد السرقة ورد حرف الطاء غير مشدد، وللبيان تدبر الآيات التالية:

• [.......كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15.
• {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ }الأعراف124.
• [.....فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31.

وأنا لا أتناول المجاز بالقرءان، إنما أتناول حقيقة النص وحرفية المعنى
ولا يجب إقصاء أدلتي لنقول بالمجاز والحديث الفلاني قال كذا، لكن على العموم

أما المرأة المسماة [فاطمة] التي أمر بها سيدنا الرسول r لتقطع كانت قبل نزول سورة المائدة، وهي سورة مدنية، وكان النبي ينفذ شرع من قبلنا فيما لا يوجد نص عليه من القرءان، لأنه كما تعلم بأن القرءان نزل مُنَجّمًا أي على فترات ودفعاتفلم تكن سورة المائدة التي ورد بها القطع [يعني المنع] قد أنزلت بعد.

الأمر الثاني: ما العمل فيما إن تبين بعد البتر أن اللص بريء؟، من سيعيد إليه كفه المفصول؟، وماذا لو بترت يد عامل في مصنعه كيف سيبرئ نفسه من مظنَّة أنه سارق عند من لا يعرفه..

الأمر الثالث: لم يوقف سيدنا عمر حد السرقة [ السجن ]، كما زعم بذلك من زعم، إنما نفذ مقتضيات حد السرقة، لأنه لا يجوز تنفيذ الحد على جوعان محتاج ولا معتوه ...إلخ، كما أنه لا يحق لأحد وقف حد من حدود الله.

الأمر الرابع: إننا بعقوبة البتر نمنع اللص عن الصلاة بل عن التوبة، ونقيم محفلا لمضارين حوله، فمن ذا الذي سيتزوج ابنة اللص؟، ومن الذي سيقبل أن يعمل عنده ابن اللص؟، وغير ذلك من المضاعفات كثير.

الأمر الخامس: يقول تعالى بالآية التي تلي القطع مباشرة { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39}؛

فكيف بالله سيتوب من تقطع يده ويتم تعرية شرفه بين الناس، 
وكيف سيكون وقتها الله غفور رحيم به، .....أين الرحمة فيمن تم الحكم عليه ببتر يده طوال فيظل عاجزا طوال حياته حتى وإن تاب، وقد يذهب بعض المجادلين بأنها مغفرة ورحمة بالآخرة، فلست أدري من أين جعلوها رحمة للآخرة فقط؟!.

ويتعلل القائلين بالبتر بأن الله تعالى قال: [جزاءا بما كسبا نكالا من الله] فهم يعنون أن التنكيل بالسارق وارد بالقرءان، لكن إن فهمنا أن كلمة [نكالا] وردت بعد فعل [كسبا] وليس بعد فعل [فاقطعوا] لعلمنا أن النكال يخص ما كسبه اللص نكالا عن أمر الشريعة التي وضعها الله، ولا يخص التنكيل بالسارق الذي ينتظر الله منه التوبة، فالله لا يُنَكِّل بعباده في الدنيا أبدا.

ويروي البخاري في صحيحه باب الحدود بالحديث رقم [ 6401 ] حدثنا عمر بن حفص ..... عن أبي هريرة عن النبي r قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده.

بينما بشرح صحيح البخاري مدون الحديث التالي:[ ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع ] رواه الزبير عن جابر ورفعه وصرح بن جريج في رواية النسائي، ....فهل من اختلس مليون جنيه لا تبتر يده بينما من يسرق البيضة والحبل تبتر يده؟.

فهذان الحديثان أهديهما لكل الفقهاء الذين تخربت عقولهم من فقه الأقدمين، وهم يتخذون أحكاما من مدسوسات السُّنَة القولية. وهل يا ترى سنبتر اليد لسرقة بيضة أو حبل ولا نبتر يد مختلس، أتكون هذه سوية فكرية!؟.

ولا يقولن قائل بأن الاختلاس هو نوع من الحرابة فذلك قول من يتغذى بفقة الشياطين، أيمكن أن تصدقوا بأن رسولكم يتسامح في الاختلاس ويبتر لسرقة بيضة؟!، أيمكن أن نستخلص الأحكام مما تقولون عنه سُنّة نبوية قولية صحيحة بينما هي تحمل الأمر ونقيضه؟!؛ أو تحمل عدم توازن بين الأفعال والعقوبات.

ومن هو ذلك الصحابي الذي بترت يده بعد نزول سورة المائدة؟، أرى بأن البينة على من ادعى، أو تراهم يظنون بأنه حكم لم يتم تنفيذه في المسلمين. 

وقالوا بأن عمر بن الخطاب كان يبتر فهل لم يفهم أحدهم أن روايات الرسول رغم ما تم العناية بها وتنقيتها ومع ذلك لا زالت التنقية حتى تاريخه واسألوا تلامذة الشيخ الألباني [يرحمه الله]...فكيف بقصص عن زيد وعبيد عن عمر بن الخطاب؟......ألا يعقل أحد؟.

لذلك فمن كل الأوجه كلمة القطع لا تعني أبدا البتر، لذلك وجب تجديد الفقه وتعليم جهلاء القوم الذين يطالبون بتطبيق الشريعة وهم لا يفهمونها، وقد يكون ذلك الفهم مستساغا بعصور كانت المدارك العقلية أقل مما هي عليه الآن لذلك يجب أن نتعامل مع النص بعقل وإمكانية اليوم.

ولا يجوز الاحتجاج بكتب التراث التي ورد بها ذلك البتر المشوّه لدلالات آيات الله، إذ أن التراث لم يتعرض لأي غربلة كالتي تعرض لها الحديث النبوي، ومع ذلك لا نزال نجد بالحديث النبوي مدسوسات إلى يومنا هذا.

والبتر كان من شرائع اليهود، وتم نسخه بالقرءان على النحو الذي أسلفنا لكن فقه العصر القديم وقد ارتمى في أودية الهلاك مع المرويات ظنية الثبوت فقد خرج علينا بالبتر وألصقه بالإسلام، بينما الإسلام منه براء،

فلا بتر ولا حسم لليد المبتورة بالنار أو بوضعها بالزيت المغلي، فهذه كلها أمور كانت على عهد أمم قبلنا واختلط الأمر على فقهاء الأمة فتصوروها من الإسلام، دون أن يعلموا مناسبة الحديث النبوي ولا توقيته، وعما إن كان قد صدر عن نبينا قبل نزول سورة المائدة التي تقول بالمنع ولا تقول بالبتر أم بعدها.

وقد يتعجب المتعجبين من هذا التخريج الفقهي الذي أقول به لكنه تدبر كتاب الله الذي أهملناه واستبدلنا فقهه بمرويات ظنية قمنا بتشييد ديننا عليها.

السبت، 12 أكتوبر 2013

أحمد عبده ماهر-حرب الفقهاء ضد القرءان لصالح التوراة

هل تتصور أن الفقهاء يحاربون القرءان بالتوراة، هل تتصور بأنهم هجروا القرءان إلى التوراة؟، هل تتصور أنهم وبمنتهى الانحدار الفكري يقومون بتدريس ذلك الخلط في المعاهد الدينية باعتباره دين الإسلام.

وخذ على سبيل المثال نماذج من بعض هذه الحرب على تعاليم القرءان فيما يلي:
أولا القصاص في الجروح والأعضاء

في الأزمنة السابقة كانت الناس غلاظا فنزلت التشريعات متوائمة مع تلك الغلظة، فكان من بين ما نزل أن العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص..وغير ذلك، لكن حينما نزل القرءان ولأنه يخاطب البشرية في كل أطوارها الحضارية حتى يوم القيامة فإن تشريعاته جاءت متوائمة مع طبيعة الناس في تلك الحقب الزمنية المتوالية.

والدليل على أن ما ورد بالقرءان بشأن القصاص في الجروح هو للتوراتيين فقط هو قوله تعالى: 

{ إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ{44} وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{45}.

فالله كتب على اليهود في التوراة ذلك البتر [وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا ] فلم يكتب الأمر بالقرءان ولا تم فرضه علينا لكنه لهم في توراتهم الحبيبة.

فالدية والحبس هما أو أحدهما العقوبة الإسلامية في الجروح وقطع الأعضاء، لأن القصاص البدني تم حصره إسلاميا في القتل فقط وذلك بمجرد نزول القرءان في هذا الشأن حيث يقول تعالى: 

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ }البقرة178.

ثانيا: لا بتر لليد في السرقة.

بتر اليد واستشهادهم بقول النبي [والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها] كلها تنبع وتستند لشريعة التوراة، وإن النبي حين قال ذلك قاله قبل أن تنزل عليه سورة المائدة بشأن عقوبة السرقة، فقال تعالى:

{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{38} فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39} .

فالقطع هنا معناه المنع [أي الحبس] وليس البتر للأسباب الآتية:

• أن الله قال بالقطع ولم يقل بالبتر ولو أراد البتر لقال به كما قال [إن شانئك هو الأبتر].
• لو كان الله يريد قطعا بمعنى بترا أو جرحا ليد واحدة كما يفعل الفقهاء المسلمين التوراتيين لقال [يديهما] ولا يقول [أيديهما] فتلك الكلمة تعني كلتا يدا السارق وكلتا يد السارقة.
• بعض الفقهاء يقول دفاعا عن تراثه التوراتي أن الله قال [جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ]؛ فهذا يعني البتر تنكيلا بهما، وهذا أيضا من الانحراف الفكري لأن الوصف [نكالا] جاء بعد الفعل [كسبا] وليس بعد الفعل [فاقطعوا] لذلك فالنكال هنا هو وصف لفعل السرقة والسارق الذي نكّل بشريعة الله وليس وصفا لشكل القطع أو البتر.
• القطع شأنه شأن كثير من الكلمات يتوقف معناها على السياق الذي وردت فيه، فقطع الطريق ليس بتره، وقطع الرحم ليس بتره، وقطع أيديهما يعني منع الأيادي الأربعة، وأنتم تقولون في الأغنية الواردة لمديح الجيش [تسلم الأيادي] أي كل الأيادي.
• وبتر اليد ينسحب ضرره إلى عائلة اللص فيشينهم وهو أمر مخالف للقرءان لأن العقوبة لا يجب أن تتجاوز الجاني.
• وبتر اليد يمنع الصلاة بالمسجد يعيق التوبة وهي الواردة بالآية التي تليها مباشرة. 
• وبتر اليد عقوبة واردة بالتوراة قبل أن ينزل القرءان المهيمن على كل الرسالات السابقة بما يعني نسخ حكم التوراة بالبتر.

ثالثا: لا رجم في الإسلام.

والرجم للزناة عقوبة توراتية وليست إسلامية، وعندنا الفقهاء يقولون بأن الرجم حتى الموت يخص الزناة المحصنين، ولو كانوا فهموا القرءان ما قالوها، حيث يقول تعالى بسورة النساء:

{وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }النساء25.

• فبالله عليكم لو كان الزناة المحصنين عليهم رجم حتى الموت فكيف ننفذ قوله تعالى بالآية السابقة[فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ]؛ فكيف يكون نصف الموت؟.

• والآية تبين بأن على المحصنات عذاب وليس عليهن إماتة، فالموت شيئ والعذاب شيئ آخر، والدليل أن العذاب غير الموت هو قوله تعالى على لسان نبي الله داوود : {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ }النمل21......ألا يدل ذلك على أن العذاب يعني عقوبة بدنية وهو غير الموت؟.
• والزنا في الإسلام عقوبته الجلد مائة جلدة فقط وهو أمر مفروض على الأمة لكن شياطين الإنس يحاربون القرءان بالتوراة ، وتدبر معي كيف أن الأمر فريضة فيما يلي من سورة النور: 

سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{1} الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ{2}.

الجمعة، 11 أكتوبر 2013

أحمد عبده ماهر-أوهام وجود صراط مستقيم بالآخرة

ومن مآسي ما نحمله سفاحًا من عقائد فقه المفسرين القدامى، تفسيرُهم مما روى البخاري [فتح الباري ج11 ص453]، وروى الإمام مسلم في صحيحه بباب معرفة طريق الرؤية [بالحديث رقم 182] حيث ذُكر الآتي: [... ويُضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرُّسل، ودعوة الرُّسل يومئذ اللهم سلّم سلّم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان قالوا: نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى...].

إن هذا الحديث يتخذه دعاة العلم منهاجا للدعوة الاحتكارية التي يتمتعون بها، وهم يفسرون قوله تعـالى:

{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} مريم71؛

بأن كل الناس سترد جهنم، وتصوروا الورود أنه المرور على ذلك الجسر الذي صنعه خيال بعض السلف، فالجميع سيكون كالبهلوان يوم القيامة....هكذا يصورون الآخرة..

ومن نتاج هذا العبث أن أغلب المسلمين حينما يقولون [اهدنا الصراط المستقيم] يتخيلون ذلك العبور العظيم على جسر جهنم كالبهلوانات وهم يسيرون على الحبل ويخشون الوقوع.

فما الذي يجعلنا ننعت هؤلاء بفقدان سلامة التصور، وننعت الحديث بالفساد، وتفسير المفسرين بالوهم الفقهي؟، إننا لابد أن نجول في سياحة قرءانية ولغوية ونتذوق الأحاديث الواردة ونقارب بينها وبين ذلك الحديث حتى نصل لحقيقة فساد التفسير والحديث في شأن وجود جسر على جهنم تمر عليه البشرية جمعاء.

إن افتراض المفسرين في تفسيرهم لآية سورة مريم السابق ذكرها بأن كل الناس بما فيهم الأنبياء سيردون على النار، أمر فيه مجازفة وسخف وقلّة علم، وسبب تأليف وتزوير الحديث على رسول الله في هذا الشأن هو قلبهم لمعنى كلمة [واردها ] فتلك الكلمة تعني [داخلها أو انتهى إليها] ولا تعني [المرور على النار] كما قال بذلك أهل ترقيع التفسير بفقه مدسوسات الحديث المدسوس على رسول الله والوارد بالبخاري ومسلم، بل أكاد أجزم بأن الحديث تم دسه بالصحيحين.

ولكي نعرف معنى الآية فلابد أن نعرف كل ما ورد بكتاب الله عن ذات الأمر، وكما نعلم فإن كتاب الله غير متناقض، وذلك حتى نعلم ما هو المقصود بتعبير [وإن منكم] هل منا نحن أم من الناس جميعًا أم من فئة مخصوصة بعينها، حتى لا يصير تفسير القـرءان على هوى من زوروا الأحاديث أو من قالوا عنها انها صحيحة، ولابد لنعلم حقيقة موضوعٍ ما، وليكن موضوع المصير بالآخرة، فلابد أن نتدارس جميع ما ورد بكتاب الله عن هذا الأمر، ولا نُفَسِّر القرءان بالقطعة، فينشأ عن تفسيرنا تناقض لا نقصده.

فأصل ما أختلف مع أولئك الدعاة فيه هو تفسيرهم لقوله تعالى بسورة مريم: 

{وَيقول الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً{66} أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شيئاً{67} فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً{68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ آيةمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً{69} ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً{70} وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً{72}.

فهم يتصورون بأن قوله تعالى: [وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا]، يعني كل مؤمن وكافر، وهذا سَخَف، لأن القرءان يعني الفئة الضالة من شياطين الإنس والجن، الوارد ذكرهم قبل ذلك التعبير القرءاني، والذين كانوا يكذبون بالبعث والحشر واليوم الآخر،

أما ما يأتي بعدها من قوله تعالى: [ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا]، فلا يعني بحال أن المتقين كانوا عند النار، وإلا فإن ذلك يعني أن المتقين سيمكثون عند النار حتى مجازاة كل أهل الكفر في جهنم، ثم بعدها يدخلون هم الجنة.
وتدبر معي قول الله - تعالى - بسورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}.

• فهل الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر.
• ولا يسمعون حسيس النار.
• وهم عنها مبعدون.

فهل هؤلاء سيردون [أي يدخلون] أو حتى يمرون على النار؟!، في زعم من قال بأن الورود يعني المرور، فما معنى [مبعدون]؟، أيعني أنه سيتم إبعادهم، أم أنهم مبعدون بالأصل؟، آيما الأوفق في ذهن من يتشدقون بأنهم أساطين اللغة العربية؟، ألا يعني قوله تعالى: [أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ]، بأنهم في مكان ليس به جهنم، لأنه سبق القرار بإبعادهم فهم مُبعدون بالأصل.

وما معنى [لا يسمعون حسيسها] عند من قال بضرورة الورود على النار، وهل سيردون على النار وهم لا يسمعون حسيسها فقط، لا بل إن الله يقول: [وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون]، فهل يعني ذلك أنهم لا يسمعون حسيسها وهم يمرون عليها، ثم يدخلون الجنة بعد أن يردوا على النار، فأي تقسيم سخيف يتصوّره أصحاب تلك المعتقدات.

وتتبع معي أحداث الآخرة، أيكون الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم قبل الميزان وقبل قراءة الكتب وقبل مجادلة كل نفس عن نفسها أم بعدها، فإذا كان قبلها وستأخذ الكلاليب الموجودة على جانبيه الناس فتغمسهم في النار على قدر أعمالهم، فلو كان الأمر كذلك فلا داعي لميزان ولا قراءة كتب.
نخلص من ذلك بأن أمر الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم يكون بعد الميزان وقراءة الكتب ومجادلة كل نفس عن نفسها.

وهنا يجب أن تتدبر ما ورد بسورة الحاقة حيث يقول تعالى:

{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيقول هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24}.

يعني ذلك أن الإنسان بمجرد أن تسلّم كتابه بيمينه وقرأ ما فيه يكون في عيشة راضية، سواء دخل الجنة أم لم يدخلها، مما يستحيل معه أن يرد النـار بعدها، أو أن تقول الرسل اللهم سلم كما ورد بالحديث المُزَوّر على الإسلام والوارد زورا بالبخاري ومسلم، هذا فضلاً عن أنه يُبعث يوم القيامة من الآمنين، بل إن الحديث المزعوم يرى أن النبي r سيرد أيضا على جهنم، فكيف يكون ذلك طالما أن الله سيدخله والرسل الجنـة حتما، لا أرى سـببا إلا مرض يسمى [هذا ما ألفينا عليه آباءنا].

وتدبر أيضا ما جاء عن هذه الفئة الراضية المرضية منذ أن توفاها الله حال حياتها وقال تعالى بسورة الفجر: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}، 

1. فهل يرجعون راضين مرضيين، وهم أصلا مطمئنون ليردوا بعد ذلك على جهنم، فما فلسفة ذلك الورود، إلا خراب المنطق بسوء فهم كتاب الله؟.

2. فهل النفس المطمئنة الراضية المرضية التي سبق لها من الله الحسنى، سترتعد فرائصها على ذلك الجسر المزعوم وتقول اللهم سلم اللهم سلم، ........فأين الطمأنينة إذاً، 

3. وأين الحسنى التي سبقت البعث والحساب،

4. وأين البُشرى التي يُبشّر الله بها عباده الصالحين، طالما أن الجميع سترتعد فرائصهم على ذلك الجسر اللعين ويتمنى أن ينجيه الله، والأنبياء يدعون اللهم سلّم،

5. وما فائدة الميزان بين صالح وطالح، 

6. وأين فرحة من أوتي كتابه بيمينه طالما سيستذل على الصراط ويتشكك ويخاف وقوعه أو عدم وقوعه في جهنم.

ولا يفوتنك ما أورده الله تعالى مما يؤكد خصيصة اقتياد الكافرين فقط إلى جهنم، دون سواهم، حيث يقول تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} الزمر71؛ 

فالسوق إلى جهنم يكون للكافرين فقط، والكافرون هنا ليسوا من لم يؤمنوا فقط، لكن أيضا كل من خالف شريعته لدرجة زيادة سيئاته على حسناته.

فأين يقع التلمظ الفقهي بآية [وإن منكم إلا واردها] بأنها تعني كل الناس بمن فيهم المؤمنون، ما أرى ذلك إلا الخطأ بعينه في فهم كتاب الله وإخضاعه لمرويات ما أنزل الله بها من سلطان، بل تخالف كتاب الله في صراحة بالغة. 

إن المتقين لا يشعرون بجهنم ولا اقترابها ولا يسمعون حسيسها، لأنهم عنها مُبعدون، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون، بل ويرتقون من حسن إلى أحسن، فبذلك يستقيم معنى كل الآيات ولا يتضارب ثم يحتاج لتبرير المبررين وتأويل المتأولين ليرفعوا الحرج عن النص القرءاني الذي جهل الفقهاء عليه دون دراية منهم.

يعني الأمر بأن أهـل النـار سيدخلون النـار قبل أن يدخل أهل الجنة للجنة، ومن يصاحب القرءان في الدنيا يعلم تلك الخصيصة عن مصير الكافرين والمجرمين والفاسقين، فبالغالب الأعم يذكر القرءان مصيرهم أولا ثم يذكر مصير الصالحين، فهل بمنطق من يقول بأن الجميع سيرد إلى النار سينتظر المؤمنين دخول الكافرين جميعًا إلى جهنم ثم ينجي الله المؤمنين، لأن كلمة [ ثم ] تعني بعد ذلك، فيكون وفق فهم أولئك الذين ابتدعوا خرافة جسـر جهنـم أننا سنشاهد عذاب المعذبين، رغم أن في ذلك عذاب لنا.

ومن أراد أن يستوثق عن شأن أولوية دخول النار للمجرمين ثم دخول أهل الجنة بعد ذلك، فليتدبر أواخر سورة الزمر، والآية الأخيرة من سورة الأحزاب، والآيات من 19-23 من سورة الحج، والآيات من 98-103 من سورة الأنبياء، والآيات من 104- 108 من سورة الكهف، والآيات من 28-32 من سورة النحل، والآيات من 106-108 سورة هود، ليعلم بأن الله يذكر دوما مصير أهل جهنم ثم يتبعها بذكر مصير أهل الإيمان، وبالبناء على ذلك يكون المفهوم الفقهي لمعنى [ثم ننجي الذين اتقوا] لا يكون أبدا ذلك التخيل المخبول عن مرور الناس على صراط على جهنم لتتم نجاة من كتبت له النجاة وتردي من يلزم معاقبته.

وأكتفي بهذا القدر ليعلم من يريد التدبر أن قوله - تعالى - وإن منكم إلا واردها كانت عن الكافرين من شياطين الإنس والجن، ودخولهم النار أولا، ثم وهذه الكلمة [ثم] تقال حين يكون هناك تراخ، ثم يُنجِّي الله الذين آمنوا والذين هم مستبشرون، بنعمة من الله وفضل لا يَمَسُّهُم السوء، بالصورة التي لا تناقض فيها بين النص القرءاني وبعضه، مع استمرار خلود الكافرين بالنار. 

وإنه لا يحق لنا كي نحافظ ونحتفظ برؤية من رأى بأن قوله تعالى [وإن منكم إلا واردها] بأنها تشمل كل الناس الصالحين والطالحين، أن ننقب جدار المنطق ونخالف كل الآيات الأخرى الواردة عن عدم خوف المؤمنين وعدم حزنهم وبعدهم عن النار وعدم سماعهم حسيسها وعدم دخول النار من أعلى وتخصيص الحشر حول جهنم للكافرين والفاسقين، لننتهي بصواب فكرة وحيدة لمن قال بورود الجميع على جهنم، ثم ندور ونبحث عن تعليلات وتبريرات لنوائم بين أمر ورود المؤمنين المزعوم على جهنم وبين أنهم عنها مبعدون. 

كنت أرجو أن أكون وسط العقلاء، لكني وجدت نفسي بين أمة تدعي الإسلام وهي على نهج إبليس