الأربعاء، 16 أكتوبر 2013

أحمد عبده ماهر-لا شريعة تُجيز بتر اليد عقوبةً للسرقة

خذ منها نسخة لأصدقائك حتى يتوقف فقه الضلال والغلظة باسم الإسلام 

بالبداية فإني أود أن أذكر بأني متخصص في الفقه الإسلامي، والشريعة الإسلامية، لكني متخصص لا يتاجر بدينه ولا يتقاضى عنه مالا، فالتخصص دراسة وليس شهادة، والفقه يحتاج لإدراك قبل أن يحتاج إلى العلم، ومن غير المتصور أن يضيف إليك أي معهدا علميا إدراكا، لكنه يضيف علما، فالإدراك منّة من الله. ولنبدأ بدراسة حد السرقة وذلك فيما يلي:

يقول تعالى:{ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّه عَزِيزٌ حَكِيمٌ }المائدة38.

لقد فسر الفقهاء والأئمة القطع على أنه بتر، وبتر اليد هو تطبيق فقهي لا ينتمي بحال لإدراك سوي، إنما هو إدراك شيطاني لمعاني ومرامي آيات كتاب الله، فلو أراد الله البتر لذكره، كما ذكره في سورة الكوثر قائلا:[ إن شانئك هو الأبتر ]، فالبتر يعني الفصل، لكن القطع يعني بقاء الأمر على حاله مع وجود حالة من التباعد، لكن كم ارتكب الفقهاء من جنايات بفهمهم الخاطئ على مر العصور. ولنبدأ بشرح الأمر.

فالقرءان يقول: [ تبت يدا أبي لهب وتب ] فدل هذا على أن الله يتكلم عن كلتا يدي أبي لهب، وليست يدا واحدة.

فحين يقول الله [ فاقطعوا أيديهما ] فإنه يتكلم عن كلتا يدي السارق، وكلتا يدي السارقة، يعني كل الأيادي وليست يدا واحدة لكل منهما، لأنه إن أراد يدا واحدة لكل من السارق والسارقة لقال فاقطعوا [ يديهما ]، لكن لأنه قال [ أيديهما ] فهو يعني 4 أيادٍ.

وحيث أن فقه الفقهاء أن يبتروا يدا واحدة لذلك فهم لا يطبقون النص القرءاني، كما لا يفوتني أن أذكر بأنه لا بتر ولا قطع بمعنى الجرح كعقوبة تعنيها تلك الآية.

لذلك فالأمر يعني أولا أن نكفّ أيديهما الأربعة [ للسارق والسارقة ] عن السرقة، وذلك بحبسهما أو تعليمهما حرفة، لأن القطع يعني المنع أو ما شابه ذلك,,,...

ودليل آخر يدل على أن القطع بمعنى المنع حيث يقول تعالى:

{ وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ }الرعد25؛

فهذا يعني منع وصل ما أمر الله به أن يوصل، لا أن يبتر ما أمر الله به أن يوصل، ولا إحداث جرح به.

ويقول تعالى:{ وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ }الأنبياء93؛

يعني وتفرقوا أمرهم، فالقطع هو التفريق والمنع، بما يعني أن كل الدلائل القرءانية تؤكد أن القطع هو المنع والإبعاد، وليس البتر ولا الجرح.

أما أنهم يقولون بالبتر فهذا أيضا مخالف سواء أكانت يدا واحدة أو كلتا يدي السارق أو السارقة.

والتقطيع بتشديد حرف التاء... وكلمة [فقطّعن] بتشديد حرف الطاء، هو إحداث جرح قطعي بباطن اليد ، وذلك لقوله تعالى بسورة يوسف: [ فقطعن أيديهن ] فمعناها أن كل امرأة أحدثت جُرحا بيدها، ومن غير المستساغ أن نفهم أن النساء بترن أياديهن، كما أن هناك فرقا بين [قَطَعَ] و[قطّع] بتشديد حرف الطاء وهو ليس موضوعنا.

ومما هو جدير بالبيان أن القطع بمعنى الجرح أو البتر أو التفريق ورد بالقرءان بتشديد حرف الطاء في غالب أمره، ولم يرد أبدا بغير ذلك، لكن في آية حد السرقة ورد حرف الطاء غير مشدد، وللبيان تدبر الآيات التالية:

• [.......كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }محمد15.
• {لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ }الأعراف124.
• [.....فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَراً إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ }يوسف31.

وأنا لا أتناول المجاز بالقرءان، إنما أتناول حقيقة النص وحرفية المعنى
ولا يجب إقصاء أدلتي لنقول بالمجاز والحديث الفلاني قال كذا، لكن على العموم

أما المرأة المسماة [فاطمة] التي أمر بها سيدنا الرسول r لتقطع كانت قبل نزول سورة المائدة، وهي سورة مدنية، وكان النبي ينفذ شرع من قبلنا فيما لا يوجد نص عليه من القرءان، لأنه كما تعلم بأن القرءان نزل مُنَجّمًا أي على فترات ودفعاتفلم تكن سورة المائدة التي ورد بها القطع [يعني المنع] قد أنزلت بعد.

الأمر الثاني: ما العمل فيما إن تبين بعد البتر أن اللص بريء؟، من سيعيد إليه كفه المفصول؟، وماذا لو بترت يد عامل في مصنعه كيف سيبرئ نفسه من مظنَّة أنه سارق عند من لا يعرفه..

الأمر الثالث: لم يوقف سيدنا عمر حد السرقة [ السجن ]، كما زعم بذلك من زعم، إنما نفذ مقتضيات حد السرقة، لأنه لا يجوز تنفيذ الحد على جوعان محتاج ولا معتوه ...إلخ، كما أنه لا يحق لأحد وقف حد من حدود الله.

الأمر الرابع: إننا بعقوبة البتر نمنع اللص عن الصلاة بل عن التوبة، ونقيم محفلا لمضارين حوله، فمن ذا الذي سيتزوج ابنة اللص؟، ومن الذي سيقبل أن يعمل عنده ابن اللص؟، وغير ذلك من المضاعفات كثير.

الأمر الخامس: يقول تعالى بالآية التي تلي القطع مباشرة { فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{39}؛

فكيف بالله سيتوب من تقطع يده ويتم تعرية شرفه بين الناس، 
وكيف سيكون وقتها الله غفور رحيم به، .....أين الرحمة فيمن تم الحكم عليه ببتر يده طوال فيظل عاجزا طوال حياته حتى وإن تاب، وقد يذهب بعض المجادلين بأنها مغفرة ورحمة بالآخرة، فلست أدري من أين جعلوها رحمة للآخرة فقط؟!.

ويتعلل القائلين بالبتر بأن الله تعالى قال: [جزاءا بما كسبا نكالا من الله] فهم يعنون أن التنكيل بالسارق وارد بالقرءان، لكن إن فهمنا أن كلمة [نكالا] وردت بعد فعل [كسبا] وليس بعد فعل [فاقطعوا] لعلمنا أن النكال يخص ما كسبه اللص نكالا عن أمر الشريعة التي وضعها الله، ولا يخص التنكيل بالسارق الذي ينتظر الله منه التوبة، فالله لا يُنَكِّل بعباده في الدنيا أبدا.

ويروي البخاري في صحيحه باب الحدود بالحديث رقم [ 6401 ] حدثنا عمر بن حفص ..... عن أبي هريرة عن النبي r قال: لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده.

بينما بشرح صحيح البخاري مدون الحديث التالي:[ ليس على خائن ولا مختلس ولا منتهب قطع ] رواه الزبير عن جابر ورفعه وصرح بن جريج في رواية النسائي، ....فهل من اختلس مليون جنيه لا تبتر يده بينما من يسرق البيضة والحبل تبتر يده؟.

فهذان الحديثان أهديهما لكل الفقهاء الذين تخربت عقولهم من فقه الأقدمين، وهم يتخذون أحكاما من مدسوسات السُّنَة القولية. وهل يا ترى سنبتر اليد لسرقة بيضة أو حبل ولا نبتر يد مختلس، أتكون هذه سوية فكرية!؟.

ولا يقولن قائل بأن الاختلاس هو نوع من الحرابة فذلك قول من يتغذى بفقة الشياطين، أيمكن أن تصدقوا بأن رسولكم يتسامح في الاختلاس ويبتر لسرقة بيضة؟!، أيمكن أن نستخلص الأحكام مما تقولون عنه سُنّة نبوية قولية صحيحة بينما هي تحمل الأمر ونقيضه؟!؛ أو تحمل عدم توازن بين الأفعال والعقوبات.

ومن هو ذلك الصحابي الذي بترت يده بعد نزول سورة المائدة؟، أرى بأن البينة على من ادعى، أو تراهم يظنون بأنه حكم لم يتم تنفيذه في المسلمين. 

وقالوا بأن عمر بن الخطاب كان يبتر فهل لم يفهم أحدهم أن روايات الرسول رغم ما تم العناية بها وتنقيتها ومع ذلك لا زالت التنقية حتى تاريخه واسألوا تلامذة الشيخ الألباني [يرحمه الله]...فكيف بقصص عن زيد وعبيد عن عمر بن الخطاب؟......ألا يعقل أحد؟.

لذلك فمن كل الأوجه كلمة القطع لا تعني أبدا البتر، لذلك وجب تجديد الفقه وتعليم جهلاء القوم الذين يطالبون بتطبيق الشريعة وهم لا يفهمونها، وقد يكون ذلك الفهم مستساغا بعصور كانت المدارك العقلية أقل مما هي عليه الآن لذلك يجب أن نتعامل مع النص بعقل وإمكانية اليوم.

ولا يجوز الاحتجاج بكتب التراث التي ورد بها ذلك البتر المشوّه لدلالات آيات الله، إذ أن التراث لم يتعرض لأي غربلة كالتي تعرض لها الحديث النبوي، ومع ذلك لا نزال نجد بالحديث النبوي مدسوسات إلى يومنا هذا.

والبتر كان من شرائع اليهود، وتم نسخه بالقرءان على النحو الذي أسلفنا لكن فقه العصر القديم وقد ارتمى في أودية الهلاك مع المرويات ظنية الثبوت فقد خرج علينا بالبتر وألصقه بالإسلام، بينما الإسلام منه براء،

فلا بتر ولا حسم لليد المبتورة بالنار أو بوضعها بالزيت المغلي، فهذه كلها أمور كانت على عهد أمم قبلنا واختلط الأمر على فقهاء الأمة فتصوروها من الإسلام، دون أن يعلموا مناسبة الحديث النبوي ولا توقيته، وعما إن كان قد صدر عن نبينا قبل نزول سورة المائدة التي تقول بالمنع ولا تقول بالبتر أم بعدها.

وقد يتعجب المتعجبين من هذا التخريج الفقهي الذي أقول به لكنه تدبر كتاب الله الذي أهملناه واستبدلنا فقهه بمرويات ظنية قمنا بتشييد ديننا عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق