الخميس، 26 فبراير 2015

العلماء في الحضارة الاسلامية

يقول ابن سينا في مقدمة "الشفاء" ص9 : 



ويكتب في مقدمة "أسباب حدوث الحروف" ص53 :


وفي مقدمة "الإشارات" ص113 -من شرح الطوسي- :




ملحد أصلي والله : يصلي خصوصًا على محمد وآله

يقول الفارابي في مقدمة "الحروف" ص61 :




وفي مقدمة وخاتمة "الجمع بين رأيي الحكيمين" :



وإني والله لأخجل من النقل لابن رشد (القاضي صاحب تصانيف الفقه وأصوله) لأثبت إسلامه ، تهافت التهافت ص55 :





وأنا لا أعرف كيف يكون الشخص ملحدًا وهو -ابن سينا- يصنف الكتب في إثبات (وجود الله) و (النبوات) ! -النجاة ص266 & 271 & 338





ويخوض في كشف ماهية الصلاة وسر تشاريعها ، البدائع - رسالة الصلاة ص2 :





بل ويفسر سورة الإخلاص (الله الله على إلحادك يابن سينا) :



والفارابي في "الجمع بين رأيي الحكيمين" ص60 & 62 :


صدفة و حظ و بخت ما فيه .. باي باي



وابن رشد في بداية "مناهج الأدلة" ص101 ط1 & ص132 ط2 :





وفي ص161 :



 أيضًا : صدفة و اتفاق ما فيه .. باي باي
  
وفي ص173 :




فهرس كتاب "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد(ملحد ما شاء الله) :






أخيرًا : ابن رشد يقول جُزُّوا رؤوس الزنادقة





١- الفارابي 

وُلد سنة 260 هجرية ولُقِّب ب" المعلم الثاني " نسبة للمعلم الأول أرسطو .. وهو شارح مؤلفات أرسطو المنطقية ... وصاحب كتاب "الآثار العلوية" والمنافح عن عقيدة التوحيد و الذي قضى عمره زاهدا متقشفا ليتفرغ لتأصيل فلسفة التوحيد وواجب الوجود وحين مات صلَّى عليه سيف الدولة ابن حمدان .. يقول الفارابي " معرفة الحقائق القصوى كلها مصدرها الله والفيلسوف يتلقى الحقائق بواسطة العقل الفعال فتكون طبيعتها عقليه وليس حسية أما الرسول فتأتيه المعارف مُنَّزلة من عند الله بتوسط الملك جبريل " 

ويضع الفارابي شرطا جوهريا في مدينته الفاضلة وهو الإيمان بالله الواحد الأحد لكل أبناء المدينة .. فكيف يُقال عن هذا أنه ملحد ؟..!!

المصدر :



٢- ابن طفيل 

وُلد سنة 493 هجرية في قرطبة وهو من قبيلة مُضر العربية وهو الفيزيائي الطبيب العالم الفيلسوف قاضي الأندلس .. 

صاحب رواية "حي بن يقظان " الشهيرة التي تروي قصة طفل نشأ في جزيرة نائية بحضرة الحيوانات فاهتدى بفطرته إلى الله وظل يتعبد له و قصة "حي بن يقظان " قصة فلسفية في غاية الرُقِّي الفكري تُصنَّف في باب الإلهيـات وإثبات الروح بالفطرة .. 

المصدر :


فهل هذا يُقال عنه أنه ملحد ؟ 

٣- ابن رشد 

وُلد سنة 520 هجرية .. فيلسوف وفقيه وقاضي وفيزيائي وطبيب .. إمام أهل الأندلس المالكي شيخ فلاسفة الإسلام .. قاضي أشبيلية .. صاحب كتاب " فصل المقال فيما بين الحِكمة والشريعة من الاتصال" وهو الكتاب الذي يشرح الجمع بين العقل والنقل .. يقول ابن رشد "إنّ الحكمة هي صاحبة الشّريعة و الأخت الرّضيعة لها وهما المصطحبتان بالطّبع المتحابّتان بالجوهر والغريزة "

ويَعتبر ابن رشد أن الفلسفة هي " النظر في الموجودات واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع أعني من جهة ما هي مصنوعات فإن الموجودات إنما تدل على الصانع بمعرفة صنعتها وأنه كلما كانت المعرفة بصنعتها أتم كانت المعرفة بالصانع أتم "

المصدر :

ابن رشد .. فصل المقال ص22 http://www.ibnrochd.org/ar/ 
ثم يأتي ملحد رضيع معاصر ويُصنف ابن رشد في قائمة الملحدين عنده ..والله المستعان .!!

٤- ابن الراوندي

من أكثر الشخصيات غُموضا في تاريخ أُمة الإسلام .. لا نعرف هل مات في الأربعين أم الثمانين انتقل بين الديانات ..
كان يهودياً وأسلم ليستعز بالدولة الإسلامية العباسية ثم أصبح معتزلياً لأنهم الأقرب للخليفة ثم هاجمهم ثم التحق بالشيعة الباطنية وألف كتاب في تأييد الشيعة مقابل 33 دينار ثم أصبح سُنياً وألف كتاب في التوحيد انتصاراً للسُنة ثم صار يهودياً مرة أُخرى وألَّف كتاب البصيرة لنصرة اليهودية مقابل 400 درهم ثم حاول الرد على اليهود فأسكته اليهود مقابل 100 درهم أُخرى .. ومِثل هذا عبء على اليهود واليهودية لا أكثر..!! 

المصدر :
يوسف زيدان أُستاذ الفلسفة ومدير مركز المخطوطات بمكتبة الاسكندرية

٥- عبد الله ابن المقفع

وُلد سنة 142 هجرية .. فارسي زرادشتي اعتنق الإسلام .. واتصل بعم أبي العباس السفاح و أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي وكانت علاقاته السياسية سببا مباشرا في قتله وتلويث سمعته من قِبل حُساده بعد موته .. ولذا يقول وائل حافظ في تصديره لكتاب الأدب الصغير " ابن المقفع كُتُبُهُ بين أيدينا تكاد تنطق قائلة : ((وايم الله ! إنَّّ صاحبي لبريء مما نُسب إليه)) !.وليت شعري كيف ساغ لفلان وفلان وفلان ممن ترجموا للرجل أن يجزموا بذلك وكلهم قد صَفِرَت يَدُهُ من البرهان؟ إنْ هي إلا تهمة تناقلوها بدون بيان وقِدْمًا اتهموا أبا العلاء المعري بذلك حتى قيض الله له مِن جهابذة المتأخرين مَن أثبت بالدليل الساطع والبرهان القاطع براءته. "

ولذا يقول د. عبد الرحمن بدوي " ابن المقفع نَسبت إليه المعتزلة الكثير من الأقوال وهذا يرجع إلى الحسد "

المصدر :
من تاريخ الإلحاد في الإسلام .. د.عبد الرحمن بدوي

٦- ابن زكريا الرازي

وُلد سنة 250 هجرية .. عالم وطبيب فارسي ومن أشهر الأطباء في التاريخ .. وقد ابتكر خيوط الجراحة وصنع المراهم .. 
لم ينكر وجود الله وكان يعتبر العقل هبة الله ليتفكر به الإنسان .. وهو صاحب كتاب "إن للعبد خالقاً ".. فكيف يُصنف في زمرة الملحدين .؟

أما ما نُسِّب إليه في النبوات فيقول د. عبد الرحمن بدوي " ابن زكريا الرازي كل ما لدينا عنه يرجع إلى ما يُورده الخصوم فضلا عن ندرة هذه الآثار أصلا "

المصدر :
من تاريخ الإلحاد في الإسلام .. د.عبد الرحمن بدوي .. ص165

ولذا يُثني عليه الإمام الذهبي في سِير أعلام النُبلاء ولم ينقل فيه مذمَّة واحدة يقول الذهبي " أبو بكر  محمد بن زكريا الرازي الطبيب  صاحب التصانيف  من أذكياء أهل زمانه  وكان كثير الأسفار وافر الحرمة  صاحب مروءة وإيثار ورأفة بالمرضى  وكان واسع المعرفة مكبا على الاشتغال  مليح التأليف .. وله كتاب : الحاوي ثلاثون مجلدا في الطب  وكتاب (إن للعبد خالقا) " !! 

المصدر :
سير أعلام النبلاء للذهبي : الطبقة السابعة عشر : محمد بن زكريا

٧- جابر ابن حيان 

وُلد سنة 101 هجرية .. عالم مسلم عربي .. كيميائي ويُعد أول من استخدم الكيمياء عمليا في التاريخ .. وتُسمى بإسمه فيقال " علم جابر " ويُقصد به الكيمياء، وله في الكيمياء ما لأرسطو في المنطق 

ويوصف طبقا لفرانسيس بيكون أنه " أول من عَلَّم عِلم الكيمياء " وهو أول من أكتشف الأحماض والقلويات وأطلق عليها هذا الإسم الذي ما زالت تعرف به في الغرب والشرق alkali واستخدم المنهج التجريبي في أبحاثه وكان من أصحاب جعفر الصادق وكان صوفيا دراسا للقرآن الكريم .. !!

ولا أدري ما علاقة الرجل بالإلحاد ..!!

٨- الجاحظ

وُلد سنة 159 هجرية  من كبار أئمة الأدب العربي في العصر العباسي وكان فقيرا فصار يبيع السمك والخبز في النهار ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل فكان يقرأ منها ما يستطيع قراءته

تتلمذ على يد إبراهيم بن سيار النظَّام المعتزلي  وله مقالات في أصول الدين وأشهر مؤلفاته " الحيوان " و" البيان والتبيين " وكان مُحبَّا للعلم والعلماء والأئمة وملازما لهم طيلة عمره ومن مؤلفاته في العقيدة " الحُجة في ثبت النبوة و " الرد على اليهود "و "الرد على الجهمية "

المصدر :

وما أدري كيف يوصف الرجل بالإلحاد ...؟ !!

٩- أبو العلاء المعري 

وُلد سنة 363 هجرية شاعر وأديب عربي من العصر العباسي .. قال ابن فضل العمري : "أخذ عنه خلق لا يعلمهم إلا الله،كلهم قضاة وخطباء وأهل تبحر واستفادوا منه، ولم يَذكره أحد منهم بطعن، ولم يُنسب حديثه إلى ضعف أو وهن" 

آمن المعري بالله إيمانًا فطريًا وعقليًا يجعله لا يرتاب في وجود الخالق :

أثبت لي خالقًا حكيمًا ... ولست من معشر نُفَاة
بل إن صِلته بربه قوية وأعز عنده من الدر والياقوت:
وشاهدٌ خالقي أن الصلاة له ... أجل عنديَ من دري وياقوتي

انقطع عن الدنيا وفارق لذائذها وأطلق على نفسه رهين المحبسين وكان يصوم النهار و يسرد الصيام سردًا لا يفطر إلا العيدين و يقيم الليل ولا يأكل اللحوم والبيض والألبان و لايتزوج وكان يكتفي بما يخرج من الأرض من بقل وفاكهة

المصدر :

اتُهم بالزندقة بسبب رسالته في الغفران لكنها رسالة مزح كان يمازح فيها صديقه ابن القارح و لكنه وَجد من يدافع عنه نافيًا هذه التهمة ومن هؤلاء أبو فهر محمود شاكر والمُحدث أحمد شاكر و القفطي و ابن العديم وسَمَّى الأخير كتابه " كتاب الإنصاف والتحري في دفع الظلم والتجري عن أبي العلاء المعري " و قال في مقدمته متحدثًا عن حُسَّاده وشانئيه " ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصده فجعلوا محاسنه عيوبًا وحسناته ذنوبًا وعقله حمقًا وزهده فِسقًا، ورشقوه بأليم السِهام "

ومِن أحسن الشهادات في حقه شهادة الإمام الذهبي حين قال في سير أعلام النُبلاء " وفي الجملة فكان من أهل الفضل الوافر والأدب الباهر والمعرفة بالنَسَّب وأيام العرب وله في التوحيد وإثبات النبوة و ما يحض على الزهد وإحياء طرق الفتوة والمروءة شِعر كثير والمشكل منه فله ـ على زعمه ـ تفسير " 

١٠- الكِندي

وُلد سنة 185 هجرية .. عالم مسلم عربي .. برع في الفيزياء والطب والترجمة وهو رائد تحليل الشفرات .. ويلقب ب "فيلسوف العرب" نظرا لبراعته في التوفيق بين الفلسفة والعلوم الإسلامية  و فلسفته كانت في إثبات توحيد الله و في الروح و يرى أن النبوة تفضل الفلسفة في أربعة أوجه " في شموليتها وأنها من الله مباشرة وسهولة تلقيها من الله و سرعة تلقينها للناس العاديين بعكسه الفلسفة الأكثر تعقيدا " 

المصدر :

فكيف يقال عن هذا أنه مُلحد ؟

١١- أبو حيان التوحيدي 

وُلد سنة 310 هجرية .. فيلسوف متصوف .. قال عنه تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى " شيخ الصوفية و صاحب كتاب البصائر وغيره من المصنفات في علم التصوف و كان فقيراً صابراً متديناً إلى أن قال : و كان صحيح العقيدة

قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء 

"أبو حيان التوحيدي... صوفي السمت والهيئة.. فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة وفصاحة ومكنة كثير التحصيل للعلوم في كل فن حفظه واسع الدراية والرواية وكان مع ذلك محدوداً محارفاً يشتكي صرف زمانه، ويبكي في تصانيفه على حرمانه..." 

المصدر :

ياقوت الحموي معجم الأدباء الجزء الخامس عشر حرف العين

الأحد، 22 فبراير 2015

العرب لم يغزوا الاندلس


١- التدوين

يقول الكاتب أولاغي

" لو تم غزو إيبريا عربياً سنة 711م لكان كثير من المؤرخين الذين عاصروا تلك الفترة شهدوا على هذا الحدث الكبير ولو فرضنا أن الحرب الأهلية أتلفت جميع الشهادات لكان ينبغي أن تشير أخبار القرن التالي -يعني الثامن الميلادي- إلى هذا الحدث الكبير ولو في نص واحد على الأقل "

و عندما يتعلق الأمر بغزو ما فلا يمكن أن يكون دور الغزاة غامضاً فالغزاة والمغزوون هنا متمايزون بشكل واضح الغزاة من شعب غريب يحملون عادات ومفاهيم ثقافية تنتمي إلى حضارة أخرى يجهلها أبناء البلد المغزو و لكن لم يظهر شيء من هذا القبيل في مانعرفه من تلك الحقبة و أما الأخبار التي نقلها ابن حبيب و زملاؤه في القرن التالي عن رواة القاهرة فلم تنتشر وتترسخ في الرأي العام إلا ثمرة جهود استمرت قروناً طويلة وحتى بعد مئة سنة من نشر كتاب ابن حبيب لم يقبل الرواة البربر الذين نقَلوا معظم روايات الكتاب هذه النظرية و قالوا إن غزو إسبانيا تم فعلاً و لكن من قبل المراكشيين ! و كان يجب الانتظار حتى القرن الثاني عشر -الميلادي- لتتخذ الخرافة -خرافة الغزو- بنية متآلفة وغير متناقضة

أما في الجانب الآخر فقد آثار ظهور الحضارة العربية الإسلامية في إسبانيا عقدة لدى المسيحيين الغربيين و يبدو أن الكنيسة الكاثوليكية قبلت هذه الخرافة في النهاية على مضض "



٢- عبور مضيق طارق

" ينبغي القيام بمئة رحلة على الأقل لنقل رجال طارق السبعة آلاف في ظروف عادية وشعب بحريٌّ وحده من مثل أبناء مدينة قادش Cadés على نحوٍ أساسي يستطيع أن ينجز مثل هذه العملية و خاصة أن شعب هذه المدينة وهي ساحلية تقع جنوب إسبانيا- كان يقوم برحلات إلى انكلترا منذ الألف الثالث قبل الميلاد بحثاً عن القصدير و فضلاً عن أن بحارة قادش تمكنوا من الإبحار بمحاذاة شاطئ إفريقيا الغربي وربما توصلوا إلى الدوران حول إفريقيا "

يضيف أولاغي "أن هؤلاء البحارة هم الذين ساعدوا "الفاندال Les Vandales" الجرمان على الانتقال في الاتجاه المعاكس وبعد مرحلة من الانحطاط البحري كان بحارة قادش مازالوا قادرين في أوائل القرن الثامن على امتلاك زوارق تستطيع نقل الجيوش

و السؤال هو : لماذا أدّى هؤلاء الأندلسيون هذه الخدمة إلى الذين جاؤوا لإخضاعهم فلو سلّمنا أن "طارق" خدع الإيبيريين و نجح في إخفاء نواياه فلماذا ساعد هؤلاء البحارة موسى بن نصير في نقل الدعم لطارق بعد بضعة أشهر؟! "


٣- احراق المراكب

إنه رأى أن الشكوك تحوم حول هذه الرواية كلها التي تشبه الخيال المسرحي فقصة إحراق المراكب إنما رواها أول من رواها الإدريسي في "نزهة المشتاق" وابن الكردبوس و هما من القرن الهجري السادس ثم رواها "الحميري" صاحب "أرض المعطار" بعدهم فلماذا لم يذكرها المؤرخون السابقون على مدى خمسة قرون سابقة؟ والعملية نفسها تروى عن عدد من القواد الذين سبقوا طارقاً ومنهم كما يذكر الدكتور مصطفى "أرياط الحبشي" الذي عبر البحر إلى اليمن والقائد الفارسي الذي رافق سيف بن ذي يزن إلى اليمن و"أسد بن الفرات" فاتح صقلية إلخ"ولماذا يحرق طارق السفن ولا يأمرها بالعودة إلى ساحل المغرب؟" "وكيف يحرق أسطولاً لا يملكه؟!"


٤- ممر الجزيرة Algeciras


يقول أولاغي" في الواقع يشكل هذا الممر فخاً حقيقياً يساوي الدخول فيه تسليم الرأس إلى العدو و أما مدينة اسيغا فتقع على مسافة 160كم من مخرج هذا الممر والطريق إليها مزروعة بمدن مثل رندة Randa وأوسيما Osuma وغيرهم من مدن قوية منذ القدم قبل الفتح الروماني "

ويسخر أولاغي من الرواية عن احتلال قرطبة بواسطة سبعمئة فارس حصلوا على الخيول بعد نزولهم في إيبيريا قائلاً :

" هكذا إذن نجحت هذه الكوكبة من الفرسان في عمل باهر يعتبر فريداً في سجلات الحروب فقد استطاعوا احتلال أهم مدن إيبيريا تلك المدينة كان يحميها سور هائل بني في أواخر عهد الأمبراطورية الرومانية ولا يزال قسم منه منتصباً حتى الآن "

و هناك من ظنهم أكلة لحوم البشر وإذا كان "المقري" قد ذكر أن أهل مارده Merida ظنوا قوم موسى بن نصير انهم اكلة لحوم البشر ثم يقول متحدثاً عن مارده :

" كانت هذه المدينة من أهم مدن إيبيريا كان يسكنها أكثر من نصف مليون نسمة (ولابد أن العرب فقدوا عقولهم أمام عظمتها) وقد ظلت حتى القرن الثامن مركزاً حضارياً هاماً خصوصاً بعماراتها الأنيقة ولم تكن قرية مأهولة بسكان جهلة ولم يكن من الممكن خداعهم بحيلة : تغيير لون اللحية..! "

وثمة فكرة أخطر وأهم كثيراً مما تقدم جميعاً يقدمها أولاغي نقلاً عن "أخبار مجموعة" فهو يقول :

" عندما نزل موسى بن نصير في مدينة الجزيرة Algeciras أخبروه عن الطريق التي اجتازها طارق فأعلن عدم رغبته باللحاق به  فقال له المسيحيون الذين يلعبون دور الدليل : " نقودك في طريق أفضل من طريقه حيث تجد مدناً أكثر أهمية من المدن التي استولى عليها " 

و يتابع أولاغي " لم يعرف العرب أين يذهبون فالمسيحيون هم الذين يقترحون لهم الأفكار و  أما "الغزاة" فكانوا تحت رحمة السكان المحليين فلو كان هؤلاء المسيحيون السكان يشعرون بالعداء إزاء هؤلاء الغزاة الأجانب، فكيف يتطوعون ليدلوهم على طريق أفضل ويخبروهم عن مدن أهم للاستيلاء عليها !؟ "

٥- معركة بواتبه

" ألا يمكننا الافتراض أن أولئك الفرسان الذين اندفعوا في غزواتهم حتى مدينة بواتيه والذين تدّعي الروايات أنهم عرب لم يكونوا إلا من سكان جبال البيرنة و لم يعرفوا إلا تحت أسماء عربية !؟ "

ويصل هذا المؤرخ الإسباني في هذا الاتجاه إلى حدود المبالغة فيقول :

" حوالي سنة 755م توصل محارب شجاع إلى احتلال قرطبة و السيطرة على الأندلس و نقلت الروايات البربرية اسمه و سكتت عنه الروايات اللاتينية و لقّبه العرب بالمهاجر ثم بالداخل من أجل تدعيم هيبته و نفوذه ثم من أجل مداهنة ذريته التي درج الناس على مدحها ومصانعتها ثم ينتهي أولاغي إلى هذا الاستنتاج المدهش :

" يقول المؤرخون التقليديون إن عبد الرحمن كان من ذرية خلفاء دمشق الأمويين بينما نحن نعلم أنه نموذج جرماني أشقر اللون فاقعه و حافظت ذريته على هذه الخصائص خلال قرنين من الزمن : بشرة فاتحة اللون و عيون زرقاء و شعر شديد الشقرة و إن استمرار هذه الخصائص الفيزيولوجية في ذرية الأمير "العربي" لفتت أنظار المؤرخين الأندلسيين المسلمين وقد فسّر بعضهم هذا الأمر مستنداً إلى ما يقوله كُتّاب الأخبار البربر حول أن أُمّه كانت بربرية ( من قبائل الطوارق الذين يحملون هذه الفيزيولوجية الجرمانية )

ينتهي أولاغي إلى أن عبد الرحمن الداخل " لم يكن أموياً ولا سامياً ولا بربرياً وهذا ما يؤكده السياق التاريخي تماماً و كما يؤكد أن الغزو العربي لم يحدث مطلقاً "

و يذهب أولاغي أبعد من هذا فيذكر أنه " كان على كل رجل عظيم أن يعود في أصوله إلى العرب و الإيبيري الذي لم يكن بإمكانه ادعاء الرجوع بأصوله إلى الرسول (ص) كي لا ينافس أمراء قرطبة اكتفى باتخاذ إبراهيم وهاجر جدَّين له " 

وهو يجزم أن اثنين من أعلام الأندلس هما من أصل إيبيري فيكتب :

" أما الإيبيريون التوحيديون الأحاديون فكانوا قد بدؤوا منذ القرنين التاسع والعاشر يتخذون أسماء عربية والأمثلة كثيرة خصوصاً في صفوف كبار كتاب العربية الذين نعرف بصورة أكيدة أصلهم الإيبيري : ابن حيان وابن حزم اللذين لا خلاف حول أصلهما الإيبيري "

في النهاية فإن إغناسيو أولاغي يرفض رفضاً قاطعاً فكرة غزو العرب شبه الجزيرة الإيبيرية فالعرب والمسلمون لم يفتحوا إسبانيا عسكرياً و قد حدث التحول إلى الإسلام في الأندلس عبر حركة الأفكار و تصارعها ثم هيمنة الفكرة-القوة على حد تعبير أولاغي و هي التي شكلت عصب الحضارة العربية الإسلامية في ثلاثة أرباع العالم 

ويعود أولاغي إلى التأكيد على هذه المسألة فهو يقول :

" حسب الروايات العربية تمّ غزو إيبيريا من قبل سكان شبه الجزيرة العربية الذين استطاعوا بقوة السلاح أن يؤسسوا امبراطورية عظيمة و حسَب أقدم النصوص اللاتينية التي وصلتنا فإن الأمر لا يعدو كونه ثورة دينية كانت في بادئ الأمر محلية ثم انخرطت في حركة سياسية ثقافية حضارية واسعة النطاق، شملت نصف العالم آنذاك "

٦- سكان ايبيريا الاصليين 

" لم يحدثنا التاريخ عنهم بعد سنة 711م مع هذا فإن عشرة ملايين نسمة -في أقل تقدير- لا يمكن أن يكونوا قد اختفوا هكذا بضربة ساحر ففي تلك الحقبة السعيدة لم تكن هناك وسائل إبادة جماعية و كان يلزم الفاتحين كثير من الوقت و العمل لجزر هذا العدد بالسيف "

ثم يتساءل تساؤلاً يجيء في موضعه :

" فإذا كان اجتياح أرض مسيحية من قبل "الكفار" قد بدا بهذه الضخامة بماذا نستطيع إذاً أن نصف اعتناق شعبها الإسلام وتمثله الحضارة العربية الإسلامية !؟ إما أن يكونوا قد قتلوا جميعاً و إما أنهم استرقوا عبيداً أو إنهم لجؤوا إلى الجبال أو ببساطة أن المؤرخين تجاهلوا وجودهم "

ثم يندفع أولاغي بثقة و قوة كي يضع النقاط على الحروف معتبرا أن الإيبيريين قد وضعوا أيديهم على نبض العصر حينذاك من خلال الإندفاعة الحضارية العربية التي كان الدين الجديد شعارها إنها لم تكن اندفاعة بدوية ولا غزواً تترياً :

" لماذا و كيف اعتنقت الجماعات الإنسانية التي كانت متمركزة في المقاطعات البيزنطية في آسيا ومصر وإفريقيا الشمالية و شبه جزيرة إيبيريا إيماناً جديداً و مفهوماً جديداً للوجود !؟ قد يسهل تحويل خرافة الغزوات العربية -المستحيلة جغرافياً- و تاريخياً إلى حقيقة ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن حضارة عربية إسلامية قد امتدت في جميع هذه الأصقاع "

- انتشار الاسلام في شبه الجزيرة

" تميزت التوفيقية الأريوسية بالإيمان بإله واحد يحمل بالنسبة لبعض المفكرين صفات الكائن الماورائي أو يرتدي هالة الأبوية المافوق أرضية و يراقب الناس وأعمالهم فيكافئ ويعاقب ولم يكن هذا المعتقد مجرداً ولا حتى خارقاً ولايتضمن قواعد تتجاوز المبادئ الطبيعية أو البيولوجية التي تشكل مجتمعاً سليماً و اضفت أهمية الموروث الثقافي الإيبيري على التوفيقية الآريوسية حساسية الانفتاح على جميع التيارات الثقافية الآتية أو التي ستأتي من أراضٍ بعيدة شرط أن تكون مشهورة بحضارة غنية وذات طاقة خلاقة " 

"حين وصل دعاة الإسلام لم تختلف الخطوط الكبرى في إيمانهم عن تلك التي كانت في معتقد السكان الأصليين. ولعل نقطة الخلاف الوحيدة كانت وجود النبي (ص) وبعض قواعد في السلوك. وعبر السجال الفكري بين فقهاء مدرستين تكادان أن تكوّنا مدرسة واحدة، انزلقت التوفيقية. الآريوسية إلى التوفيقية الإسلامية. وهكذا دون صراع أو تواطؤ تم التبشير بصورة بطيئة وهادئة "

" لا نعرف الكثير عن سياق التعريب الذي عاشه الشعب، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن المثقفين من أنصار التوحيد الأحادي -يعني الأريوسيين- تركوا في تلك المرحلة اللغة اللاتينية ليتعلموا العربية، بهدف التميّز عن "الثالوثيين" والإطلاع على عقيدة تتفق وعقيدتهم في شأن الطبيعة الإلهية، وعلى الحضارة التي بدأت تزدهر في ظل هذه العقيدة. وشيئاً فشيئاً بدأت السياسة والحضارة تؤثران على الدين في فروعه العامة "

" فخلال النصف الأول من القرن التاسع كانت أقلية مسيحية مهمة تعيش في قرطبة وتمارس عباداتها بحرية كاملة"

و يستشهد أولاغي بما كتبه القديس إيلوج، وكان مسيحياً متعصباً عايش تلك الفترة فهو يقول :

" نعيش بينهم دون أن نتعرض إلى أي مضايقات، في ما يتعلق بمعتقدنا " 

ويتابع أولاغي:

" وبالفعل فإن كنائسهم حافظت على أبراجها وأجراسها وتوجد محتويات آخر هذه الكنائس واثني عشر ديراً في محيط المدينة "

" كذلك تمتع المسيحيون بامتياز المحافظة على حاكم مستقل و كان كونتاً أو قاضياً يدعى الرقيب وكان حرس الأمير من الطائفة المسيحية ولعب هذا الحرس دوراً هاماً في السياسة الإسلامية و احتل عدد من الأرثوذكس مناصب هامة في الدولة "

الخميس، 19 فبراير 2015

ليلى حسن - الغرب لم يغزوا الاندلس

وجوه شديدة البياض عيون زرقاء صحاري الحجاز
سنة 2010 قمت بزيارة قصر الحمراء في غرناطة . الذي بناه بنو نصر( النصريون، بنو الأحمر) . النصريون ينسبون انفسهم الى صحاري الجزيرة و يقولون ان جذورهم تعود لقبيلة الخزرج القحطانية ومن سلالة سعد بن عبادة الخزرجي اهم ما اثار انتباهي هو تواجد عبارة "ولا غالب إلا الله " في كل غرف و باحات القصر. و شيئ محير للغاية هو جداريات القصر التي تصور الملوك النصيريين الذين تعاقبوا على حكم مملكة غرناطة.الجداريات تصور لنا ملوك ذو بشرة شديدة البياض و شعر احمر اشقر و عيون زرقاء . طبعا هذه الجداريات تؤكد ان هؤلاء القوم لا علاقة لهم بصحراء الحجاز. المرجح انهم ونداليين جرمان اعتنقوا الاسلام و اخترعوا لانفسهم نسبا عربيا كحال عبد الرحمان الداخل الذي اخترع له نسب اموي بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك واعتبره من ذرية النبي. بينما نحن نعلم أنه نموذج جرماني أشقر اللون فاقعه، وحافظت ذريته على هذه الخصائص، خلال قرنين من الزمن: بشرة فاتحة اللون وعيون زرقاء وشعر شديد..




جيش غرناطة
صور مأخوذة من مجلد Cantigas de Santa Maria المحفوظ في El Escorial) شمال مدريد . اهمية الصور تكمن ان المجلد دون سنة 1284 م اي في فترة معاصرة للملكة غرناطة. من خلال الصور يتبين لنا ان المحاربين في جيش غرناطة حالهم كحال ملوكهم . انهم ذو بشرة شديدة البياض و شعرهم اشقر احمر بنسبة كبيرة......في احدى الصور نرى النجمة السداسية على دروع المقاتلين في جيش غرناطة.




من خلال هذه الصورة يتبين ان الرسامين كانوا ياخدون في الحسبان لون البشرة و الشعر


العرب لم يغزو الأندلس
اخبار الأندلس: بعد مئة سنة من دخولها
.. إن أولاغيIgnacio Olagüe يعتقد أن أخبار فتح الأندلس بدئ بكتابتها بعد قرن من تاريخ حدوثها. وقد كتبت اعتماداً على بعض الروايات المصرية التي سمعها طلاب جاؤوا من الأندلس إلى القاهرة.. فسمعوا ما سمعوا عن الفتح المزعوم. وإذن، وبعد مئة سنة من دخول العرب إلى الأندلس، راح المسلمون يبالغون في وقائع الفتح إلى حد الأساطير. ولكن المسيحيين، في المقابل وجدوا أن خرافة الفتح تناسبهم لتفسير هذا التحول في إسبانيا.. نحو الإسلام. ولكن أي إسبانيا هذه التي تحولت؟ إنها إسبانيا "الآريوسية" الموحدة.
لقد كان بين الطلاب الأندلسيين العائدين من القاهرة "ابن حبيب"" الذي وضع كتاباً في التاريخ ضمَّنه المعلومات التي سمعها في شأن الغزو. وكان هذا الكتاب مفتاح كل ما بني بعد ذلك في مسألة اجتياح العرب إسبانيا. ولكي نأخذ فكرة عن أهمية هذا الكتاب، يذكّرنا إغناسيو أولاغي، بما قاله المؤرخ الألماني "راينهارت دوزي" في كتابه "بحث في إسبانيا. تاريخها وأدبها في القرون الوسطى": "ألم يتكون لديك أيها القارئ انطباع بأنَّ ما تقرأ لدى ابن حبيب هو أقرب إلى نصوص ألف ليلة وليلة"..
يقول أولاغي: لو تم غزو إيبريا عربياًسنة 711م لكان كثير من المؤرخين الذين عاصروا تلك الفترة شهدوا على هذا الحدث الكبير. ولو فرضنا أن الحرب الأهلية أتلفت جميع الشهادات، لكان ينبغي أن تشير أخبار القرن التالي -يعني الثامن الميلادي- إلى هذا الحدث الكبير، ولو في نص واحد على الأقل. "وعندما يتعلق الأمر بغزو ما، فلا يمكن أن يكون دور الغزاة غامضاً، فالغزاة والمغزوون هنا متمايزون بشكل واضح. الغزاة من شعب غريب يحملون عادات ومفاهيم ثقافية تنتمي إلى حضارة أخرى يجهلها أبناء البلد المغزو. لكن.. لم يظهر شيء من هذا القبيل في مانعرفه من تلك الحقبة. أما الأخبار التي نقلها ابن حبيب وزملاؤه في القرن التالي عن رواة القاهرة، فلم تنتشر وتترسخ في الرأي العام إلا ثمرة جهود استمرت قروناً طويلة. وحتى.. بعد مئة سنة من نشر كتاب ابن حبيب، لم يقبل الرواة البربر الذين نقَلوا معظم روايات الكتاب، النظرية، وقالوا إن غزو إسبانيا تم فعلاً.. ولكن من قبل المراكشيين(!) وكان يجب الانتظار حتى القرن الثاني عشر -الميلادي- لتتخذ الخرافة -خرافة الغزو- بنية متآلفة وغير متناقضة. أما.. في الجانب الآخر فقد آثار ظهور الحضارة العربية الإسلامية في إسبانيا عقدة لدى المسيحيين الغربيين. ويبدو أن الكنيسة الكاثوليكية قبلت هذه الخرافة في النهاية على مضض." ويمحص المؤرخ الإسباني مسألة عبور طارق بن زياد المضيق، بناء على رواية ابن حبيب بالطبع مشيراً في البداية إلى الصعوبات الجغرافية بقوله:
"للوصول إلى إيبيريا كان على العرب أن يجتازوا المضيق البحري الذي يفصل إفريقيا عن أوروبا. الجمل "سفينة الصحراء" الذي يسبب "دوار البحر" لمن يمتطيه دون خبرة. إنه سفينة صحراوية وليست بحرية. كذلك البربر، لم تكن لديهم سفن بحرية. حتى لو تزود العرب بالزوارق، فقد كان عليهم أن يجدوا الربابنة المهرة، خاصة أن مضيق جبل طارق الذي يصل ما بين البحر المتوسط الخالي من المدّ والجزر وبين الأطلسي، يشكل ممراً لتيارات قوية تسير في الاتجاهين، وتهزه على نحو دائم رياح عنيفة. إنه ممر خطير للغاية، ويعرف أنه مقبرة البواخر.".
حكاية الزوارق الأربعة .. والغزو
ثم ينتقل أولاغي إلى التدقيق في جانب آخر من الموضوع حسب ما ورد في "أخبار مجموعة" المنسوب إلى ابن حبيب(*) قائلاً:
"أعار المدعو أولبان- يوليان- العرب أربعة زوارق، لا يزيد الحد الأقصى لحمولة الزرق الواحد عن خمسين رجلاً إضافة إلى البحارة، ويحتاج طارق في هذه الحالة، لنقل جيشه إلى خمس وثلاثين رحلة، أي: سبعين يوماً.. تقريباً. ذاك أن هذا النوع من الزوارق يحتاج، على الأقل إلى يوم واحد ليقطع المسافة، وإذا حسبنا الأسابيع ذات الطقس الرديء، التي تتوقف فيها الرحلات، بلغت هذه المدة ثلاثة أشهر، ولا يمكن أن يتم إبحار كهذا، إلا إذا استطاع النازلون على شواطئ إسبانيا النجاة من مجزرة"
يستطرد المؤرخ الإسباني في الاتجاه نفسه فيقول:
"ينبغي القيام بمئة رحلة على الأقل، لنقل رجال طارق السبعة آلاف في ظروف عادية وشعب بحريٌّ وحده، من مثل أبناء مدينة قادش Cadés، على نحوٍ أساسي يستطيع أن ينجز مثل هذه العملية. خاصة أن شعب هذه المدينة وهي ساحلية تقع جنوب إسبانيا- كان يقوم برحلات إلى انكلترا منذ الألف الثالث قبل الميلاد بحثاً عن القصدير. فضلاً عن أن بحارة قادش تمكنوا من الإبحار بمحاذاة شاطئ إفريقيا الغربي. وربما توصلوا إلى الدوران حول إفريقيا."
يضيف أولاغي "أن هؤلاء البحارة هم الذين ساعدوا "الفاندال Les Vandales" الجرمان على الانتقال في الاتجاه المعاكس. وبعد مرحلة من الانحطاط البحري كان بحارة قادش مازالوا قادرين، في أوائل القرن الثامن، على امتلاك زوارق تستطيع نقل الجيوش. والسؤال هو: لماذا أدّى هؤلاء الأندلسيون هذه الخدمة إلى الذين جاؤوا لإخضاعهم. فلو سلّمنا أن "طارق" خدع الإيبيريين ونجح في إخفاء نواياه، فلماذا ساعد هؤلاء البحارة موسى بن نصير في نقل الدعم لطارق بعد بضعة أشهر؟!".
وفي المقابل يقول الدكتور شاكر مصطفى إن المؤرخين يتحدثون عن إحراق السفن التي جاء طارق عليها ليقطع أملهم في العودة، أو ليجعل العرب الذين لا يثقون به، يؤمنون أنه جعل نفسه والبربر الذين معه أمام مصير واحد.
رواية تشبه الخيال المسرحي
إنه رأى أن الشكوك تحوم حول هذه الرواية كلها التي تشبه الخيال المسرحي، فقصة إحراق المراكب إنما رواها أول من رواها الإدريسي في "نزهة المشتاق" وابن الكردبوس، وهما من القرن الهجري السادس، ثم رواها "الحميري" صاحب: أرض المعطار" بعدهم.. فلماذا لم يذكرها المؤرخون السابقون على مدى خمسة قرون سابقة؟ والعملية نفسها، تروى عن عدد من القواد الذين سبقوا طارقاً، ومنهم كما يذكر الدكتور مصطفى: "أرياط الحبشي" الذي عبر البحر إلى اليمن، والقائد الفارسي الذي رافق سيف بن ذي يزن إلى اليمن و"أسد بن الفرات" فاتح صقلية إلخ. "ولماذا يحرق طارق السفن ولا يأمرها بالعودة إلى ساحل المغرب؟" "وكيف يحرق أسطولاً لا يملكه؟!"
.. أما قصة خطبة طارق بن زياد فهي قصة أخرى. وهي التي تنسب إليه وفيها يقول: "أيها الناس، أين المفر؟! البحر من ورائكم، والعدو أمامكم، وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة، أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم العدو بجيشه وأسلحته، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا قوت إلا ما تستخلصونه من عدوكم...".
.. يقول د. شاكر مصطفى: إنها بليغة جميلة شائعة، ولكن الشكوك تحف بها بدورها. فمن أين لابن زياد هذه البلاغة؟ وكيف يخاطب جنداً كانوا في جمهرتهم من البربر الذين لا يفقهون العربية؟!
ماردة وموسى والخضاب... المرعب
............. ولكن هذه الحيلة لم تنفع المسلمين واستشهد بعضهم كما يقول المقري. وعندئذ فكر موسى بن نصير على نحو آخر.. لقد أراد أن يتفاوض مع أهل ماردة، وأن يوقع الرعب في قلوبهم على نحو فريد.. هو التلاعب بلون شعره، بواسطة صبغة أو تخضيبه "واحتال في توهيمهم في نفسه، فدخلوا عليه أول يوم فإذا هو أبيض الرأس واللحية لمّا نصل خضابه -أي: زال أثر الصبغة وظهر الشيب- فلم يتفق لهم معه أمر. وعاودوه قبل الفطر بيوم فإذا هو قد قنأ لحيته -أي صبغها- فجاءت كضرام عرفج -أي: حمراء كشجر عرفج سريع الالتهاب- فعجبوا من ذلك. وعاودوه يوم الفطر، فإذا هو قد سوّد لحيته فازداد تعجبهم منه، وكانوا لا يعرفون الخضاب ولا استعماله، فقالوا لقومهم: إنا نقاتل أنبياء يتخلقون كيف شاؤوا، ويتصورون في كل صورة أحبوا: كان ملكهم شيخاً فقد صار شاباً، والرأي أن نقاربه ونعطيه ما يسأله، فمالنا به طاقة. فأذعنوا عند ذلك، وأكملوا صلحهم مع موسى."
لابأس أن نتوقف عند تعليق المؤرخ الإسباني "أولاغي" على هذه الروايات حول تساقط المدن والبلدان الإسبانية، في أيدي "الغزاة العرب". فهو ينقل عن ابن حبيب، أو تلميذه، في كتاب "أخبار مجموعة" أنه "بعد انتصار طارق في معركة وادي لكه Guadalete اجتاز ممر الجزيرة Algeciras ثم توجه نحو مدينة أسيغا ECIGA .
يقول أولاغي: في الواقع يشكل هذا الممر فخاً حقيقياً يساوي الدخول فيه تسليم الرأس إلى العدو. أما مدينة اسيغا فتقع على مسافة 160كم من مخرج هذا الممر، والطريق إليها مزروعة بمدن مثل رندة Randa وأوسيما Osuma وغيرهما: مدن قوية منذ القدم، قبل الفتح الروماني."
.. ويسخر أولاغي من الرواية عن احتلال قرطبة، بواسطة سبعمئة فارس حصلوا على الخيول بعد نزولهم في إيبيريا، قائلاً:
"هكذا، إذن نجحت هذه الكوكبة من الفرسان في عمل باهر يعتبر فريداً في سجلات الحروب، فقد استطاعوا احتلال أهم مدن إيبيريا، تلك المدينة، كان يحميها سور هائل بني في أواخر عهد الأمبراطورية الرومانية، ولا يزال قسم منه منتصباً حتى الآن."
وهناك من ظنهم أكلة لحوم البشر
.. وإذا كان "المقري" قد ذكر أن أهل مارده Merida، ظنوا قوم موسى بن نصير، حين صبغ لحيته "أنبياء يتخلّقون كيف شاؤوا" فإن أولاغي يروي أن بعضهم حسبهم من "أكلة لحوم البشر" ثم يقول متحدثاً عن مارده:
"كانت هذه المدينة من أهم مدن إيبيريا، كان يسكنها أكثر من نصف مليون نسمة (ولابد أن العرب فقدوا عقولهم أمام عظمتها) وقد ظلت حتى القرن الثامن مركزاً حضارياً هاماً، خصوصاً بعماراتها الأنيقة. ولم تكن قرية مأهولة بسكان جهلة. ولم يكن من الممكن خداعهم بحيلة: تغيير لون اللحية..!"
وثمة فكرة أخطر وأهم كثيراً مما تقدم جميعاً، يقدمها أولاغي نقلاً عن "أخبار مجموعة" فهو يقول:
عندما نزل موسى بن نصير في مدينة الجزيرة Algeciras أخبروه عن الطريق التي اجتازها طارق فأعلن عدم رغبته باللحاق به. فقال له المسيحيون الذين يلعبون دور الدليل: "نقودك في طريق أفضل من طريقه، حيث تجد مدناً أكثر أهمية من المدن التي استولى عليها، وحيث -
سيداً دون منازع" ويتابع أولاغي:
"لم يعرف العرب أين يذهبون، فالمسيحيون هم الذين يقترحون لهم الأفكار. أما "الغزاة" فكانوا تحت رحمة السكان المحليين!!"
.. فلو كان هؤلاء المسيحيون الإسبان يشعرون بالعداء إزاء هؤلاء الغزاة الأجانب، فكيف يتطوعون ليدلوهم على طريق أفضل، ويخبروهم عن مدن أهم للاستيلاء عليها؟
.. ويستطرد أولاغي:
"وماذا عن المدن الحصينة مثل طليطلة Tolido أو رندة Randa؟ صمدت هذه الأخيرة، مدة نصف قرن في وجه أمراء قرطبة الأشد قوة من طارق وموسى مجتمعين. أن يأخذ العرب مدناً بالخدعة الحربية، أو بفضل الخيانات المحلية أمر يمكن فهمه، ولكن.. أن يجتاحوا بسهولة بالغة، مئات المدن، كان بعضها من أهم مدن العالم آنذاك.. فأمر آخر.".
.. وفي تنويع آخر على اللحن ذاته: أن العرب لم يغزوا الأندلس، ينطلق أولاغي منطلقاً يصب في الطاحونة ذاتها. فهو يقول: إن القوط في كتابات البربر يحملون أسماء عربية، لذلك يصعب حتى على المختصين التعرف على أصول هذه الأسماء اللاتينية والجرمانية" ويتابع: "ولأن الأخبار اللاتينية لم تتحدث عن الأحداث التي جرت في إيبيريا بعد سنة 711، أي بعد أن خسرت الارثوذكسية إيبيريا، يصبح من المستحيل التعرف على أسماء الإيبيريين الذين لعبوا دوراً متميزاً عن غيرهم. فما هي حقيقة الرجل الذي عرف تحت اسم عبد الرحمن الغافقي"
هل كان الفرسان.. من جبال البيرنة؟
. ومن المعروف أن هذا الغافقي العظيم كان قد اندفع من الأندلس عبر جبال البيرنة سنة 732م نحو فرنسا.. حيث كانت معركة بواتيه Poitiers بينه وبين شارل مارتل، في السنة نفسها في شهر تشرين الأول، وقد هزم عبد الرحمن في هذه المعركة وقتل.
إن أولاغي يمضي بعيداً في هذا الاتجاه، فيتساءل:
"ألا يمكننا الافتراض أن أولئك الفرسان الذين اندفعوا في غزواتهم حتى مدينة بواتيه والذين تدّعي الروايات أنهم عرب، لم يكونوا إلا من سكان جبال البيرنة، ولم يعرفوا إلا تحت أسماء عربية؟"
.. ويصل هذا المؤرخ الإسباني في هذا الاتجاه إلى حدود المبالغة فيقول:
"حوالي سنة 755م توصل محارب شجاع إلى احتلال قرطبة والسيطرة على الأندلس، نقلت الروايات البربرية اسمه، وسكتت عنه الروايات اللاتينية. لقّبه العرب بالمهاجر ثم بالداخل. من أجل تدعيم هيبته ونفوذه، ثم من أجل مداهنة ذريته التي درج الناس على مدحها ومصانعتها، رأى المؤرخون أن ينسبوا له أصلاً أموياً في دمشق. وذهب البعض إلى أبعد من ذلك واعتبره من ذرية النبي (ص).. وكثيراً ما أعطي هذا الوسام المشرف إلى زعماء تلك المرحلة".. ثم ينتهي أولاغي إلى هذا الاستنتاج المدهش:
"يقول المؤرخون التقليديون إن عبد الرحمن كان من ذرية خلفاء دمشق -الأمويين- بينما نحن نعلم أنه نموذج جرماني أشقر اللون فاقعه، وحافظت ذريته على هذه الخصائص، خلال قرنين من الزمن: بشرة فاتحة اللون وعيون زرقاء وشعر شديد الشقرة. إن استمرار هذه الخصائص الفيزيولوجية في ذرية الأمير "العربي" لفتت أنظار المؤرخين الأندلسيين المسلمين، وقد فسّر بعضهم هذا الأمر مستنداً إلى ما يقوله كُتّاب الأخبار البربر حول أن أُمّه كانت بربرية (من قبائل الطوارق الذين يحملون هذه الفيزيولوجية الجرمانية).
المورثات السائدة والمتنحّية
.. ويسخّر أولاغي قوانين الوراثة، من أجل دعم وجهة نظره وتفسير حالة عبد الرحمن الداخل، ولاسيما القانون المعروف باسم "الموّرثات السائدة والمتنّحية"، فيقول:
"من المعروف حسب هذا القانون أن العيون الزرقاء هي التي تتنحى لصالح العيون السوداء. أي أن الفرد ذا العينين الزرقاوين لا يمكن أن يحمل جينة Gene (مورثة) العيون السوداء. ومع أن العرق السامي يتميز بالعيون السوداء، فيمكن أن يحمل السامي جينة العيون الزرقاء وتهيمن الأولى على الثانية. أما العكس فمستحيل. ولتبرير زرقة عيون عبد الرحمن "السامي" علينا أن نفترض أن والده المزعوم ساميّاً يحمل جينة العيون الزرقاء. هكذا اتحدت جينة الوالد الزرقاء مع الجينات التي تحملها الوالدة البربرية، ولابد أن يأتي الأمير بعيون زرقاء. هذه النتيجة رغم ندرتها ليست بعيدة عن الخيال. إلا أن ما هو مستبعد فعلاً، أن يأتي ابن السامي والبربرية، فاتح البشرة وأشقر الشعر. يتطلب الأمر فعلاً معجزة بيولوجية خارقة." وهكذا ينتهي أولاغي إلى أن عبد الرحمن الداخل: "لم يكن أموياً ولا سامياً ولا بربرياً. وهذا ما يؤكده السياق التاريخي، تماماً.. كما يؤكد أن الغزو العربي لم يحدث مطلقاً."
.. ويمضي المؤرخ الإسباني مؤكداً خطواته في هذا المجال فيقول:
"حتى لو افترضنا أن آخر شخص من سلالة الأمويين قد اختار إيبيريا البعيدة لهجرته وتخلى طوعاً عن جميع الخيارات الجغرافية التي كانت في متناول يده، فقد كان عليه أن يبذل جهوداً ليفرض نفسه وسلطانه، تقترب هي الأخرى من حدود الأسطورة: كان عليه في هذه الحالة أن يقاتل الإيبيريين الماقبل- مسلمين الذين ليس لديهم أي سبب لتفتنهم أصوله المزعومة، كان عليه أن يقاتلهم مدة ثلاثين سنة."
أعلام أندلسيون ... من أصل ايبيري
... وهو يرفض فكرة تفوق عبد الرحمن العسكري قائلاً:
"إن المؤرخين التقليديين فسّروا سيطرته على إيبيريا بقدراته العسكرية التي دأبوا على كيل المدائح لها. إلا أن حقيقة عبقريته العسكرية لا تكفي لتفسير نجاحه، فخلال القرون الوسطى حاول الكثيرون من العسكريين الذين يعترف لهم المؤرخون بالإجماع بموهبة عسكرية مشابهة، فرضَ سلطانهم على إيبيريا، ولم ينجحوا بالمقدار نفسه الذي توصل إليه عبد الرحمن.".
ويذهب أولاغي أبعد من هذا فيذكر أنه "كان على كل رجل عظيم أن يعود في أصوله إلى العرب. والإيبيري الذي لم يكن بإمكانه ادعاء الرجوع بأصوله إلى الرسول (ص) كي لا ينافس أمراء قرطبة، اكتفى باتخاذ إبراهيم وهاجر جدَّين له". وهو يجزم أن اثنين من أعلام الأندلس هما من أصل إيبيري. فيكتب:
"أما الإيبيريون التوحيديون الأحاديون، فكانوا قد بدؤوا منذ القرنين التاسع والعاشر يتخذون أسماء عربية، والأمثلة كثيرة، خصوصاً في صفوف كبار كتاب العربية، الذين نعرف بصورة أكيدة أصلهم الإيبيري: ابن حيان وابن حزم اللذين لا خلاف حول أصلهما الإيبيري.".
.. إذن هكذا، فإن إغناسيو أولاغي يرفض رفضاً قاطعاً فكرة غزو العرب شبه الجزيرة الإيبيرية، فالعرب والمسلمون لم يفتحوا إسبانيا عسكرياً, وقد حدث التحول إلى الإسلام في الأندلس عبر حركة الأفكار وتصارعها، ثم هيمنة الفكرة-القوة، على حد تعبير أولاغي، وهي التي شكلت عصب الحضارة العربية-الإسلامية في ثلاثة أرباع العالم.. في تلك الأيام.
الأريوسية ... تصارع الكاثوليكية
إن هذا المفكر الإسباني يفرد صفحات كثيرة للحديث عن الصراع الديني الذي شهدته إيبيريا قبل الحقبة العربية. فقد دخلت الأرثوذكسية إلى إسبانيا القوطية الكاثوليكية، ودخلت أيضاً الآريوسية. وكان ثمة حضور لليهود.. ولكن المسيحية عموماً في شبه الجزيرة الإيبيرية كانت في نهاية القرن السابع في حالة انحلال كامل خصوصاً بعد قرن سيطرت فيه الآريوسية. "وبإجماع نادر اعترف جميع المؤرخين بفشل المسيحية في المملكة القوطية. ولأنهم لم يروا التزامن بين أحداث إيبيريا وبين الهيجان الديني في الشرق، فسّروا هذا الفشل بأسباب محلية وعابرة، فعزوا ذلك إلى الضعف الذي شجع العدو الخارجي على غزو البلاد. لكن خرافة هذا الغزو حجبت عن أنظارهم الانقسام الإيديولوجي في المجتمع الإيبيري.".
ويعود أولاغي إلى التأكيد، مرة أخرى، على هذه المسألة بتعبير آخر، فهو يقول:
"حسب الروايات العربية، تمّ غزو إيبيريا من قبل سكان شبه الجزيرة العربية الذين استطاعوا بقوة السلاح أن يؤسسوا امبراطورية عظيمة. وحسَب أقدم النصوص اللاتينية التي وصلتنا، فإن الأمر لا يعدو كونه ثورة دينية، كانت في بادئ الأمر محلية، ثم انخرطت في حركة سياسية ثقافية حضارية واسعة النطاق، شملت نصف العالم آنذاك.".
10 ملايين لايختفون بضربة ساحر
إن المؤرخ الإسباني يرى أن أسياد إيبيريا الجدد احتاجوا إلى ثلاثة أرباع القرن، كي يرتبوا أمورهم في هذه البلاد أو "يتفقوا على مغانم الفتح" حسب تعبيره، فماذا فعل الإيبيريون في هذه الأثناء؟ هاهو ذا يقول:
"لم يحدثنا التاريخ عنهم بعد سنة 711م. مع هذا فإن عشرة ملايين نسمة -في أقل تقدير- لا يمكن أن يكونوا قد اختفوا هكذا بضربة ساحر: ففي تلك الحقبة السعيدة، لم تكن هناك وسائل إبادة جماعية. وكان يلزم الفاتحين كثير من الوقت والعمل لجزر هذا العدد بالسيف".
ثم يتساءل تساؤلاً يجيء في موضعه:
"فإذا كان اجتياح أرض مسيحية من قبل "الكفار" قد بدا بهذه الضخامة بماذا نستطيع إذاً أن نصف اعتناق شعبها الإسلام وتمثله الحضارة العربية- الإسلامية؟ إما أن يكونوا قد قتلوا جميعاً، وإما أنهم استرقوا عبيداً، أو إنهم لجؤوا إلى الجبال، أو، ببساطة، أن المؤرخين تجاهلوا وجودهم".
.. ثم يندفع أولاغي بثقة وقوة كي يضع النقاط على الحروف، معتبراً أن الإيبيريين قد وضعوا أيديهم على نبض العصر حينذاك، من خلال الإندفاعة الحضارية العربية التي كان الدين الجديد شعارها. إنها لم تكن اندفاعة بدوية ولا غزواً تترياً:
"لماذا، وكيف اعتنقت الجماعات الإنسانية التي كانت متمركزة في المقاطعات البيزنطية في آسيا ومصر وإفريقيا الشمالية وشبه جزيرة إيبيريا، إيماناً جديداً، ومفهوماً جديداً للوجود؟ قد يسهل تحويل خرافة الغزوات العربية -المستحيلة جغرافياً- وتاريخياً إلى حقيقة، ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن حضارة عربية إسلامية قد امتدت في جميع هذه الأصقاع."
الاريوسية وقد تخلّت عن التثليث
.. على أن الآريوسية كانت ذات شأن آخر. وباعتبار أنها تخلت عن عقيدة التثليث، فإن أولاغي يطلق عليها صفة التوفيقية، ويقول:
"تميزت التوفيقية الأريوسية بالإيمان بإله واحد، يحمل بالنسبة لبعض المفكرين صفات الكائن الماورائي، أو يرتدي هالة الأبوية المافوق أرضية. يراقب الناس وأعمالهم، فيكافئ ويعاقب. ولم يكن هذا المعتقد مجرداً ولا حتى خارقاً، ولايتضمن قواعد تتجاوز المبادئ الطبيعية أو البيولوجية التي تشكل مجتمعاً سليماً. واضفت أهمية الموروث الثقافي الإيبيري على التوفيقية الآريوسية حساسية الانفتاح على جميع التيارات الثقافية الآتية أو التي ستأتي، من أراضٍ بعيدة، شرط أن تكون مشهورة بحضارة غنية وذات طاقة خلاقة."
نقاط لقاء ... مع العقيدة الجديدة
وكانت النتيجة الطبيعية لذلك أنه "حين وصل دعاة الإسلام لم تختلف الخطوط الكبرى في إيمانهم عن تلك التي كانت في معتقد السكان الأصليين. ولعل نقطة الخلاف الوحيدة كانت وجود النبي (ص) وبعض قواعد في السلوك. وعبر السجال الفكري بين فقهاء مدرستين تكادان أن تكوّنا مدرسة واحدة، انزلقت التوفيقية. الآريوسية إلى التوفيقية الإسلامية. وهكذا دون صراع أو تواطؤ تم التبشير بصورة بطيئة وهادئة.".
ولم تلبث المسألة العقيدية الدينية أن اندمجت في صميم الموضوع الثقافي، يقول أولاغي: "لا نعرف الكثير عن سياق التعريب الذي عاشه الشعب، لكننا لا نستطيع أن ننكر أن المثقفين من أنصار التوحيد الأحادي -يعني الأريوسيين- تركوا في تلك المرحلة اللغة اللاتينية ليتعلموا العربية، بهدف التميّز عن "الثالوثيين" والإطلاع على عقيدة تتفق وعقيدتهم في شأن الطبيعة الإلهية، وعلى الحضارة التي بدأت تزدهر في ظل هذه العقيدة. وشيئاً فشيئاً بدأت السياسة والحضارة تؤثران على الدين في فروعه العامة.".
إذاً: فإن اللاتينية انهارت حضارة ولغة وعقيدة.
والمؤرخ الإسباني يلح كثيراً على هذا الجانب من الموضوع، فهو يرى أن الأحداث "اتخذت لدى المسيحيين طابعاً سياسياً، وأصبحوا في القرن التاسع في حالة ميؤوس منها. وعلى المستوى النظري واللاهوتي وصل المثقفون المسيحيون الذين يعيشون في الأندلس إلى طريق مسدود، ثم تماثلوا في مابعد شيئاً فشيئاً مع الحضارة العربية- الأندلسية المسيطرة التي لا تقهر.".
الحرية الدينية في الأندلس
.. مهما يكن من أمر، فإن المرء يستطيع أن يرى على الجانب الآخر، حالة الذين رفضوا الانسياق والوضع المستجد في إيبيريا، من خلال المثال الذي يقدمه أولاغي من قرطبة. "فخلال النصف الأول من القرن التاسع كانت أقلية مسيحية مهمة تعيش في قرطبة وتمارس عباداتها بحرية كاملة".
ويستشهد أولاغي بما كتبه القديس إيلوج، وكان مسيحياً متعصباً عايش تلك الفترة، فهو يقول:
"نعيش بينهم دون أن نتعرض إلى أي مضايقات، في ما يتعلق بمعتقدنا" ويتابع أولاغي:
"وبالفعل فإن كنائسهم حافظت على أبراجها وأجراسها. وتوجد محتويات آخر هذه الكنائس، واثني عشر ديراً في محيط المدينة.".
"كذلك تمتع المسيحيون بامتياز المحافظة على حاكم مستقل، كان كونتاً أو قاضياً يدعى: الرقيب. وكان حرس الأمير من الطائفة المسيحية. ولعب هذا الحرس دوراً هاماً في السياسة الإسلامية. واحتل عدد من الأرثوذكس مناصب هامة في الدولة.".
الحضارة الأندلسية الفريدة
وبعد، فإن هذا المؤرخ الإسباني لا يكتفي بالإنحياز إلى الفكرة القائلة: إن العرب لم يغزوا إسبانيا، بل إنه أضاف إلى الموضوع رؤية حضارية ثاقبة. وفي الوقت الذي لا ينكر فيه فضل الحضارة العربية الإسلامية، على العالم في ذلك العصر، فإنه يتحدث عن حضارة عربية جديدة في الأندلس. حضارة اختمرت في التربة الإسبانية, فكانت علامة كبيرة هامة، في تحول أوروبا وتقدمها في عصورها الحديثة. إنه يشير إلى الإنجازات الحضارية التي حققها العرب في الأندلس بعد قرن ونصف تقريباً من قيام دولتهم هناك، معتبراً أنها كانت شيئاً مختلفاً عما كان يمكن أن يحدث "لو كان صحيحاً أن جيشاً عربياً فتح إيبيريا سنة 711 وأنجز عملية أسلَمة الناس في سنة 714" فقد كان ينبغي أن تظهر مع الحضارة العربية- الإسلامية في الأندلس مباشرة مبادئ هندسية وتقنية، ولفرضت هذه المبادئ نفسها، بتفوقها أو بمساعدة الفاتحين، فلماذا لم تظهر هذه المبادئ إلا بعد قرن ونصف قرن.. أو أكثر؟"
إن الأمر يتعلق إذاً بالشروط الموضوعية لما تمكن تسميته: النضج الحضاري. ولعل هذا أجمل ما انتهى إليه أولاغي، وهو يكتب سطوره الأخيرة:
"لوغزا العرب إسبانيا، لما خمّرت الخميرة الإسلامية العجين الأندلسي، لتخرج تلك الحضارة الأندلسية الفريدة في التاريخ، والتي يعود إليها انتشال الغرب من الظلمة في عصر النهضة. إن تاريخ المجتمعات الإنسانية هو ثمرة لعبة الأفكار، وليس تكتيكات الجنرالات المدججين بوسائل التدمير".

.