الاثنين، 17 يونيو 2013

الخير محمد حسين- اللغة النوبية والحضارات القديمة 7/4


الباب الأول 
اللغة النوبية والأنبياء 

أذكر هنا الشروط التي يجب توفرها في لغة الإنسان الأول كما ذكرها الباحث / محمد رشد ذوق في كتابه لغة آدم، وهي :- 
1- يجب أن تكون هذه اللغة قديمة قدم الإنسان0 
2- يجب أن تكون اللغات التصويرية الأولى تحتوي على معاني هذه اللغة0 
3- يجب أن تكون مفرداتها منتشرة في العالم القديم والحديث0 
4- يجب أن يكون للناس الأوائل الذين عاشوا في الأرض صفات مشتقة إشتقاقاً أصلياً منها0 
وإذا اردنا أن نضع الشروط المذكورة آ نفاً على اللغة النوبية ، نجدها تطابق في كثير من الجوانب0 واليكم بعض الأمثلة :- 
*- آدم عليه السلام : 
( أدم –adem ) تعني الإنسان بالنوبية، وهي مرادفة لكلمة( إد) كما ذكرنا من قبل0 
*- حواء : 
( أواء- owwa) تعني الثاني أو الثانية0 
*- هابيل : 
( هب-hap ) يعني الفعل يمسك بلطف ، ويستعمل في التعامل مع الأشياء القابلة للكسر ،( إيل-eal ) أداة إسم الفاعل بالنوبية، إذن هابيل يعنى : الماسك بلطف 0 
*- قابيل : 
( قب – gap ) يعني الفعل يخنق ، وحتى العرب في السودان يستخد مون هذ الفعل كثيراً ، كأن يقول أحدهم : فلان قبقب فلاناً –أي خنقه 0 فالكلمة أصلاً نوبية0 ( إيل - eal ) أداة إسم الفاعل بالنوبية 0 هابيل : يعني الخناق0 
*- إسحاق عليه السلام : 
يقول الثعلبي في كتابه : قصص الأنبياء صفحة 96 في وصف يوسف عليه السلام( أن يوسف ورث الحسن من جده إسحاق بن إبراهيم، وكان أحسن الناس ، وإسحاق هو الضاحك بالعبرية )0وهو نفس المعنى بالنوبية ، فالكلمة أصلها (أسو آق - osu ag ) ويعني الضاحك أيضاً 0 
*يوسف عليه السلام 
ويتكون من مقطعين 0يو:تعني الأم بالنوبية، سف أصلها (شف) وهي قطعة كبير من الحلي دائري الشكل تستخدمه النساء في العنق، وأصل الإسم هو ( يونشف)، أي الشف هذا ملك للأم0علماَ بأن حرفي السين والشين يتبادلان في العبرية، كإسم موسى وموشى0 
*يونس عليه السلام 
يقول الثعلبي في كتابه قصص الأنبياء –صفحة -228- أن والدة يونس بن متى طلبت من إلياس أن يطلب الله أن يحيي ولدها الوحيد الرضيع (يونس ) بعد وفاته فدعا الياس أن يحييه فأحياه الله تعالى مرة أخرى 0انتهى المصدر0 متى : أصلها بالنوبية :متِّي وتعني الوصية التي يوصيها الميت عند وفاته للوثة (متي مر)بالنوبية: أوصي الوصية 0 يو : تعني الأم ، ونون : أداة الإضافة0 أسي : تعني الماء 0 والإسم بالنوبية: يونسي0والله أعلم0 والملاحظ أن( يو) تدخل في أسما الأنبياء الذين لهم علاقة متميزة بالأم0 
*إسماعيل عليه السلام : 
نفس المصدر السابق للثعلبي صفحة 132 يقول ( أن إسماعيل هو شمويل بالعبرية ) 0 ( سميل - Samil ) يعني الشيخ بالنوبية 0 ( وهو لقب لمنصب جامع الضرائب )0 
*إبراهيم عليه السلام : 
ورد في التوراة – سفر التكوين إصحاح 13 من الآية (1-4) ، ( فصعد إبرام من مصر وإمرأته وكل من كان له ولوط معه إلى الجنوب 2/ وكان إبرام غنياً جداً في المواشي والفضة والذهب 3/ وسار في رحلاته من الجنوب إلى بيت إيل إلى المكان الذي كانت ضمته في البداءة بين بيت إيل وعاي 4/إلى مكان المذبح الذي علمه هناك أولاً ودعا هناك إبرام بإسم الرب )0إبراهيم هوإبرام بن تارح بن ناحوربن سروج 0إبرام : بلدة في المحس ، سروج : بلدة في نفس المنطقة أيضاً 0 
*سارة زوجة إبراهيم عليه السلام : 
ورد في التوراة- إصحاح 12 آية 5 (فأخذ إبرام ساري إمرأته ولوطاً ابن أخيه ) وفي سفر التكوين إصحاح 17 الآية 5 ( وقال الله لإبرام ساري إمرأتك لا تدع إسمها ساري بل سارة )0( ساري - sari ) يعني الطيبة بالنوبية الدنقلاوية ، وإلى اليوم يستعمل في التحية 0 ( ساريناقمي - sarain agme ) 0 
*يعقوب عليه السلام : 
ورد في التوراة إصحاح 13 الآية 17 ( أما يعقوب فارتحل إلى سكوت وبنى لنفسه بيتاً ووضع لمواشيه مظلات لذلك دعى إسم المكان سكوت ) 0 كوت : تعني العلامة،( س )أو(ص) : تعني الأرض بالنوبية القديمة ، وهي مرادفة لكلمة (قو- Geo ) المقطع الأول لجميع علوم الارض0ورد في كتاب قصص الأنبياء للثعلبي على لسانه في صفحة -88- أن اسحاق عليه السلام تزوج رفقة بنت بتويل نورد هنا قصة عجيبة ذكرها السدي وهي : أن رفقا حملت في بطن واحد بغلامين فلما أرادت أن تضع اقتتل الغلامان في بطنها ، فأراد يعقوب أن يخرج قبل عيص ، فقال عيص والله لإن خرجت قبلي لأعترضن في بطن أمي فأقتلها ، فتأخر يعقوب وخرج عيص قبله فسمي عيصاً لأنه عصى فخرج قبل يعقوب وسمي الآخر يعقوب لأنه خرج آخراَ 0 وكان عيص صاحب صيد وكان أحبهما إلى أبيه ويعقوب أحبهما إلى أمه 0إنتهى المصدر0 عيص : أصله آيس-Aiss ويعني بالنوبية الحر الشديد ، والمعنى ضمنياَ نفس صفاة عيص، بينما يعقوب علاقته المتميزة بأمه تظهر من المقطع يو في اسمه 0 
*- يو كابد: والدة موسى عليه السلام : 
ورد في التوراة سفر الخروج-إصحاح 4 آية 31 (وأخذ عمرام يوكابد عمته زوجة له فولدت له هارون وموسى )0 
( يو) تعني ماما ( الأم) ، ( كابد ) تعني القراصة وهي من أنواع الخبز الفطير غير المخمر 0وهو النوع الوحيد من الخبز الذي كان مسموحاً لبني إسرائيل بأكله في رحلتهم الطويلة كما جاء في التوراة - سفر الخروج إصحاح 12 الآية 15( سبعة أيام تأكلون فطيراً فإن من أكل خميراً من اليوم الأول إلى السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل ) 0 كذلك وصفت القراصة في التوراة بخبز المشقة، ولذلك اعتمد عليها بنو إسرائيل طوال رحلتهم الشاقة لأ نها لا تحتاج إلى جهد كبير في الإعداد 0جاء في سفر التثنية إصحاح 6 آية 3 ( سبعة أيام تأكلون فطيراً خبز المشقة لأنك بعجلة خرجت من أرض مصر )0 وعن سبب تسمية القراصة بالكابد ، نرجع إلى الأصل النوبي ، ( كا ) تعني البيت0( بود) تعني العراء أي المكان الخالي من البيوت0 المعنى الكلي : اللا بيت ، أو المكان الخالي من البيوت0 
* موسى عليه السلام : 
موسى : يعني بالنوبية المرفوض وغير المرغوب فيه ، وينطق بالنوبية ( موسّا - Mossa ) ، ويؤكد ذلك ما جاء في التوراة عن سبب التسمية 0 سفر الخروج-إصحاح 2 آية 5 ( فنزلت ابنة فرعون إلى النهر فرأت السفط بين الحلفا (6) لما فتحته رأت الولد وإذ هو يبكي ( 7) ودعت إسمه موسى وقالت إني انتشلته من الماء)0 واضح هنا سبب التسمية، إذ أنها اعتبرته غير مرغوب فيه من قبل أهله ولذلك ألقوه في الماء0 

الباب الثاني 
النوبيون يستخدمون البقر قي الساقية 

قال تعالى في سورة البقرة الآية(71) قال انه يقول انها بقرة لاذلول تثير الارض ولا تسقي الحرث مسلمة لاشية فيها00 الى آخر الآية0 
نجد هنا شرطين للبقرة المطلوبة:- 
الأول : ان لا تثير الارض، اي لا تستخدم في الحرث0 
الثاني: أن لا تسقي الحرث، أي لاتستخدم في الساقية0 
قد نجد في المنطقة العربية من يستخدمون البقر في عملية حرث الارض ، ولكننا لا نجد من يستخدم البقر في السقي الا في المنطقة النوبية ( السودان) فالنوبيون وحدهم هم الذين يستخدمون البقر في الساقية0 وكلنا يعلم ان وسائل الري الأخرى كالشادوف المصري والناعورة الشامية لا تحتاج إلى بقر للتشقيل0 وهذا يضاف الى الادلة التي تثبت ان موطن موسى عليه السلام السودان0 

الباب الثالث 
مدينة عبري في شمال السودان : 

الإسم القديم هو ( أبرتي - abirti ) بالنوبية الدنقلاوية ،والفعل المضارع منه (آبري -abiri) 
وهو إسم يطلق على أطراف القماش بعد ثنيها وخياطتها لتكون أكثر متانة ، وإسم أبرتي تشبيه للبحر حين انفلق لموسى عليه السلام بالقماش بعد شقه و ثني طرفيه وخياطتها 0علماً بأن إسم البحر يطلق على النهر أيضاً في اللغة العربية0 ورد في كتاب قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار صفحة (70) عن معنى العبرية (يقول الدكتور إسرائيل ولفستون أن لفظ عبري يعني العبور بالعبرية وهو نفس المعنى بالعربية)0وعبرى هي المنطقة التي عبر منها سيدنا موسى إلى الشرق، فأتبعه فرعن وجماعته0قال تعالى في سورة الشعراء الآية -90- (فأتبعوهم مشرقين)0وورد في التوراة أن النبي موسى عليه السلام وجماعته عند ما عبروا البحر الى الشرق واغرق الله فرعون وجيشه ، ضربت مريم ابنة عمران الدف فرحاً بالنجاة والنصر على فرعون 0 والحقيقة الماثلة اليوم أن المنطقة التي تقع على الجهة المقابلة لعبري تسمى ( مريم بوت) : وتعني بالنوبية : أرض مريم أو منطقة مريم0 


الباب الرابع 
أين كان موطن بني اسرائيل قبل نزولهم الى مصر ؟؟ 

هنا لك جهتان اساسيتان في هجرة بني اسرائيل ، والجهتان هما :- 1/الجهة التي اتجهوا اليها عندما نزلوا الى مصر 0 
2/الجهةالتي اتجهوا اليها عندما خرجوا من مصر ( رحلة العودة)0 
واذا ما استطعنا الوقوف على حقيقة الجهتين المذكورتين توصلنا بسهولة الى الاماكن التي شملتها الرحلة في مراحلها الاولى يقول تعالى في سورة البقرة –الآية-61-( قال اتستبد لون الذي هو ادنى بالذي هو خير اهبطوا مصراَ فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة )0الهبوط هنا يعني السير في اتجاه الشمال _ أي في اتجاه جريان النيل ، كما أن الصعود يعني الاتجاه نحو اعالي النيل0 مما سبق أقول ان بني اسرائيل حين هبطو الى مصر كانو ا في منطقة اعلى من مصر –أي في السودان – اذ أن لفظ النزول يستخدم كثيراَ في وادي النيل للدلالة على السير او السفر إلى اتجاه جريان النيل-أي نحو الشمال - ، كأن تقول مثلاَ نازل من كريمة الى دنقلا ، ونازل من حلفا الى اسوان 0 فالنزل إذاََ هو الحركة نحو الشمال سواء كان ذلك براَ أو بحراَ (بالنهر)0 
أما الصعود في رحلة بني اسرائيل كما ورد في التوراة على لسان موسى عليه السلام : - 
* ورد في التوراة في سفر عدد- اصحاح-33-فارتحل بنو اسرائيل من رعمسيس ونزلوا في سكوت (بلدة اثرية في المحس السودانية)ثن ارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام التي بطرف البرية وساروا مسيرة تلاثة ايام في برية ايثام ونزلوا في مارة ثم ارتحلوا من مارو وأتوا إلى إيليم ( بلدة قديمة تقع جنوب عطبرة بين نهر عطبرة ونهر النيل - شرق الزيداب ) 0 
*- سفر الخروج –اصحاح 3 –الآية -8-( فنزلت لانقذهم من ايدي المصريين واصعدهم من تلك الارض الى ارض جيدة واسعة 0 الى ارض تفيض عسلاَ ولبناَ 0 
2- نفس السفر والاصحاح –آية 17 – فقلت اصعدكم من مذلة المصرين الى ارض الكنعانيين والحويين 0 الى ارض تفيض عسلا ولبنا0 
قبل الدخول في شرح الصعود دعونا نعرف ما المقصود بالكنعانيين والحويين0 كنعان و كوش هما ابناء حام بن نوح عليه السلام 0 ومعلوم ان مملكة كوش النوبية تنسب الى كوش بن حام بن نوح عليه السلام 0 اما الكنعانيون فهم سكان الجزء الشمالي من النوبة ، إذ ان لفظ (كنى-kannai ) يعني الشمال بالنوبية0 ولا وجود لحرف العين في النوبية،وفيما بعد استخدمته العرب للدلالة على سكان شمال شبه الجزيرة العربية0أما الحويون : فهم سكان الخوي ، وهي المنطقة الصحراوية الوقعة شرق بلاد النوبة وغربها الى كردفان ودارفور0 فالاسم النوبي للخوي هو (حوي) كما جاء في التوراة0 فالصعود هنا يعني السير نحو اتجاه الصعيد أي الجنوب ، وهي المناطق التي ذكرناها0 


الباب الخامس 
اتجاه رحلة بني إسرائيل بعد خروجهم الأول من مصر:- 

كما ذكرت سابقاً أن الرحلة الأولى لبني إسرائيل كانت من الجنوب إلى مصر 0 يقول الله تعالى في القرآن الكريم(قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير أهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت علهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله)0 الهبوط أي النزول في وادي النيل يعني الإتجاه نحو مصب النيل كما يعني الصعود العكس – نحو النابع - ومهمة موسى عليه السلام كان تحرير بني إسرائيل من عبودية المصريين بعد أن ضربت عليهم الذلة والمسكنة والغضب الالهي، علماً بأن مصر آنذاك كانت تطلق على الأجزاء الشمالية من السودان الحالي وصعيد مصر وذلك حسب ما أجمع عليه المؤرخون ، علماً بأن الشمال المصري كان عبارة عن مستنقعات خالية من النشاط البشري 0ويقول المؤرخ السنغالي الشيخ انتاديوب : أن ما كان يسمى بمصر قديماً هو السودان الحالي 0 في التوراة- سفر الخروج- إصحاح (8)آية (8 ) على لسان موسى عليه السلام(فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين واصعدهم إلى أرض جيدة واسعة تفيض عسلاً ولبناً )0 وفي سفر التثنية –اصحاح 6-آية -1- ( أحفظ شهر أبيب واعمل فصحاً للرب لأن في شهر أبيب أخرجك الرب إلهك من مصر ليلاً ) شهر أبيب من الشهور القبطية المشهورة في المنطقة النوبية ، ويعتمد عليها النوبيون في توقيت زراعة المحاصيل المختلفة وتحديد ارتفاع وانخفاض النيل إلى يومنا هذا 

أســــــــــــــماء شـــــهور الســــــنة : 
العربية – السريانية- الرومانية – القبطية –العبرية0 

العربي السرياني الروماني القبطي العبري 
المحرم آب أغسطس توت تشرى 
صفر أيلول سبتمبر بابة مرحشوان 
ربيع1 تشرين 1 أكتوبر هتور كسلا 
ربيع2 تشرين2 نوفمبر كيهك طابات 
جمادي1 كانون 1 ديسمبر طوبة شباط 
جمادي2 كانون 2 يناير أمشير آذار 
رجب شباط فبراير برمهات نيسان 
شعبان آذار مارس برمودة آيار 
رمضان نيسان إبريل بشنس سيوان 
شوال آيار مايو بؤونة تموز 
ذو القعدة حزيران يونيو أبيب آب 
ذو الحجة تموز يوليو مسرَى أو مصرَى أيلول 


وملاحظة عابرة في السرد التوراتي توضح ذلك أكثر وذلك عند خروجهم من مصر، لأن بعض المواقع التي مروا بها في خط سيرهم (العودة ) معروفة بأسمائها القديمة إلى اليوم0 ورد في التوراة –سفر عد-إصحاح (33) آية (5) { فارتحل بنو إسرائيل من رعمسيس ونزلوا في سكوت ثم ارتحلوا من سكوت(منطقة أثرية في شمال السودان) ونزلوا في إيثام التي بطرف البرية ثم ارتحلوا من إيثام ورجعوا على فم الحيروث(قد تكون خشم القربة) وعبروا في وسط البحر إلى البرية وساروا مسيرة ثلاثة أيام في برية إيثام ونزلوا في مارة ثم ارتحلوا من مارة وأتوا إلى إيليم( بلدة قديمة تقع جنوب عطبرة بين نهر عطبرة ونهر النيل شرق الزيداب)وكان في إيليم إثنا عشرة عين ماء وسبعون نخلة فنزلوا هناك ثم ارتحلوا من إيليم ونزلزا على بحر سوف (النيل الأزرق كما وضحنا سابقاً ،فقلب حرف الفاء باءً شائع في النوبية مثلاً: للتمر : بَنت وفنت- والكلام بنجد وفنجد)ثم ارتحلوا من بحر سوف ونزلوا في برية سين،(برية سين : تعني بالنوبية : سينار وهو الأصل لإسم سنار المدينة السودانية، سين: تعني السرة بالنوبية أما (آر) فتعني البرية والأرض والمنطقة وتوجد مناطق نوبية كثيرة شبيهة مثل : كمنار: أرض الجمل- تمنار: أرض البطيخ- حيثمار:أرض الحيثيين 0 نجد كثيرأ من الأسماء النوبية منتشرة في بقاع العلم مما يجعل البعض يظن أن النوبيين أتوا منها ، والصحيح العكس وذلك لقدم الحضارة النوبية مقارنة ببقية الحضارات)0 أواصل في السرد التوراتي:ثم ارتحلوا من برية سين ونزلوا في دفقة }0وتستمر الرحلة وأثاء الرحلة قاموا بختان جميع أبناء الذين ولدوا في مصر وفي رحلتهم الطويلة ، ورد في التوراة بأن المنطقة التي ختنوا فيها أبناء هم سميت بإسم المختونين، والبلدة التي تحمل هذا الإسم في السودان هي ( مريدي) ومريدي باللغة النوبية تعني (المختونون) 

الباب السادس 
من هم اليهود وما معني اسرائيل؟ 

اسرائيل: يتكون من مقطعين0إسر-isar وتعني بالنوبية العطاء، وإيل اداة اسم الفاعل في النوبية، والمعنى العام كثير العطاء، أي العطّاء0اما يهود : فهم الفيئة المتمردة التي اصطادت السمك في اليوم المحرم0 وهودّي: تعني بالنوبية الصيد دون استخدام ادوات الصيد – يعني القبض باستخدام الايدي والارجل، ونقول بالنوبية : كارى هودَي-karai hooddi 0نعني بها اقبض السمك باستخدام الايدي والارجل0 

*إسرائيل:تتكون من مقطعين (إسر-isar )عطاء، وفعله (إسا) أما إيل: فهو أداة إسم الفاعل كما ذكرنا في الحلقات السابقة،والمعنى الكلي هو : العطّاء أي كثير العطاء(كريم)0 
*هودي:فعل يعبر به عن عملية إصطياد الأسماك بالأيدي دون إستخدام أدوات الصيد، وقد تكون لهذا الفعل علاقة باليهود0 إذ أنهم أي اليهود اكتسبوا الإسم بعد قيامهم بعملية الصيد المحرمة يوم سبتهم، وهم أصلاً من بني إسرائيل0 

*التوراة : 
( توراه - Torei) يعني عمود المحور الرئيسي في الساقية النوبية، وينقل الحركة من التروس إلى (أتي –atti ) الذى ينقل الماء بدوره 0 ويوجد سفر في التوراة بإ سم ( عدد) وفي رواية أخرى(عتت) أما العمود الثاني في الساقية النوبية فيسمى ( مشي -mishi )0 


*يوشع بن نون: 
(خادم موسى عليه السلام )0هو( أوشي ) يعني الخادم بالنوبية ( المحسية)، علماً بأن حرف العين لايوجد في النوبية0 
*هامان: 
يعني الرجل الثاني أوالنائب ، وذلك بلغة جبال النوبة (غرب السودان) وتوجد مفردات كثيرمشتركة بين النوبة في الشمال والغرب على سبيل المثال لا الحصر : ، المولود الأول في الغرب هو (كوكو) وفي الشمال (ككا) أو كقا0 أسماء أيام الأسبوع هي نفسها تقريباً، وإلى عهود قريبة كان يوم السبت عطلة دينية عندهم ، ولا يعرف أحد السبب0 
*أور شليم: 
(أور) تعني الملك بالنوبية كما ذكرنا في الحلقات السابقة ،والمعنى ( الملك شليم)0 
*أردن: 
(أور ) تعني الملك، و (أُرو) تعني البحر أو النهر0 أما (دان) فلها معنيان في قاموس الكتاب المقدس صفحة 356-357، (الأول:إسم عبري معناه (القاضي)0 الثاني:إسم شخص هو خامس أبناء يعقوب، وشمعون هو أحد مشاهير سبط ( دان) وهو كان إبن سرية ) ، ولكن المعنى النوبي للأردن هو( الملك دن) 

*قارون : 
( قرّن- Gorren ) يعني الفـِرح أو المسرور بالنوبية 0 
*عيسى عليه السلام 0 
(أسي -Asse ) يعني بالنوبية الفسيل offset وهو فرع ينمو من البراعم الإبطية للساق الأصلية، ويكون لهذا الفرع مجموعاً جذريا مستقلاً ومجموعاً خضرياً يمكن فصلهاً عن النبات الأم ونقلها إلى مكان آخر، وهو ما يسمى علمياً بالتكاثر الخضريVegetative Reproduction ، مثال ذلك نبات الموز والنخيل 0ولعل الشبه واضح في أن كلا الحالتين لا وجود فيهما للعنصر الذكري 0وفي الآية (25 ) من سورة مريم يقول الله تعالى ( وهزي إليك بجزع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً ) 0فالعلاقة واضحة بين السيدة مريم والنخلة ، فهي إنفصلت عن البشر وصامت عن الحديث معهم ولكن صلتها بالنخلة لم تنقطع وذلك في أحلك الظروف وذروة الأزمة0 من العادات المتواترة عند النوبيون إنهم ما زالوا يستخدمون عصير التمر كطعام مفضل للمرأة النفساء وذلك في الأيام الأولى للولادة0 
*الإنجيل : 
( أنجي -Angi ) يعني الحياة و( آنجي) يعني الفعل يحيا، أما ( إيل -eal ) فهو أداة إسم الفاعل كما ذكرنا من قبل0 المعنى الكلي للإنجيل هو : المحيي 0 

الخير محمد حسين- اللغة النوبية والحضارات القديمة 7/3


الباب الأول 
رأي العلم الحديث 

ورد في جريدة السوداني الدولية –العدد- 353بتاريخ 1/11/2006 للكاتب قصي مهرور مقالاَ تحت عنوان : نظرة جينية لموضوع الهوية0 فإلى المقال : هذه محاولة للنظر لموضوع الهوية السودانية من زاوية مختلفة بعض الشيء، وهو الموضوع الذي استغرق تناوله سنين طويلة بين السودانيين، بتعقيداته وتبعاته.. وهي محاولة، رغم ابتعادها عن العوامل الثقافية، التاريخية والعقيدية واللغوية والأيدلوجية بصورة عامة، إلا أنها لا تنفي تأثير هذه العوامل على مشكل تعريف الهوية في السودان، في مختلف مراحله وتجلياته.. غير أن تعديد زوايا النظر إلى هذه المشكلة يسهم بشكل إيجابي، في زعمنا، في محاولة استجلاء الأمر بصورة أكمل.. 


في عددها الشهري لمارس 2006، قدمت مجلة الناشونال جيوغرافيك (National Geographic)، لموضوع الغلاف، مقالا علميا رصينا وزاخرا، كعادة المجلة.. الموضوع يتناول، بصورة عامة، مسقط رأس الجنس البشري المعاصر (Homo Sapiens)، أي الجزء من الأرض الذي ظهر فيه لأول مرة، ومن ثم رحلته على سطح الكوكب، بجميع أصقاعه، ليصيّره آهلا به في قاراته الخمس×.. 

المقال يرتكز على خلاصة الأبحاث العلمية المعاصرة في مجالي البيولوجيا والأنثروبولوجيا.. وهو يحاول عبر هذه الركيزة تناول الخطوط العامة لرحلة استغرقت عشرات الآلاف من السنين على سطح هذا الكوكب.. 

نقطة البداية هي أفريقيا، حيث تشير الأبحاث إلى أول ظهور للجنس البشري المعاصر.. يقوم المقال بعدها بتقصي ثلاث مناطق في المساحة الشاسعة لأفريقيا، إحداها هي صحراء الكالاهاري، في جنوب القارة، حيث تعيش لليوم شعوب السان (The San People) الذين استطاعوا، وحتى وقت قريب جدا، أن يحافظوا على نفس الصيغة العامة لمجتمعاتهم وأساليب عيشهم لآلاف السنين (بما في ذلك اللغة التي تعتبر، بخصائصها المتميزة، من أقدم اللغات التي عرفها الجنس البشري على وجه الأرض).. والمنطقة الأخرى هي منطقة شعوب البياكا الأقزام (Biaka Pygmies) في وسط أفريقيا.. أما المنطقة الثالثة فهي حيث توجد بعض القبائل من شرق أفريقيا.. شعوب السان وقبيلتان من قبائل شرق أفريقيا يشتركون في وجود تلك الخصائص المتميزة في اللغة××.. شعوب هذه المناطق الثلاث هم أكبر المرشحين، حسب الأبحاث، لأن تكون أول مجموعة خرجت من أفريقيا منهم.. 

ويشير المقال لأن أول رحلة خارج أفريقيا قامت بها مجموعة بسيطة العدد (بضع مئات تقريبا)، ومن ثم صارت هذه المجموعة البسيطة الأسلاف الشرعيين المشتركين لكافة شعوب الكرة الأرضية اليوم، خارج أفريقيا.. بعد عشرات آلاف السنين من الترحال المتواصل على مدى المعمورة.. 

ومن أكبر الأسانيد التي تعتمد عليها هذه النظرية الأنثروبيولوجية هي الخريطة الجينية لشعوب العالم اليوم.. حيث تشير الدراسات الجينية إلى أن أكبر قارة اليوم، من حيث التنوع في المعالم الجينية لسكانها من البشر (Genetic Markers)، هي أفريقيا، القارة الأم.. أما بقية شعوب العالم، فإن الملامح الرئيسية لمعالمها الجينية المعاصرة (جميعها) تعود إلى نسبة بسيطة من الخصائص الجينية المتوفرة في القارة الأفريقية اليوم! أي أن أفريقيا، في تنوعها الجيني، تفوق جميع قارات العالم.. أكثر من ذلك، فإن المعالم الجينية للشعوب غير الأفريقية لا تعدو كونها جزءا من المعالم الجينية الموجودة في أفريقيا، إذ ليس هناك معلم جيني أساسي في البشر المعاصرين، في جميع أنحاء المعمورة، لا تعود أصوله لأفريقيا.. يقوم المقال بعرض صورة توضيحية لهذا الأمر، تبرز فيها خريطة العالم مع وجود نقاط ملونة فيها ترمز للمعالم الجينية الأساسية في الـ(DNA) البشري.. من توزيع هذه النقاط، يظهر جليا أن التكوين الجيني لكافة شعوب العالم خارج أفريقيا آت من جزء بسيط من التكوين الجيني العام لشعوب أفريقيا.. 


(Diverse From the Start - The diversity of genetic markers is greatest in Africa (multicolored dots in map), indicating it was the earliest home of modern humans. Only a handful of people, carrying a few of the markers, walked out of Africa (center) and, over tens of thousands of years, seeded other lands (right). »The genetic makeup of the rest of the world is a subset of what's in Africa,« says Yale geneticist Kenneth Kidd.)*** 
بعد ذلك تصبح الاختلافات الماثلة أمامنا اليوم في سحنات البشر وعموم ملامحهم حول الأرض عبارة عن خصائص مكتسبة من البيئات المغايرة، تم دخولها تدريجيا في التركيبة الجينية عند الشعوب، ومن ثم توارثها، عبر فترة مديدة من آلاف السنين.. 

وبعد هذا التلخيص الملخص، نتأمل قليلا في بعض المفارقات التي تسود عالمنا اليوم.. خصوصا في أرض السودان.. هذه الاكتشافات العلمية تواجه الكثير من اللغط المتوارث حول مفاهيم النقاء والاستعلاء العرقي عند شعوب العالم اليوم.. خصوصا عندما نسوق الأمر إلى نهاياته المنطقية! ومن عجب أن الكثير من أهل السودان اليوم، وهم يعيشون في منطقة مرشحة علميا لأن تكون أصل جميع البشر المعاصرين خارج قارتهم (شرق أفريقيا)، لا ينفكون يحتالون لأنفسهم الحيل الثقافية للتخلص من وصمة عرقية، يرون فيها ما هو أقرب لوصمة العار! في حين أن هذه الوصمة تحمل الجذور الشرعية لكل شعب آخر يسعون للانتماء إليه، وجدانيا وعرقيا، بشتى السبل.. 

عجبا لقوم يزدرون أصولهم الأولى، السابقة، ومن ثم يفاخرون بأصول لاحقة! إن صح، جدلا، زعمهم في الانتماء لتلك الأصول اللاحقة.. الأمر برمته يصبح من المضحكات المبكيات.. ويمكننا أن ندير البصر في كافة أرجاء الأرض اليوم، لننظر إلى دعاوي الاستعلاء العرقي المختلفة، أيا كانت، لنجد نفس الصيغة المضحكة المبكية.. خصوصا عندما نسوق الأمر إلى نهاياته المنطقية! 

الباب الثاني 
رأي المصريين 

يقول الأستاذ مجدي حسين في جريدة الشعب المصرية تاريخ 27/ 8/1996م تحت عنوان ( شعب وادي النيل شعب واحد وحضارة واحدة ) يقول إن تاريخ مصر يبدأ جنوباًويتمحور مع إفريقيا ، وقد ظهرت في الاسواق منذ عام ترجمة الدراسة المهمة للمؤرخ السنغالي الشيخ أنتاديوب وإسمها الأصول الزنجية في الحضارة المصرية وهي دراسة علمية مهمة ، ليس من المهم أن نتفق تماما أو نختلف معها المهم أنها تفتح آفاقاً رحبة لدراسة تاريخ مصر 0 والحقيقة أن المصريين كانوا دائماً ينظرون إلى الجنوب( السودان )بإعتباره منبع النيل وبالتالي منبع الآلهة بل موطنهم الأصلي 0 ويشير الشيخ أنتاديوب أن الحضارة المصرية لا بد أن تكون قد نشأت جنوباً في البداية ، لأن الشمال الأفريقي كله كان مغمورا بمياه البحر ثم عمت الحضارة تدريجياً الشمال الإفريقي وذلك مع استقرار النيل وجفاف الشمال الإفريقي ، وهي على أي حال حقيقة جيو لوجية متفق عليها والدراسة لا تستند إلى أفكار قائمة على التخمين بل إلى كثير من الحقائق التي لا يمكن المماراة فيها وهي تؤكد التقارب الذي يصل إلى حد التماثل بين اللغة المصرية القديمة واللغات الزنجية في غرب القارة الإفريقية وجنوبها ويؤكد التماثل بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإفريقية0 والدراسة تكشف بذكاء وعلمية كيف طمست كتابات المستعمر العنصري الحضارة الإفريقية التي لاحظ شواهدها بعض المكتشفين والرحالة من بينهم ابن بطوطة ، ولأننا نقرأ تاريخنا ثم نكتبه بأفكار الغربيين وكتاباتهم فقد وقعنا في هذا الفخ 0 ويواصل مجدي حسين( نحن نعتمد في كثير من معلوماتنا وآرائنا عن مصر القديمة على هيرودت الذي زار مصر في العهد الفرعوني ولكننا لم ننقل عنه بأمانة لأن هيرودت أول منم أثبت أن الشعب المصري القديم كان يغلب عليه الطابع الأسود والزنجي ، يقول هيرودت على سبيل المثال- عن الإغريق أنهم عندما يقولون أن هذه المرأة سوداء فإنهم يقصدون بذلك أن هذه المرأة مصرية 0 وهذا ما أكده أيضا ديو دور الصقلي الذي تعد كتاباته أحد المراجع الأصلية عن التاريخ المصري القديم ، وهذا ما لخصه ماسبيرو بإعتباره رأي كل المؤرخين القدامى فإنهم ينتمون إلى جنس إفريقي0 ويقول شيروبيني مرافق شامبليون (أن مصر ليست سوى مستوطنة سودانية) 0إنتهى المصدر0 وإلى الحلقة القادمة بمشيئة الله0 


الخير محمد حسين- اللغة النوبية والحضارات القديمة 7/2


الباب الأول 
القبائل النوبية 

فالقبائل النوبية تنقسم إلى ثلاث مجموعات رئيسة، موزعة على دولتي وادي النيل ( مصر والسودان) : - 
أولاً / مجموعة جنوب مصر: من مدينة أسوان إلى أبو سمبل جنوباً و يسكنها الكنوز ولغتهم النوبيه أقرب إلى اللغة الدنقلا وية ، تليها فدجة وتمثل المنطقة الواقعة بين أبو سمبل ومدينة حلفا في أقصى شمال السودان 0 
ثانياً / مجموعة شمال السودان : على التوالي من الشمال إلى الجنوب بدءا من مدينة حلفا : الحلفاويون، السكوت (المحس) ، الدناقلة 0 
ثالثاً / مجموعة غرب السودان :وتتكون من مجموعتين ، قبائل الميدوب في شمال دارفور- وتشارك لغتهم في كثير من المفردات مع اللغة الدنقلاوية 0 و قبائل جبال النوبة في كردفان 0 
وإذا ما بحثنا عن الرابط اللغوي بين المجموعات المذكورة، نجد مفردات متعددة مع بعض التغيرات في النطق ، ونجد اللغة الدنقلاوية رغم موقعها في الوسط ، نجد مفرداتها تتواجد بكثرة في جميع القبائل النوبية ، حيث نجد مفرداتها في الكنوز وفدجة في المجموعة المصرية ، كما نجد مفرداتها عند مجموعة غرب السودان بشقيها- الميدوب وجبال النوبة0 
ورد في كتاب قصص الأنبياء لعبد الوهاب النجار نقلاً عن كتاب تاريخ الحكماء ترجمة هرمس الثالث صفحة 348 (أن النبي إدريس عليه السلام(أخنوخ)الساكن صعيد مصر الأعلى، جمع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان وسجلها على الإهرامات خوفاً من ضياعها، وهو أول من أنذر قومه من الطوفان ) 0ومعلوم أن صعيد مصر الأعلى هو بلاد النوبة (السودان) بإهراماتها في دنقلا العجوز والبجراوية، وبشهادة المؤرخين ، إ نها تعتبر أقدم من إهرامات الجيزة ، إذ أن الحضارة إنتقلت من الجنوب إلى الشمال 0 فإدريس عليه السلام هو أخنوخ بالعبرية ، وهو نبي الله أخنوخ بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام)، وهو الثاني في ترتيب الأنبياء بعد آدم عليه السلام ، وآدم جده الخامس0 يعني ذلك أن الفترة الزمنية بين إدريس وآدم لم تكن طويلة ، كما أن إنذاره لقومه بالطوفان يعني حتماً أن طوفان نوح عليه السلام حدث في نفس المنطقة، إذا وضعنا في الإعتبار الآتي :- 
1- أن الفيضان كان فيضاناً نهرياً مصحوباً بالأمطار ولم يكن فيضان بحر ، لأن البحر لايفيض0 
2- أن الإفتراض القائم من قبل بعض المؤرخين بأن نوح كان في جنوب الجزيرة العربية ، تدحضه عدم وجود أنهار في جنوب الجزيرة العربية0 
3- أن العذاب عادة يأتي من جنس النعمة ، أي من العوامل المتجانسة مع البيئة ، فسكان الانهار عذابهم الطوفان ،وسكان الجبال عذابهم الرجفة والصيحة ، وسكان الصحاري عذابهم الريح0 
4- النوبيون بحكم وجودهم على نهر النيل برعوا في الصناعات التي تلائم بيئتهم مثل صناعة السفن والساقية وما تزال المنطقة معروفة بهذه الصناعات ، ومعلوم أن الساقية النوبية تعتبر من الصناعات المعقدة إذا ما قورنت بمثيلاتها من وسائل الري القديمة كا الناعورة الشامية والشادوف المصري 0 

الباب الثاني 
أصل كلمة النوبة 

ذكرنا فيما سبق ما اثبته الباحث محمد رشيد ذوق في كتابه لغة آدم ، وكيف كانت العلاقة بين منطقة النوبة والأنبياء عليهم السلام وذكرنا على سبيل المثال نبي الله إدريس عليه السلام 0فبالرجوع على أصل كلمة (نوبة)نستطيع أن نعرف الكثير عن معنى النوبة و علاقتها بالنبوة0 فاصل كلمة نوبة مشتقة من فعل نوب يعني تخليص الشئ من الشوائب مثلا: كأن تقول ( أولقي نوب ) أي أجعل الخيط ناعماً سهلاً للإستعمال 0، وكذلك( جكدكي نوب)أي افرك البامية أو الخضار-عند الطبخ- والكلمة في معناها العام إزالة آثار الخشونة من الشئ سواء كان ذلك بالدلك أو بالفرك0 وهذا تقريباً هو نفس مهمة الانبياء عليهم السلام إذا ما اعتبرنا أن مهمتهم هي تنقية المجتمع من الرذائل 0 وعن إدريس عليه السلام ذكر الدكتور عبد الوهاب النجار مؤلف قصص الأنبياء في كتابه صفحة 348(أنه أول من أنذر قومه بالطوفان ، ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار ، فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الاهرام والبرابي في صعيد مصر الأعلى ( السودان )وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرصاً منه على تخليدها لمن بعده خفية أن يذهب رسمها من العالم ) إنتهى المصدر 0نرجع إلى أصل إسم إدريس بالنوبية ، فالإسم يتكون من مقطعين ( إد –Id ) تعني الأنسان و(إريس irs ) تعني الطيب ، وكلمة (إد ) مرادفة لكلمة ( أدم ) التي هي تعني الإنسان بالنوبية أيضا 0 وهنالك حيوان خرافي الأدب النوبي يسمى (إدكال- idkaL ) ومعناه آكل لحوم البشر ، وتوجد مناطق في شمال دنقلا تحمل المقطع الأخير من إسم إدريس مثال لذلك : شلال إريس وقرية إريس الأثرية0 والمدهش أنه لاتخلو عائلة في إريس من إسم إدريس0
معلوم أن بلاد النوبة قديماً كانت تشمل معظم أراضي السودان الحالية ولعل هذا هو السبب الذي يجعلهم دائماً في مقدمة الذين ينادون بوحدة السودان0 يقول الدكتور ول ديورانت مؤلف كتاب قصة الحضارة – الجزء الثاني صفحة 65 ترجمة زكي نجيب محمود ( ما من أحد يعرف من أين جاؤوا المصريون الأولون ، ويميل بعض العلماء الباحثين إلى الرأي القائل بأنهم مولودون من النوبيين والأحباش )0 

الباب الثالث 
نوح عليه السلام 

علمنا فيما سبق ، كيف تحكَّم المستعمر الأبيض على عقولنا وأفكارنا ، كما سيطر على مواردنا البشرية والمالية ردحاً من الزمن 0إننا في حاجة إلى معرفة ( من نحن؟ ) , ولمصلحة من تطمس الحقائق عن الأعيان ، وتلفق المعلومات؟0 لاشك في أن هنالك كثير من الحقائق مازالت مجهولة في ميدان البحوث والدراسات الحضارية، وهذا يحتاج إلى مراكز متخصصة للغات الإفريقية، إذ أن الجهود التي تبذل للوصول إلى قناعات هي جهو د مشتركة تأتي ثمارها لخدمة الإنسانية جمعاء0 ومن هذا المنطلق تأتي أهمية عرض الأفكار والآراء والوصول بها إلى مرافئ الحقيقة بهدف إثراء الجهود المبذولة في حقل الدراسات الحضارية 0 
اللغة النوبية وأسماء الأنبياء والأعلام: - نوح عليه السلام -نو- Noo) تعني الجد بالنوبة ، (أنو-annoo ) تعني جدي، (إنو-innoo )تعني جدكم ،(تِنو-tinnoo ) تعني جدهم ، (مانو- mannoo ) للإ شارة إلى الجد البعيد ذاك الجد)0 وهنا أريد أن أسلط الضوء على أقوال الآخرين عن (نو)0 ذكر مجدي حسين في جريدة الشعب المصرية ، بتاريخ 27/8/96م : ( أن المصريين القدامى كانو يعبدون إلهاً إسمه (نو- Noo ) وهو جدهم الكبير)0 ومعلوم أن الجد بعد الطوفان هو نوح عليه السلام 0 وهنا أحب أن أذكر قصة أوردها الدكتور عبد الوهاب النجار في كتابه قصص الانبياء ، نقلاً عن تاريخ الأدب الهندي - الجزء الأول المختص بالثقافة الهندية- للسيد أبي النصر أحمد الحسيني البهوبالي- مخطوط صفحة 42-43 قال في الباب الخامس وعنوانه( برهمانا وأوبانشاد) يقول: ( ومما يلفت النظر في ساتا برهمانا قصة الطوفان التي بينت في ضمن بيان الضحايا، والقصة وإن اختلفت في وجوه كثيرة عن ما في القرآن والتوراة، إلا أنها توجد شواهد قاطعة تربط القصة الهندية مع السامية وتوجب الإهتمام ، ففي هذه القصة البرهمانية يقوم (مانو-Mannoo ) بدور سيدنا نوح في القرآن والتوراة، و(مانو) إسم نال التقديس والإحترام في أدب الثقافة بأسرها من الوثنيين0 وذات يوم عندما كان (مانو) يغتسل في النهر ، جاءته سمكة وقالت أنها ستنقذه0 وعاشت السمكة في المرتبان ن فلما كبرت أخبرت (مانو) بالسنة التي ياتي فيها الطوفان ، ثم أسرت على (مانو) أن يصنع سفينة كبيرة ويدخل فيها عند طغيان الماء ، قائلة أنا أنقذك من الطوفان0فمانو صنع السفينة والسمكة كبرت أكثر من سعة المرتبان، لذلك ألقاها في البحر، ثم جاء الطوفان كما أنبأت السمكة وحين دخل (مانو ) السفينة عامت السمكة إليه فربط السفينة بقرن فجرتها إلى الجبال الشمالية، وهنا ربط مانو بشجرة عندما تراجع الماء وخف بقي مانو بوحدته0)0 يعلق الدكتور النجار قائلاً: (هذه هي قصة الطوفان وأهميتها الحقيقية ليست في الإتصال الموعز في كلمات مانو والسفينة والطوفان ن بل في النور الذي ترميه القصة في كشف التاريخ الإبتدائي) 0إنتهى المصدر0 
ذكرنا آنفاً أن (مانو) تعني بالنوبية: ذاك الجد، وأن (ما-ma ) إسم إشارة للبعيد، ولا غرابة في أن تصف الهنود نوح عليه السلام بالجد البعيد ، وذلك لبعد موطنه وأصله النوبي 0 
جبل الجودي:- جودي- j00di ) : تطلق في النوبية على نوعين من الأدوات الحجرية :- 1/ حجر النار الذي يستعمل في صيانة الأسلحة0 2/حجر الطحن الذي يستخدم في طحن الغلال0 لا أخالف كثيراً الذين يقولون أن جبلاً بإسم الجودي لا يوجد في بلاد النوبة ، وذلك للأسباب الآتية :- 
1/ أن القرآن الكريم يصف موقع نوح عليه السلام حين رست السفينة على الجودي،يقول الله تعالى في سورة هود-آية 44 (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء اقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين)0 يعني هذا أن السفينة رست في منطقة بعيدة عن موطنهم الأصلي (بلاد النوبة)0 
2/ أن الله تعالى منح الأولين القوة الجسمانية والعمر الطويل ، ولذلك كان التحرك والإنتقال من مكان إلى مكان سهلاً بالنسبة لهم ، كما منحنا القوة العقلية ولكن على حساب القوة الجسمية0 قال تعالى في سورة الروم ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أشد منهم قوة وأثاروا الارض وعمروها أكثر مما عمروها )0 وذكرالمؤرخون أن أول بلدة استقر فيها نوح عليه السلام بعد الطوفان توجد في العراق ، وكانت تحمل إسم( أروي- Orwi وهي تعني بالنوبية (الملوك) جمع ملك (أور - or ) 

**ملاحظة:هنالك ظواهر طبيعية غير عادية واكبت نشوء مجرى النيل في بداية الامر ، وذلك في شكل فيضانات واحتباسات مائية كانت تحدث من حين لآخر ، وكانت قوتها تتفاوت حسب كمية المياه المحبوسة ، إلى أن تكون المجرى بشكله الحالي ، كما أن البحر الاحمر ( بحر القيلزوم) لم يكن موجودا قبل حدوث الاخدود الافريقي مما يجزم أن شرقه وغربه كان وحدة جغرافية واحدة مما ساهم في سهولة الانتقال بين الجانب الافريقي والجانب الآسيوي 0أما أصل لفظ القيلزوم فيرجع الى الأصل النوبي(قيلي) الذي يعني : الأحمر0 

الباب الرابع 
كـــــــــــوش 

الحضارة النوبية والحضارة الكوشية هي واحدة تقريباً ، فمن هو( كوش) هذا ؟0 هو كوش بن حام بن نوح عليه السلام ، نوح عليه السلام هو جده والد أبيه مباشرة ، وهذا بشهادة جميع المؤرخين ، عرباً كانوا أو أعاجم ، فهل يعقل أن ينسب كوش إلى النوبة ويبعد نوح عليه السلام عنها؟0 إلى اليومنا هذا نجد قبائل النوبة في شمال السودان وغربه يسمون أبناءهم الذكور ب(كوش) والإناث ب(كوشى-koshei )0 ومن العادات الشائعة عند النوبيين ، ولاسيما في أوساط غير المتعلمين من كبار السن ، أنهم كلما حدق بهم شر أو خطر ، يرددون( إنشاء الله نكون من ركاب سفينة نوح)0 من الذي علمهم بأن الفريق الذي دخل السفينة مع نوح عليه السلام حالفه النجاة ، والذين لم يحالفهم الحظ في الركوب كان مصيرهم الهلاك والموت؟؟0إن أحداث القصص تتواتر كما هي في العادات والتقاليد لكل أمة ، وأبرز دليل على ذلك ، العادات الفرعونية في عبادة النيل ما زالت تمارس في كثير من مناطق السودان ، و نجد كثيراً من الأسر السودانية في الشمال والجنوب والوسط يزورون النيل في مناسبات الزواج والختان والولادة ، وذلك بغرض الشفاء 0 وهكذا تتواتر التقاليد والعادات والمعتقدات في كل أمة0 

الخير محمد حسين-اللغة النوبية والحضارات القديمة 7/1

الباب الأول 
في لفظ " السودان "...هل أعجميُ أم عربيُ ؟؟؟ 

اعتمد معظم الكتاب السودانيون على المصادر العربية في تعريفهم معنى ( السودان ) . ولم ويحاول أي منهم الرجوع إلى اللغات الإفريقية والتي كان يفترض أن تبدأ بها المحاولات الأولى ، وذلك لمجموعة من الأسباب منها ما هو متعلق بالجغرافيا والبيئة والثقافة وغيرها. وإليكم أبرز ما جاء على لسان علمائنا الأجلاء :- 

*كتب الدكتور/ حسن الفاتح قريب الله بمجلة الثقافة السودانية، العدد-16- بتاريخ ديسمبر 1980م ، تحت عنوان ( السودان بين الوصفية والإسمية)، قال :لون شعب هذا الوادي واختلاف سحنته عن سواه، ومقابلته بشرته، هو الذي أكسبه الوصف بالسودان. 

*أما الدكتور/ عبد الله الطيب ، : فقد اعتمد على مقولة الجاحظ (السودان والبيضان) ، وقال أن السودان تعني جمع أسود. 

*وإذا ما رجعنا إلى المعنى الإفريقي - في للغة النوبية ، نجد الكلمة أصله : سَوْدان-Sawdan تعني بالنوبية : المخلوط ، وهو ما ليس بالأبيض الباين ولا الأسود الباين، أي : وسط بين السواد الشديد والبياض الشديد. 
فاللغة النوبية لم تجد حظها الكافي من الاهتمام وذلك لأسباب عدة أسباب عدة ، منها :- 
1/ المنظمة العالمية للثقافة والعلوم( اليونسكو) لم تهتم بالثقافات الافريقية كإهتمامها بثقافات القارات الأخرى ، كقارتي آسيا وامريكا الجنوبية. 
2/ المنظمات الاقليمية هي الأخرى ركزت جهودها في تحقيق أهدافها العامة دون الأهتمام بإفريقيا ككيان مستقل.على سبيل المثال: المنظمة العربية للثقافة والفنون ، تهتم بالثقافة العربية عند تناولها الثقافة الافريقية، وكذلك الحال للمنظمة الاسلامية للتربية والثقافة والفنون هي الأخرى تهتم بثقافات الشعوب الاسلامية في افريقيا مع التركيز على ما هو اسلامي فقط. 
فإذ لم تؤسس لإفريقيا منظمة تربوية ثقافية علمية خاصة بها ، فستظل حضارتها وتراثها طي الاهمال. 

الباب الثاني 
الفراعنة السود أول من حكموا مصر 

كلما تقدمت وتطورت وسائل الكشف الأثري كلما ظهرت الحقائق المذهلة عن عراقة وعبقرية هذا الشعب العظيم – الشعب السوداني متمثلا في الحضارة النوبية0أحببت أن أنقل لكم المصدر الآتي وكما ورد0 
جاء في مقال مترجم للأستاذ /طه يوسف حسن –مقيم في جنيف –سويسرا، تحت عنوان ( فراعنة السودان حكموا مصر حتى أرض فلسطين ) ، جاء ما يلي : - 
قدمت القناة السويسرية الاولى الناطقة بالفرنسية TSR يوم الخميس 30/60/2005برنامجا عن الحضارة النوبية في السودان وعن ملوك النوبة الفراعنة السود الذين حكموا مصر لعدة قرون من الزمان 0وقدمت تلك الحلقة التاريخية القيمة من خلال أشهر البرامج التلفزيونية على الساحة الإعلامية، برنامج (Temps Preset ) 0 وقال مقدم البرنامج أريك بومان : أن الحقيقة التي تجهلها الشعوب وربما شعب وادي النيل نفسه هو أن ملوك النوبة في شمال السودان حكموا المصريين لعدة قرون ، وأن الحضارة النوبية هي اول حضارة قامت على وجه الأرض وأعرق حضارة شهدها التاريخ في مدينة كرمة حاضرة النيل وعاصمة أول مملكة في العالم 0 كما أكد عالم الآثار السويسري المعروف في القارة الأوربية شارلي بونيه هذه الحقيقة أمام أعين كاميرا التلفزيون السويسري الذي نقل جزء كبيراَ من بقايا الحضارة السودانية 0شارلي بونيه الذي تحدث من مدينة كرمة السودانية ويبدو عليه الفخر والاعزاز بهذه الحضارة التي أصبح هو جزء منها حيث مكث في السودان أربعين عاماَوبدأت رحلة شارلي بونيه عندما قدم إلى مصر بعد أن درس علم الآثار في سويسرا ولكن من خلال بحوثه في مصر وجد أن هناك حلقة غائبة في تاريخ الحضارة الفرعونية وأن هناك مرحلة مهمة من مراحل تلك الحضارة مفقودة, ذهب إلى شمال السودان وبدأ يبحث عن أصل الحضارة الفرعونية التي ملئت الدنيا وبعد سنوات طويلة من الصبر و العمل المتواصل توصل شارلي بونيه إلى الحقيقة الغائبة وهي أن أصل الحضارة الفرعونية في السودان وأن فراعنة السودان هم الذين حكموا مصر حتى بلاد فلسطين . تحدث شارلي بونيه عن تلك الحضارة التي مر عليها أكثر من 300 ألف سنة و أكد أن الحضارة الفرعونية في مصر أتت بعد الحضارة النوبية في السودان وأن ملوك النوبة (الفراعنة السود) هم الذين نشروا تلك الحضارةمن خلال حكمهم لمصر والذي امتد حتى فلسطين واستمر لقرابة الـ 2500 عام ولكن عندما استجمعت مصر قواها وعافيتها في زمن الفرعون نارمر Narmer وهو أول من أسس أسرة الفراعنة التي حكمت مصر بدأ الفراعنة يفكرون في اجتياح ملوك النوبة في السودان وبعد قرون من الزمان حكم مصر الفرعون بساميتك Psammétique وسيطر على منطقة النوبة ودخل مدينة كرمة ودمر حضارة الفراعنة السود وهدم القلاع والمعابد وتماثيل الفراعنة السود وكان ذلك في عام 664 قبل الميلاد وعرض شارلي بونيه التماثيل التي دمرها المصريون والقلاع والمباني الشاهقة التي كانت أعلى مباني في المنطقة بل وعلى مستوى العالم أنذاك , وكان ارتفاعها حوالي 20 متر مما يؤكد على أن حضارة كرمة كانت أول حضارة في العالم وكانت تسمى تلك المباني العالية في لغة النوبة ب( deffufa). 0 انتهى المصدر0 
وبديهي أن اللغة التي كانو يتواصلون بها هي لغة الإنسان الأول0 فإذا أردنا حل ألغاز التاريخ والكشف عن غموضه، فما علينا إلا دراسة هذه اللغة (النوبية) بكل جوانبها وفروعها المختلفة المنتشرة في شمال السودان وغربه وجنوب مصر 

الجمعة، 31 مايو 2013

حاكم المطيري- (الأدلة النقلية والعقلية المعارضة لحديث فاطمة)8\7


إذا كان ما سبق بيانه مشكلات تثير الشك حول ثبوت الحديث سنداً فإن في المتن ما هو أشد إشكالاً وإثارة للشك ومن ذلك:-
أولا : أن فيه ما يصادم قطعي القرآن وصحيح السنة وصريح العقل والحس من أن بشراً من ذرية آدم يظل موجوداً من قبل بعثة النبي e إلى آخر الدنيا وقبل يوم القيامة.
أما القرآن فقوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون}.[306]
ففي الآية دليل قطعي على أن الله عز وجل لم يجعل الخلد لبشر سواء كان قبل النبي e أو بعده والخلود هو اللبث الطويل وكل لبث تجاوز المعهود فهو خلود قال الراغب: (كقولهم للأثافي خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها) [307] ولا ريب أن بقاء الدجال ـ وهو من ذرية آدم ـ في الحياة طوال هذه المدة وإلى ما قبل قيام الساعة هو من الخلود الذي نفاه القرآن.
وأما السنة فكحديث ابن عمر عند البخاري[308] ومسلم[309] أن النبي e قال: ((أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)) وفي رواية لهما قال ابن عمر: ((إنما قال رسول الله e لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد: أن ينخرم ذلك القرن)).
وكحديث جابر بن عبد الله عند مسلم[310] أن النبي e قال قبل موته بشهر: ((ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ)) وكحديث أبي سعيد الخدري عند مسلم: ((لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)). [311]
وحديث أنس عند ابن حبان[312] وحديث عقبة بن مسعود الأنصاري عند أحمد[313] وحديث سفيان بن وهب عند الحاكم[314] قال الحاكم: (إنما أراد ما على الأرض ذلك اليوم مولود قد ولد يأتي عليه مائة عام من ذلك الوقت الذي خاطبهم النبي e بهذا الخطاب لا أن من يولد بعد ذلك لا يعيش مائة سنة) وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة.[315]
فهذا الحديث الذي كاد يبلغ حد التواتر جاء بلفظ عام فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم. قال ابن حجر: (الحق أنها للعموم وتتناول جميع بني آدم) [316] أي ممن كانوا مولودين يوم قال النبي e ذلك القول لا من ولد بعد ذلك، إذ وجد من عاش أكثر من مائة سنة ولا يعلم أن أحداً ممن كان مولوداً حينها عاش أكثر من مائة عام فيظل الخبر على عمومه.
ثانيا: أنه مصادم لأدلة العقل والحس، لأنه يمتنع ويستحيل ـ عادة ـ أن يعيش إنسان طوال مدة ألفي عام أو أكثر على هذه الأرض لا يموت ولا يطلع عليه أحد إلا قوم تميم الداري وحدهم دون أهل الأرض قاطبة؟!
وإذا كان هؤلاء النصارى قد رأوا الدجال حقاً وحدثهم وحدثوه فما هو الدليل الحسي أو العقلي أو الشرعي الذي يمنع حصول ذلك لغيرهم؟! وإذا كان الوقوع دليل الإمكان ففي مشاهدتهم له ـ لو صح ـ دليل على إمكانية مشاهدة غيرهم له ومخاطبته كما خاطبوه وشاهدوه، وإذا كان وجوده في تلك الجزيرة والسجن لم يمنع من وصول هؤلاء النصارى له بسفينتهم البحرية الشراعية، فما الذي يحول دون وصول أهل هذا العصر خاصة لهذه الجزيرة وذلك السجن بعد تطور وسائل المواصلات والاتصالات؟!
ثم كيف يعيش ويقتات طوال هذه المدة في سجنه وقيوده ومن الذي يقوم على رعايته؟!
وقد ذكر ابن القيم[317] الضوابط الذي يمكن بها معرفة كون الحديث موضوعاً فقال: (ومنها تكذيب الحس له) وذكر أيضاً: (ومنها أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه) [318] فذكر الشواهد الحسية.
ثم ذكر في[319] بطلان حديث حياة الخضر ونقل عن البخاري احتجاجه بالأحاديث الصحيحة السابقة على نفي حياته كما نقل عن الأئمة احتجاجهم بالآية القرآنية على نفي حياة الخضر ثم نقل عن ابن الجوزي قوله: (الدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين والمعقول..).[320]
أما المعقول فمن عشرة وجوه:
الوجه الأول: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد وذلك أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر…
والوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع، لأنه من أعظم آيات الربوبية وقد ذكر الله من أحياه ألف سنة إلا خمسين سنة وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر…).
وهذه الأدلة نفسها التي يحتج بها على نفي حياة المهدي ووجوده الآن لما في ادعاء وجوده من مكابرة للحس والعقل، وقد جاء القرآن بالدعوة إلى إعمال العقل والنظر والفكر وفي ادعاء مثل هذه الدعوى تعطيل لما أمر الله عز وجل بإعماله وما أنعم الله عز وجل به على الإنسان من نعمة العقل، وليست هذه القضايا من قضايا الغيب التي لا يمكن الإطلاع عليها، لأنها لم تعد كذلك بعد الإدعاء بأن من البشر من اطلع عليها في هذه الدنيا وشاهدها مشاهدة حسية حقيقية كما حدث مع قوم تميم الداري ـ دون أمر خارق ولا كرامة ظاهرة ـ إذ الوقوع دليل الإمكان.
كما أن خبر الواحد إنما يقبل بشروطه كما قال الخطيب البغدادي: (ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنة وكل دليل مقطوع به…).[321]
وعلى كل فالحديث غريب لا يثبت إلا من طريق مجالد عن الشعبي وهذا إسناد ضعيف، وإنما الذي يثبت عن الشعبي هو ما رواه النسائي[322]عن محمد بن قدامة ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال قالت فاطمة بنت قيس قال النبي e: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة هذه طيبة)) هكذا مختصرا.
وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي ومغيرة هو ابن مقسم من ثقات أصحاب الشعبي وهذا إسناد على شرط البخاري ومسلم.
وتابعه على روايته هذه ابن أبي خيثمة الحافظ[323] عن أبي نعيم الفضل بن دكين الحافظ قال ثنا محمد بن أبي أيوب ثنا الشعبي عن فاطمة قالت: خرج رسول الله e يوماً فجلس على المنبر فقال: ((هذه طيبة ـ يعني المدينة ـ لا يدخلها الدجال ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف)).
وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[324]
فهذا القدر من حديثها هو المحفوظ وله شواهد كثيرة عن الصحابة وهذا هو الذي قاله e في خطبته المشهورة، وأما قصة تميم الداري فلا تثبت إلا من طريق مجالد ويحتمل أنه سمعها من الشعبي يحدث بها عن تميم ـ كما يتحدث بها أهل الشام ـ بعد أن ذكر حديث فاطمة فظن مجالد أنهما حديثاً واحداً أو يحتمل أن فاطمة قصت على الشعبي ما سمعته من تميم يعظ الناس به بعد وفاة النبي e فأخطأ مجالد، وظن أن ذلك حدث في حياة النبي e. والله تعالى أعلم.

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة (نتائج البحث) 8\8


وهي تتلخص في :
1ـ حديث الجساسة هو حديث مجالد عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس، وهو أشهر من رواه عن الشعبي، حيث رواه عنه أئمة الأمصار في العراق والحجاز قبل أن يعرف عن غيره، حتى رواه عنه أعلم الناس بحديث الشعبي وأثبتهم وأحفظهم له وهو إسماعيل بن أبي خالد، ولهذا لم يخرجه ابن أبي شيبة في المصنف إلا من طريقه، مع أنه أوسع كتاب حديثي كوفي وصل إلينا، وابن أبي شيبة كوفي والشعبي كوفي! ومجالد ضعيف جدا وقد كان يرفع أحاديث كثيرة لا يرفعها غيره حتى بطل الاحتجاج به، وهذا الحديث الذي اشتهر عنه ودلسه عنه الآخرون لا يبعد أن يكون سمعه من الشعبي موقوفا من قصص تميم الداري فوهم ورفعها.
2 ـ أنه ومن خلال استعراض طبقات أصحاب الشعبي لم يروه منهم على الصحيح إلا مجالد وداود بن أبي هند، ولهذا لم يجد أحمد حين خرجه في مسنده ـ الذي انتقاه من سبعمائة ألف رواية ـ إلا طريق مجالد بن سعيد وداود بن أبي هند، ورواه النسائي في الكبرى من طريق داود فقط، ورواه ابن ماجه من طريق مجالد فقط، ورواه أبو داود من طريق مجالد وابن بريدة، ورواه الترمذي من طريق قتادة فقط وقال غريب من حديث قتادة عن الشعبي، وأراد مسلم تخريجه في صحيحه فلم يجده عند أحد من أصحاب الشعبي إلا عند مجالد وهو متروك، وعند داود إلا أنه عن حماد بن سلمة عنه، ولم يخرج بهذا الإسناد إلا ما توبع عليه حماد لضعف حديثه عن داود، فلما لم يجد له متابعا تركه، ثم أخرج الحديث من أربعة طرق أخرى ثلاثة بصرية وواحد مدني ليس أحد من رواتها كوفي ولا من طبقات أصحاب الشعبي!
3 ـ أنه ثبت أن داود رواه بالعنعنة وهو مدلس كما أن المشهور عنه رواية حماد بن سلمة وهي ضعيفة، كما أن رواية قتادة منقطعة إذ لم يسمع قتادة من الشعبي شيئا أصلا وكذلك لم يصرح بالسماع وهو مشهور بالتدليس، وأن رواية عبد الله بن بريدة التي جعلها مسلم أصلا في الباب ضعيفة لضعف عبد الله واضطرابه في روايته تارة يرويه عن يحيى بن يعمر عن فاطمة وتارة عن الشعبي عن فاطمة وتارة عن أبيه، وهو مدلس أيضا، وأما باقي المتابعات التي أخرجها مسلم فهي أشد ضعفا وكلها غرائب ومناكير تفرد بها رواتها، فرواية أبي الزناد لم يروها غير ابن بكير عن الحزامي عن أبي الزناد وهذا إسناد فيه ضعف مع غرابته، وكذا رواية قرة بن خالد عن سيار عن الشعبي لا يثبت فيها السماع بين سيار والشعبي، ورواية غيلان لم يروها عنه غير جرير بن حازم وعنه ابنه وهب فهي غريبة مع ضعف في جرير لكثرة خطئه وقد قال في روايته( سمعت غيلان يحدث عن الشعبي) فليس فيها تصريح بالسماع.
4 ـ أن البخاري ترك حديث الجساسة، حيث لم يجده عند ثقات أصحاب الشعبي لا الطبقة الأولى ولا الثانية ممن هو على شرطه، فتركه وأخرج ما يعارضه وهو حديث ابن صياد، وهو ترجيح منه لهذا الحديث على حديث الجساسة كما قال ابن حجر.
5 ـ أن متن هذا الحديث يعارض نصوص قرآنية وأحاديث أصح منه إسناد كما يعارض الأدلة العقلية، إذ بقاء أحد من ذرية آدم طول هذه المدة خارج عن العادة المستقرة وهو من الخلد واللبث الطويل الذي نفاه القرآن عن كل أحد من البشر، ولا يقال بأنه من قضايا الغيب لأن حديث تميم يثبت أن جماعته رأوه فصار من قضايا الشهادة، ولم يثبت بنص صحيح لا مطعن فيه حتى يم التكلف في الجمع بين النصوص، ولهذا رجح البخاري حديث ابن صياد.
6 ـ أن حديث فاطمة اشتمل على أمرين الأول خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وتحذيره أمته من الدجال وأنه لا يدخل مكة والمدينة، وهذا القدر المختصر رواه ثقات أصحاب الشعبي عن فاطمة، وصححه البخاري كما نقله الترمذي، وقد تواترت هذه الخطبة عن كثير من الصحابة، والثاني قصة الجساسة وكون الدجال في جزيرة الآن وأنه مسجون ..الخ وهذا القدر لا يثبت إلا من حديث مجالد عن الشعبي، ولا يثبت عن جابر ولا عن أبي هريرة ولا عن عائشة، وهذه قصة مشهورة عند أهل الشام عن أهل الكتاب منذ عصر التابعين، وتميم الداري شامي وهو مشهور بالوعظ والقصص منذ عهد عمر، فلا يبعد أن يكون الشعبي روى عن فاطمة عن تميم القصة موقوفة على تميم مما كان يحكيه من قصص أهل الكتاب، ورفعها مجالد كما هي عادته في رفع الموقوفات.
7 ـ أن عامة الصحابة ثبت عنهم خلاف ما جاء في حديث فاطمة حيث كانوا يقسمون على أن ابن صياد الذي في المدينة هو الدجال، وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان هذا رأي عمر وابنه عبد الله وحفصة وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبي ذر، وعامة الأنصار، ويستحيل عادة أن يخطب النبي فيهم خطبة يجتمع الناس فيها، ويبين لهم أن الدجال محبوس في جزيرة في عرض البحر، ثم لا يسمع به أحد من هؤلاء، ويظلون يعتقدون أن ابن صياد الذي في المدينة هو الدجال! وهو ما يؤكد عدم ثبوت حديث فاطمة عن تميم الداري مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الراجح كونه من قصص تميم الداري ومواعظه.

حاكم المطيري-دراسة لحديث الجساسة (الشواهد لحديث الشعبي)8\5


أولا : حديث جابر بن عبد الله:-
رواه أبو داود من طريق محمد بن فضيل، عن الوليد بن جميع، عن أبي سلمة، عن جابر نحو حديث فاطمة.
وقد قال عنه ابن حجر: (أخرجه أبو داود بسند حسن)[212] ، وقد ثبت بما لا شك فيه أنه لا أصل له عن جابر، وإنما هو من تخاليط الوليد وأوهامه، إن لم يكن من أوهام محمد بن فضيل، وقد نص ابن عدي على أنه لم يتابع عليه، وعدّه في مناكير ، وكذا عده العقيلي في مناكيره، فلا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال شاهداً لحديث فاطمة وقد قال ابن الصلاح: (ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه… كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذاً).[213]
والمنكر أشد ضعفاً من الشاذ ولا يمكن أن تكون أوهام الرواة وتخاليطهم عواضد وشواهد، وإلا فقد اضطرب الوليد في رواية هذا الحديث على أوجه فإذا الحديث قد صار أربعة أحاديث؟!!
ومما يدل على أنه لا أصل له عن جابر ما رواه البخاري[214] ومسلم[215]من طريق محمد بن المنكدر قال: (رأيت جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن صائد الدجال. فقلت: أتحلف بالله؟ قال: إني سمعت عمر يحلف على ذلك عند النبي e فلم ينكره).
فهذا نص صريح في أن جابراً لم يسمع بقصة تميم الداري هذه وإلا لم يكن ليحلف على أن ابن صياد اليهودي في المدينة هو الدجال الذي في الجزيرة ولا شك أن ابن المنكدر إنما سمع هذا الحديث منه بعد وفاة النبيe.
فثبت يقيناً بطلان ما رواه الوليد عن أبي سلمة عن جابر وثبت خطأ قول ابن حجر أن إسناده حسن.
ثانيا : حديث عائشة:
ثالثا: حديث أبي هريرة :
وقد رواهما مجالد عن الشعبي في حديثه المشهور فقال بعد أن ذكر حديثه عن فاطمة: قال الشعبي فلقيت محرر بن أبي هريرة فحدثته فقال أشهد على أبي هريرة أنه حدثني بهذا وزاد: (إنه نحو المشرق).
قال الشعبي: ثم لقيت القاسم بن محمد فذكرت له حديث فاطمة فقال: أشهد على عائشة أنها حدثتني كما حدثتك غير أنها قالت: (الحرمان عليه حرام: مكة والمدينة).
كذا رواه عن مجالد: يحيى القطان وسفيان بن عيينة وعلي بن مسهر، وليس هو في رواية إسماعيل بن أبي خالد عنه عند ابن ماجه والآجري من طرق، وإن كان الطبراني قد جمع الأسانيد عن القطان وابن عيينة وإسماعيل وزيد بن أبي أنيسة ثم ساق متناً واحداً.
وقد قال ابن مهدي: (حديث مجالد عند الأحداث: يحيى بن سعيد القطان وأبي أسامة ليس بشيء)[216] فمع ضعف مجالد إلا أنه ازداد ضعفاً في آخر حياته بعد تغيره فرواية القطان وحماد بن أسامة وعلي بن مسهر منه أشد ضعفاً من رواية القدماء عنه ومنهم إسماعيل بن أبي خالد إذ هو من أقرانه، ومجالد ضعيف بل قال عنه ابن معين: (واهي الحديث) ـ كما سبق ذكره ـ فلا يمكن قبول تفرده عن الشعبي بثلاثة أحاديث: حديث فاطمة، وحديث عائشة، وحديث أبي هريرة، دون مئات الحفاظ الأثبات من أصحاب أبي هريرة وعائشة، ولو تفرد ثقة بمثل هذا لعد حديثه منكراً فكيف بمثل مجالد؟!
وقد جاءت مثل هذه الزيادة من طريق الشيباني عند الطبراني وابن مندة وثبت أن الحديث لا يصح أصلاً عن الشيباني عن الشعبي، وإنما هو حديث مجالد، ولم يصرح من راوه عن الشيباني بالسماع منه، ولا الشيباني بالسماع من الشعبي.
ثم على فرض صحة هذه الرواية عن الشعبي عن المحرر عن أبي هريرة فإن المحرر نفسه (مقبول) كما قال ابن حجر[217] أي حيث يتابع وإلا فلين فلا يمكن قبول تفرده بهذا الحديث دون كل أصحاب أبي هريرة.
وقد قال ابن حجر: (أخرجه أبو يعلى من وجه آخر عن أبي هريرة)[218] إلا أن هذه الرواية أشد ضعفاً من رواية المحرر ، فقد أوردها ابن كثير في الملاحم[219] (قال الحافظ أبو يعلى ثنا محمد بن أبي بكر ثنا أبو عاصم سعد بن زياد ثنى نافع مولاي عن أبي هريرة…)، ثم قال ابن كثير: (حديث غريب جداً وقد قال أبو حاتم ليس بالمتين).
وقد قال أبو حاتم عن سعد بن زياد: (يكتب حديثه وليس بالمتين)[220] كما ذكر شيخه نافعاً فلم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً[221]، وقد ذكره ابن حبان في الثقات[222] ، وأورد له خبراً منكر عن أم قيس بنت محصن قالت: لو رأيتني ورسول الله e آخذ بيدي! في سكة من سكك المدينة حتى أتينا البقيع! فقال يا أم قيس يبعث من هذه القبور سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب… إلخ.
وقد رواه ابن شبه[223] ثم روى بعده ما يدل على أن هذا من كلام كعب الأحبار؟!
كما روى الطبراني في الأوسط[224] من طريق سعد عن نافع، عن قيس بن سلع الأنصاري حديثاً ثم قال: (لا يروى عن قيس إلا بهذا الإسناد تفرد به سعد)؟!
فهذا كل ما لنافع هذا من الحديث ـ فيما وقفت عليه ـ حديثه عن أم قيس، وعن قيس بن سلع، وعن أبي هريرة، وهي غرائب ومناكير لا يتابع على شيء منها، ولهذا تنكب الأئمة عن تخريج حديثه فليس له في الكتب الستة ولا المسند مع سعته شيء.
وقد ذكر ابن حبان في ثقاته كثيراً من المجاهيل حتى ممن نص هو على عدم معرفته بهم كما قال ابن حجر[225] ونقل عنه قوله: (من كان منكر الحديث على قلته لا يجوز تعديله إلا بعد السبر… هذا حكم المشاهير من الرواة أما المجاهيل الذين لم يرو عنهم إلا الضعفاء فهم متروكون على كل الأحوال)، وهذا يصدق على نافع فإنه لم يرو عنه إلا سعد بن زياد وسعد ضعيف، وليس لنافع من الحديث إلا النزر اليسير من الغرائب والمناكير فهو ـ على وفق قاعدة ابن حبان نفسه ـ متروك على كل حال فروايته عن أبي هريرة منكرة للعلل الثلاث:
1- ضعف في سعد بن زياد كما قال أبو حاتم عنه (ليس بالمتين).
2- جهالة في نافع إذ لا يكاد يعرف إلا من رواية سعد عنه.
3- غرابة في حديثه عن أبي هريرة كما قال ابن كثير.
ثم إن سعداً إنما يروي عنه أهل العراق، والبصريون[226] على وجه الخصوص فعاد الحديث من حيث خرج؟!
وأما طريق عائشة فلم يجد له الحافظ ابن حجر متابعاً فلم يزد على قوله: (أما حديث عائشة فهو في الرواية المذكورة عن الشعبي)[227] ولم يروه إلا مجالد بن سعيد على الصحيح، ولهذا تنكب أصحاب السنن الأربعة ومسلم عن تخريج هذه الزيادة مع نفاستها، ومع تخريج مسلم للحديث من أربعة طرق غريبة عن الشعبي إلا أنه لم يخرج هذه الزيادة لأنها لا تروى إلا عن مجالد، ولو صحت عن غيره ـ خاصة الشيباني ـ لخرجها مسلم في صحيحه أو ابن حبان أو لاستدركها الحاكم إذ فيها شاهدان عن صحابيين لحديث فاطمة فثبت يقيناً أنها لا تعرف إلا من حديث مجالد.
ثم على فرض صحة هذه الزيادة الإسنادية، فإنه لم يسق أحد لفظ حديث عائشة أو لفظ حديث أبي هريرة لمعرفة ما الذي تابعوا عليه فاطمة أهو حديثها في قصة تميم الداري أم ما روته من قول النبي e بعد ذلك: (إن طيبة المدينة ما لها طريق ضيق ولا واسع في سهل ولا جبل إلا عليه ملك شاهر سيفه إلى يوم القيامة ما يستطيع الدجال أن يدخلها)[228]؟
فالظاهر أن الشعبي إنما حدث المحرر بما حدثته فاطمة عن النبي e أن الدجال لا يدخل المدينة فقال المحرر أنه سمع من أبيه مثل ذلك وزاد: (نحو المشرق) ثم حدث الشعبي محمد بن القاسم فحدثه عن عائشة مثل ذلك وزاد :(الحرمان عليه حرام مكة والمدينة).
ومما يؤكد ذلك:
1ـ ما رواه ابن الأعرابي[229] من طريق موسى بن إسماعيل الحافظ عن الحسن بن أبي جعفر عن مجالد عن الشعبي عن المحرر عن أبيه قال: قال e: [لا يأتي الدجال المدينة إلا وجد عند كل نقب من نقابها ملكاً مصلتاً بالسيف] والحسن بن أبي جعفر قال عنه ابن حجر: (ضعيف الحديث مع عبادته وفضله).[230]
فكشفت هذه الرواية وميزت حديث أبي هريرة عن حديث فاطمة وأن المتابعة إنما هي في هذا القدر فقط.
2ـ ما رواه الحاكم[231] وتمام الرازي[232] من طريق عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، عن الشعبي، عن ابن أبي هريرة، عن أبيه قال: قال النبي e: ((يخرج الدجال من ها هنا أو من ها هنا بل يخرج ها هنا يعني المشرق)) قال الحاكم: (صحيح الإسناد).
3ـ ما رواه أحمد[233]، والنسائي[234]، من طريق محمد بن أبي عدي، عن داود بن أبي هند، عن عامر الشعبي، عن عائشة قالت: قال النبي e: ((لا يدخل الدجال مكة ولا المدينة)).
وهذا إسناد رجاله ثقات، وفيه كشف داود بن أبي هند عن لفظ حديث عائشة، إلا أنه سقط من الإسناد الواسطة بين الشعبي، وعائشة ويبدو أن الذي أسقطه هو الشعبي نفسه فإنه كان يرسل عن عائشة.[235]
وقد قال المزي عن هذه الرواية: (كذا وقع في هذه الرواية والمحفوظ رواية الشعبي عن فاطمة).
وهذا دليل على أن المزي لا يرى رواية من رواه عن الشعبي من حديث عائشة محفوظة، والصحيح أن غير المحفوظ ما رواه مجالد عن الشعبي عن عائشة نحو حديث فاطمة عن تميم الداري وقصته، أما من رواه عن الشعبي عن عائشة نحو حديث فاطمة عن النبي e في أن الدجال لا يدخل المدينة فلا يبعد أن يكون محفوظاً عن الشعبي إذ هو ثابت عن عائشة من طرق أخرى كما سيأتي.
وقد سئل الدارقطني عن حديث مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الدجال لا يدخل مكة ولا المدينة) فقال (اختلف فيه على الشعبي :فرواه محبوب بن الحسن عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة.ورواه مسلمة بن علقمة عن داود عن الشعبي عن عائشة لم يذكر بينهما أحدا.ورواه الشيباني عن الشعبي عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن عائشة. وقال مجالد : عن الشعبي عن القاسم عن عائشة. وقال السري بن إسماعيل:عن الشعبي عن مسروق مثل قول محبوب بن الحسن عن داود وهو مختصر من حديث ... الجساسة الذي يرويه الشعبي عن فاطمة بنت قيس).[236]
4ـ أن هذا القدر هو المحفوظ عن أبي هريرة وعن عائشة.
فقد روى البخاري[237] ومسلم[238]من حديث أبي هريرة: ((على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الدجال)) وفي رواية لمسلم: ((يأتي المسيح (أي الدجال) من قبل المشرق همته المدينة حتى ينـزل دبر أحد ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام وهنالك يهلك)) فقوله: [من قبل المشرق] هو مقصود المحرر: [إنه نحو المشرق] أي يأتي من تلك الجهة.
كما روى أحمد[239] وابن حبان[240] من حديث عائشة: ((فيسير [أي الدجال] حتى ينـزل بناحية المدينة وهي يومئذ لها سبعة أبواب على كل باب ملكان.. )).
وبهذه الأدلة يتضح صواب قول من قال بأن حديث فاطمة حديث فرد غريب وبان خطأ استدراك ابن حجر عندما قال: (توهم بعضهم أنه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس: أبو هريرة وعائشة وجابر).
فقد ثبت أن حديث جابر لا أصل له، وأنه من أوهام ومناكير الوليد بن جميع وتخاليطه كما نص عليه العقيلي وابن عدي، وأن حديث أبي هريرة وعائشة لم تذكر الروايات ـ التي أحالت على حديث فاطمة ـ لفظه وقد جاءت روايات عن مجالد نفسه ومن طريق آخر عن الشعبي فكشفت لفظ كل من أبي هريرة وعائشة وأنهما تابعا فاطمة على حديثها عن النبي e في أن الدجال لا يدخل المدينة فقط لا على كل حديثها في شأن الدجال وقصة تميم والجساسة.
فإذا ثبت ذلك وأن ما ظنه ابن حجر شواهد هي لا أصل لها، وإذا ثبت أن حديث فاطمة بنت قيس لا يثبت عن أبي سلمة عنها، ولا عن يحيى بن يعمر عنها، وأنه لا يثبت إلا من طريق مجالد ـ وحده ـ عن الشعبي عنها، فإن له عللاً أخرى على فرض ثبوته عنها منها:-
5ـ أن فاطمة صحابية مشهورة وليس لها سوى حديثين اثنين فقط:
الأول: حديث طلاقها وقول النبي e لها ((لا نفقة لك ولا سكنى)) لأنه لا رجعة لزوجها عليها، وخطبة النبي e إياها لأسامة بن زيد وهو حديث مشهور عنها، فقد رواه علماء الحجاز والعراق وعلى رأسهم فقهاء المدينة سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبيد الله بن عتبة بن مسعود، وسليمان بن يسار، والقاسم بن محمد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.
ورواه أيضاً الأسود بن يزيد النخعي، والشعبي، وعبد الله بن البهي، وعبد الرحمن بن عاصم بن ثابت، وتميم أبو سلمة.[241]
وقد اشتهر عنها هذا الحديث منذ عهد عمر رضي الله عنها، وشغلت الناس به حتى قال ابن المسيب (تلك امرأة فتنت الناس)[242] وظلت تحدث به الناس إلى زمن عبد الله بن الزبير وكتبه عنها أبو سلمة بن عبد الرحمن في تلك الفترة[243]، أي أنها حدثت الناس بهذا الحديث منذ سنة 13هـ إلى سنة 73هـ تقريباً أي مدة ستين سنة ومع هذا كله لم يرو عنها أهل المدينة إلا هذا الحديث في شأن طلاقها، ولم يشتهر عنها سواه، وقد روى هذا الحديث من أصحاب الشعبي كبار أصحابه الحفاظ منهم إسماعيل بن أبي خالد، والشيباني، ومطرف، وسلمة بن كهيل، وأبو حصين، وابن أبي زائدة، والأعمش، وحماد بن أبي سليمان، ويونس بن إسحاق، وداود بن أبي هند، ومغيرة، وحصين، ومجالد، وأشعث، وغيرهم.
الثاني: حديث الشعبي عنها في قصة تميم والجساسة ولم يشتهر عنها إلا من طريق الشعبي، ولا عن الشعبي إلا من طريق مجالد!
وقد قال ابن حجر[244] عن حديثها الأول: (وهي قصة مشهورة) بينما قال عن حديثها الثاني: (وهي التي روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة رواها عنها الشعبي لما قدمت الكوفة على أخيها وهو أميرها) وذكر أن فاطمة من المهاجرات الأول وأنها كانت أكبر من أخيها الضحاك أمير الكوفة بعشر سنين.
لكن يشكل على هذا ما جاء في بعض روايات هذا الحديث كرواية مسلم[245]: (دخلنا على فاطمة بنت قيس فأتحفتنا برطب يقال له رطب بن طاب) وهو رطب المدينة المشهور، وفي رواية عند الطبراني[246] من طريق حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي قال (خالفنا أهل المدينة في سكنى المطلقة ونفقتها فقالوا لي: بيننا وبينك حديث فاطمة بنت قيس فأتيتها…) وهذا يؤيد أنه سمع منها في المدينة. وفي رواية عند الطبراني[247]: (لقيت فاطمة بنت قيس بالحرة…) وهي رواية ضعيفة إلا أنها يستأنس بها وعند الطبراني أيضاً[248]: (دخلت المدينة فجلست عند المنبر…) وهي ضعيفة إلا أنها ترجح أن سماع الشعبي منها كان في المدينة ولم أجد ما يؤيد قول الحافظ ابن حجر أنه سمع منها عندما قدمت على أخيها الضحاك الكوفة وهو أمير عليها إلا ما رواه البسوي في المعرفة والتاريخ[249] من طريق مجالد عن الشعبي قال قدمت فاطمة ابنة قيس على أخيها الضحاك بن قيس وكان عاملاً عليها فأتيتها فسألناها، فإن ثبت ما قاله الحافظ فيكون سماعه منها ما بين سنة 53هـ ـ 57هـ وهي المدة التي كان فيها الضحاك أميراً على الكوفة كما ذكره خليفة بن خياط في تاريخه.[250]
ويكون سنها آنذاك قد تجاوز السبعين سنة إذا افترضنا أن لها عندما هاجرت عشرين سنة على الأقل وقد كانت من أوائل المهاجرات في سبيل الله.
وإن لم يثبت قول الحافظ فيحتمل أن سماع الشعبي منها كان بعد ذلك في المدينة في زمن ابن الزبير إذ أن الشعبي ولد في حدود سنة 20هـ ـ كما في تهذيب التهذيب[251] ـ فيحتمل أنه سألها بعد أن أصبح فقيهاً يجادل فقهاء المدينة في مسألة فقهية كهذه المسألة فيحتجون عليه بحديث فاطمة ويحتكمون إليها ـ كما تدل عليه رواية مجالد عنه ـ وهذا يقتضي أن يكون قد بلغ من السن والعلم الدرجة التي تؤهله بلوغ هذه المنـزلة الرفيعة في نظر أهل المدينة.
وعلى كل حال فسماع الشعبي منها إنما كان بعد أن بلغ سنها السبعين سنة ـ على أقل تقدير ـ إن لم تكن بلغت الثمانين سنة أو أكثر.
وقد تكلم الصحابة رضي الله عنهم في حديث فاطمة الأول وردوا عليها روايتها وأنكروها وهو قولها أن النبي e لم يجعل للمطلقة ثلاثاً نفقة ولا سكنى حتى قال عمر: (لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت)[252] كما أنكرت عليها ذلك عائشة رضي الله عنها[253]، وقد أخذ أكثر العلماء بقول عمر وعائشة في قدحهما في صحة روايتها قال الطحاوي: (فهذا أبو سلمة يخبر أيضاً أن الناس قد أنكروا ذلك على فاطمة وفيهم أصحاب رسول الله e ومن لحق بهم من التابعين فقد أنكره عمر وعائشة وأسامة وسعيد بن المسيب مع من سمينا معهم ولم يعملوا به، وذلك من عمر بن الخطاب بحضرة أصحاب رسول الله e فلم ينكره عليه منهم منكر).[254]
وقال ابن عبد البر: (عمر وعائشة وابن عمر ينكرون على فاطمة أمر السكنى ويخالفونها في ذلك ومال إلى قولهم فقهاء التابعين بالمدينة)[255] وقال أيضاً: (أما الشافعي ومالك فإنه لم يثبت عندهما عن النبي e أنه قال لفاطمة لا سكنى لك ولا نفقة مع ما رأوا من معارضة العلماء الجلة لها في ذلك).[256]
وما كان للصحابة أن يقدحوا في روايتها ويردوها وهي تخبر عن رسول الله e أنه قضى في شأنها قضاءً، لولا أنه ثبت عندهم ما يقدح في حفظها وضبطها قال ابن حجر[257]: (لقد كان الحق ينطق على لسان عمر فإن قوله (حفظت أو نسيت) قد ظهر مصداقية في أنها أطلقت في موضع التقييد أو عمت في موضع التخصيص…) وقد قال إسماعيل القاضي: (وإذا كان هذا الإنكار كله وقع في حديث فاطمة فكيف يجعل أصلاً).[258]
6ـ أن في حديث فاطمة أن النبي e نادى في الناس: ((الصلاة جامعة)) وأنها كانت في الصفوف الخلفية مع النساء عندما قام النبي e خطيباً … إلخ ويستحيل عادة وقوع هذا الأمر الجامع للناس ثم لا يرويه ولا يخبر به إلا امرأة واحدة في الصفوف الخلفية؟!
بل جرت العادة أن تتوافر الهمم على رواية مثل هذا الحدث عند وقوعه وقد ذكر أبو يعلى ما يرد به خبر الواحد فقال: (أن ينفرد بما جرت العادة في نقله بالتواتر مثل أن ينفرد بنقل أن الخطيب سقط يوم الجمعة من المنبر فالعادة جرت بأن الواحد لا ينفرد بنقله فإذا انفرد به علمناه بخلاف العادة فرددناه).[259]
7 ـ ثم إن صاحب القصة نفسها وهو تميم الداري عاش في المدينة إلى سنة 35هـ ثم تحول إلى الشام وهي بلده وتوفي سنة 40هـ وكان أول واعظ وقاص في الإسلام، وعظ وقص في عهد عمر رضي الله عنه وقد روى عنه جماعة من الصحابة والتابعين[260] ، فلم يرو أحد منهم عنه هذه القصة مع ما فيها من غرابة ومنقبة له، إذ حدث عنه النبي e بهذه القصة فكيف تتفرد فاطمة برواية هذه القصة عن النبي e من دون الصحابة ثم تتفرد بها عن تميم أيضاً؟!
ولا يرويها عنه أحد من الصحابة، ولا أحد من أصحابه وتلاميذه ـ الذين رووا عنه حديثه ـ من أهل المدينة أو أهل الشام، وقد قال ابن القيم[261] في ما يستدل به على بطلان الخبر: (ومنها أن يدّعى على النبي e أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم وأنهم اتفقوا على كتمانه ولم ينقلوه… وكذلك رواية (أن الشمس ردت لعلي بعد العصر) والناس يشاهدونها ولا يشتهر هذا أعظم اشتهار ولا يعرفه إلا أسماء بنت عميس).
وهذا شبيه بخبر فاطمة بنت قيس.
8ـ ومما يزيد الشك في خبرها أن الصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا في شأن الدجال اختلافاً شديداً حتى كان جابر بن عبد الله يحلف بالله أن ابن الصياد هو الدجال ويخبر أن عمر كان يحلف على ذلك عند النبي e فلا ينكر عليه.
وحديثه عند البخاري[262] ومسلم[263] وإنما كان جابر يحلف على ذلك بعد وفاة النبي e كما هو ظاهر الرواية إذ فيها أن محمد بن المنكدر ـ وهو تابعي ـ رآه يحلف على ذلك. كما روى مسلم أيضاً في صحيحه[264] من حديث أبي سعيد الخدري قال: (صحبت ابن صائد إلى مكة فقال لي: أما قد لقيت من الناس يزعمون أني الدجال…).
وفي رواية له: (مالي ولكم يا أصحاب محمد! ألم يقل نبي الله e ((إنه (أي الدجال) يهودي)) وقد أسلمت، قال: (ولا يولد له) وقد ولد لي، وقال: ((إن الله حرم عليه مكة)) وقد حججت. قال أبو سعيد: فما زال حتى كاد أن يأخذ فيّ قوله…).
وفي رواية لمسلم أيضاً أن ابن صائد قال: (يا أبا سعيد! لقد هممت أن آخذ حبلاً فأعلقه بشجرة ثم أختنق مما يقول لي الناس، يا أبا سعيد! من خفي عليه حديث رسول الله e ما خفي عليكم معشر الأنصار! ألست من أعلم الناس بحديث رسول الله e؟ أليس قد قال رسول الله e: ((هو كافر)) وأنا مسلم، أو ليس قد قال رسول: ((هو عقيم لا يولد له)) وقد تركت ولدي بالمدينة، أو ليس قال رسول الله e: ((لا يدخل المدنية ولا مكة)) وقد أقبلت من المدينة وأنا أريد مكة؟…).
وفي رواية لمسلم أن أبا سعيد كان يجيبه بقوله (بلى).
كما روى مسلم في صحيحه[265] من حديث ابن عمر أنه كان يظن ابن صياد هو الدجال حتى أن حفصة كانت تحذره من إغضابه لأن النبي eكان يخبر عن الدجال أنه يخرج من غضبة يغضبها.
وروى أبو داود[266] بسند صحيح ـ كما قال ابن حجر[267] ـ أن ابن عمر كان يحلف أنه الدجال وروى أحمد[268] أن أبا ذر رضي الله عنه كان يقول: (لأن أحلف عشر مرار أن ابن صائد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف مرة واحدة أنه ليس به…) قال في الفتح: (سنده صحيح).[269]
وروى أبو يعلى والطبراني عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (لأن أحلف بالله تسعاً أن ابن صياد هو الدجال أحب إلي من أن أحلف واحدة…). قال الهيثمي: (رجال أبي يعلى رجال الصحيح). [270]
فإذا كان عمر وجابر بن عبد الله وأبو سعيد الخدري وابن عمر وحفصة وأبو ذر وابن مسعود، بل والناس عامة، والأنصار خاصة، يتحدثون أن ابن صياد اليهودي هو الدجال وكان بعضهم يحلف على ذلك ـ وهذا كله بعد وفاة النبي e ـ فكيف يمكن التوفيق بين هذا وقول فاطمة أن النبيe جمع الناس وقص عليهم خبر تميم الداري الذي فيه خبر الدجال وأنه مسجون في جزيرة في عرض البحر؟!
ولهذا استشكل الطحاوي ذلك فقال( فإن قال قائل فكيف بقي ابن مسعود وأبو ذر وجابر على ما كانوا عليه فيه مما قد رويته عنهم في هذا الباب مما قالوه فيه بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه: أنه قد يحتمل أن ذلك كان منهم لأنهم لم يعلموا بما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بما حدث به الناس عن تميم الداري ولا من سروره به فقالوا في ذلك ما قالوا).[271]
وذكر ابن حجر قول البيهقي: (كأن الذين يجزمون بابن صياد هو الدجال لم يسمعوا بقصة تميم وإلا فالجمع بينهما بعيدٌ جداً إذ كيف يلتئم أن يكون من كان في أثناء الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي e ويسأله، أن يكون هو في آخرها شيخاً كبيراً مسجوناً في جزيرة من جزائر البحر موثوقاً بالحديد يستفهم عن خبر النبي e هل خرج أولاً؟ فالأولى أن يحمل على عدم الإطلاع…).[272]
بل هذا الذي يجب، إذ لا يتصور أن يكون هؤلاء الصحابة قد اطلعوا أو سمعوا بخبر تميم الداري ثم يحلفون بعد ذلك أن ابن صياد ـ اليهودي الذي كان يعيش في المدينة في حياة النبي e ثم أسلم بعد ذلك ـ هو نفسه الدجال الذي كان موثوقاً في جزيرة من الجزر. قال المزي[273]: (عمارة بن عبد الله بن صياد الأنصاري ـ ولاءً ـ وأبوه الذي قيل عنه أنه الدجال… وكان مالك بن أنس لا يقدم عليه ـ أي على عمارة ـ في الفضل أحداً) وقال أيضاً عن أبي عمارة: (وهو الذي قيل إنه الدجال لأمور كان يفعلها وقد أسلم عبد الله بن صياد وحج وغزا مع المسلمين وأقام بالمدينة) وقد كان ولده عمارة من سادات التابعين وثقاتهم. ومع ذلك كان أهل المدينة يظنون أن أباه هو الدجال لموافقة صفته صفة الدجال التي كان النبي e قد أخبرهم بها[274] إلى أن توفي في المدينة بعد ذلك فثبت أنه ليس هو.
فإذا ثبت ذلك فمن هم الناس الذين خطب بهم النبي e ونادى فيهم (أن الصلاة جامعة) وقص عليهم خبر تميم الداري ـ وكان ذلك سنة 9هـ ـ عندما جاء تميم مهاجراً مسلماً؟!
فهؤلاء الصحابة :عبد الله بن عمر وعبد الله بن مسعود وجابر بن عبد الله وأبو ذر وأبو سعيد الخدري وحفصة بنت عمر هم حفاظ السنة وعلماء الصحابة وأعلم الناس بالأخبار والآثار النبوية فإذا كانوا لم يحضروا قصة تميم عن الدجال بل ولا سمعوا عنها ـ وإلا لما ظنوه ابن صياد ولا حلفوا على ذلك ـ فمن الذي حضر هذه الخطبة؟! وكيف يتحدث الناس والأنصار عامة ـ كما في صحيح مسلم ـ أن ابن صياد هو الدجال دون أن يتذكروا أو يذكرهم أحد بخطبة النبي e التي جمعهم فيها وقص عليهم خبر تميم الداري؟!
بل إنه مع كل هذا الخلاف في شأن ابن صياد بين الصحابة إلا أنه لم يثبت قط عن أحد منهم القول بأن الدجال موجود موثوق في جزيرة في عرض البحر!!
وإذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحلف على أن ابن صياد هو الدجال عند النبي e ـ كما روى ذلك جابر عنه ـ فإنه أيضاً لم يثبت عنه خلاف هذا القول بعد ذلك ولا دليل على أنه سمع بخبر تميم الداري فرجع عن اعتقاده في ابن صياد.
نعم كان بالإمكان قبول خبر فاطمة لو أنها روته عن النبي e دون أن تقول إن النبي e نادى في الناس ((الصلاة جامعة)) وأنها حضرت الخطبة وكانت في صفوف النساء خلف الرجال … إلخ إذ يمكن القول حينئذ أنها سمعت من النبي e حديثاً لم يسمعه الصحابة الآخرون، أما والحال ما ذكرت في حديثها، فإن ذلك يوجب التوقف في قبول مثل هذا الخبر خاصة وأنه ثبت عن علماء الصحابة وحفاظهم الملازمين لرسول الله e سفراً وحضراً أنهم لم يسمعوا بمثل هذا الخبر بل ولا سمع به الأنصار، بل ولا أهل المدينة مهاجروهم وأنصارهم، بل ولم يسمع به أحد من غيرهم حتى خرج مجالد يروي عن الشعبي ويحدث الناس بهذا الحديث في الكوفة عن امرأة من أهل المدينة أنها شهدت خطبة لم يسمع بها عمر ولا عبد الله بن عمر ولا حفصة ولا ابن مسعود ولا جابر بن عبد الله ولا أبو ذر الغفاري ولا أبو سعيد الخدري ولا أهل المدينة ولا الأنصار الذين ظلوا يعتقون أن ابن صياد هو الدجال؟!
ولو لم يرو عن هؤلاء الصحابة مثل هذا الرأي في ابن صياد لكان بالإمكان القول بأنه لا دليل ينافي دعواها أن الناس حضروا هذه الخطبة الجامعة وليس بالضرورة أن تتوافر الهمم على رواية هذه الخطبة بل يكفي أن يحدث بها راو واحد إلا أن ثبوت هذه الروايات الصحيحة عن هؤلاء الصحابة التي تثبت خلاف حديث فاطمة يقدح في صحة هذه الدعوى من أصلها ويثبت ضدها.
9ـ وإذا كان الصحابة رضي الله عنهم لم يقبلوا حديثها الأول المشهور عنها الخاص بها وهي شابة خشية النسيان والغلط والوهم، فكيف بحديثها الغريب الذي لم يسمع منها إلا بعد أن جاوزت سبعين سنة، ولم يروه عنها إلا رجل واحد من أهل الكوفة في قضية طال حولها الجدل بين أهل المدينة أنفسهم في شأن ابن صياد ووجود الدجال، ثم لا يجدون عند فاطمة التي عاشت بين ظهرانيهم سبعين سنة ما يشفي غليلهم ويحسم الخلاف بينهم؟!
وإذا لم يكن لها إلا حديثان وكان المشهور منهما المتواتر عنها مشكوكاً في صحته حتى رده عمر وعائشة خشية غلطها، فالغريب أحق بالشك والرد من باب أولى.
فيحتمل على فرض صحة الحديث أن فاطمة رضي الله عنها خلطت بين خطبة النبي e المشهورة عن الدجال وبين ما كان يقصه تميم الداري على الناس، فقد روى حادثة الخطبة في شأن الدجال :
أـ ابن عمر: فقد روى البخاري[275] ومسلم[276] من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (قام رسول الله e في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه، ما من نبي إلا وقد أنذر قومه، لقد أنذره نوح قومه…)).
ب ـ وأبو سعيد الخدري: فقد روى البخاري[277] ومسلم[278] كلاهما من حديث أبي سعيد الخدري قال: (حدثنا رسول الله e حديثاً طويلاً عن الدجال فكان فيما حدثنا قال: ((يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل نقاب المدينة…)).
ج ـ وسفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: ((خطبنا رسول الله e فقال: ألا إنه لم يكن نبي قبلي إلا قد حذر الدجال أمته…)).[279]
د ـ سمرة بن جندب : قال إن الشمس كسفت على عهد النبي e فصلى بالناس صلاة الكسوف ثم قام بالناس خطيباً فذكر خطبة طويلة وفيها حذر من الدجال ووصفه وذكر فتنته. كما عند أحمد[280]وابن خزيمة.[281]
هـ ـ وأبو أمامة الباهلي: قال: ((خطبنا رسول الله e فكان أكثر خطبته حديثاً حدثناه عن الدجال وحذرناه…)). عند ابن ماجه.[282]
و ـ جنادة بن أبي أمية : قال ذهبت أنا ورجل من الأنصار إلى رجل من أصحاب النبي e فقلنا حدثنا ما سمعت من رسول الله e يذكر الدجال قال: ((خطبنا رسول الله e فقال أنذركم الدجال – ثلاثاً – فإنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أنذر أمته وإنه فيكم أيتها الأمة…)) وإسناده مسلسل بالأئمة. كما عند أحمد[283] قال الهيثمي: (رجاله رجال الصحيح).[284]
ورواه الطحاوي[285] وفي أوله: (قلنا له حدثنا في الدجال حديثاً سمعته من رسول الله e فإنه قد اختلف علينا فيه…).
زـ وروى عبد الرزاق[286] عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر في خطبة النبي e في شأن الدجال ثم قال الزهري: (وأخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض أصحاب النبي e أن رسول الله e قال يومئذ للناس وهو يحذرهم الدجال…).
وهذا نص على شهرة تلك الخطبة عند الصحابة وأنها خطبة واحدة معلومة.
والمقصود أن هذه الخطبة تكاد تكون متواترة عن النبي e ومع ذلك لم يذكر أحد من الصحابة الذين رووا هذه الخطبة شيئاً مما ذكرته فاطمة بنت قيس وألفاظ أحاديثهم تتفق على التحذير من الدجال ووصفه وفتنته وأنه ما من نبي إلا وحذر منه أمته، ثم يزيد بعضهم في حديثه على بعض، إلا أنه لا تعارض بين ألفاظ أحاديثهم الصحيحة عنهم. ومما يؤكد أن فاطمة سمعت هذه الخطبة التي سمعها هؤلاء الصحابة ما جاء في رواية الطبراني[287] وابـن حبـان في صحيـحه[288] من طريق عيسى بن يونس عن عمران بن سليمان عن الشعبي عن فاطمة قالت: (صعد رسول الله e المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أنذركم الدجال فإنه لم يكن نبي قبلي إلا وقد أنذره أمته وهو كائن فيكم أيتها الأمة إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم…)).
وهذا مطابق تمام المطابقة لما ثبت عن رسول الله e في خطبته عن الدجال التي رواها كثير من الصحابة مما يدل على أن فاطمة قد سمعت هذه الخطبة بعينها ومع ذلك لم يذكر أحد ما ذكرته فاطمة عن تميم وقصته؟!
كما روى النسائي[289] من طريق جرير بن عبد الحميد عن مغيرة بن مقسم عن الشعبي عن فاطمة مرفوعاً: (إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة وهذه طيبة) هكذا مختصراً ولم يذكر قصة تميم الداري.
وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[290]
فقد صحح حديثها في شأن الدجال وتوقف في حديث الزهري عن أبي سلمة حديث الجساسة، والعبارة مختصرة وموهمة!
وعلى كل فهذا يكشف أن في حديث فاطمة خللاً وأن في ضبطها ضعفاً،إن ثبت الحديث هذا عنها، ويؤكد صحة رأي عمر الفاروق وعائشة الصديقة فيها وأنهما ما أنكرا عليها حديثها إلا لما علما من ضعف حفظها، ولا أدل على ذلك من كونها لم تحفظ عن النبي e إلا حديثين اثنين فقط مع أنها من أوائل المهاجرات وعمرت طويلاً وحدثت الناس بما عندها، وفتنت الناس فيهما في حديث الطلاق وفي حديث الدجال؟!
فلعلها أخطأت وخلطت بين ما سمعته من النبي e في هذه الخطبة عن الدجال وتحذيره منه وإخباره أنه لا يدخل المدينة وأن عليها ملائكة يحمونها منه وما سمعته بعد ذلك من تميم الداري الذي كان نصرانياً من أهل الشام ثم أسلم في آخر حياة النبي e واستأذن عمر في أن يعظ الناس ويقص عليهم فأذن له واستمر كذلك حتى خرج من المدينة بعد قتل عثمان رضي الله عنه وسكن الشام حتى توفي فيها سنة 40هـ[291] ، ومما يعضد ذلك أن نعيم بن حماد قد روى في كتاب الفتن من طريق يزيد بن حمير ويزيد بن شريح وجبير بن نفير وشريح بن عبيد والمقدام بن معد كرب وعمرو بن الأسود وكثير بن مرة قالوا جميعا: (الدجال ليس هو إنسان وإنما هو شيطان في بعض جزائر البحر موثوق بسبعين حلقة …).[292]
قال ابن حجر: (لعل هؤلاء مع كونهم ثقات تلقوا ذلك من بعض كتب أهل الكتاب).[293]
وهؤلاء من علماء الشام وروايتهم هذه تشبه ما جاء في حديث فاطمة فيما سمعته من تميم الداري فإما أنهم أخذوا هذا من جهة تميم الذي سكن الشام وتوفي بها أو يكون مما هو شائع بين أهل الشام عن أهل الكتاب ويكون تميم قد حدث به في مواعظه وقصصه في المدينة وسمعته فاطمة منه فاختلط عليها بما كانت قد سمعته في خطبة النبي e المشهورة عن الدجال.
ومما يثبت معرفة أهل الكتاب بالدجال ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر أن عمر سأل رجلاً من اليهود عن شيء فحدثه، فصدقه عمر، فقال له عمر: قد بلوت صدقك فأخبرني عن الدجال، قال: وإله يهود ليقتلنه ابن مريم بفناء لدّ. [294]
ولعله لهذا السبب لم يخرج البخاري حديث فاطمة هذا في صحيحه قال ابن حجر: (سلك البخاري مسلك الترجيح فاقتصر على حديث جابر عن عمر في ابن صياد ولم يخرج حديث فاطمة بنت قيس في قصة تميم وقد توهم بعضهم انه غريب فرد وليس كذلك فقد رواه مع فاطمة بنت قيس أبو هريرة وعائشة وجابر).[295]
فاستظهر ابن حجر أن البخاري ترك تخريج حديث فاطمة ترجيحاً منه لحديث جابر أن ابن صياد هو الدجال على حديثها الذي فيه ما يناقض ذلك، وهذا الصنيع دليل على دقة نظره وثقوب بصره رحمه الله إذ أن التعارض بين الحديثين ظاهر ولا يمكن معه الجمع بينهما إلا على وجه من التكلف الذي لا يسوغ.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: (ولا يبلغ تصحيح مسلم تصحيح البخاري، بل كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله مع فقهه فيه… ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه بخلاف مسلم بن الحجاج فإنه نوزع في عدة أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه…).[296]
وقال أيضاً: (والبخاري أحذق وأخبر بهذا الفن من مسلم ولهذا لا يتفقان على حديث إلا ويكون صحيحاً لا ريب فيه قد اتفق أهل العلم على صحته ثم ينفرد مسلم فيه بألفاظ يعرض عنها البخاري…)[297] وقد ذكر قبل ذلك أحاديث خرجها مسلم وهي غير صحيحه حيث ذكر حديث مسلم[298]: (إن الله خلق التربة يوم السبت، وخلق الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الإثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم يوم الجمعة) ثم قال: (فإن هذا طعن فيه من هو أعلم من مسلم مثل يحيى بن معين ومثل البخاري وغيرهما وذكر البخاري أن هذا من كلام كعب الأحبار… وهذا هو الصواب لأنه قد ثبت بالتواتر أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام…)[299] وكذا قال نحو هذا في مجموع الفتاوى[300] عن حذق البخاري وقصور مسلم عن درجته.
والمقصود أن ما استظهره الحافظ ابن حجر ـ من أن تنكب البخاري عن إخراج حديث فاطمة بنت قيس مع شهرته إنما هو ترجيح منه للأحاديث الأخرى ـ هو استظهار صحيح لأن صحة الإسناد لا تكفي لإخراجه ما دام معارضاً بأحاديث أصح ولا يمكن الجمع بينها.