الباب الأول
رأي العلم الحديث
ورد في جريدة السوداني الدولية –العدد- 353بتاريخ 1/11/2006 للكاتب قصي مهرور مقالاَ تحت عنوان : نظرة جينية لموضوع الهوية0 فإلى المقال : هذه محاولة للنظر لموضوع الهوية السودانية من زاوية مختلفة بعض الشيء، وهو الموضوع الذي استغرق تناوله سنين طويلة بين السودانيين، بتعقيداته وتبعاته.. وهي محاولة، رغم ابتعادها عن العوامل الثقافية، التاريخية والعقيدية واللغوية والأيدلوجية بصورة عامة، إلا أنها لا تنفي تأثير هذه العوامل على مشكل تعريف الهوية في السودان، في مختلف مراحله وتجلياته.. غير أن تعديد زوايا النظر إلى هذه المشكلة يسهم بشكل إيجابي، في زعمنا، في محاولة استجلاء الأمر بصورة أكمل..
في عددها الشهري لمارس 2006، قدمت مجلة الناشونال جيوغرافيك (National Geographic)، لموضوع الغلاف، مقالا علميا رصينا وزاخرا، كعادة المجلة.. الموضوع يتناول، بصورة عامة، مسقط رأس الجنس البشري المعاصر (Homo Sapiens)، أي الجزء من الأرض الذي ظهر فيه لأول مرة، ومن ثم رحلته على سطح الكوكب، بجميع أصقاعه، ليصيّره آهلا به في قاراته الخمس×..
المقال يرتكز على خلاصة الأبحاث العلمية المعاصرة في مجالي البيولوجيا والأنثروبولوجيا.. وهو يحاول عبر هذه الركيزة تناول الخطوط العامة لرحلة استغرقت عشرات الآلاف من السنين على سطح هذا الكوكب..
نقطة البداية هي أفريقيا، حيث تشير الأبحاث إلى أول ظهور للجنس البشري المعاصر.. يقوم المقال بعدها بتقصي ثلاث مناطق في المساحة الشاسعة لأفريقيا، إحداها هي صحراء الكالاهاري، في جنوب القارة، حيث تعيش لليوم شعوب السان (The San People) الذين استطاعوا، وحتى وقت قريب جدا، أن يحافظوا على نفس الصيغة العامة لمجتمعاتهم وأساليب عيشهم لآلاف السنين (بما في ذلك اللغة التي تعتبر، بخصائصها المتميزة، من أقدم اللغات التي عرفها الجنس البشري على وجه الأرض).. والمنطقة الأخرى هي منطقة شعوب البياكا الأقزام (Biaka Pygmies) في وسط أفريقيا.. أما المنطقة الثالثة فهي حيث توجد بعض القبائل من شرق أفريقيا.. شعوب السان وقبيلتان من قبائل شرق أفريقيا يشتركون في وجود تلك الخصائص المتميزة في اللغة××.. شعوب هذه المناطق الثلاث هم أكبر المرشحين، حسب الأبحاث، لأن تكون أول مجموعة خرجت من أفريقيا منهم..
ويشير المقال لأن أول رحلة خارج أفريقيا قامت بها مجموعة بسيطة العدد (بضع مئات تقريبا)، ومن ثم صارت هذه المجموعة البسيطة الأسلاف الشرعيين المشتركين لكافة شعوب الكرة الأرضية اليوم، خارج أفريقيا.. بعد عشرات آلاف السنين من الترحال المتواصل على مدى المعمورة..
ومن أكبر الأسانيد التي تعتمد عليها هذه النظرية الأنثروبيولوجية هي الخريطة الجينية لشعوب العالم اليوم.. حيث تشير الدراسات الجينية إلى أن أكبر قارة اليوم، من حيث التنوع في المعالم الجينية لسكانها من البشر (Genetic Markers)، هي أفريقيا، القارة الأم.. أما بقية شعوب العالم، فإن الملامح الرئيسية لمعالمها الجينية المعاصرة (جميعها) تعود إلى نسبة بسيطة من الخصائص الجينية المتوفرة في القارة الأفريقية اليوم! أي أن أفريقيا، في تنوعها الجيني، تفوق جميع قارات العالم.. أكثر من ذلك، فإن المعالم الجينية للشعوب غير الأفريقية لا تعدو كونها جزءا من المعالم الجينية الموجودة في أفريقيا، إذ ليس هناك معلم جيني أساسي في البشر المعاصرين، في جميع أنحاء المعمورة، لا تعود أصوله لأفريقيا.. يقوم المقال بعرض صورة توضيحية لهذا الأمر، تبرز فيها خريطة العالم مع وجود نقاط ملونة فيها ترمز للمعالم الجينية الأساسية في الـ(DNA) البشري.. من توزيع هذه النقاط، يظهر جليا أن التكوين الجيني لكافة شعوب العالم خارج أفريقيا آت من جزء بسيط من التكوين الجيني العام لشعوب أفريقيا..
(Diverse From the Start - The diversity of genetic markers is greatest in Africa (multicolored dots in map), indicating it was the earliest home of modern humans. Only a handful of people, carrying a few of the markers, walked out of Africa (center) and, over tens of thousands of years, seeded other lands (right). »The genetic makeup of the rest of the world is a subset of what's in Africa,« says Yale geneticist Kenneth Kidd.)***
بعد ذلك تصبح الاختلافات الماثلة أمامنا اليوم في سحنات البشر وعموم ملامحهم حول الأرض عبارة عن خصائص مكتسبة من البيئات المغايرة، تم دخولها تدريجيا في التركيبة الجينية عند الشعوب، ومن ثم توارثها، عبر فترة مديدة من آلاف السنين..
وبعد هذا التلخيص الملخص، نتأمل قليلا في بعض المفارقات التي تسود عالمنا اليوم.. خصوصا في أرض السودان.. هذه الاكتشافات العلمية تواجه الكثير من اللغط المتوارث حول مفاهيم النقاء والاستعلاء العرقي عند شعوب العالم اليوم.. خصوصا عندما نسوق الأمر إلى نهاياته المنطقية! ومن عجب أن الكثير من أهل السودان اليوم، وهم يعيشون في منطقة مرشحة علميا لأن تكون أصل جميع البشر المعاصرين خارج قارتهم (شرق أفريقيا)، لا ينفكون يحتالون لأنفسهم الحيل الثقافية للتخلص من وصمة عرقية، يرون فيها ما هو أقرب لوصمة العار! في حين أن هذه الوصمة تحمل الجذور الشرعية لكل شعب آخر يسعون للانتماء إليه، وجدانيا وعرقيا، بشتى السبل..
عجبا لقوم يزدرون أصولهم الأولى، السابقة، ومن ثم يفاخرون بأصول لاحقة! إن صح، جدلا، زعمهم في الانتماء لتلك الأصول اللاحقة.. الأمر برمته يصبح من المضحكات المبكيات.. ويمكننا أن ندير البصر في كافة أرجاء الأرض اليوم، لننظر إلى دعاوي الاستعلاء العرقي المختلفة، أيا كانت، لنجد نفس الصيغة المضحكة المبكية.. خصوصا عندما نسوق الأمر إلى نهاياته المنطقية!
الباب الثاني
رأي المصريين
يقول الأستاذ مجدي حسين في جريدة الشعب المصرية تاريخ 27/ 8/1996م تحت عنوان ( شعب وادي النيل شعب واحد وحضارة واحدة ) يقول إن تاريخ مصر يبدأ جنوباًويتمحور مع إفريقيا ، وقد ظهرت في الاسواق منذ عام ترجمة الدراسة المهمة للمؤرخ السنغالي الشيخ أنتاديوب وإسمها الأصول الزنجية في الحضارة المصرية وهي دراسة علمية مهمة ، ليس من المهم أن نتفق تماما أو نختلف معها المهم أنها تفتح آفاقاً رحبة لدراسة تاريخ مصر 0 والحقيقة أن المصريين كانوا دائماً ينظرون إلى الجنوب( السودان )بإعتباره منبع النيل وبالتالي منبع الآلهة بل موطنهم الأصلي 0 ويشير الشيخ أنتاديوب أن الحضارة المصرية لا بد أن تكون قد نشأت جنوباً في البداية ، لأن الشمال الأفريقي كله كان مغمورا بمياه البحر ثم عمت الحضارة تدريجياً الشمال الإفريقي وذلك مع استقرار النيل وجفاف الشمال الإفريقي ، وهي على أي حال حقيقة جيو لوجية متفق عليها والدراسة لا تستند إلى أفكار قائمة على التخمين بل إلى كثير من الحقائق التي لا يمكن المماراة فيها وهي تؤكد التقارب الذي يصل إلى حد التماثل بين اللغة المصرية القديمة واللغات الزنجية في غرب القارة الإفريقية وجنوبها ويؤكد التماثل بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة الإفريقية0 والدراسة تكشف بذكاء وعلمية كيف طمست كتابات المستعمر العنصري الحضارة الإفريقية التي لاحظ شواهدها بعض المكتشفين والرحالة من بينهم ابن بطوطة ، ولأننا نقرأ تاريخنا ثم نكتبه بأفكار الغربيين وكتاباتهم فقد وقعنا في هذا الفخ 0 ويواصل مجدي حسين( نحن نعتمد في كثير من معلوماتنا وآرائنا عن مصر القديمة على هيرودت الذي زار مصر في العهد الفرعوني ولكننا لم ننقل عنه بأمانة لأن هيرودت أول منم أثبت أن الشعب المصري القديم كان يغلب عليه الطابع الأسود والزنجي ، يقول هيرودت على سبيل المثال- عن الإغريق أنهم عندما يقولون أن هذه المرأة سوداء فإنهم يقصدون بذلك أن هذه المرأة مصرية 0 وهذا ما أكده أيضا ديو دور الصقلي الذي تعد كتاباته أحد المراجع الأصلية عن التاريخ المصري القديم ، وهذا ما لخصه ماسبيرو بإعتباره رأي كل المؤرخين القدامى فإنهم ينتمون إلى جنس إفريقي0 ويقول شيروبيني مرافق شامبليون (أن مصر ليست سوى مستوطنة سودانية) 0إنتهى المصدر0 وإلى الحلقة القادمة بمشيئة الله0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق