الجمعة، 31 مايو 2013

حاكم المطيري- (الأدلة النقلية والعقلية المعارضة لحديث فاطمة)8\7


إذا كان ما سبق بيانه مشكلات تثير الشك حول ثبوت الحديث سنداً فإن في المتن ما هو أشد إشكالاً وإثارة للشك ومن ذلك:-
أولا : أن فيه ما يصادم قطعي القرآن وصحيح السنة وصريح العقل والحس من أن بشراً من ذرية آدم يظل موجوداً من قبل بعثة النبي e إلى آخر الدنيا وقبل يوم القيامة.
أما القرآن فقوله تعالى: {وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون}.[306]
ففي الآية دليل قطعي على أن الله عز وجل لم يجعل الخلد لبشر سواء كان قبل النبي e أو بعده والخلود هو اللبث الطويل وكل لبث تجاوز المعهود فهو خلود قال الراغب: (كقولهم للأثافي خوالد، وذلك لطول مكثها لا لدوام بقائها) [307] ولا ريب أن بقاء الدجال ـ وهو من ذرية آدم ـ في الحياة طوال هذه المدة وإلى ما قبل قيام الساعة هو من الخلود الذي نفاه القرآن.
وأما السنة فكحديث ابن عمر عند البخاري[308] ومسلم[309] أن النبي e قال: ((أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد)) وفي رواية لهما قال ابن عمر: ((إنما قال رسول الله e لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد يريد: أن ينخرم ذلك القرن)).
وكحديث جابر بن عبد الله عند مسلم[310] أن النبي e قال قبل موته بشهر: ((ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ)) وكحديث أبي سعيد الخدري عند مسلم: ((لا تأتي مائة سنة وعلى الأرض نفس منفوسة اليوم)). [311]
وحديث أنس عند ابن حبان[312] وحديث عقبة بن مسعود الأنصاري عند أحمد[313] وحديث سفيان بن وهب عند الحاكم[314] قال الحاكم: (إنما أراد ما على الأرض ذلك اليوم مولود قد ولد يأتي عليه مائة عام من ذلك الوقت الذي خاطبهم النبي e بهذا الخطاب لا أن من يولد بعد ذلك لا يعيش مائة سنة) وفي الباب عن جماعة آخرين من الصحابة.[315]
فهذا الحديث الذي كاد يبلغ حد التواتر جاء بلفظ عام فالنكرة في سياق النفي تفيد العموم. قال ابن حجر: (الحق أنها للعموم وتتناول جميع بني آدم) [316] أي ممن كانوا مولودين يوم قال النبي e ذلك القول لا من ولد بعد ذلك، إذ وجد من عاش أكثر من مائة سنة ولا يعلم أن أحداً ممن كان مولوداً حينها عاش أكثر من مائة عام فيظل الخبر على عمومه.
ثانيا: أنه مصادم لأدلة العقل والحس، لأنه يمتنع ويستحيل ـ عادة ـ أن يعيش إنسان طوال مدة ألفي عام أو أكثر على هذه الأرض لا يموت ولا يطلع عليه أحد إلا قوم تميم الداري وحدهم دون أهل الأرض قاطبة؟!
وإذا كان هؤلاء النصارى قد رأوا الدجال حقاً وحدثهم وحدثوه فما هو الدليل الحسي أو العقلي أو الشرعي الذي يمنع حصول ذلك لغيرهم؟! وإذا كان الوقوع دليل الإمكان ففي مشاهدتهم له ـ لو صح ـ دليل على إمكانية مشاهدة غيرهم له ومخاطبته كما خاطبوه وشاهدوه، وإذا كان وجوده في تلك الجزيرة والسجن لم يمنع من وصول هؤلاء النصارى له بسفينتهم البحرية الشراعية، فما الذي يحول دون وصول أهل هذا العصر خاصة لهذه الجزيرة وذلك السجن بعد تطور وسائل المواصلات والاتصالات؟!
ثم كيف يعيش ويقتات طوال هذه المدة في سجنه وقيوده ومن الذي يقوم على رعايته؟!
وقد ذكر ابن القيم[317] الضوابط الذي يمكن بها معرفة كون الحديث موضوعاً فقال: (ومنها تكذيب الحس له) وذكر أيضاً: (ومنها أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه) [318] فذكر الشواهد الحسية.
ثم ذكر في[319] بطلان حديث حياة الخضر ونقل عن البخاري احتجاجه بالأحاديث الصحيحة السابقة على نفي حياته كما نقل عن الأئمة احتجاجهم بالآية القرآنية على نفي حياة الخضر ثم نقل عن ابن الجوزي قوله: (الدليل على أن الخضر ليس بباق في الدنيا أربعة أشياء: القرآن والسنة وإجماع المحققين والمعقول..).[320]
أما المعقول فمن عشرة وجوه:
الوجه الأول: أن الذي أثبت حياته يقول إنه ولد آدم لصلبه وهذا فاسد وذلك أن يكون عمره الآن ستة آلاف سنة ومثل هذا بعيد في العادات أن يقع في حق البشر…
والوجه الخامس: أن هذا لو كان صحيحاً أن بشراً من بني آدم يعيش من حين يولد إلى آخر الدهر لكان هذا من أعظم الآيات والعجائب وكان خبره في القرآن مذكوراً في غير موضع، لأنه من أعظم آيات الربوبية وقد ذكر الله من أحياه ألف سنة إلا خمسين سنة وجعله آية فكيف بمن أحياه إلى آخر الدهر…).
وهذه الأدلة نفسها التي يحتج بها على نفي حياة المهدي ووجوده الآن لما في ادعاء وجوده من مكابرة للحس والعقل، وقد جاء القرآن بالدعوة إلى إعمال العقل والنظر والفكر وفي ادعاء مثل هذه الدعوى تعطيل لما أمر الله عز وجل بإعماله وما أنعم الله عز وجل به على الإنسان من نعمة العقل، وليست هذه القضايا من قضايا الغيب التي لا يمكن الإطلاع عليها، لأنها لم تعد كذلك بعد الإدعاء بأن من البشر من اطلع عليها في هذه الدنيا وشاهدها مشاهدة حسية حقيقية كما حدث مع قوم تميم الداري ـ دون أمر خارق ولا كرامة ظاهرة ـ إذ الوقوع دليل الإمكان.
كما أن خبر الواحد إنما يقبل بشروطه كما قال الخطيب البغدادي: (ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل وحكم القرآن الثابت المحكم والسنة المعلومة والفعل الجاري مجرى السنة وكل دليل مقطوع به…).[321]
وعلى كل فالحديث غريب لا يثبت إلا من طريق مجالد عن الشعبي وهذا إسناد ضعيف، وإنما الذي يثبت عن الشعبي هو ما رواه النسائي[322]عن محمد بن قدامة ثنا جرير عن مغيرة عن الشعبي قال قالت فاطمة بنت قيس قال النبي e: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا حذر أمته الدجال وإنه فيكم أيتها الأمة وإنه يطأ الأرض كلها غير طيبة هذه طيبة)) هكذا مختصرا.
وجرير هو ابن عبد الحميد الضبي ومغيرة هو ابن مقسم من ثقات أصحاب الشعبي وهذا إسناد على شرط البخاري ومسلم.
وتابعه على روايته هذه ابن أبي خيثمة الحافظ[323] عن أبي نعيم الفضل بن دكين الحافظ قال ثنا محمد بن أبي أيوب ثنا الشعبي عن فاطمة قالت: خرج رسول الله e يوماً فجلس على المنبر فقال: ((هذه طيبة ـ يعني المدينة ـ لا يدخلها الدجال ليس منها نقب إلا عليه ملك شاهر السيف)).
وهذا هو الحديث الذي صححه البخاري لها، قال الترمذي (سألت محمدا عن هذا الحديث يعني حديث الجساسة ؟ فقال يرويه الزهري عن أبي سلمة عن فاطمة ابنة قيس. قال محمد وحديث الشعبي عن فاطمة بنت قيس في الدجال هو حديث صحيح).[324]
فهذا القدر من حديثها هو المحفوظ وله شواهد كثيرة عن الصحابة وهذا هو الذي قاله e في خطبته المشهورة، وأما قصة تميم الداري فلا تثبت إلا من طريق مجالد ويحتمل أنه سمعها من الشعبي يحدث بها عن تميم ـ كما يتحدث بها أهل الشام ـ بعد أن ذكر حديث فاطمة فظن مجالد أنهما حديثاً واحداً أو يحتمل أن فاطمة قصت على الشعبي ما سمعته من تميم يعظ الناس به بعد وفاة النبي e فأخطأ مجالد، وظن أن ذلك حدث في حياة النبي e. والله تعالى أعلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق