السبت، 19 أكتوبر 2013

أحمد عبده ماهر -الوحي كان مكتوبا

استكمالا لموضوع [هل نزل القرءان مكتوبا] أود إضافة الرسالة السابعة حيث يقول تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }النساء163. 

فالوحي ليس كما تظن أمة محمد أنه نوع من أنواع الوسوسة كوسوسة الشيطان، فالأبالسة يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، وهو وحي شفوي بطبيعة الحال، لكن وحي الرسل جميعا كان تحريريا،

وقد تم الوحي لهم بالتماثل [أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا] فكان مكتوبا وكان جبريل يعلّم النبي قراءته لما به من اختلاف بين طريقة كتابة القرءان ونطقه، {سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى }الأعلى6؛ ثم يوضع في صدره فلا ينساه أبدا..

ومن بين ما دل عليه القرءان في طريقة الوحي للرسل وأنه يكون مكتوبا قوله تعالى:
• {.....وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً }النساء163.
• {وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِم بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى }طه133.
• {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً }الفرقان 5.
• {وَالطُّورِ{1} وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ{2} فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ{3}.......الطور.

فهو مكتوب في رق منشور وفي صحف وليس شفويا كما يدعون.

• { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَى صُحُفاً مُّنَشَّرَةً{52}....المدثر.

• { كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ{11} فَمَن شَاء ذَكَرَهُ{12} فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ{13} مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ{14} بِأَيْدِي سَفَرَةٍ{15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ{16}......عبس.

• { إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى{18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى{19}....الأعلى.

فهو وحي في صحف وليس وحيا شفويا...أليس كذلك؟

• { رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً{2} فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ{3}....البينة.
فإذا أضفنا قوله تعالى:
• {الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ }إبراهيم1
•ويقول سبحانه: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }ص29
• {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }المائدة48.
• ويقول تعالى:{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ }آل عمران7 .

فهل نكذب ربنا ونقول بأنه لم ينزل [عليه كتاب]، أو بأننا لا نفهم معنى [أنزلنا إليك الكتاب]، أو نقول بأن عبارة [ذلك الكتاب] تعني كتابا غير موجود، أو بأن عبارة [إن هذا القرءان] تعني قرءانا شفويا.

أو نقول بأننا لا نفهم معنى [اقرأ]، أو نقول بأننا لا نفهم معنى تعبير [ذلك الكتاب].

وأكتب لكم برهان من السنة النبوية

فهناك رواية وردت في الجزء الاول من (السيرة النبوية لابن هشام ) وهى السيرة التي كانت مرجعا للعلماء والباحثين والمؤرخين لما قبل الاسلام وبعد بعثة الرسول جاء بها قول الرسول عند بدء الوحى ( جاءني جبريل بنمط من ديباج (اي سلة من حرير ) فيها كتاب فقال لي اقرأ قلت ما اقرأ ) اي لا اعرف القراءة

هذا يعني بأن جبريل جاء النبي بكتاب .......والكتاب يعني رسالة مكتوبة
فلاحظ يا أخي الكريم بأن الله أنزل على رسولنا الكتاب وأنزل عليه الكتاب، ويقول له اقرأ، ويقول له ذلك الكتاب، وهذا القرءان، ونحن نقول لا لم ينزل مكتوبا لأننا لا نريد أن نفهم إلا القديم مهما كانت دلالات كلمات القرءان واضحة وناصعة.

فقول [إقرأ&هذا&ذلك& كتاب أنزلناه إليك&نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ&هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ &َ أَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ&وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ &وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ&أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ &إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ& رق منشور& يتلو صحفا مطهرة& اكتتبها& .....الخ]ـ.

لا تعني إلا قولا واحدا وهو أن القرءان نزل مكتوبا، وإلا لقلنا بأنه لا توجد صحف ولا كتب ولا كتابة ولا حتى الأمر الأول [اقرأ].

وعلى الإخوة الكرام ممن لهم دليل ومنهجية واضحة يعارض هذا التخريج أن يأتيني بدليله بحيث لا يخالف دلالات آيت كتاب الله وناموسه مع رسله. وطبعا نرحب بالمناقشة المثمرة وليس بالجدال.

الجمعة، 18 أكتوبر 2013

غزاوي دمنهوري-المصريون ليسوا فراعنة والفراعنة الحقيقيين من الشام

اقدم لكم الحقيقه الغائبه عنكم وهى ان فرعون وقومه كانوا هكسوس من فلسطين وبادية الشام وليسوا مصريين كما يشاع خطا , وهذه الحقيقه راسخه وواضحه بدلائل من القران الكريم ودلائل اخرى عديده,
الهكسوس هم شعب خليط سكن فلسطين وشمال الجزيره العربيه واحتل شمال مصر لمدة 400 سنه تقريبا ويطلق عليهم شعوب الملوك الرعاه, وهم بدو. وكانوا يبنون ابنيتهم وصروحهم من الطين وليس الحجاره(ولكن الله دمر ما كانوا يعرشون), كما ان هؤلاء الهكسوس ال فرعون ومن قبلهم ممن عايش يوسف عليه السلام لم يبنوا حجرا واحدا من الحضاره المصريه التى نراها الان. اما من اطلق على المصريين القدماء اسم (فراعنه) فهى فرية يهوديه الصقها مؤرخى الغرب الماجورين ارضاءا لليهود وذلك للنيل من الحضاره المصريه وتنفيذا لمخطط صهيونى.ولكن الحقيقه الغائبه هى ان فرعون وقومه والقوم الذين عايشوا يوسف من الرعاه كانوا من فلسطين وبادية الشام وشمال الجزيرة العربية عموما واطلق عليهم المؤرخون اسم (الهكسوس)او الملوك الرعاه, وكانوا شديدى البطش ومنهم الجبابره, وقد احتلوا شمال مصر بعد ان انسحب المصريون الى الجنوب المصرى امام زحف الهكسوس. وان الذى شجع الهكسوس على احتلال مصر هى حالة الضعف والانقسام بين حكام المصريين القدماء فى ذلك الوقت.
الا ان حكم الهكسوس انتهى من مصر بغرق قائدهم فرعون وجنده فى مطارده لبنى اسرائيل, مما شجع المصريين على الزحف ثانية لاستعادة الشمال بل ومطاردة الهكسوس فى عقر دارهم.
والدلائل على ذلك عديده منها

الدليل الأول(دليل من القرآن):-
وهى الآيه 34 من سورة غافر, قال رب العزة جل جلاله: بسم الله الرحمن الرحيم(وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ ) صدق الله العظيم,من سورة غافر الآيه 34.
أنظروا إلى هذه الآية الكريمه, إنها خطاب من مؤمن آل فرعون لقومه آل فرعون يقول لهم أى لآل فرعون:ياآل فرعون لقد جاءكم يوسف عليه السلام بدعوة الله من قبل.فكيف إذن جاء يوسف عليه السلام بالدعوه لآل فرعون؟وهم يعيشون فى عهد موسى عليه السلام؟؟؟؟
الإجابه:هى أن آل فرعون نفسهم هم من نفس القوم الذين كان بينهم يوسف عليه السلام وهم الهكسوس.
نكمل الآيه,يقول لهم فمازلتم يا آل فرعون فى شك مما جاءكم به يوسف,فلما هلك يوسف قلتم ياآل فرعون لن يبعث الله من بعد يوسف رسولا.
وأسأل الآن ماعلاقة آل فرعون بالقوم الذين عاش بينهم يوسف عليه السلام(الهكسوس)؟الإجابه إنهم أحفادهم ومنهم وتاريخهم مشترك واحد .فلو كان آل فرعون مصريين لقال لهم لقد جاء يوسف من قبل,ولكنه قال جاءكم أنتم ياآل فرعون.
أنظروا لقوله (فلما هلك قلتم لن يبعث)أى أنهم هم نفسهم من القوم الذين عايشوا حياة ودعوة يوسف وهم من نفس القوم الذين عايشوا وفاة يوسف,وهم من نفس القوم الذين قالوا بعد وفاة يوسف (لن يبعث الله من بعد يوسف رسولا)إنهم هم آل فرعون الذين أرسل الله لهم يوسف من قبل وهم الهكسوس أمثال قطفير وزليخة والملك وكل ماورد فى قصة يوسف.
فبالله عليكم أين هنا أى وجود للمصريين ؟؟
إنهم الهكسوس قوم فرعون وفرعون وهامان.وأنا ولله الحمد أعلن لكم ذلك حرصا منى على إظهار الحقيقه بفضل الله.
ويقول قائل إن هذا موجود فى القرآن وفسره غيرك من قبل وأقول لقد فسروه بوجهة نظر أخرى,ولكنى أفسر هنا من وجهة نظرى كباحث فى التاريخ ولمعرفة هوية فرعون وقومه( وهذا محل بحثى هنا),ليس من إهتمامى هنا وعظ المسلمين من هذه الآيه كما يفعل كل المفسرين أمثال الشيخ الشعراوى أو ابن كثير,فنظرتى هنا هى نظرة باحث فى التاريخ معتمدا على القرآن بإعتباره خير مصدر للبحث التاريخى
إننى هنا بفضل الله أدعوا المؤرخين للإعتماد أولا على القرآن الكريم فى إستكشاف وتدوين الأحداث التاريخيه بشكل مباشر,دون الإعتماد على مزاعم غربيه,وروايات إسرائيليه وروايات لمفسرين مسلمين من الممكن أن يحدث فيها إضافات وإزالات على مر السنين لايعلمها إلا الله.وهاأنذا أدعو للإعتماد على القرآن كمصدر أساسى لتدوين التاريخ.


الدليل الثانى (دليل من القرآن):-
وهى الآيه 31 من سورة غافر, قال رب العزة جل جلاله: بسم الله الرحمن الرحيم (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ 28 يَا قَوْمِ لَكُمْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ 29 وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الأَحْزَابِ 30 مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ31) صدق الله العظيم.
إن هذه الآيات هى رجاء من رجل مؤمن من آل فرعون يرجو قومه ويدعوهم للإيمان بالله ويحذرهم من عذاب الله.
ولكن إخوتى الكرام, تأملوا معى جيدا الآيه رقم 31,حيث مؤمن آل فرعون يحذر قومه إن لم يؤمنوا بالله فسيصيبهم مثل الذى أصاب قوم نوح وعاد وثمود وكذلك الأقوام من بعدهم من عذاب الله.
وهنا مربط الفرس, لأن معنى هذا أن قوم فرعون على علم ودرايه ومعرفه تامه ودقيقه بكل الأحداث التى حدثت لأقوام عاشت فى شبه الجزيره العربيه مثل أقوام نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن عاش ومات فى شبه جزيرة العرب,فكيف بالله يكونوا هؤلاء جميعا مصريين وعلى علم ودرايه بكل أحداث شبه الجزيره العربيه بل وتوارث معرفة تاريخ أقوام شبه الجزيره العربيه؟؟؟
إن لم يكونوا هم وفرعونهم وهامانهم جميعا من شبه جزيرة العرب؟
ونحن لم نعثر على برديه أو خرطوشه مصريه عليها إسم أو رسم أى حدث من تلك التى حدثت لأقوام نوح وعاد وثمود!
إن تلك الآيه الكريمه رقم 31 من سورة غافر توضح بجلاء أن فرعون وقومه من شبه الجزيره العربيه وهم تحديدا ما أطلق عليهم المؤرخين إسم الهكسوس وإحتلوا شمال مصر وأغرقهم الله فى اليم ,بل وطمس على أى أثر لهم, وإختفوا من مصر إلى الأبد .نعم إنها كانت نهاية الهكسوس من مصر.


الدليل الثالث ( جسد رمسيس الثانى وغيره من الموميات الموجودات حاليا فى المتاحف المصريه):-
حيث أجمع كثير من الناس أن جسد رمسيس الثانى هو جسد فرعون الذى نجَّى الله بدنه ليكون لمن خلفه آيه,وِفقَ الآيه الكريمه { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } [يونس :92]
صدق الله العظيم.وسؤالى هو:
إن موميات رمسيس وإبنه مرنبتاح موجودتان فى المتحف المصرى بالقاهره الآن,أليس صحيحاً.
حسنا,ماذا سنفعل لو أن أى شخص سرق هاتان الموميتان وأحرقهما ودفنهما أو أتلفهما للأبد وإنتهى أمرهما,فهل حينها ستكون هذه الآيه(فاليوم ننجيك ببدنك...)باطله معاذ الله لأن جسد فرعون غير موجود وبهذا لن تراه الأجيال القادمه؟ وبالتالى الآيه غير صحيحه وبالتالى القرآن غير صحيح(حاش لله).إذن هذه الآيه الكريمه ليس المقصود بها جسد رمسيس الثانى أو إبنه أو أى من الموميات المصريه,وإنما المقصود بها جسد فرعون الغريق,حيث نجاه الله ببدنه ليراه بنو إسراءيل لتشفى صدورهم ويعرفوا أن الله فقط هو الإله دون سواه.وأن فرعون الذى ذبح أبناءهم واستحى نساءهم ومضطهدهم ومطاردهم ومدعى الألوهيه قد أصبح جسدا بلا حراك.
إذن ليس من المنطقى والمعقول القول بأن رمسيس الثانى أو غيره من المصريين القدماء هو فرعون موسى المذكور فى
القرآن
ان جثة رمسيس الثاني اكتُشفت عام 1881م بواسطة جاستون ماسبيرو.. اذن ,أين كانت آيات القرآن الكريم من الجثة قبل عام 1881م أي قبل إكتشافها؟؟؟؟
منذ أن تم تحنيط الجثة ووضعها في تابوت وإغلاقه عليها لآلآف من السنين لم يرها أو يعرف عنها أحد شيئا حتى عام 1881م وهو تاريخ إكتشافها..فلماذا لم ترها كل الأجيال المسلمة منذ ظهور الإسلام ونحن فقط الذين نراها؟؟؟
الاعتقاد بأن ''لمن خلفك آية''المقصود بها نحن في زماننا هذا..وبالطبع هو تفسير غير صحيح وغير واقعي.
إنما المقصود بها هم بنو إسرائيل وأيضا البقية الباقية من الهكسوس..



الدليل الرابع (دليل من الحياه المعاصره)
وهو دليل مساعد فى إثبات أن فرعون وقومه من شبه الجزيره العربيه,وهو دليل رأيت أن أشير إليه بإعتباره حقيقه موجوده فقط,دون الإساءه من قريب أو من بعيد للأشخاص المشار إليهم,فلا تزر وازرة وزر أخرى,بغض النظر عن تشابه الأسماء.
والدليل هو تردد إسم فرعون كإسم يتسمى به عشائر فى شبه الجزيره العربيه,فمثلا هناك عشيرة آل فرعون بالفرات الأوسط فى شمال شبه الجزيره العربيه والتى ينتمى إليها المدعى العراقى العام الحالى وإسمه (منقذ آل فرعون),وقد كان هو المدعى العام فى قضية الدجيل الشهيره,وكان هو أيضا ممن صدقوا على إعدام الرئيس العراقى صدام حسين,بل وممن حضروا عملية تنفيذ الإعدام شخصيا.وبالمناسبه له أخ إسمه عاد(إسمه هكذا فعلا"عاد" ).
العشيره الثانيه التى أشير إليها هى عشيرة الفراعنه,وهى قبيلة من قبائل سبيع الغلباء,فى السعوديه حاليا.
والسؤال الذى يطرح نفسه:ماالذى جعل إسم فرعون لقبا لأشخاص و لعشائر موجوده فى شبه الجزيره العربيه وفلسطين والعراق وسوريا.مع ملاحظة أن إسم فرعون غير متواجد بالمره فى مصر حديثا.إن هذا يدلل بوضوح أن فرعون والفراعنه هم ليسوا بمصريين.فالفراعنه الذين أتوا كمحتلين لمصر(بعد أن إنسحب المصريين إلى مابعد الوسط وجنوب مصر),وأطلق عليهم إسم الهكسوس هم الذين أرسل الله إليهم يوسف وموسى وهارون عليهم السلام,فكذبوهم ,فعاقبهم الله,وأغرق كبيرهم فرعون وجنده فى اليم,ودمر الله ماكانوا يعرشون,ولهذا لم يبقى لهم أى أثر فى مصر,ولم يعرف المصريون بناة الأهرامات عنهم شيئا,ولهذا لم يدونوا أى من الأحداث والآيات التى حدثت لفرعون الهكسوسى وآله فى شمال مصر,وإنتهت حياتهم بهذه الصوره من شمال مصر برغم أنهم عاشوا فيها زهاء أربعمائة سنه,حيث جاء بعد ذلك المصرى أحمس وطارد فلولهم حتى طردهم نهائيا من مصر.
مرة أخرى أوضح أننى لم أقصد الإساءه لأحد بالإشاره لهاتان العشيرتان فى شبه الجزيره العربيه, فالإسلام يجب ماقبله,ولاتزر وازرة وزر أخرى.وهذا سيدنا محمد خاتم المرسلين وهذا عمه أبولهب وزوجة عمه أبولهب والذين يتوعدهم الله ليل نهار فى سورة المسد.فكل إنسان مسؤل عن نفسه,وقبيلة سبيع الغلباء هى من القبائل المشهوره التى حملت لواء الإسلام ومازالت وهى من القبائل التى لها وزن وتأثير تاريخى وثقافى.الاخوه الافاضل متابعى هذا البحث والذى اثبت من خلاله ان فرعون وقومه كانوا هكسوسا ولم يكونوا مصريين من احفاد بناة الاهرام.
اقدم لكم اليوم اضافه الى الدليل الرابع وهذه الاضافه هى اشارتى الى تكرار اسم فرعون على اناس مشاهير فى الشام والعراق و شبه الجزيره العربيه(وربما كان هناك الكثيرون من غير المشاهير يحملون اسم فرعون ), واننى اتعجب من ذلك!!
فبرغم ان الله سبحانه وتعالى قد ذكر فرعون فى القران على انه اكبر من تكبر وادعى الالوهيه ولقى جزاءه, الا اننى اجد انه بعد مرور حوالى 2500 سنه من هلاك فرعون وجنده, مازال اناس فى شبه الجزيره العربيه يتسمون باسمه ويطلقون هذا الاسم على اولادهم!!!
لاشك ان الموروث الثقافى يلعب دورا هاما هنا. بمعنى ان اسم فرعون هو اسم متغلغل فى القدم وموجود اليوم في بلاد الشام والعراق وجزيرة العرب.
والان بعد بحثى عن تردد اسم فرعون , اذكر لكم بعض اسماء المشاهير الذين توصلت اليهم وهم كما يلي:-
1- ا/ على فرعون - فلسطين - ويشغل منصب نائب مدير دائرة رقابة المصارف في سلطة النقد الفلسطينيه

2- الدكتور/ هشام فرعون - سوريا - وقد شغل منصب أستاذ القانون المدني والتجاري سابقاً في جامعة دمشق

3- الأستاذ الدكتور/ صادق فرعون- سوريا - ويشغل منصب استاذ دكتور فى قسم النساء والتوليد بجامعة دمشق

4 - ا / روضة عبد الكريم محمد فرعون - الاردن - وهى استاذه أردنية من أصل فلسطيني حاصله على ماجستير في التفسير وعلوم القرآن، بكالوريوس في أصول الدين. وصاحبة رسالة ماجستير بعنوان: إعجاز النظم القرآني في آيات التشريع - النظرية والتطبيق


5 - الدكتور/ فرعون احمد حسين - العراق - ويشغل حاليا منصب المدير العام للهيئة العامة للنخيل في وزارة الزراعة العراقيه

6- الوزير/ ميشال فرعون ابن الوزير بيار فرعون - لبنان -ويشغل منصب وزير دولة لبنان لشؤون مجلس النوّاب 2000-2003 , 2005 - 2008
إبن بيار فرعون وزير سابق 1995-1996

7 - الشاعر/ عيسى فرعون - سوريا - وهو شاعر سورى توفى عام 1996
8 - ليث فرعون وهو بطل سباقات الزوارق السريعة الفورمولا 1 السعودي العالمي - من وسط شبه الجزيره العربيه -السعودية

9- المشايخ / سرتيب بن مزهر ال فرعون - مشير المزهر ال فرعون - مجبل ال فرعون, وجميعهم من شمال شبه الجزيره العربيه - العراق - وهؤلاء جميعا مشايخ لقبائل عراقيه شاركوا فى ثورة العشرين العراقيه
10 - الدكتور/ غسان نجيب فرعون - من وسط شبه الجزيره العربيه - السعوديه - وهو دكتور سعودى مشهور ويملك عدة مستشفيات خاصه فى السعوديه
11-النائب حماده فراعنة-لاحظوا إسم عائلته"فراعنة"- نائب أردني من أصل فلسطيني في مجلس النواب الأردني

هؤلاء كانوا من بعض المشاهير , ومازال هناك بطبيعة الحال الكثير والكثير من ابناء شعوب بلاد الهلال الخصيب وشمال الجزيرة العربية يحملون اسم فرعون ويعتزون به. حتي أن هناك قرية إسمها فرعون فى فلسطين
والان بعد كل هذا يتضح ان اسم فرعون هو موروث ثقافى فى بلاد الشام و شبه الجزيره العربيه, وبالاخص فى شمالها واننى اتعجب من تمسك الناس فى شبه الجزيره العربيه باسم فرعون الى يومنا هذا!!!! الا يدل كل ذلك على ان فرعون وقومه كانوا هكسوسا من فلسطين والشام و شمال الجزيرة العربية ولم يكونوا مصريين من احفاد بناة الاهرام؟


الدليل الخامس (وهو الرد على الإدعاء القائل بأن فرعون هو لقب لكل من حكم مصر القديمه)
وهو أن كثير من الناس يعتقد خطأ أن لفظة فرعون هى لقب لمن حكم مصر القديمه,وأرد عليهم بالقول أن لفظة فرعون هى إسم شخص بعينه وليست لقبا كما يعتقد.
ان فرعون موسى ليس أكثر من "الملك فرعون" - بمعنى أن "فرعون" اسمه وليس لقبه كما هو معتقد ويستدل على ذلك بعدة أدلة من بينها القاعدة اللغوية التي تقول إن كل ما أتى بين اسمين فهو اسم، وفي القرآن الكريم أتى اسم فرعون بين اسمين معروفين وذلك في قوله تعالى {وقارون وفرعون وهامان} في سورة العنكبوت .إذن هو إسم شخص وليس لقب لحكام مصر القديمه بناة الأهرام.
إذن القاعده اللغويه تؤكد أن فرعون هو إسم وليس لقب,والدليل كما هو واضح من القرآن الكريم.


الدليل السادس(دليل منطقى)
وهو أنه لم يرد فى القرآن أى شئ عن المصريين القدماء,من حيث إذا ماكان الله قد أرسل إليهم رسلا أم لا(فعلم هذا عند ربى)
وهذا ثابت فعلا ,فلم ترد أى آيه فى القرآن الكريم أو أى حديث نبوى يدين المصريين القدماء فى شئ أسوة بما نزل فى القرآن الكريم فى أقوام عديده(أكثرها فى شبه الجزيره العربيه)مثل أقوام نوح وعاد وثمود وسبأ ولوط والمؤتفكه وقوم تبع وأصحاب الآيكه وأصحاب الرس وأصحاب الأخدود وغيرهم.
بل و ورد تحذير صريح من رسول الله لنا بعدم الدخول إلى آثار قوم ثمود فى منطقة الحجر فى شمال( السعوديه حاليا),وذلك حتى لا تصيبنا لعنه كما أصابتهم,ونجد هذا التحذير فى الروايه التى رويت عن رسول الله فى هذا الشأن وقد جاء في الصحيحين وغيرهما بالإسناد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرض ثمود الحجر في غزوة تبوك استقى الناس من بئرها واعتجنوا به، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يَهريقوا ما استقوا من بيارهم وأن يعلفوا الإبل العجين، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها الناقة، وثبت أيضًا أنه عليه الصلاة والسلام لما مر بالحِجر قال :"لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا إلا أن تكونوا باكينَ أن يصيبكم ما أصابهم" ثم تقنَّع بردائِه وهو على الرحل"، رواه الشيخان.
بينما لانجد هذا الأمر مع الحضاره المصريه القديمه,بل على العكس,تزوج إبراهيم عليه السلام,وكذلك سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام من أحفاد بناة الأهرام,ولم يرد أى تحذير بالدخول للآثار المصريه.
ثم أننى أتعجب من هذا الذى أفتى بكفر أهل جميع الحضارات القديمه دون دليل.هل بما أن عاد وثمود وغيرهم لعنوا وعذبوا إذن المصريين القدماء أيضا ملعونين وكفار!!!فأين الدليل من القرآن والسنه؟؟أم هو إفتراء على الناس بدون حق!!
أريد دليلا واحدا من القرآن أو السنه يبين لنا أن المصريين القدماء ملعونين ومساكنهم ملعونه وآثارهم لايجب الدخول إليها!
ويقول قائل:إن المصريين القدماء وغيرهم ملعونين لأن آثارهم تحوى تماثيل,وهذه التماثيل أصنام,والأصنام يعنى شرك بالله ويدخل تحت باب الكفر بالله.
وأقول له,إقرأ قوله تعالى فى سورة سبأ {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ* يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُواْ آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ* فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} (12ـ14).
فهذا يدل على أن سيدنا سليمان تمتع بمظاهر الحضاره المختلفه فى عصره وكان له عرش مثل باقى الملوك(كملكة سبأ مثلا)وكان عرش سليمان يحوى التماثيل أيضا(وهو نبى من أنبياء الله).
نعم إن التماثيل أصبحت بدعه وفتحت طريق الشرك بالله.ولكن الظاهر أنه كان من عادة ملوك العصور القديمه أن يتخذوا التماثيل من باب الفخر والتبجيل والمدح,لا من باب الشرك(والعياذ بالله ).هذا فى العصور القديمه,أما وإن آخر عهد للشرك بالله قبل الإسلام كان عن طريق التماثيل(حيث إتخذها الناس أصناما),فمن هنا جاءت حرمتها.
ولكن أن نقذف جل الناس القدماء الذين لم يخبر الله عنهم(مثل المصريين القدماء) فى جهنم لمجرد أنه كان لديهم تماثيل,فهذا ليس من العدل.
بل إن رسول الله كانت رايته راية العقاب (النسر)فى الحرب.فاتخذها رسول الله رمزا لفيلقه فى الحرب,وكذلك صلاح الدين الأيوبى وربما غيره من قادة المسلمين,فهى هنا ليست للشرك قطعا,بل للتمييز فى الحرب ليس إلا.
أنا لا أدعو معاذ الله لإقامة التماثيل,بل أدعو لتحريم صناعتها,لأنها تفتح مجالا للشرك.
إذن ليس من الثابت أن الحضاره المصريه ملعونه أو أهلها القدماء كفار.ولكن فرعون وقومه الهكسوس ساروا على نهج آباءهم فى التكبر والكفر والعناد مع الله,أمثال أقوام نوح وعاد وثمود وغيرهم مما أشار القرآن إليهم.الإختلاف الوحيد هو أنهم كانوا موجودون على أرض مصر كمحتلين للشمال. إذن فما شأن المصريين بناة الأهرامات وأحفادهم بهؤلاء الهكسوس إلا أن يكونوا أعداءا لهم.
وأنا من هنا أدعوا إلى الكف عن تسمية الحضاره المصريه ب (الحضاره الفرعونيه)و عدم تسمية المصريين القدماء بالفراعنه.فهى تسمية خاطئه وسيترتب عليها أخطاء تاريخيه أكثر,تماما مثل الذى يبنى بيتا ويضع فى أساسه طوبه ليست فى موضعها أو بشكل خاطئ,فحتما سيترتب عليها أخطاء أكثر,وربما تؤدى إلى تصدع البيت أو إنهياره برمته,لذلك يجب إحقاق الحق مهما كان ,اذن الخلاصه هى ان فرعون وقومه وكذلك القوم الذين عاش بينهم يوسف عليه السلام هم من فلسطين وبادية الشام عموما وليسوا مصريين من احفاد بناة الاهرام كما يشاع خطا.

الخميس، 17 أكتوبر 2013

عبد المنعم عجب الفيا-في الأصول النوبية للهجة السودانية

اللهجات العربية المختلفة هي حصيلة تزاوج اللغة العربية واللغات القديمة لشعوب هذه البلدان. فاللهجة المصرية مثلا تشكلت من تمازج العربية المهاجرة مع اللغة القبطية. والمغاربية نتاج تمازج العربية مع  لغات البربر. واللهجة السودانية هي حصيلة تمازج العربية مع اللغات النوبية والبجاوية والفوراوية والنيلية وغيرها، وهكذا.
وحينما نقول اللهجة السودانية، نعنى لغة الكلام والتخاطب العربية التي يتحدثها السودانيون بمختلف اثنياتهم وانتماءاتهم الجهوية. ولسنا في حاجة إلى من يذكرنا بان اللهجة السودانية هي مجموعة لهجات، فلا توجد لهجة قومية في العالم تخلو من هذا التنوع والتباين داخل القطر الواحد. الا ان هذا التباين لا يغير من حقيقة وجود لهجة قومية، هي اللهجة التي يعرف بها كل بلد على حده. ففي مصر هنالك اكثر من لهجة : هنالك لهجة الصعيد ولهجات الوجه البحري وسيناء والاسكندرية وقبائل بني على ولهجات الفيوم والواحات وغيرها، اضافة الى اللهجة القاهرية. وفي السعودية هنالك لهجة الحجاز وعسير وتهامة ونجران والمناطق الشرقية والشمالية ونجد وغيرها. وهكذا هو  الوضع في سائر البلدان العربية.
هذا، وقد تعرض عدد من الباحثين للاصول النوبية لمفردات اللهجة السودانية وعلى رأس هؤلاء الباحثين الدكتور عون الشريف قاسم وذلك في كتابه العمدة ( قاموس اللهجة العامية في السودان) حيث نجده قد عمل ما في وسعه الى رد كثير من المفردات الى اصلها النوبي. غير ان الباحث والمترجم المتميز فؤاد عكود ، في كتابه ( من ثقافة وتاريخ النوبة 2007) قد استدرك على عون الشريف انه اغفل رد بعض المفردات الى الاصول النوبية كما انه لم يتوسع ما يكفي في تباين هذه الاصول النوبية او لم يقف على الاصل النوبي الصحيح لها. وقد اورد عكود امثلة تظهر الى اي مدى تغلغلت لغة وثقافة النوبة في اللهجة السودانية واشفع ذلك بشرح وتحليل يكشف عن تمكنه وبراعته في هذا الميدان وقد ساعده على ذلك انتمائه ومعرفته باللهجة النوبية الدنقلاوية.
غير ان فؤاد عكود في بحثه وتقصيه عن الاصل النوبي لبعض المفردات قد أغفل حقيقة التاثير والتبادل والاستلاف المزدوج بين اللغات النوبية واللهجات العربية السودانية، الامر الذي جعله يرجع بعض المفردات الى اصول نوبية بينما البحث يكشف ان هذه المفردات ذات اصول عربية سودانية. فواقع الحال يقول مثلما اخذت اللهجة السودانية العربية الكثير من المفردات النوبية، فان اللهجات النوبية قد اخذت بالمقابل بعض الالفاظ العربية السودانية. وهذا التبادل المزدوج يعد أبرز خاصية في التفاعل والاحتكاك بين اللغات. ولكن قبل ان نورد الاصول العربية لما عده فؤاد عكود نوبي الاصل، يجدر بنا أن  نظهر بعض الامثلة التي تفضل بها عكود للدلالة على الاصول النوبية للهجة السودانية ليتبين للقاريء عمق تاثر الثقافة السودانية بالثقافة النوبية. وهذه الامثلة نجد بعضها قد ورد ايضا في معجم عون الشريف قاسم ( قاموس اللهجة العربية في السودان).
لو أخذنا اسماء الأعلام ( الأشخاص) نجد اسماء مثل : نقد ونقد الله وجبر الله وبرسي وقيلي ونابري وتنقاري وحمدتو، ذات أصول نوبية. فنقد تعني عبد. ونقد الله : عبدالله. وبرسي: التوم اي التؤام. وقيلي الأحمر.وتنقاري بالنوبية الشاطيء الغربي اي غرب النيل. ونابري بالنوبية المحسية الذهب. وجبر الله تعني عبد الله. جبر، عبد في النوبية. والجبركل وهي الرجلة تعني في النوبية: طعام العبيد. أما حمدتو، فاصله ولد او ود حمد. والكلمة منحوتة من العربية والنوبية : حمد، وتود. تود في النوبية ولد. وينطق الاسم  في اللسان النوبي: همد- ن- تود. والنون التي بين الكلمتين هي نون الاضافة في النوبية. ثم اسقطت النون فصارت تنطق عند السودانيين، حمدتو.
كذلك كلمات مثل: كوريق، واسوق، عشميق، عنقريب، فهي نوبية وتنطق في اللسان النوبي: كوري ، واسو ، اشمي ، انقري. أبدلت الالف او الهمزة عينا واضيفت قافا إلي آخر الكلمة.
من اسماء الحيوان ذات الاصل النوبي كلمة "قرنتي" وهي فرس النهر في لسان أهل السودان. والكلمة نوبية دنقلاوية معناها، بقرة البحر. وتنطق في اللسان النوبي: أورونتي. اورو =  بحر+ تي = بقرة. والنون للاضافة.
ومن الادوات المنزلية لفظ "دوكة" اي صاج العواسة الذي يصنع من الفخار.وهي كلمة نوبية مكونة من مقطعين: ديو+ كا. ديو في النوبية صاج الخبيز او العواسة. وكا، وتعني: بيت، دار. ليصير المعنى، بيت صاج الخبيز او المطبخ " التكل". 
ومن الكلمات التي يظن من ظاهرها انها عربية الاصل الا انها غير ذلك، كلمة " أجاويد" والتي تعني في اللهجة السودانية: الذين يتدخلون للتوسط  وحل الخلافات بين الناس. ومنها المثل السوداني الشهير : تسوي بايدك يغلب أجاويدك". والاسم منها " جودية" بمعنى التوسط لحل النزاعات. يقول فؤاد عكود ان الكلمة ليست من الاصل العربي جواد بمعنى الكريم، وانما هي كلمة نوبية الأصل مكونة من مقطعين: آج = مستمر ، واد = الذي يفصل بين المتخاصمين.
وغير ذلك كثير على النحو الذي اورده عكود وسبقه في الاشارة اليه عون الشريف قاسم. مثل : سوسيو، وتبش، وتربال التي تعني في النوبية- حسب عكود : مساك المنجل، ترب= منجل + آر  = ماسك. ومثل جيرتق وسبروق وكرتوت وكوار وتقة وكداد وتبن وبتق وكبكبية وعبلانج وأصلها أبلانج وهو القرد وغيرها من الكلمات النوبية التي تزخر بها لهجة أهل السودان.
والآن نعرض إلى بعض مما ظنه فؤاد عكود ذي أصل نوبي وهو غير ذلك. يذهب عكود إلى أن لفظ " شافع" تحريف للكلمة النوبية : شافا وجمعها شافري وتصغيرها شافيد بمعنى الطفل أو الولد الصغير. غير أن لفظ "شافع" قد ورد في معجم لسان العرب بمعنى وليد الناقة و الشاة، او الناقة والشاة التي يتبعها وليد. ويقال " ناقة شافع اي في بطنها وليد او يتبعها وليد يشفعها. وسميت الناقة شافعا لان ولدها شفعها وشفعته هي فصارا شفعا" أي أثنيين. وقياسا على  ذلك نقول خصص لسان أهل السودان لفظ شافع للولد الصغير الطفل، لكونه يشفع أمه. وأغلب الظن ان الكلمة النوبية تحريف للاصل العربي.
يرى فؤاد عكود أن لفظ " تيراب" محرف من الأصل النوبي "تيري". غير أن تيراب وردت في معجم لسان العرب كواحدة من صيغ كلمة "تراب". وقد خصص لسان أهل السودان لفظ تيراب العربي للدلالة على البذور تزرع في باطن الأرض ولعملية زراعة هذه البذور كذلك. والجمع "تواريب". وقد وردت كلمة "توارب" في ذات المعنى في شعر المتنبى. وقد أخبرني الأستاذ الدكتور عبد الله حمدنا الله في نقاش حول ما نشرناه في مقال سابق عن ( تواريب وتقاوي) أن عباس محمود العقاد، قد استعمل كلمة " تواريب" بالمعنى المشار إليه في إحدى قصائده.
ويذهب عكود إلى ان كلمة " فر" بمعنى طار، ومنها قولهم: قلبي فراني، إذا اضطرب فجاءة بسبب الخوف، نوبية. ونقول: فر، عربية وهي في تاتي في الأصل بمعنى هرب وتستعمل مجازا في اللهجة السودانية في معنى طار. يقولون طار فر: إذا هرب طائرا بغتة محدثا فرفرة بجناحيه. وقولهم : قلبي فراني إذا اضطرب بسبب الخوف أو الفرح، فيه استعارة. ومنه قول الشاعر في الاغنية التي يؤديها أحمد المصطفى: طار قلبي مني. وفر تعني أيضا فرد وبسط. يقولون فر الثوب إذا بسطه. والفرة، طائر معروف في السودان ولعله سمي بذلك لانه يفر بغتة من بين الأعشاب والحشائش كونه لا يطير إلا إذا دنوت منه كثيرا فيفاجؤك بطيرانه "فر" حتى يكاد ينخلع قلبك.
يقولون في كلامهم : كدي، ومنها قولهم : ابعد كدي او زح كدي. ويذهب فؤاد عكود إلى انها نوبية بمعنى لحظة أو برهة أو بعض الشيء. نقول إن كدي وكدا بالكسر، عربية أصلها كذا أبدلت الذال دالا. وكدي فيها إمالة. وقولهم: ابعد كدي او كدا معناها زح عن هذي الناحية أو إلى تلك الناحية او إلى ذاك المكان. أما " مو كدي" أو "مش كدا" تعني أليس كذلك؟. وكدي! في صيغة الاستفهام والتعجب تعني أهو كذلك أو أهكذا؟.
الدفيق في كلامهم ما يتدفق من عسيل الثمر قبل اكتمال نضوجه أو جنيه ويسمى البلح الاخضر غير الناضج عند أهل الشمالية دفيق. ومنه قول الشاعر اسماعيل حسن: الدفيفيق الدابي ني أهلو ضنوا عليهو وعلي. وذلك كناية عن حداثة سن المحبوب. شبهه بالثمر الحلو الذي تدفقت حلاوته ولم يكتمل نضوجه بعد. ويرى عكود انها من الكلمة النوبية "دفي". غير ان صيغة الكلمة ودلالتها تشي بانها من دفق يدفق اندفاقا فهو دافق، ودفيق اسم مفعول. ومنها قوله تعالي:" خلق من ماء دافق" اي من اندفاق ماء الرجل في عسيلة المرأة وهو الدفيق في كلامنا كدفق حلو الثمر قبل نضوجه.وأغلب الظن أن دفي النوبية مأخوذة من دفيق.
كذلك يذهب عكود إلى أن "كلكل" بمعنى زغزغ او داعب بالاصابع في اللهجة السودانية، نوبية. ولكنه لم يزد على ذلك ولم يبين أصلها النوبي. والكلكل في لسان العرب ، الصدر. يقول امريء القيس في معلقته:
وقلت له لما تمطي بصلبه * وأردف أعجازا وناء بكلكل
ومن ذلك نرجح أن اللفظة السودانية مشتقة من الكلكل اي الصدر او أسفل الصدر حيث موطن الزغزغة المثير للضحك في جسد الانسان.
كما يذهب إلى أن "شكشاكة" بمعنى رزاز المطر الخفيف المستمر نوبية الأصل استنادا على معجم امبروستور للالفاظ النوبية الدنقلاوية من غير بيان لهذا الأصل النوبي. قلت: الشكشاكة في اللهجة السودانية وهو المطر الخفيف المتقطع غير المنهمر، مشتقة من الكلمة العربية شك يشك. بمعنى طعن وهتك. ومنه قول عنترة بن شداد في معلقته:
فشككت بالرمح الأصم ثيابه * ليس الكريم على القنا بمحرم.
والمعنى كما يقول ابن فارس في معجم مقاييس اللغة، طعنته فداخل السنان جسمه. والشك التداخل والانتظام . تقول : شككت بين ورقتين، إذا أنت غرزت العود فيهما فجمعتهما. قلت: ومن ذلك شك ورق اللعب" الكوتشينة" اي خلطه وأعاد نظمه وترتيبه. ويشك السلاح وهو شاك السلاح اي شكك بعضه في بعض وضده نثر السلاح. ومنها قولهم نثر كنانته اذا أخرج السهام من الكنانة وهي الوعاء التي تحشر وتحفظ فيها السهام. قلت: سميت الشكشاكة بذلك لكون ان قطرات المطر الخفيف المتقطع في تساقطها وتداخلها وتتابعها، تشبه شكة الرمح ووخز السهام. أو قل لتتساقطها بانتظام، فالشك هو انتظام او نظم. يقولون انتظم في السلك الفلاني.
نكتفي بهذا القدر الذي يفي باعطاء صورة عن عمق تأثير اللغات النوبية في اللهجة السودانية كما يظهر في ذات الوقت التاثر المتبادل بين النوبية والعربية وكل ذلك يؤكد ان الثقافة السودانية هي كل مركب ومزيج متشابك لا يعرف النظرة الاحادية السطحية التي تهدف الى اختزال هذا الكل في بعد واحد: إما أبيض أو أسود: افريقي نوبي صرف او عروبي صرف، وهيهات! فتلك نظرة غير واقعية وغير ديالكتيكية وغير تاريخانية.

تفضل أخي العزيز، العالم البحر، والمحقق الثبت، الدكتور خالد محمد فرح باضاءة لمقالنا الذي نشرناه قبل أيام ( حفريات لغوية- في الاصول النوبية للهجة السودانية) وذلك في مداخلة جاءت تحت عنوان (عن اثر النوبية في العامية السودانية – بين عكود وعجب الفيا) ونحن نشكر دكتور خالد شكرا جزيلا على اهتمامه وعنايته الخاصة بما نكتب. ويمكنا القول اجمالا ان صديقنا خالد ينطلق مثلنا من حقيقة التاثير والاستلاف المتبادل بين النوبية واللغة العربية السودانية وهو لذلك يؤمن على كثير مما أوردناه لكنه يختلف معنا حول تخريج قليل من المفردات. 
والثابت أن لا أحد من الباحثين نوبة أو غير نوبة، يجادل في حقيقة التأثير المتبادل بين النوبية والعربية. فقد استقر رأي الباحثين على أن النوبية أخذت 30% من مفرداتها من العربية. (تريمنجهام ص 43). ومن خلال النظر في معجم آرمبروستور للغة النوبية الدنقلاوية ( باللغة الانجليزية) وجدنا أن هذه النسبة صحيحة. ومن أبرز ما لفت نظرنا أن النوبية استعارت، أعداد الحساب وأيام الأسبوع من العربية.
والاستاذ فؤاد عكود نفسه - وهو الباحث النوبي السوداني- يثبت في كتابه (من ثقافة وتاريخ  النوبة) تاثر النوبية بالعربية حيث يقول :"بالتاكيد فان اللغة النوبية .. أخذت من العربية كلمات كثيرة، كما تاثرت في الماضي باللغات المصرية القديمة والمروية والحبشية والقبطية" ص 34.
وهنا يجدر بنا ان نحفظ للاستاذ عكود حقه كباحث اكاديمي صارم همه الحقيقة العلمية لا التوجهات الايديلوجية. وحين ختمنا مقالنا بضرورة نبذ النظرة الاحادية التي تسعي إلى اختزال الثقافة السودانية في بعد عرقي ولغوي واحد، فاننا لم نكن نقصد بذلك الاستاذ فؤاد عكود. فقد تعرفت على عكود بمركز الدراسات السودانية بالقاهرة في خواتيم القرن الماضي وهو رجل جاد يعلوه سمت العلماء. ولم ألمس في كتاباته أية دوافع آيديلوجية.
وقبل التعليق على ما تفضل به الدكتور خالد فرح يتعين علينا  أن نقرر جملة من الامور الضرورية التي بدون الالمام بها واخذها في الحسبان، فان اي حديث عن اللغة النوبية والثقافة النوبية وأثرها، سيبقى حديثا ناقصا.
الأمر الأول أن اللغة النوبية في وادي النيل، أحدث تاريخيا مما يظن الكثيرون. فهي غير الهيروغلوفية( المصرية القديمة) وغير الكوشية وهي غير لغات ممالك كرمة ونبتة ومروي. إذ لم تظهر النوبية في شمال السودان الا في اواخر عهد مملكة مروي في القرن الثالث قبل الميلاد.
وهنالك رأيان، رأي يقول ان النوبة قدموا الى وادي النيل من الغرب ناحية الصحراء الكبرى. ورأي آخر يقول انهم جاءوا من اتجاه الجنوب من جبال النوبا. " ويعتقد زهلر أن النوبة دخلت وادي النيل من جنوب كردفان بواسطة النوبا في القرن الثالث قبل الميلاد.. وان المروية بقيت لغة الميلاد الى ان أدخل النوبة اللغة النوبية من كردفان اثناء غزو تم في القرن الرابع قبل الميلاد وهذا الراي هو الاكثر احتمالا بالنظر الى حقيقة انه لا يوجد سوى القليل جدا من الكلمات المروية في النوبية". سبنسر تريمنجهام ص 43.
بينما يرى فانتيني ان "في كلا الرأيين بعض الصواب"- انظر تاريخ المسيحية في الممالك النوبية ص 27. ويطمئن فؤاد عكود إلى هذين الرأيين، في كتابه ( من ثقافة وتاريخ النوبة) ولم يزد عليهما.
الامر الثاني أن اللغة النوبية لا تنحصر فقط في لغات الشمال: الكنزية والفديجا والمحسية والدنقلاوية. هذه هي النوبية الشمالية. هنالك النوبية الغربية نجدها عند قبائل ميدوب بشمال دارفور والبرقد كذلك وعند الكاجا نواحي سودري بشمال كردفان. وهنالك النوبية الجنوبية عند النوبا بجنوب كردفان.( انظر تريمنجهام وفؤاد عكود).
الامر الثالث ان مملكة مروي القديمة لم يكن مقرها مروي الحالية التي بديار الشايقية وهو خطأ شائع يقع فيه الكثيرون، وانما مقرها منطقة البجراوية الحالية شمالي شندي. وهذا الموقع يجعلها اقرب الى وسط السودان مما ساهم في بسط نفوذها شرقا الى الحبشة وغربا الى دارفور وكردفان وجنوبا الى اعالي النيل. وقد كشفت الحفريات الحديثة التي قامت بها البعثة الالمانية اثارا لحضارة مروي بمنطقة سودري بشمالي كردفان وكذلك بشمال دارفور.
والآن ندلف إلى التعليق على ما جاد به دلو الاخ خالد حول التاثيرات المتبادلة بين النوبية والعربية والتي أشرنا إليها في مقالنا سالف الذكر.
كان الاستاذ عكود قد عد كلمة " تيراب " مأخوذة من الكلمة النوبية terri " تيري". غير اننا ذهبنا إلى أن " تيراب" هي أحدي الصيغ العربية لكلمة تراب. وقد خصص لسان أهل السودان لفظ تيراب العربي للدلالة على البذور تزرع في باطن الأرض ولعملية زراعة هذه البذور كذلك. ولكن الدكتور خالد محمد فرح، يرد علينا قائلا: "حاول الاستاذ عبدالمنعم أن يناقض ما استقر عنده معظم الباحثين من أن كلمة "تيراب" العامية السودانية بمعنى "الحبوب التي تبذر في الأرض" من أنها مأخوذة من النوبية "تيرى".
نحن لم نحاول ان نناقض من أجل المناقضة، ولكنا أتينا بالشواهد التي تؤيد رأينا. والحقيقة ليس كل أو معظم الباحثين يقولون بنوبية كلمة "تيراب". فالدكتور عون الشريق قاسم ، يثبت في قاموسه ان "تيراب" عربية. يقول: " تيراب: البذور المعدة للزراعة، والكلمة ليست بهذه الصيغة عربية"- انتهى. 
فهو يقول بان تيراب عربية سودانية ولكنها ليست بهذه الصيغة في العربية. لعله يقصد انها تحوير من تراب أو توراب العربية. ولكن فات عليه ملاحظة أن صيغة "تيراب" السودانية ذاتها عربية وردت في أمهات المعاجم. جاء في لسان العرب والقاموس المحيط ومعجم الصحاح: " ترب وتراب وتورب وتيرب وتيراب وتوراب، كله واحد."
أما كون ان المعنى "السوداني" لكلمة تيراب غير موجود في المعاجم العربية، فهذا ليس بشيء، فدلالة الالفاظ متغيرة باستمرار مع تغير أطوار اللغة. فكثير من الالفاظ تكتسي دلالات ومعان جديدة لم تكن معروفة من قبل. وهذا من بديهيات علم الدلالة. ولا يزال أهلنا في كردفان يستعملون كلمة تيراب والفعل تيرب ولا يستعملون "تقاوى" التي تسربت إلى الاعلام من اللهجة المصرية. فكلمة "تقة" عندهم هي مكان تجميع المحصول لدقه وهرسه لفصل الحبوب عن القناديل.
وقد ثبت لنا من معجم آرمبرستور أن "تيري" النوبية تحريف لكلمة تيراب العربية السودانية وذلك من خلال استعمال النوبية للفعل واسم المفعول من الصيغة العربية السودانية ذاتها " تيراب". حيث جاء في معجم آرمبروستور للدنقلاوية النوبية: terib   يزرع و terbun مزروع. فاذا ارادوا القول ان الأرض مزروعة، قالوا، حسب، آرمبروستور:
Arid terbun; the land is or has been sown.
لاحظ ان النوبية استعارت أيضا كلمة "أرض" من العربية. جاء في معجم آرمبروستور :
Arid: earth, soil, ground, land.                             
والأرض كلمة عربية سامية تنطق في العبرية "اريث" او "اريت". واذا دخلت عليها أداة التعريف صارت في العبرية "هآريت" ومنها اسم الجريدة الاسرائيلية المشهورة. ومعلوم ان اللغات النوبية ليست من فصيلة اللغات السامية حسب تصنيف علماء اللغويات.
ونقول استطرادا ان العربية اشتقت من التراب لفظ "تُربة" بمعنى قبر وجمعها تُرب. جاء في لسان العرب:" تربة الانسان: رمسه" اي قبره. وهي كذلك في اللهجة السودانية. فمثلما اشُتق اسم مكان دفن الانسان في الأرض من التراب فقيل: تربة، كذلك اشتق اللسان السوداني، دفن البذور في باطن الارض وعملية الدفن، من التراب والتربة أيضا فقيل: تيراب.
أما عن كلمة شافع يقول الدكتور خالد فرح انه كان مطمئنا للأصل النوبي لهذه الكلمة "ولولا أن عبدالمعنم عجب الفيا قد أفادنا بأنه قد وجد في كتاب (لسان العرب) لابن منظور أن "الناقة الشافع" و "الشاة الشافع" كذلك، هي التي يتبعها وليدها، فكأنه يشفعها". ثم يضيف "ولكن التخريج المشهور والشائع لدى سائر السودانيين هو أنّ الشافع انما سُمي "شافعاً" لأنه سوف يشفع لإمه وأبيه يوم القيامة ، وليس ذلك بشيء في نظري ، بل هو تخريج متمحِّل وبعيد النجعة  مما يسمى بتخريات العامة او Folk etymology ".
واضح ان تخريج " العامة" السوداني للفظ "شافع" على النحو الذي أورده خالد، قد خلط بين الشفع والشفاعة. فالشافع مشتقة من الشفع اي التثنية، وليس من الشفاعة اي التوسل. جاء في لسان العرب: " ناقة شافع اي في بطنها وليد او يتبعها وليد يشفعها. وسميت الناقة شافعا لان ولدها شفعها وشفعته هي فصارا شفعا".
وفيما يخص كلمة دفيّق، يعقب علينا خالد محمد فرح قائلا: " فأننا نرى أن الكاتب لم يوفق في محاولته رد نوبية أصل كلمة "دفيَّق" بمعنى البلح الاخضر." ثم يضيف: " ولا ادري من اين جاء بتعريف الدفيّق بأنه : "ما يتدفق من عسيل الثمر قبل نضوجه" .. والمنطق يقول إنه إذا كان الثمر فجّاً أو نيئاً، فسوف لن يكون له عسيل يتدفق مطلقا." – انتهى.
ومصدر هذا التناقض الذي أحسه خالد في كلامنا هو أن "دفيق" فيما نرى، من الأضداد. فهي تعني رطب التمر العسيل الذي يقطع ويؤكل قبل ان يستوي ناضجا ويتحول إلى بلح. وهذا المعنى يؤكده ما جـاء فـي أغنيـة ( القمر بوبا): الدفيفيق الدابو ني أهلوا ضنوا عليهو وعلي". اي ضنوا عليه بحلاوته. كما تعني في ذات الوقت التمر (الطرح) الأعجف الفج الني. ولعل هذا المعنى الأخير هو الذي قصده آرمبروستور حين أورد في معجمه أن " دفي" البلح غير الناضج:
Diffe ; unripe dates at summit of palm.                         
ونقلها عنه عون الشريف حين قال دفي نوبية تعنى " التمر غير الناضج." وترجمها عكود بانها البلح الاخضر غير الناضج. غير أن عون الشريق حينما يقف في ذات السياق عند كلمة  " دفيّق" يقول عنها  " البلح الضامر الذي توقف نموه." أي الطرح من التمر.
ويمضي عون الشريف في تاكيد هذا المعنى حيث يقول :"ودافقت المرأة : اجهضت، دفاق." قلت والدفاق هو طرح او اجهاض حمل المراة قبل ان يكتمل. ولا يزال أهلنا يستعملون تعبير: فلانة دافقت اذا أجهضت. أما "الطرح" فلا يستعمل عندهم إلا في البهائم. يقولون الغنماية او البقرة او الحمارة طرحت اي اجهضت.    
وكنا قد انتهينا في المقال محل التعقيب إلى أن "دفيق" من دفق يدفق اندفاقا فهو دافق، ومنها قوله تعالي:" خلق من ماء دافق". وما يعزز ما ذهبنا إليه أن آرمبروستور يقول في معجمه ان "دفيّق" سودانية عربية :
Diffeg, diffek; Sudan Arabic.                           
فالكلمة عربية الجذر والمعنى سوداني ومثل هذا كثير في لهجتنا. ومهما يكن من أمر المعنى، فان ذلك لا يغير من الجذر العربي للكلمة.
غير أن الدكتور خالد قد أجاد وأبدع في تخريج كلمة "جبر" والاسم السوداني " جبر الله". وكنا قد صنفنا، استنادا إلى فؤاد عكود، اسم جبر الله إلى قائمة الاسماء ذات الأصول النوبية. إلا أن خالدا يرى غير ذلك إذ يقول: " الجذر: "جبر" بمعنى "عبد" جذر "سامي" أو "عروبي" قديم الأثل ، وأصيل فيما يبدو.  وأشد اللغات الـساميِّة المعاصرة احتفاء به هي اللغة الحبشية ، حيث يظهر بصورة واضحة في كثير من اسماء الاعلام مثل : "جبرسلاسي" بمعنى "عبدالثالوث المقدس" ، و"جبر مصقل" بمعنى "عبدالصليب"، و "جبر آب" بمعنى عبد الآله او عبدالرب". وقد تنطق الجيم ههنا مثل القاف المعقودة ، او الجيم القاهرية."
ويضيف خالد: "هذا ويرى كثير من العلماء والمفسرين كذلك أن معنى "جبريل" وهو اسم أمين الوحي، والروح القدس، وعظيم الملائكة هو: "عبد الله". إذ جبر هو: عبد، و "أيل" هو الله تعالى. وربما كان هذا هو من قبيل المشترك اللغوي بين النوبية النيلية الصحراوية ، والحبشية السامية ، ثم الآفرو آسيوية بحسب آراء سائر مصنفي اللغات الغربيين."
ونستنتج من حديث خالد، أن "جبركل" وهي الرجلة في النوبية، وتعني أكل العبيد، منحوتة من كلمتين عربيتين: جبر + أكل. وقد استقرت كلمة أكل في اللسان النوبي كما لاحظنا ذلك في معجم آمبرستور.

مصادر

1-      C.H. Armbruster, Dongolese Nubian, A lexicon, Cambridge University press, 1965.
2-    ج سبنسر تريمنجهام، الاسلام في السودان، ترجمة فؤاد محمد عكود، المجلس الأعلى للثقافة ، القاهرة 2001 ط1
3-    ج فانتيني، تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة، الخرطوم 1978
4-    فؤاد عكود، من ثقافة وتاريخ النوبة، الشركة العالمية للطباعة والنشر ،2007 ط1
5-    عون الشريف قاسم، قاموس اللهجة العامية في السودان، المكتب المصري الحديث القاهرة 1972 ط1
6-    ابن منظور ، معجم لسان العرب.

عبد المنعم عجب الفيا-السودان في نصوص التوارة والانجيل

للسودان حضور ملحوظ ومؤثر في الكتاب المقدس  The Bible(التوارة والانجيل). وقد قمت بمسح استقصائي فوجدت ان اسم السودان ومشتقاته ورد في العهد القديم ( التوارة) The Old Testament  أكثر من خمس وعشرين مرة. وفي العهد الجديد (الانجيل) The New Testament ورد مرة واحدة.
وهنا لابد من الانتباه إلى ان الكتاب المقدس في نصه الاصلي، العبري والارامي، يستعمل كلمة Cush "كوش" اسما لبلاد السودان. أما النص الاغريقي واللاتيني المنقول عن النصين، العبري والارامي، فيترجم كوش إلى "اثيوبيا" Ethiopia للاشارة إلى السودان الحالي. وكان الاغريق يطلقون على بلاد كوش "اثيوبيا" وهي كلمة أغريقية تعني بلاد ذوي الوجوه السوداء او المحروقة بالشمس. أما الانجيل، لما كان قد كُتب ابتداء باللغة الاغريقية، فقد استعمل كلمة اثيوبيا للاشارة إلى السودان الحالي على النحو الذين سياتي ذكره في موضعه هنا. 
وتبعا لذلك نجد أن ترجمات الكتاب المقدس، التي أخذت عن النص العبري والارامي تبقي على كلمة كوش (السودان) كما هي، بينما تلك التي أخذت عن النص الاغريقي واللاتيني فتبقي على كلمة أثيوبيا الاغريقية للدلالة على السودان. إلا أننا نجد بعض الترجمات المعاصرة غير العربية، تستعمل اسم "السودان" بديلا لكوش واثيوبيا. ولحسن الحظ ان الترجمتين الانجليزيتين للكتاب المقدس اللتين وجدتهما بمكتبتي واللتين حوزتهما في أزمان مخلتفة، يذكران السودان باسمه الحاضر "السودان".
وبالبحث في الترجمات العربية المبذولة في الشبكة العالمية لم اجد ترجمة عربية استعملت اسم السودان، فكلها تقريبا أبقت على اسمي كوش واثيوبيا بعضها مصحوب بشروحات تفيد ان المقصود بكوش واثيوبيا، بلاد السودان الحالية، وأغلبها جاء غفلا من هكذا شروحات. وفي تقديري أن الملايين الذين يقرأون الكتاب المقدس اليوم سوف لن ينتبهوا من تلقاء أنفسهم أن أثيوبيا المذكورة في الكتاب المقدس يقصد بها بلاد السودان وانما ستنصرف اذهانهم على الفور إلى أثيوبيا الحالية حصرا. والمعلوم أن أثيوبيا الحالية اتخذت هذا الاسم حديثا. واسمها القديم "ابيسينياAbyssinia  والتي ترجمها العرب إلى " الحبشة" (انظر موسوعة ويكيبيديا الانجليزية مادة اثيوبيا). ولذلك فان ترجمة لفظ كوش او اثيوبيا في الكتاب المقدس، إلى الحبشة، على النحو الذي نجده في بعض الترجمات العربية للكتاب المقدس، يعد خطأ فادحا.
والحقيقة أن جل الكتابات العربية المعاصرة عن التاريخ القديم، تغفل أما جهلا أو عمدا بيان أن اثيوبيا في التاريخ القديم أول ما تعني السودان الحالي. بل حتى أن كثيرا من المصادر الغربية لا تلقي بالا لهذا التمييز فيحدث الخلط. وهنا يظهر تقصيرنا نحن - السودانيين - في التعريف بمكانة بلادنا في تاريخ الاديان والحضارات القديمة.
وكوش في التوارة، ولد حام ابن نوح، وقد سميت عليه بلاد السودان في الكتاب المقدس. وتذهب بعض المصادر الى ان الكلمة ذات أصل مصري قديم "كاش" بمعنى ذوي البشرة السوداء،استعملها المصريون لوصف سكان بلاد السودان القديم. فاخذتها عنهم شعوب التوراة اسما لهذه البلاد.(انظرموسوعة ويكيبيديا الانجليزية مادة كوش). ومن كوش اشتق اسم اللغات الكوشية وهي فرع من فصيلة اللغات الحامية وتشمل ضمن لغات اخرى لغات النوبيين والبجة والبربر واللغة الصومالية واللغات غير السامية لشعوب الحبشة وغيرها.
وتحدد التوارة السودان القديم بانها البلاد الواقعة جنوب اسوان وهي حدوده الحاضرة ذاتها. فقد ورد بسفر حزيقال بالعهد القديم من الكتاب المقدس :" وأجعل أرض مصر خرابا مفقرة من مجدل إلى اسوان إلى تخم كوش"  سفر حزيقال – الاصحاح 29. والنص بالانجليزية :
I will make all of Egypt an empty waste, from the city of Migdol to the city of Aswan in the south, all the way to the Sudanese border.”
وأول ما يرد ذكره عن السودان بالتوارة، نهر النيل، حيث توصف جنة عدن التي كان فيها آدم وحواء، بانها كانت تشقها اربعة أنهر. أحد هذه الانهر، يسمى جيحون، وهو نهر النيل. تقول التوارة :" واسم النهر الثاني جيحون وهو المحيط بجميع أرض كوش" – سفر التكوين – الاصحاح الثالث عشر. وقد ورد في الحديث النبوي، أن النيل من أنهار الجنة. وترد الاشارة إلى انهار السودان في الكتاب المقدس أكثر من مرة.
إلا أن الامر اللافت للنظر أن التوارة تمجد روحانية شعب كوش وتشيد ببسالتهم في الحروب وتصفهم بانهم مهابون من كل الشعوب ويثني على طول قاماتهم وجمال بشرتهم الناعمة (الداكنة). ورد ذلك بسفر اشيعاء - الاصحاح الثامن عشر حسب الترجمة الانجليزية التي بحوزتي:
Beyond the rivers of Sudan there is a land where the sound of wings is heard. From that land ambassadors come down the Nile in boats made of reeds. Swift messengers! Take a message back to your land divided by rivers, to your strong and powerful nation, to your tall and smoothed-skinned people, who are feared all over the world.”
وترجمتها :" من وراء أنهار السودان من تلك الارض التي يسمع منها حفيف الاجنحة، من هنالك جاء الرسل خفافا سراعا في النيل على مراكب من البردى، أيها الرسل الخفاف خذوا هذه الرسالة  وعودوا إلى أرضكم التي تجري خلالها الانهار، إلى قومكم طوال القامة، ذوي البشرة الناعمة، الاقوياء الاشداء المهابين من جميع شعوب الارض".
قوله :" الارض التي يسمع منها حفيف الاجنحة" اشارة إلى الآلهة عند الاولين، وهي عبارة تنم عن المكانة الروحية للسودان لدى الشعوب القديمة. وقد وجدت ما يشير إلى ان قدماء الاغريق يعتقدون ان أرض السودان (كوش) موطن آلهتم.
وتسجل التوارة بعض الاحداث التي تمجد تاريخ ملوك (كوش) الذين حكموا مصر وحاربوا الاشوريين في مصر وفلسطين. ومنهم ترهاقا العظيم الذي وردت الاشارة إليه بالاسم مرتين في التوارة. مرة في سفر الملوك الثاني ومرة بسفر اشيعاء. والعبارة المذكورة في السفرين حسب الترجمة الانجليزية هي:
‘Word reached the Assyrians that the Egyptian army, led by king Tirhakah of Sudan, was coming to attack them.”
وترجمتها :"ووصلت رسالة الى الاشوريين بان ترهاقا ملك السودان جاء يقود جيوش المصريين لمهاجمهتم." سفر اشيعاء الاصحاح 37 
وكان الاشوريون – حكام بابل - على ابواب اورشليم  حين دعى اشيعاء الرب ان يحفظ شبعه منهم ويستغيث بملوك كوش ليصدوا عن العبرانيين شر الاشوريين الذين شكلوا خطرا ماحقا آنذاك على دول المنطقة.
ويؤيد التاريخ اشارة التوارة إلى الملك ترهاقا ويخبرنا ان ملوك كوش قد اخضعوا مصر وحكموها وامتد نفوذهم الى فلسطين وسوريا وانهم حاربوا الاشوريين في مصر والقدس. وأشهر هؤلاء الملوك، بعنخي وترهاقا.( انظر: نعوم شقير - تاريخ السودان، ومكي شبيكة - السودان عبر القرون ). 
ولفت نظري أيضا أن موسى عليه السلام قد تزوج بسودانية (كوشية) ورد ذلك بالعهد القديم ( التوراة) سفر العدد – الاصحاح الثاني عشر:
Moses had married a Cushite woman, and Mariam and Aaron criticized him for that.’
وترجمتها:" وتزوج موسى بامرأة كوشية وقد عنفه كل من مريم  وهارون على ذلك."
فهل أن شعيبا الذي يخبرنا القرآن الكريم انه زوج بنته النبي موسى، كان سودانيا؟ وهل مدين المذكورة كانت بارض السودان (كوش)؟؟
بل أنني وجدت الطبري، المفسر والمؤرخ المسلم المعروف، يصف نبي الله موسى نفسه بقوله:" وكان موسى عليه السلام رجلا آدم أقنى جعدا طوالا". قصص الانبياء – دار الفكر ص 290 وآدم صفة تعنى أسمر أو أخضر.
ويبدو ان البشرة السوداء الناعمة التي عدتها التوارة من مميزات السودانيين، كانت من مقاييس الجمال في ذلك الزمان البعيد. فالحسناء التي شاركت في إنشاء، نشيد الانشاد بالعهد القديم، كانت سودانية البشرة. ونشيد الانشاد  Song of Songsعبارة عن ديالوج بين تلك الحسناء السمراء ورجل لم يسمى في داخل النص. ولكن التوراة تعنون النص : نشيد الانشاد الذي لسليمان. وبذلك نستدل أن الرجل الذي يبادل الحسناء هذا النشيد، هو سليمان. تقول تلك الحسناء والتي لم تسمى ايضا - في مستهل سفر نشيد الانشاد متباهية  بجمالها :
Women of Jerusalem, I am dark but beautiful.., dark as the curtains in Solomon palace. Don’t look down on me because of my color, because the sun has tanned me.,
وترجمتها:" يا نساء أورشليم، إنني داكنة البشرة لكنني جميلة، داكنة كستائر قصر سليمان. لا تنظرن إليّ  شذرا لسواد لوني، فالشمس قد شوتني".  وفي ترجمة انجليزية أخرى:
O ye daughters of Jerusalem, I am black but comely.., Look not upon me because I am black, because the sun has looked upon me. 
اذن هذه الحسناء اجنبية وليست من جنس نساء أورشليم. فهل هي بلقيس؟؟ وهل كانت سودانية؟
نحن نعلم ان هذا التساؤل يصطدم بالاعتقاد الشائع في التراث العربي بانها يمينة، ولكن الامور ليس بهذا الحسم الذي يظنه البعض. فاخواننا في الحبشة عندهم ايمان راسخ بان ( بلقيس) حبشية وفق ما هو مقرر بكتابهم المقدس" كبرانقس".( انظر: مقالنا بلقيس الحبشية). وهنا لا بد من تقرير حقيقة تاريخية في غاية الاهمية وهي أن بلاد كوش أو اثيوبيا القديمة (السودان) تمتد من جنوب اسوان بمصر لتشمل السودان ثم ارتريا والحبشة والصومال واليمن وجنوب جزيرة العرب : اليمن وعسير وساحل عمان.
هذا ما نجده عند مؤرخي الاغريق والرومان. واستنادا على ذلك يقول نعوم شقير:" أثيوبيا هو الاسم الذي أطلقه اليونان على جميع بلاد السود والشديدي السمرة ومعناه الوجه الاسود او المحرق فهو على اطلاقه يشمل السودان والحبشة والعرب إلا أنه خُص بالبلاد التي فيها كلامنا". يقصد السودان. ( انظر جغرافية وتاريخ السودان ص 297). ويُحمد لنعوم شقير انه يكتب عن تاريخ السودان القديم تحت اسم اثيوبيا، تاكيدا على ان اثيوبيا في الكتابات القديمة تعني السودان. وهو تقليد لم نجده عند  المؤرخين السودانيين أو غيرهم.  
أن يشمل السودان القديم جنوب جزيرة العرب امر مثير للانتباه وللعديد من الاسئلة ومن شانه الاطاحة بكثير من المسلمات. ولكن علينا ان نتذكر هنا الاشارات الواردة في الحديث والسيرة والاشعار وبعض الكتابات والبحوث التاريخية الدالة على ان السواد أصل العرب! واذا قرأنا ذلك في ضوء الاعتقاد السائد أن اليمن أصل العرب تتكشف لنا الصورة المغيبة. أذكر أن أحد العارفين من الامارات العربية، ذكر لي مرة في نقاش عابر،ان العرب في أصلهم سود، ولكنهم اختلطوا بالشعوب الاخرى. ( انظر مقالنا: في الزرقة والخضرة والسواد).  
هذه بعض الاشارات الواردة بالتوراة (العهد القديم) من الكتاب المقدس، عن السودان. واذا انتقلنا إلى الانجيل – العهد الجديد من الكتاب المقدس، نجد ان الاشارة إلى السودان وردت مرة واحدة باسم اثيوبيا. وكما سلف ان الانجيل كتب اول مرة باللغة الاغريقية وقد رأينا أن الاغريق يطلقون على السودان ( كوش) اسم أثيوبيا. جاء بسفر أعمال الرسل – الاصحاح الثامن:
Now there was an Ethiopian, a court official of the queen Candace, in charge of her entire treasury.,
وترجمتها:" وإذ برجل من اثيوبيا، وزير ببلاط الملكة كنداكة، والمؤتمن على جميع خزائنها".
والثابت من ذكر الملكة كنداكة ان المقصود باثيوبيا هنا السودان الحالي. والمعلوم ان ملكات مملكة مروي كان يطلق عليهن لقب كنداكة. ولذلك فانه من الخطا الفادح أن تترجم كلمة اثيوبيا هنا إلى " الحبشة كما نجد في بعض الترجمات العربية. وذلك انه اذا كانت اثيوبيا قديما تعني اول ما تعني بلاد السودان، فان الحبشة لا تشمل السودان الحالي. وعلى ذلك يعلق الأب "فانتيني" الايطالي على الترجمة العربية لهذا النص والتي وردت فيها كلمة الحبشة، بقوله:" القنداقة ملكة الحبش- هي ملكة مروي كبوشية لان هنالك عددا من الوثائق يؤكد ان هذا اللقلب يختص بملكة مروي كبوشية". انظر فانتيني- تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة ص41. 
إن من دلائل فقر نظامنا التعليمي جهل الناس بمعلومة تاريخية وجغرافية أولية وهي ان السودان القديم كان يسمى أثيوبيا. واخشى أن يكون اغفال التركيز على دراسة تاريخ السودان القديم مرده إلى المقولة :" الاسلام يجب ما قبله". هذه المقولة تتعلق بالعقيدة ولا علاقة لها بمعرفة أحوال الناس في الماضي والبحث في الحضارات القديمة، وهذا ما يقره الاسلام ويحض عليه. قال تعالى:" إن هذا لفي الصحف الاولى، صحف ابراهيم وموسى". وقال جل شانه: " وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه" وقال: " كذلك نقص عليك مِن أنباء ما قد سبق". قال مِن ولم يقل كل أنباء ما قد سبق، تاركا المجال للدراسين لسيروا في الارض وينقبوا في آثار وعاقبة الاولين.

عبد المنعم عجب الفيَّا-السودان في آثار الحضارة الإغريقية

عُرف السودان - الدولة الحاضرة - في كتابات وآثار الاغريق باسم أثيوبيا. وهذه حقيقة تاريخية وجغرافية ولغوية أولية وليست اسطورة من الاساطير. ومن دلائل بؤس سياستنا التعليمية والاعلامية جهلنا وجهل الاخرين بهذه المعلومة الاولية. فحيثما وردت كلمة أثيوبيا ، في كتابات الاغريق والرومان أو من ينقلون عنهم  أو بالكتاب المقدس (التوارة والانجيل) فهي تعني بلاد السودان الحاضرة.
أما "كوش" فهو الاسم الذي اطلقه قدماء المصرييين على السودان واخذه عنهم العبرانيون في التوارة بسختها الاصلية – العبرية الآرامية وتلك المترجمة عنها.( انظر مقالنا: السودان في نصوص الكتاب المقدس).
ومن أعظم اثار الاغريق المكتوبة كتاب "التواريخ" لهيرودتHerodotus  والذي اشتهر بـ(تاريخ هيرودت) وقد عاش هيرودت في القرن الخامس قبل ميلاد المسيح ( 484- 425 ق.م) ويُلقب (ابو التاريخ). وبيدي الان الترجمة العربية الكاملة نقلا عن النص الانجليزي. وقد طبع الكتاب لاول مرة بالاغريقية واللاتينية سنة 1450م.
زار هيرودت مصر وكتب عن حضارتها القديمة ولكنه لم يتمكن من الذهاب جنوبا ابعد من الحدود المصرية السودانية فاكتفى باستقصاء معلوماته التاريخية عن السودان وحضارته من المصريين ومن آثارهم. وقد كتب عن السودان تحت اسم اثيوبيا والاثيوبيين حيث ذكر بعض ملوك السودان الذين حكموا مصر الفرعونية وأثبت عادة الختان عند السودانيين وذكر مملكة مروي.
يصف هيرودت رحلة الوصول إلى السودان من جنوب مصر حتى مروي القديمة بقوله:" والمنطقة جنوب ألفنتين يسكنها الاثيوبيين.. فاذا جاوزت ذلك القسم من النهر خلال اربعين يوما انتهى بك المسير لتركب القارب ثانية وتمضي اثنى عشر يوما اخر لتصل الى بلدة عظيمة تسمى مروي يقال انها عاصمة الاثيوبيين." ص 145
وإلفنتين Elephantine هي جزيرة "فيلة" باسوان ولا تزال تحمل هذا الاسم إلى اليوم وهي من اجمل المناطق السياحية بمصر وتشكل اليوم جزء من مدينة اسوان. والكلمة اغريقية نسبة إلى الفيل ومنها جاءت الكلمة الانجليزية elephant. وتذكر المصادر أن الجزيرة المذكورة، سميت بذلك لشكلها الذي يشبه الفيل. وقيل بل لانها كانت في الماضي سوقا لسن الفيل.
أما مروي فهي عاصمة مملكة مروي السودانية المعروفة وكان موقع عاصمتها بكبوشية الحالية شمال شندي وهي ليست مروي الحاضرة الان بديار الشايقية. هذا، وامتدت مملكة مروي القديمة شرقا الى الحبشة وغربا الى دارفور وجنوبا الى اعالي النيل وجنوب النيل الازرق.
ونعرف من هيرودت ان حدود مصر والسودان الحالية هي نفسها التي كانت زمن الفراعنة حيث يذكر ان ألفنتين( اسوان) كانت نقطة حدود مصر الجنوبية، يقول :" أقام المصريون ثلاث حاميات أحداها في مدينة ألفنتين في مواجهة الاثيوبيين والاخرى في بيلسوم ودفناي لمواجهة السوريين والعرب والثالثة في ميريا أمام الليبيين، وما زالت هذه المواقع قائمة في ايامنا". يقصد ايام كتابة تاريخه. ص 145
ويبدو حسب هيرودت ان قدماء المصريين كانوا يعتقدون ان النيل ينبع من الشلال الاول جنوب اسوان. ولكن هيرودت لا يصدق هذه الرواية. يقول:" والحق يقال اني لم أجد أحدا ممن تحدثت إليهم مصريا أم ليبيا أم اغريقيا، يملك اي قدر من المعرفة بمنابع النيل سوى ذلك الكاتب حافظ سجلات كنوز معبد أثينا في مدينة سايس المصرية، ولكن بدا لي حتى هذا الشخص على ادعائه سعة المعرفة، رجلا لا يطمئن إلى دعاواه. فقد أخبرني أن بين سايني بالقرب من طيبة وألفنتين جبلين شكلهما مخروطي يعرف بجبل كروفي والاخر موفي، وبينهم توجد منابع النيل تتفجر من أعماق سحيقة، ويتجه نصف الماء شمالا نحو مصر، والنص الاخر يمضي جنوبا إلى اثيوبيا".
ويحاول هيرودت أن يفسر هذا الاعتقاد تفسيرا عقلانيا ويقول :" ويرجح لدي أنه، إذا كان لهذه الرواية أي قدر من الحقيقة، فهي دليل على وجود دومات وتيارات قوية في الينابيع سبهها ارتطام الميال بالجبال( الجنادل)." ص 144 وهو يقصد بذلك قطعا جنادل الشلال الاول باسوان.
ثم يعرض هيرودوت لحكم ملوك السودان، مصر الفرعونية ويذكر منهم شابكو  يقول :" في عهد نسيس حملت اثيوبيا وملكها شابكوس على مصر حملة كبيرة فهرب الملك الكفيف تاركا البلاد في قبضة الاثيوبيين الذين امتد حكمهم فيها خمسين سنة". ص 196
وشابكوس الذي يذكره هيرودت هنا هو الملك السوداني شابكو اخ الملك تهراقا. وحرف السين الزائد علامة الاسم المذكر في الاغريقية. وتخبرنا المصادر التاريخية ان اول ملك سوداني حكم مصر هو كشتا الذي خلفه بعنخي من 751 الى 616 ق.م  قبل الميلاد وبسط بعنخي سيطرته على كامل الاراضي المصرية بعد طرد الليبيين وقد سجل انتصاراته وامجاده بلوحة وجدت بمعبد جبل البركل وتوجد الان بالمتحف المصري.
وخلف بعنخي على حكم مصر الملك السوداني شابكو الذي نقل عاصمته من نبتة الى طيبة المصرية (الاقصر) وهو الذي ورد ذكره عند هيرودت. وخلف شابكو اخاه تهراقا الذي حارب الاشوريين في القدس وسوريا وخلف تهراقا على حكم مصروالسودان، الملك شبكتو ثم ثانوت آمون. وامتد حكم ملوك السودان لمصر الفرعونية مدة خمسين سنة. (انظر نعوم شقير- تاريخ السودان، ومكي شبيكة – السودان عبر القرون). مع ملاحظة ان دكتور مكي شبيكة في حديثه عن تاريخ ممالك السودان القديمة لم يذكر مطلقا اسم اثيوبيا في الدلالة على السودان القديم. وربما كان نعوم شقير المرجع التاريخي العربي الوحيد الذي كتب عن تاريخ السودان القديم تحت اسم اثيوبيا.
هذا وقد سجلت التوارة حروب وانتصارات تهراقا على الاشوريين واستنجاد أهل التوارة به لدحر الاشوريين عن اورشليم ( انظر مقالنا - السودان في نصوص الكتاب المقدس). 
على أن هيرودت يذكر ان هنالك ثمانية عشر حاكما سودانيا حكموا مصر:" وقد قرأ عليَّ هؤلاء الكهنة نصا من أوراق البردي يحتوي على اسماء ثلثمائة وثلاثين حاكما تعاقبوا على عرش  مصر منهم ثمانية عشر اثيوبيا وملكة مصرية واحدة ". ص 176
ولا ينسى هيرودت ان يتحدث عن عادة الختان عند السودانيين ويقول انه لا يدري اذا كان المصريون اخذوها عن السودان:" الختان معروف عند المصريين والاثيوبيين منذ اقدم العصور. وهذا أمر يقر به الفينيقيون والسوريون سكان فلسطين فيقولون إنما أخذوا هذا التقليد من المصريين. أما الاثيوبيون فلا أملك أن اجزم إن كانوا أخذوا بهذا التقليد عن المصريين، أم أن المصريين يقتدون بهم في اتباعه ولكن  مما لا ريب فيه أنه يعود إلى تاريخ بالغ القدم في اثيوبيا". ص 178
وقد لفت نظرنا ان صاحب الترجمة العربية لتاريخ هيرودت التي بايدينا قد أغفل أن يوضح للقاريء في المقدمة والهوامش الكثيرة التي صاحبت الترجمة، حقيقة ان اثيوبيا والاثيوبيين المقصود بها السودان والسودانيين. فهو مثلا على رغم من أنه خصص هامشا للحديث عن فترة حكم الملك شابكو لمصر، الا انه لم يشر مطلقا إلى أن هذا الملك الذي وصف في النص بالاثيوبي انه سوداني، الامر الذي يدل على ان المدلول التاريخي والجغرافي لكلمة اثيوبيا عند الاغريق كانت غائبة عنه.
إذا تركنا هيرودت ووقفنا عند الاثار الادبية والدينية الاغريقية مثل الملاحم والاساطير نجد أن السودان قد ورد  ذكره أيضا بكل من ملحمتي الالياذة  والاوديسا، وذلك أيضا تحت اسم اثيوبيا والاثيوبيين.
هذا، وكان قد ظهر في القرن التاسع عشر أبان ازدهار البحوث حول حضارة وداي النيل، اتجاه قوي من مؤرخين وباحثين غربيين، يؤمن أن الحضارة نِشأت في بلاد النوبة (السودان) أولا ثم اترحلت شمالا إلى مصر ومن ثم إلى بلاد الاغريق. الا أن هذا الاتجاه قوبل بالاهمال والاغفال والصمت. ومن هؤلاء البروفسير مايكل راسل المحاضر بجامعة ادنبرة، وصاحب كتاب : Nubia and Abyssinia  " النوبة والحبشة" والذي صدر لاول مرة بنيويورك في الثلث الاول من القرن التاسع عشر وتحديد في  1833 ومنذ ذلك التاريخ لم يطبع الكتاب مرة ثانية حتى عندما طلبت الكتاب من "امازون" عبر الشبكة العالمية أرسلوا لى نسخة مصورة عن الطبعة الاولى بالانجليزية يظهر عليها ختم صاحب النسخة واثار تخطيطه بالقلم.
يعتقد راسل اعتقادا جازما أن السودان (اثيوبيا سابقا) هو مهاد الفنون والعمارة والديانات والاساطير التي انتقلت عبر مصر إلى الاغريق.  يقول في مستهل كتابه :
There is no country in the world more interesting to the antiquary and scholar than that which was known to the ancient as “Ethiopia above Egypt”, the Nubia and Abyssinia of the present day. It was universally regarded by the poets and philosophers of Greece as the cradle of those arts which at later period covered the kingdom of the pharaohs with so many wonderful monuments, as also of those religious rites which, after being slightly modified by priests of Thebes, were adopted by the ancestors of Homer and Virgil as the basis of their mythology. 
" لا يوجد بلد في العالم يثير اهتمام الباحثين في الاثار القديمة أكثر من البلاد التي تعرف عند القدماء أثيوبيا- أعلى مصر، والتي هي بمصطلح اليوم النوبة والحبشة. فهذه البلاد تعد في نظر شعراء وفلاسفة الاغريق، مهدا للفنون التي غطت في فترة متاخرة مصر الفرعونية ممثلة في المباني الاثرية والطقوس الدينية والتي بعد اصفاء تعديلات طفيفة عليها من قبل كهنة طيبة، تبناها اسلاف هوميروس وفيرجيل واتخذوها اساسا لموروثهم الاسطوري".
It will no longer be denied by anyone who has seen the splendid of work…,which continue to excite the admiration of the tourist at karanc, Luxur, and Ghizeh, may be detected in the numerous monuments still visible between the site of the fame Meroe and the falls of Es Souan.’
"سوف لن يعد في مقدور أحد نكران أن هذه الاعمال الرائعة التي يشاهدها السائح باعجاب بالكرنك والاقصر والجيزة يمكن تقصي أصلها في المباني الاثرية التي لا تزال شاخصة للعيان في الرقعة الواقعة بين مروي الذائعة الصيت وشلالات اسوان".
The more learned among professional artists are now nearly unanimous in the opinion that the principles of architecture, as well as of religious belief, have descended from Ethiopia to Egypt.’
"ويكاد يجمع الفنانيين الاكثر معرفة بين المختصين، على أن مباديء فن العمارة وكذلك مباديء العقيدة الدينية انتقلت من اثيوبيا إلى مصر". – انتهى.
هذا، ويعد كتاب "اثيناء السوداء" للامريكي مارتن برنال الصادر 1991 احياء لهذا الاتجاه الذي يرى أن أصول الحضارة المصرية والاغريقية، سودانية أفريقية. ونلاحظ ان مايكل راسل استعمل كلمة اثيوبيا للدلالة على بلاد السودان الحالي. ولاعتقاده ان السودان القديم يشمل الحبشة أيضا أختار ان يحمل عنوان كتابه اسم ( النوبة والحبشة)  ولكنه عند الحديث عن المواقع الحضارية التي تشكل أصول الحضارة المصرية والاغريقية في نظره، حصرها بين جنوب اسوان ومروي /كبوشية.
وقد ظهر اسم النوبة للدلالة على البلاد السودان في آواخر مملكة مروي القديمة حيث نجده عند مؤرخي اليونان والرومان الذين جاءوا بعد هيرودت مثل ارتسطينوس وبطليموس وبلينيوس واسترابو. وأول من استعمل اسم النوبة من مؤرخي اليونان ارتسطينوس الذي يشير اليهم بلفظ "نوباي" نسبة إلى نوباتيا. (انظر فانتيني- تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة).
وذاع اسم النوبة واشتهر للدلالة على بلاد السودان على يد مؤرخي المسلمين بعد فتح مصر أمثال اليعقوبي والمقريزي والمسعودي والقلقشندي وغيرهم.

مصادر
1-هيرودت ، تاريخ هيرودت، ترجمة عبد الاله الملاح ، مراجعة: د. أحمد السقاف ود. حمد بن صراي، المجمع الثقافي ، ابو ظبي ، 2001
2- نعوم شقير، تاريخ وجغرافية السودان، دار الثقافة بيروت، لبنان.
3- دكتور مكي شبيكة، السودان عبر القرون، دار الجيل، بيروت، ط 1991
4- ج.فانتيني، تاريخ المسيحية في الممالك النوبية القديمة، الخرطوم 1976
5- Michael Russell, Nubia and Abyssinia ,New York, 1833 

نهرو طنطاوى- أوجه التشابه والتطابق بين أنبياء القرآن وقادة الأديان الشرقية القديمة

ينبغي أن يعلم المرء أن الرسالات السماوية جميعها جاءت لأجل الإنسان فقط، جاءت لأجل الإنسان أولا وقبل أي شيء آخر،فالإنسان هو الحرمة الأولى في الأديان وهو الاهتمام الأكبر من كل شيء في الوجود، وهو القيمة الكبرى التي لا تدانيها قيمة، فجميع الأديان جاءت في الأساس لترعى حرمة الإنسان وقيمة الإنسان، جاءت الأديان لتحفظ لهذا الكائن فضله وكرامته على سائر المخلوقات جميعا، أيا كان موطن الإنسان أو جنسه أو نوعه أو شكله أو لونه.
لكن ماذا حدث لتصبح الأديان محرقة للإنسان على مدار التاريخ؟؟. ما حدث يكمن في أن الإنسان قد انحرف وحرف المقصد الحقيقي للأديان، فقد انحرف بالأديان إلى الوثنية ليرضي أطماعه وأهوائه وأنانيته وشهوانيته وطغيانه، فحول الأديان من منهج إنساني قويم يعيش في ظلاله كل الناس إلى وثنيات استعبدت الإنسان وجعلته عبدا للأشخاص والأحجار والمخلوقات، وعبدا لمذاهب الناس وآرائهم وأهوائهم. بل لقد حول الناس الدين نفسه إلى وثن يعبد من دون الله، فبهتت حقائق الدين وذابت وتلاشت حتى توارى المقصد الحقيقي للدين، وتحولت مظاهر الأديان وشعائرها وعباداتها ونصوصها إلى أوثان عبدها الناس من دون الله، بل تحولت الأسماء المجردة للأديان بعد تفريغها منمضمونها إلى أوثان تفوق في وثنيتها وثنية اللات والعزى وهبل، فقد أصبحت كلمة اليهودية وثن يعبده اليهود، وأصبحت كلمة المسيحية وثن يعبده المسيحيون، وأصبحت كلمة الإسلام وثن يعبده المسلمون. وسوف نفصل ذلك لاحقا في مقالين الأول بعنوان: (ما هي حقيقة الوثنية) والثاني بعنوان: (من هو الله). لقد بعث الله النبيين والمرسلين إلى جميع الأمم ليخرجوهم من الظلمات إلى النور، من ظلمات النفس والهوى والظلم والفساد، إلى نور الوحدة والتعاون والعدل والمساواة، فكان أول ما دعا إليه الأنبياء جميعا هو التحرر من قيد الوثنية البغيض الذي يهبط بالإنسان إلى أسفل درك الانحطاط الفكري والخلقي والسلوكي، والتمسك بوحدانية الله التي ترتقي بالنفس البشرية إلى أعلى قمم السمو والرقي الإنساني، فالتوحيد الذي نادى به الأنبياء جميعا ودعوا أقوامهم إليه، لم يكن مجرد عقائد نظرية محضة، تبدأ من العقل وتنتهي في العقل، بل كان التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء هو عبارة عن خلق واقع إنساني سامي جديد وسلوك بشري راقي، يقوم على تحرير الإنسان أولا من العبودية للمخلوقات سواء كانت تلك المخلوقات بشرا أو حجرا أو شجرا أو أفكارا أو أهواء أو عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، وتحريره ثانيا من نفسه وشهواته وأطماعه وأنانيته والسمو به إلى روح الجماعة والتعاون والإيثار والتضحية هذا هو التوحيد وهذه هي رسالات الأنبياء جميعا وهذا هو المقصد الحقيقي لدين السماء.فلم تعتبر الأديان الخضوع للمخلوقات في صورتها البدائية وعبادتها وتقديم الشعائر والقرابين لها هي الوثنية فقط، بل اعتبرت الأديان جنوح النفس البشرية وسعيها الدؤوب وراء أطماعها وأنانيتها وشحها لا يقل وثنية عن وثنية عبادة الأشجار والأحجار والمخلوقات، لذلك يروي لنا القرآن الكريم قصص بعض الأنبياء الذين جاءوا لأقوامهم فقط من أجل تقويم سلوكهم البشري والأخلاقي المنحرف وربط ذلك بتوحيد الله سبحانه، ولم يذكر القرآن عن هؤلاء الأقوام أنهم كانوا يعبدون آلهة من الحجر والشجر والمخلوقات كما كان يفعل أقوام آخرين، وفي ذلك دلالة على أن الانحراف السلوكي والخلقي لا يقل وثنية وفسادا عن الانحراف العقائدي الفكري، فقوم لوط مثلا لم يذكر القرآن عنهم شيئا من عبادة الأصنام أو أي آلهة مخلوقة أخرى من دون الله، ولم يذكر القرآن أنهم كان لديهم انحرافا عقائديا في قضية الألوهية، وإنما كان انحرافهم الأساسي هو الانحراف الخلقي والسلوكي، وكذلك قوم شعيب، وقوم هود، وقوم صالح، وقوم المسيح عيسى بن مريم، كما سنبين ذلك لاحقا من هذا المقالقبل أن نتناول النبوة في الديانة البرهمية والبوذية والكونفوشيوسية والزرادشتية ينبغي أن نلقي نظرة سريعة أولا على طبيعة بعض الرسالات التي جاء بها الأنبياء لأقوامهم كماجاءت في القرآن الكريم، فكما ذكرت في مقالي السابق أن هذه الدراسة ستركز على مقارنة النصوص الدينية للأديان الشرقية القديمة بنصوص القرآن الكريم، فلابد من إلقاء نظرة عابرة على رسالات بعض الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم، كي يتسنى لنا فهم طبيعة رسالات قادة الديانات الشرقية القديمة (الهندوسية والبوذية والزرادشتية والكونفوشيوسية) ومدى تطابقها مع رسالات الأنبياء الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريمفكما هو معروف وبين لدى الجميع، أن الأنبياء هم بشر كبقية البشر، أرسلهم الله إلى الناس لتحريرهم من ربقة العبودية للمخلوقات وللنفس والهوى، وأيضا لهدايتهم إلى الفضيلة ومكارم الأخلاق، إلا أن كل رسول كان يأتي قومه بشريعة ورسالة قد تختلف في كثير من تفصيلاتها التشريعية عن النبي أو الرسول الآخر، وذلك لأن هؤلاء الأقوام كانت لكل قوم منهم أخطاؤهم وخطاياهم الخاصة بهم، والتي قد يختلف فيها قوم هذا النبي عن قوم ذلك النبي، والمطالع لقصص الأنبياء والمرسلين في القرآن الكريم، يجد أن كل نبي كانت رسالته وشريعته تركز على معالجة خطأ بعينه أو عدة أخطاء بعينها، هذه الأخطاء قد تكون غير موجودة لدى قوم النبي الآخر، ونلحظ ذلك في قصص أقوام كلالأنبياء الذين ذكر القرآن قصصهم مع أقوامهمفمثلا نوح كان من صلب رسالته نبذ عبادة الأصنام من دون الله والاعتقاد بوحدانية الله دون غيره، حيث كانت خطيئتهم الكبرى هي الوثنية العقائدية وذلك لاعتقادهم في بعض المخلوقات بأنها آلهة مع الله، وقد عرض القرآن قصتهم على النحو التالي:
(
قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا * وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا * وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا) (سورة نوح- الآيات 21: 24) .وإبراهيم كذلك كان من صلب رسالته محاربة الوثنية الاعتقادية الإلهية، والدعوة إلى وحدانية الله دون غيره كما هو الحال في رسالة نوح، وقد عرض القرآن قصته مع قومه على النحو التالي:
(
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ* إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ* قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ* قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ* قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ* قَالَأَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَفَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ* الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ* وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ* وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ* وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ*) (سورة الشعراء – الآيات 69: 82) .أما المسيح عيسى بن مريم، فلم تكن رسالته عقائدية إلهية على غرار رسالة نوح وإبراهيم، وذلك لأن بني إسرائيل كانوا وقتها يدينون بالديانة اليهودية التوحيدية، ولم يكن حينها ثمة وثنية بالمعنى الصنمي كما كان الحال مع قوم نوح أو قوم إبراهيم أو قوم محمد عليه الصلاة والسلام، وإنما كانت رسالة المسيح رسالة روحية تركز على السلوك القويم وتهذيب النفوس أكثر من أي شيء آخر، وذلك لأن طبيعة اليهود وقتها كانت قاسية فظة غليظة مادية مقيته، فكانت رسالته خالصة في تهذيب الروح وتنقية النفس وإشاعة التضحية والتسامح والمحبة بين الناس، وقد وصف القرآن طبيعة قوم المسيح من بني إسرائيل اليهود على النحو التالي:
(
وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ*وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) (سورة البقرة – 87: 88)
(
لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (سورة المائدة- 78: 79)
(
وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌفَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ*) (سورة الزخرف- 63: 65) .إذن لم تكن رسالة المسيح عليه السلام رسالة لقوم يعبدون الأصنام والأوثان ولم تكن رسالة عقائدية إلهية كرسالة نوح وإبراهيم ومحمد، وإنما كانت رسالته روحية سلوكية تقويميةولوط عليه السلام كذلك لم تكن رسالته في صلبها دعوة للتوحيد وترك الوثنية وعبادة الأصنام، ولم تتناول أو تناقش العقائد الإلهية، بل كانت رسالة لوط عليه السلام في المقام الأول رسالةسلوكية أخلاقية تقويمية تدعو إلى العفة والطهارة والبعد عن الشذوذ الجنسي بين الرجال، ولم تتعرض رسالته إطلاقا للجانب العقائدي الإلهي، وهذا بعض ما جاء بصددها في القرآن الكريم على النحو التالي:
(
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ * وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (سورة الأعراف- 80: 82). وكذلك كانت رسالة شعيب عليه السلام على غرار رسالة المسيح ورسالة لوط، فقد كانت رسالة سلوكية أخلاقية قويمة، تدعوا إلى إصلاح الكثير من الفساد الاجتماعي والسلوكي لدى قومه، إلا أن رسالة شعيب قد نادت بالتوحيد وترك عبادة غير الله، لكنهاركزت في شقها الأكبر على تقويم الانحرافات السلوكية التي كانت شائعة ومنتشرة في البيع والشراء كالنقص في الميزان والمكيال، والغش في البيع والشراء، وبخس الناس أشياءهم، والإفساد في الأرض، وقد ذكر القرآن أحوال قوم شعيب على النحو التالي:
(
إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ *وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ* وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ *) (سورة الشعراء- 177: 183). إذن يتضح لنا من كل ما سبق أن كل نبي كانت رسالته لها اهتمام معين بمسألة العقائد الإلهية قد يكون ذلك الاهتمام كبيرا وقد يكون محدودا وقد يكون شبه معدوم، وذلك يرجع لنوع الانحراف لدى كل قوم من أقوام النبيين، ومدى وثنيتهم، أو مدى انحرافهم السلوكي والأخلاقي والإنساني، فحسب تفشي نوع الخطيئة تكونرسالة النبي، فإن كان الغالب على القوم الوثنية الصنمية الكوكبية وعبادة غير الله بالمعنى العقائدي تأتي الرسالة واهتمامها الأول العقائد التوحيدية، وإن كان الغالب على القوم الطغيان والجبروت من الحاكم واستعباد الشعب تأتي الرسالة بالثورة على الطغيان كما في حالة موسى مع فرعون وملئه، وإن كان الغالب على القوم قسوة القلب وغلظة الطباع تأتي الرسالة واهتمامها الأول ترقيق القلوب وإحياء الأرواح كما في حالة المسيح مع اليهود من بني إسرائيل، وإن كان الغالب على القوم الفساد والانحراف الجنسي وفساد الفطرة، تأتي الرسالة واهتمامها الأول الطهارة والعفة والاعتدال كما في حالة لوط مع قومه، وإن كان الغالب على القوم الفساد المالي والأخلاقي كالغش ونقص الميزان والمكيال وبخس الناس أشيائهم، تأتي الرسالة بالأمر بالقسط والعدل وإصلاح الذمم في البيع والشراء وحسن التعامل بين الناس، كما في حالة شعيب مع قومه، وهكذاوكما أن انحرافات أقوام النبيين اختلف في طبيعتها ونوعيتها، فكذلك اختلفت أيضا التشريعات التي جاءت بها الرسالات المختلفة، بحيث أن كل قوم جاءتهم شريعة بها تحريم لأشياء لا يوجد مثله في شريعة أخرى، وقد يكون بها شعائر وفرائض ومقدسات لا يوجد مثلها في شريعة أخرى، والسبب في هذا الاختلاف في التشريعات والفروض والمقدسات، يرجع إلى طبيعة هؤلاء القوم وطبيعة انحرافهم العقائدي أو الأخلاقي والسلوكي، فكذلك تختلف تعاليم الأديان عن تعاليم البشر، فتعاليم الأديان تربط الناس الموجودين فوق الأرض بالسماء وتربطهم بما بعد الموت وبما بعد الحياة، وبالثواب والعقاب يوم الحساب، وهذا ما لا نجده في التعاليم الأرضية البشرية، فالتعاليم الدينية تبني الإنسان ذاتيا، فالإنسان المؤمن الصادق يلزم نفسه بهذه التعاليم دون إكراه أو إغراء دنيوي، وهذه فروق فاصلة بين التعاليم البشرية الأرضية والتعاليم الدينية السماوية، أما إن كانالفساد يستشري في كثير من الأحيان بين المؤمنين بالسماء وبين رجال الدين في كل الديانات، فذلك يرجع إلى انحرافهم بالتعاليم السماوية عن مقاصدها الحقيقية، ويرجع كذلك إلى انحراف مقاصدهم وأطماعهم وأنانيتهم، لذلك يكون انحرافهم كبيرا ونتائجهوخيمة وأليمة، لأنهم ينحرفون باسم الله والدين، فيظنون أنفسهم يتحدثون بتفويض من الله لهم في القيام على دينه ليفعلوا به ما شاءوا، أما عوام الناس في جميع أديان الأرض فهم أكثر أتباع الأديان التزاما بتعاليم الأديان وأفضل سلوكا وأقوم خلقا وسماحة وطيبة وتضحية وإيثارا وحبا من قادتهم الدينيين، ونجدهم أيضا أقل شرورا وفسادا في الأرض من قادتهم الدينيين.
إرسال الرسل إلى جميع أمم الأرض كما نص القرآن على ذلك:ليس هناك أدنى اعتراض في القرآن الكريم على وجود أديان سماوية في أي بقعة من بقاع الأرض قبل بعثة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، بل إن القرآن الكريم أقر بأنه ليس من أمة من أمم الأرض إلا وقد بعث الله فيها نبيا أو رسولا، فقد أخبر القرآن الكريم أن الله بعث في كل أمة من أمم الأرض رسولا يدعوهم إلى طاعة الله والالتزام بالفضيلة ومكارم الأخلاق والبعد عن الرذيلة والفواحش والظلم والبغي والفساد في الأرض، وأخبر القرآن أيضا أن الله لم يهلك الأمم والقرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آيات الله ويذكرهم بها، وأخبر القرآن الكريم أيضا أنالأنبياء الواردة قصصهم في القرآن الكريم ليسوا هم كل الأنبياء الذين أرسلهم الله وإنما هم بعض الأنبياء والرسل، فقد ذكر القرآن أن هناك أنبياء ورسلا قد أرسلهم الله إلى أمم أخرى ولكن لم يقصص الله علينا قصصهم في القرآن، وإنما أشار إليهم دون تحديد لأسمائهم أو أماكنهم أو زمانهم، وهذه طائفة من النصوص القرآنية التي تقرر ذلك على النحو التالي:
(
وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطاغوت) (النحل – 36)
(
وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْآيَاتِنَا) (القصص– 59).
(
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) (غافر – 78). وقال تعالى:
(
وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر – 24). إذن أقرت نصوص القرآن الكريم بأن الله قد بعث في كل أمة من أمم الأرض رسولا، ولم تخل أمة من الأمم إلا وقد جاءها نذير من الله، منهم من قص الله قصصهم في القرآن ومنهم من لم يقصص.
أنبياء ورسل الهند والصين وإيران القدماءسوف نحاول في هذا الفصل أن نقتفي أوجه الشبه والتطابق بين ملامح شخصيات أنبياء القرآن الكريم وأحوالهم مع أقوامهم وموقف أقوامهم منهم ومن دعوتهم، وكذلك نتبين ملامح قادةالأديان الهندية والصينية والإيرانية القدماء وأحوالهم مع أقوامهم، وموقف أقوامهم منهم ومن دعوتهم، فقد نص القرآن الكريم على حالات من التشابه والتطابق في نشأة وحياة وشخصية جميع الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن، وأيضا نص على تشابه وتطابق ردود فعل أقوامهم تجاه دعوتهم، وسوف أبين الحالات التي نص عليها القرآن ثم أقارن بينها وبين كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت، لنرى مدى التطابق والتشابه بين أحوال وأوضاع الأنبياء الذين نص عليهم القرآن مع أقوامهم ورد فعل أقوامهم معهم، وسوف أتجنب الحديث عن الديانة البرهمية القديمة، وذلك لعدم توصل الباحثين والمؤرخين وعلماء مقارنة الأديان على المؤسس الأول للديانة البرهمية والتي مرجعها الأولوالأكبر هو الكتاب المقدس المسمى بـ(الفيدا)، وسوف أستعرض هذه الديانة في هذا المقال فقط عند الحديث عن الوحي والنبوة، وسوف أتناول تعاليم الديانة البرهمية وتشريعاتها الدينية والأخلاقية والعقائدية في المقالات القادمة، أما عن أوجه التشابه والتطابق بين أنبياء القرآن وقادة الأديان الشرقية القديمة فنتناولها في التقسيمات التالية:
1 - 
العزلة والاعتكاف والتأمل قبل النبوةتحكي كتب التاريخ أن معظم الأنبياء والرسل قبل بدء دعوتهم قد مروا بمرحلة من الخلوة واعتزال الناس والاعتكاف والتأمل استمرت لعدة سنوات، وبعدها يبدأ النبي أو الرسول في دعوةقومه إلى تعاليمه التي بعثه الله بها إلى قومه، فمثلا النبي محمد عليه الصلاة والسلام قد اعتكف في غار حراء حسب ما تحكي كتب التاريخ لعدة سنوات قبل البعثة، وبعدها مباشرة بدأ الرسول في دعوة الناس إلى تعاليم دينه، وهذا ما حدث أيضا مع كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت، على النحو التاليعزلة بوذا واعتكافهعندما بلغ بوذا السادسة عشر كان له ثلاثة قصور في ثلاث مناطق مختلفة, قصر لكل فصل من فصول السنة ولكنه وسط هذا اليسر والثراء كان يحس بالأسى أو الحزن الذي يسببه ثراء وسلطان بعض الناس للآخرين غيرهم, وبعد أن تزوج بوذا امرأته وولدت له طفله الأول ترك هذا الرخاء في منزله ليبحث عن حياة ترضيه أكثر من غيرها. ولقد تحدث في السنوات الأخيرة واصفا هذا الحادث فقال: (لقد عرفت الضيق والضجر من الحياة في منزل لا تسهل فيه ممارسة حياة دينية كاملة النقاء ومع أنني كنت في فجر العمر.. وعلى الرغم من بكاء والدي حتى غطت العبرات وجهيهما قصصت شعر رأسي ولحيتي وارتديت ثيابا صفراء اللون ثم تركت حياتي المستقرة في منزلي إلى حياة أهيم فيها دون ما مستقر). (مانوراما موداكص89). ومكث بوذا في عزلته ست سنواتعزلة كونفوشيوس واعتكافهأما كونفوسيوش قد حكى عن نفسه أنه اعتزل واعتكف منذ أن بلغ الخامسة عشر وحتى بلغ الثلاثين من عمره وفي تلك الفترة كان كل شغفه بالقراءة والاطلاع فقد (كان يؤثر الاطلاع على الطعام والنوم وكثيرا ما أمضى أياما وليالي يستزيد من المعرفة متغاضيا عن طعامه وراحته وكان يبدي تصميمه على العمل على إزالة شرور أربعة اعتبرها أمهات الكبائر : عقلية مغرضة , أحكام جائرة , العناد والأنانية. (د. فؤاد محمد شبل, ص87). عزلة زرادشت واعتكافه تذهب الروايات إلى أن زرادشت نشأ محبا للحكمة ولحياة العزلة والاعتكاف. (د. محمد أبو المحاسن عصفور, ص280). ولما بلغ زرادشت العشرين من عمره أحس رغبة شديدة في الوقوف على حقيقة الكون وخالقه ومحتويات الطبيعة وما وراءها ، فآثر العزلة والرياضة الروحية والتأمل العميق في ملكوت السماوات والأرض ، لتصفو روحه، ويوقن بقدرة الإله، وتتطهر نفسه من جميع عقائد الشرك والسحر ونسبة الأفعال للكواكب والمخلوقات، ويتهيأ لتلقي الإشراق والاهتداء إلى معرفة الحق، وأخذ يطوفبمختلف بلاد إيران لتزداد تجاربه وتزداد معرفته بالمجتمعات وشئون حياتها. وقد استغرقت هذه الرحلة عشر سنين، فبلغ في نهايتها الثلاثين من عمره وكان حينئذ قد وصل إلى أرقى درجات الصفاء الروحي. (د. علي عبد الواحد وافي، ص130).
2 - 
الوحي والنبوةما من نبي من الأنبياء والرسل إلا وأقر بأن ما جاءه من تعاليم ليس من عند نفسه، وإنما هو بوحي من الله، وأنه قد جاءه من يأمره بتبليغ ما أمر به، وهذا ما نص عليه القرآن الكريم: (وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) (سورة الرعد- 38)، فقد أثبتت معظم الدراسات والأبحاث أن البرهمية وبوذا وكونفوشيوس وزرادشت، قد اعترفوا أن ما جاءوا به من تعاليم لم يكن من عند أنفسهم، وإن ما جاءوا به قد أتاهم من مصدر خارجي عنهم، ولم يبتدعوه من عند أنفسهم، وذلك على النحو التاليالوحي والنبوة في الديانة البرهميةذكر الشهرستاني في الملل والنحل أن من عقائد البرهميين إنكار النبوة ونسب ذلك إلى رجل منهم يقال له (براهم) مهد لهم نفي النبوات أصلا وقرر استحالة ذلك في العقول، ولا ريب أنه إن صح هذا بالنسبة للبرهمية كان دليلا على انحرافها بعد استقامتها خصوصا وأن الشهرستاني نفسه يقول (ومن أهل الهند جماعة أثبتوا متوسطات روحانية يأتونهم بالرسالة من عند الله عز وجل في صورة البشر من غير كتاب فيأمرهم بأشياء وينهاهم عن أشياء ويسن لهم الشرائع ويبين لهم الحدود وإنما يعرفون صدقه بتنزهه عن حطام الدنيا واستغنائه عن الأكل والشرب والجماع). (د. عمارة نجيب, ص193، 194). الوحي ونبوة بوذاحينما كان بوذا في العزلة والاعتكاف في الغابات، وجد في الغابة معلما اسمه (جورو) قضي بعض الوقت في الدراسة معه ثم سار بمفرده حتى استقر على شاطئ النهر وبدأ يحد من كمية غذائه حتى وصل إلى حد كان يعيش يومه على طعام يمكن أن يضعه في راحة يده, ومر الوقت وأدرك أن هذا إجراء لا ينفع أحدا غيره وأنه قد انعزل عن الناس أكثر من اقترابه منهم وعندئذ عاد إلى زيادة كمية طعامه في غير شراهة. وفي تجواله من مكان إلى آخر استقر أسفل شجرة, شجرة تين. (مانوراما موداك, ص87). وهو تحت الشجرة المقدسة تمت له الإشراقة وانجلت له عقد الكون, وبوذا نفسه يصف هذه الإشراقة فيقول: كلمني صوت من داخلي قائلا: إن الهوى هو أصل الحزن. والنفس هي التي تجلب الشقاء وذلك أن المرء يقول دائما: أنا أنا, ويقول أيضا: زوجتي وأولادي فهم أيضا نوع من أنا أما من سواهم فليسوا أنا فيهوى ما يرى فيه شهوة نفسه وإذا خاب شقي بهذه الفكرة, يذهب الناس في الدنيا كالحريق العظيم المدمر فيؤذون ويقتلون ويكونون لعنة على الخلق. قال بوذا للصوت: إن قبلت قولك فهل أنال الحرية؟. فأجاب الصوت: نعم نعم إنه يجلب لك الحرية أيها الناسك. فهل هذه هي النيرفانا؟ هل هي القضاء على الأنانية والتحرر من الهوى وسلطان النفس؟. (د. أحمد شلبي, ص158). الوحي ونبوة كونفوشيوسويؤثر عن كونفوشيوس قوله: وقتما كنت في الخامسة عشر وقفت نفسي على الاطلاع فلما بلغت الثلاثين توطدت معلوماتي فلما أصبحت في الأربعين زالت شكوكي وفي الخمسين ميزت إرادةالسماء وفي الستين كنت مستعدا للإصغاء إليها وفي السبعين تيسر لي إطاعة رغبة قلبي دون أن أتجاوز ما هو حق. وفي مجلس ضم طائفة من مريديه تنهد وقال ليس هناك من يعرفني, فسأله أحدهم عن السبب فأجاب: إنني لا أجأر بالشكوى ضد الشعائر ولا ألقي باللوم على الناس, إن مطالعاتي ودراساتي – وإن كانت متواضعة – تخترق أعلى مكان ولعلي – قبل كل شيء – معروف لدى السماء. ووصف نفسه بأنه مجرد ناقل وليس مبدعاووردت بمأثورات كونفوشيوس عبارات يتحدث فيها عن السماء, معبود الصين الرئيسي ويبدو من استقراء كتاباته أنه كان يحس بأن السماء قد استودعته رسالة إبراء العالم الصيني من أوجاعه, وآمن بأن السماء لن تخذله وفي ذات مرة أظهر استهجانه لعدم ثقة أحد به لكنه أضاف بأن السماء تفهمه. (فؤاد محمد شبل, ص77، 78). ولقد انبهر المبشرون الغربيون عندما علموا ما عند الصينيين من حكم موروثة ووصايا وآراء خلقية سامية ولذا قرروا أن الصينيين لا بد أن قد بعث فيهم رسل ولقد أخذوا لهذا يوازنون بين التوراة والكتب الصينية في الأخلاق والحكم والوصايا. (محمد أبو زهرة, ص80). بل إن كونفوشيوسقسم الناس بالنسبة للمعرفة إلى أربع درجات فقال عن صاحب الدرجة الأولى: رجل وهبته السماء المعرفة وأوتي الإلهام وهي من أعلى الدرجات). (محمد أبو زهرة, ص 96). الوحي ونبوة زرادشتتروي أسفار الديانة الزرادشتية أنه حينما بلغ هذه المرحلة نزل عليه الوحي من السماء. فبينما هو واقف على شاطئ نهر ديتي في مقاطعة أذربيجان إذا به يرى كائناً مضيئاً يهبط من السماء، وكأنه عمود من نور ، حجمه تسعة أمثال حجم الإنسان، ويحمل في يده عصا من اللهب، ولما دنا منه أنبأه أنه فاهومانا كبير الملائكة أرسله الله إليه ليعرج به إلى الملأ الأعلى ليحظى بشرف المثول أمام رب العالمين "أهورا مزدا ". وهنالك أشرقت عليه معرفة الحق، وتكشفت له أسرار الكون، ورفعت عن بصره الحجب، ووقف على ما كان يسمى للوقوف عليه وأصبح نبيا ً مرسلاً، وأوحى الله إليه بتفاصيل دين كامل يبلغه للخلق، وبكتاب مقدس هو "الأبستاق". (د. علي عبد الواحد وافي، ص130).
3 - 
جميع الرسل دعوا أقوامهم إلى طاعة التعاليم التي جاءوا بها:
(
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء – 25).
(
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ) (النساء- 64). فقد نص القرآن الكريم على أن الرسول أو النبي كان من أكبر وأهم أولوياته دعوة الناس إلى طاعة التعاليم التي أتي بها من عند الله، ودعوة الناس إلى تقبل هذه التعاليم في لين وتذلل للآمر الذي هو الله، لأن لفظ (فاعبدون) يعني اللين والذل فمعنى (عَبَدَ) فيأصل اللسان العربي هو اللين والذل للمعبود، ويكون بالاستجابة لما يأمر به والانتهاء عما ينهى عنه، وقد ثبت بصورة قطعية من خلال جميع الدراسات الفلسفية والتاريخية ودراسات مقارنات الأديان، أن رهبان الديانة البرهمية وبوذا وكونفوشيوس وزرادشت، قد قاموا بدعوة أقوامهم إلى الالتزام بطاعة التعاليم التي نادوا بها، وشددوا على أتباعهم في الالتزام بها، كما سنرى فيما بعد، ونلاحظ أيضا أن من صفات الأنبياء دعوة الناس إلى الالتزام بدعوتهم وطاعة التعاليم التي نادوا بها، فلم تكن دعوتهم مجرد نظريات فلسفية أو علمية محضة، كحال الفلاسفة والمنظّرين والحكماء، وإنما الأنبياء والرسل هم وحدهم من حولوا ما لديهم من تعاليم إلى واقع حي على الأرض، وذلك عن طريقدعوة الناس إلى ما معهم من رسالات وتعاليم، وتحملوا كل المشاق والمصاعب في سبيل تلك الدعوة، ثم إلزام أتباعهم بتطبيق هذه التعاليم في واقعهم الحياتي والالتزام بها حرفيا، وهذا هو الفارق الكبير بين تعاليم الأنبياء، وبين فلسفة الفلاسفة وحكمةالحكماء، وهذا ما حدث بالفعل مع كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت، فسوف نرى أن دعوتهم لم تكن من باب الحكمة وعرض الآراء وتعليم الناس فقط، بل كانت دعوتهم للناس من باب التكليف، وهذا ما أثبتته كتبهم وتعاليمهم وسيرة حياتهم، فكانوا يطوفون البلاد يدعون الناس ويلاقون العنت والمشقة في سبيل ذلك، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على أن هؤلاء الأشخاص مكلفون ومأمورون بالدعوة إلى تعاليمهم، وليس نافلة منهم كما سنرى على النحو التاليدعوة بوذا لقومه إلى طاعة ما جاء به من تعاليمبعد أن عاد بوذا من رحلة العزلة والاعتكاف والتي استغرقت عددا من السنين: (بدأ يجمع الناس من حوله لينصتوا لحديثه وقد قابل في البداية خمس رجال يسيرون معا على الطريق فأخذيدعوهم إلى مذهبه) (مانوراما موداك, ص 88). (وكان يوضح ما يفسره لتلاميذه ولم يكن أي من خصومه يستطيع أن يربك تفكيره, وجاء الناس من كل بقاع الهند ليناقشوا معه عقيدته, كان الجمع قد وصل إلى قرابة ألف رجل يجلسون كلهم منصتين دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة فقد كان حديثه العذب وجمال تفكيره المنطقي يسحران مستمعيه. وتزايد عدد تلاميذه ومريديه وأنشأ الصوامع للدرس والعبادة في البساتين والحدائق حيث عاش المريدون حياة طيبة هادئة, وذات يوم طرد راهب لم يتبع قواعد (المنسك) وأحزن هذا بوذا حتى إنه ترك الدير وخرج ملتمسا الوحدة في الغابة وأحزن هذا بدوره سكان المدينة المجاورة حتى إنهم ذهبوا جميعا إلى الراهب المتمرد ودفعوه دفعا لالتماس عفو بوذا). (الموسوعة العربية العالمية, ص89). دعوة كونفوشيوس لقومه إلى طاعة ما جاء به من تعاليم:
(
وقد أحس كونفوشيوس بحنين منذ بلغ أشده واكتملت نفسه إلى إرشاد الناس إلى خير مناهج الحياة وأقوم السلوك ولذا كان أشد ما يرغب فيه أن يتولى صناعة التدريس ... وقد اعتكف على أسرته يعلم آحادها ومن ينضم إليها وصار منزله منتدى طلاب العلم ومقصده ولقد عين بعد ذلك أستاذا وعندئذ أخذ مذهبه يتكون وآراؤه تتجمع ويبديها لا في كتب يؤلفها ولكن في شبيبة ينشئها فأخذ يبث تعاليمه فيها حتى كان له منهم صحب يشبهون حواري النبيين يؤمنون بفكرته والذود عن دعوته والإخلاص لنحلته ... ولقد أخذ كونفوشيوس يطوف في الآفاق دارسا مرشدا رائضا لنفسه وحاثا أصحابا على الأخلاق القويمة... وأخذ كونفوشيوس يطوف البلاد داعيا مرشدا ومسترشدا وكان في كثير من الأحيان يخص بإرشاده الحكام معتقدا أن صلاح الراعي يستلزم صلاح الرعية وأن حسن قوامته على الناس يتبعه صلاحهم ولأنه يرى أن السياسة الحكيمة في تهذيب الرعية حتى تقوم المحبة بين الناس مقام القانون ولقد كان يقول: (السياسة هي الإصلاح) فإن جعلت صلاح نفسك أسوة حسنة لرعيتك فمن الذي يجترئ على الفساد ؟ ) لهذا كان يخص – وهو يطوف مقاطعات الصين – الأمراء بإرشاده لأن في صلاحهم صلاح العامة وعليهم يواسي .) (محمد أبو زهرة, ص84 :86). (وقد مات بعد أن ترك من تلاميذه الذين أخذوا على عاتقهم بث دعوته في الأقاليم الصينية ثلاثة آلاف وقد نبغ منهم اثنان وكلهم تعاون في نشر مذهبه الخلقي في البلاد حتى صار بعد ذلك مذهبا رسميا لتلك البلاد المترامية الأطراف واستمر كذلك من آخر القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن العشرين بعده). (محمد أبو زهرة، ص 88دعوة زرادشت لقومه إلى طاعة ما جاء به من تعاليم:
(
وقضى زرادشت عشر سنين يطوف فيها ببلاد إيران، يبلغ الناس رسالته بدون أن يجد مستجيبا لما يدعو إليه. وفي السنة الحادية عشرة بعد نبوته أي حينما جاوز الأربعين من عمره بدت في أفقه طلائع النجاح، فآمن ابن عمه (متيوماه) وانتصر لدينه، فشد الله به أزره، وقوى به دعوته. ومضت سنتان بعد ذلك لم يؤمن به في أثنائهما أحد، وإن كانت محتويات رسالته قد انتشرت وأصبحت معروفة لكثير من الناس. وأخذ الناس بعد ذلك يدخلون في هذا الدين أفواجاً، ولم تمض بضع سنين حتى اعتنق الزرادشتية معظم أهل إيران، بل يقال أنه قد دخل في هذا الدين كثير من أهل البلاد المجاورة لإيران، وخاصة بلاد من الهند، ويقال إنه أنتشر كذلك في بعض بلاد اليونان نفسها). (د. علي عبد الواحد وافي، ص131: 133).
4 - 
اضطهاد وتكذيب أهل الترف والحكم والجاه للأنبياء والرسل ومحاربتهملقد نص القرآن الكريم على أن جميع الأنبياء والرسل قد اضطهدوا من قبل أقوامهم وخاصة من أهل السلطة والترف والجاه، باعتبارهم هم المتضرر الأكبر من دعوات الأنبياء، وكانت حجتهم المعتادة إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون. وهذه بعض نصوص القرآن التي تشير إلى ذلك:
(
وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ) (سورة سبأ- 34)
(
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الأَوَّلِينَ* وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ) (سورة الحجر– 10 :11).
(
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (الذاريات – 52 :53).
(
وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ* قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ) (الزخرف- 23: 24). أيضا هذا ما حدث مع كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت، فقدكذبهم الناس في بادئ الأمر واضطهدوهم وطردوهم وكذبوهم في دعواهم، وهذا ما أجمعت عليه كتب الباحثين والمؤرخين وعلماء الأديان، كما سنرى على النحو التالياضطهاد بوذا من قومهلما كانت تعاليم بوذا شديدة الزهد والتجرد عن الدنياوكانت تعاليمه تدين بشدة وصرامة كافة ألوان الممارسات الشعائرية الوثنية والطبقية التي تشكل البقايا الأخيرة للفترة (الفيدية) البرهمية. لاقى بوذا وأتباعه بسبب ذلك اضطهادا كبيرا في الهند بعد الانطلاق الهائل لتعاليمه بين الناس. وبسبب هذا الاضطهاد التجأ رهبان بوذيون كثر إلى الصين هربا من اضطهاد البرهميين، فلم تلقى التعاليم البوذية سوى التهكم والسخرية من الرهبان البراهمة الذين رموه بالكفر والإلحاد، وذلك لأن بوذا نادى بالمساواة بين الناس جميعا وثار على نظام الطبقات والتفرقة العنصرية بين الناس ذلك النظام الذي وضعه رجال الدين البراهمة والذي يقسم أتباع الديانة البرهمية إلى ثلاث طبقات، وسوف نتحدث عن هذا الموضوع في المقالات القادمةاضطهاد كونفوشيوس من قومهأما كونفوشيوس فلم يكن اضطهاده يتمثل سوى في رفض الناس لتعاليمه وعدم تقبلها، أو تقبلها بعض الوقت ثم الخروج عليها فيمابعد، وهذا هو ما عانى منه كونفوشيوس وجعله يطوف في شتى مقاطعات الصين عله يجد من يتقبل تعاليمه، إلا أن بعض حكام المقاطعات كانوا يكرمونه ويعينونه في مناصب رفيعة كوزارة العدل، وفي هذه تشابه مع بعض حالات الأنبياء التي وردت في القرآن، والذين لم يضطهدوا من أقوامهم بسبب تعاليمهم، اضطهاد كالنفي أو التعذيب أو التهديد بالقتل، فعلى سبيل المثال: النبي يوسف الذي أحبه ملك مصر وولاه في منصب كبير، وأحبه الشعب وأعجبوا بأخلاقه وتعاليمه، ولم يؤثر عنه أنه اضطهد من أحد أثناء تواجده في مصر، وهكذا كان كونفوشيوس فلم يتعرض لأي اضطهاد يذكر من قومه بل على العكس فقد تلقى الناس تعاليمه بالبشر والقبول، وإن لم يلتزموا بها. (ولقد رفعه أمير المقاطعة إلى مرتبة نائب الحاكم للمقاطعة ثم ولاه وزارة العدل فكان شأنه في هذا كشأنه الأول يروض مرءوسيه على الأخلاق ويعطيهم من نفسه أسوة حسنة فيقتدون به, واستعان في أعماله ببعض أصدقائه الذين أشربوا تعاليمه ومازجت نفوسهم نفسه, ولكن تلك الحال لم تدم طويلا فإن رجالا نفسوا على الحكيم تلك المنزلة وضاقت صدورهم حرجا من عظيم ما طويت عليه منالحقد فزينوا لأمير المدينة أن يخالف إرشاد كونفوشيوس وقدموا له امرأة حسناء وحسنوا له أن يفك نفسه من القيود ويقبل عليها ففعل وعصى إرشاد كونفوشيوس). (محمد أبو زهرةص86، 87). اضطهاد زرادشت من قومهلقد قضى زرادشت عشر سنين يطوف فيها ببلاد إيران، يبلغ الناس رسالته بدون أن يجد مستجيبا لما يدعو إليه. وقد قاسى في أثناء ذلك من المتاعب والأهوال مالا يصبر على احتمال مثله. ولما لم يظفر في بلاده بأتباع يدخلون في دينه رحل إلى بلاد الطورانيون، فلم يجد منهم خيرا مما وجده من أهله، بل لقد كانوا شرا عليه من أهله، فقد لقي منهم عنتاً وأذى شديدين، بل لقد تعرض للهلاك أكثر من مرة. (د.علي عبد الواحد وافي، ص 132). وقد أثارت حفاوة الملك بزرادشت حسد كثير من رجال الحاشية والمقربين للملك، فأخذوا يأتمرون بزرادشت، ويسعون ضده بالوشاية، ويدبرون له المكايد ويتربصون به الدوائر. (د. علي عبد الواحد وافي ص133).
5 - 
الهجرة : ما من نبي من الأنبياء أتي قومه إلا وهاجر من وطنه إما لكثرةاضطهاد قومه له، أو خوفا على نفسه وأتباعه، أو لنشر دعوته في أماكن أخرى بحثا عمن يؤمن بدعوته وتعاليمه، وهذا ما حدث أيضا مع كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت، وكان ذلك على النحو التاليهجرة بوذاتخبرنا كتب التاريخ أن بوذا هرب من نيبال إلى الصين فرارا من اضطهاد البرهميين له ولأتباعه. فعندما خرج بوذا من الريف إلى المدينة رحب به السكان ترحيبا ملكيا وقد وصلها في قارب عبر نهر (الجانج) حيث استقبله الناس وقد زينوا الطريق من النهر إلى المدينة بالأعلام وتوجوه بالأزهار ورشوا الأرض بالمياه لمنع تناثر الأتربة وفرشوا الأرض بالزهر وحرقوا العطور على طول الطريق وجمعوا للاستقبال الفيلة والعجلات الحربية. وتبع جمع غفير من الناس بوذا في مسيره, كان هو فقيرا ولكن كان الملوك يحنون هاماتهم أمامه, كان بوذا يرحب بالناس باحترام وقدسية ويقدم الطعام والمأوى والدواء لمن ينزل به من أغنى الناس وأكثرهم كبرياء أو حتى من أفقرهم الذي قد يرضى بالقليل من الطعام, وغيرت حياته وتعاليمه من البناء الاجتماعي للهند والصين وبلاد أخرى كثيرة لقرون طويلة تلت عصره. (الموسوعة العربية العالمية، ص91). هجرة كونفوشيوساعتاد كونفوشيوس منذ أن بدأ دعوته على الطواف في الأقاليم الصينية لا يقيم في بلد إلا على نية الخروج منه وكلما حل على أمير مقاطعة دعاه إلى السلوك الفاضل فلم يجب أحد منهم دعاءه وإن أكرم وفادته حتى برم بهم ولم يكن له عزاء إلا تكاثر تلاميذه الذين اعتنقوا آراءه حتى بلغوا ثلاثة آلاف أو يزيدون وكلهم قد أشرب روحه ومازجت آراؤه نفسه وخالطت منها المهجة والفؤاد. وقد عاد بعد الرحلة الطويلة إلى مقاطعته (لو) فأكرم أميرها وفادته ولكنه لم يطعه كسائر الأمراء فعكف الحكيم على مدارسة أصدقائه. (محمد أبو زهرة, ص87). هجرة زرادشتلقد قاسى زرادشت في سبيل دعوته كثيرا حتى اضطر إلى الهجرة إلى شرق إيران. (د. محمد أبو المحاسن عصفور, ص280). ولم يودعه الله (أهورا مزدا) ولم يحرمه عنايته في هذه المدة، بل ظل يؤيده ويقوي عزيمته ويربط على قلبه، ويثبت عقيدته بالوحي المتوالي، ويعده بأن الآخرة ستكون خيراً له. وقد نزل عليه الوحي في أثناء هذه السنين العشر سبع مرات ظهر له فيها الملائكة الستة كبار الملائكة. وأخذ الناس بعد ذلك يدخلون في هذا الدين أفواجاً ، ولم تمض بضع سنين حتى اعتنق الزرادشتية معظم أهل إيران، بل يقال أنه قد دخل في هذا الدين كثير من أهل البلاد المجاورة لإيران، وخاصة بلاد الهند، ويقال إنه أنتشر كذلك في بعض بلاد اليونان نفسها. (د. علي عبد الواحد وافي ص133).
6 - 
عدم ادعاء الأنبياء للألوهية أو الربوبيةلقد نفى القرآن نفيا قاطعا أن يكون الله قد أرسل أحدا من البشر إلى أمة من الأمم وآتاه الكتاب والحكم والنبوة، ثم قال هذا النبي أو ذلك الرسول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولم يأمر الله الناس في تلك الرسالات بأن يتخذوا الأنبياء والمرسلين أربابا من دون الله، وإنما كان النبي أو الرسول يأمر قومه بأن يكونوا ربانيين، بمعنى أن يكونوا ملتزمين بالتعاليم الربانية المرسلة إليهم من الله.
(
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ* وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ*) (آل عمران79- 80). ومن هنا يمكننا القول أن النصوص الأولى للديانة البرهمية والبوذية والكونفوشيوسية والزرادشتية، لم يرد في أي نص من نصوصها نص واحد يدعوا إلى تأليه بوذا أو كونفوشيوس أو زرادشت، ولم يرد أيضا أن بوذا أو كونفوشيوس أو زرادشت، قدنادى أحد منهم بأنه إله أو رب، وإنما عملية التأليه حدثت من أتباعهم الذين جاءوا من بعدهم بعشرات السنين أو من بعدهم بعدة قرون، وهذا ما اتفق عليه كل المؤرخين والفلاسفة وعلماء مقارنة الأديان كما سنرى في المقالات القادمة.
7 - 
وضع الأتباع هالة من القداسة والأساطير حول شخصية النبي بعد وفاتهما من نبي من الأنبياء جاء لقومه إلا وأضفى عليه أتباعه من بعده هالة من القداسة والأساطير التي قد ترفعه فيما بعد إلى منزلة الإله، وهذا ما حدث مع معظم الأنبياء الذين ورد ذكرهم في القرآن من أتباعهم من بعدهم، فقد رفعوهم إلى منزلة الآلهة والأرباب، وهذا ما حدث أيضا مع كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت على النحو التاليتقديس بوذا والأساطير حول شخصيتهحياة بوذا كانت حياة بسيطة لا تعقيد فيها ولا تزيد ولكن يأبى الذين جاءوا من بعده إلا أن يحوطوها بشتى الأساطير, أوحت بها الأوهام ودفعت إليها أخيلة خصبة, فقد زعموا أن أمه بشرت به في المنام وأن ولادته سبقتها معجزات وأن الإله حل فيه وأن حياته كلها أحيطت بالمعجزات, وأنه هو المنقذ المعزى والذي قدم نفسه فداء للخليفة من الخطايا وقد كثرت هذه الأوهام عند البوذيين الذين يسكنون في التبت في الشمال, أما أهل الجنوب وهم يبلغون نحو أربعمائة مليون فلم ترج كثيرا بينهم هذهالخرافات وتلك الأوهام. ومن الغريب أن الأوهام التي جعلها بوذيو التبت أوصافا لبوذا تتوافق مع ما ينحله المسيحيون على شخصية المسيح. (محمد أبو زهرة، ص54). وقد كانت كثرة هذه الأساطير والأخبار يعسر على العقل أن يصدقها من غير بينات قائمة, فكانت سببا في أن وجد من المؤرخين من يزعم أن بوذا شخصية خرافية لا وجود لها وأن البوذية ليست إلا مجموعة تعاليم انتحلت لها هذه الشخصية انتحالا. (محمد أبو زهرة، ص99). ويعتقد البوذيون أنه كان هناك على الأقل ستة أشخاص يسمون بوذا قبل جوتاما, بل يزعمون أن هناك بوذا آخر اسمه مايتريا سيظهر في المستقبل. (الموسوعة العربية العالمية، ص224). تقديس كونفوشيوس والأساطير حول شخصيتهوتجابهنا في سعينا لفهم كونفوشيوس صعوبات ضخمة تتبلور فيما أضفاه الصينيون على شخصيته من أساطير وحاكوه من أقاصيص ونسبوه إليه من روايات الأمر الذي يعرقل جهود الباحث لاجتلاء حقيقة هذه الشخصية الفذة واستكشاف أبعادها الواقعية. (د. فؤاد محمد شبل, ص63). وتضفي الروايات الصينية القديمة هالة من التقديس على شخصية كونفوشيوس حتى يكاد أن ينسب إليه تأليف جميع ما أنتجه الفكر الصيني في جميع عصوره, فهي تعزو إليه تأليف ما يعرف في الفلسفة الصينية (بالمراجع الستة) وتشمل كتب: التغيرات – الأناشيد –السجلات التاريخية – الطقوس – حوليات الربيع والخريف – الموسيقى. لكن أثبتت الدراسات العلمية أنه لم يؤلفها لكنه استخدمها في تثقيف مريديه وكان أول من استعان بها في تعليم جمهرة الناس. (د. فؤاد محمد شبل, ص67). ويروى أنه لما مات كونفوشيوس أقاموا له الهياكل وعبدوه على سنتهم في عبادة أرواح الأسلاف الصالحين, وأوشكوا أن يتخذوا عبادته عبادة رسمية أي حكومة على عهد أسرة (هان) في القرن الثاني قبلالميلاد, وأوجبوا تقديم القرابين والضحايا لذكراه في المدارس ومعاهد التعليم, وكانت هياكله في الواقع بمثابة مدارس يؤمها الناس لسماع الدروس كما يؤمونها لأداء الصلاةولم تزل عبادته قائمة إلى أوائل القرن العشرين فخصوه في سنة 1906 بمراسم الإله الأكبر (شانج تي) إله السماء لأنه في عرفهم (ند السماء) ومن لم يؤمن اليوم بربوبيته من الصينيين المتعلمين فله في نفسه توقير يقرب من التأليه وقد جعلوا يوم ميلاده عيدا قوميا يحجون فيه إلى مسقط رأسه. (د. عمارة نجيب، ص232تقديس زرادشت والأساطير حول شخصيتهتذهب الروايات إلى أن مولد زرادشت قد اقترن بالمعجزات، وأن الإله ظهر له ووضع (الأفستا) بين يديه, وهو كتاب مملوء بالمعرفة والحكمة وأمره بنشر تعاليمه بين الناس جميعا. (د.محمد أبو المحاسن عصفور, ص280). وقد وردت روايات كثيرة بظهور معجزات كثيرة على يديه وإبرائه لأمراض وعاهات يعجز الطب العادي عن شفائها: فمن ذلك شفاؤه لجواد الملك كشتاسب. ومن ذلك أيضاً أنه أعاد البصر إلى أعمى من بلدة الدينور بأن وصف له حشيشة وطلب أن يعصر ماؤها في عينه فأبصر. (د. علي عبد الواحد وافي، ص132). وأخيرا، فقد لاحظنا مما سبق أن هناك تطابقا بين أحوال وأوضاع كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت، وبين الأنبياء الواردة قصصهم في القرآن، من ناحية طبيعة عدم ادعاء أحد منهم للألوهية، ومن ناحية أن تعاليمهم لم تأمر الأتباع بذلك، ومن ناحية دعوتهم للناس وإلزامهم باتباع تعاليمهم، ومن ناحية تكذيب أهل الترف والجاه والسلطان لهم ورفض دعوتهم، ومن ناحية اضطهادهم والتحرش بهم، ومن ناحية اضطرارهم إلى الهجرة من بلدانهم وقراهم إما خوفا من أعدائهم أو بحثا عن أتباع يتقبلون ما يدعوا إليه بعدما لم يجدوا من يتقبلهم في أوطانهم، ومن ناحية عزلتهم واعتكافهم في الفترة الأولى من حياتهم قبل دعوتهم الناس إلى ما لديهم من تعاليم، ومن ناحية اعتراف كل من بوذا وكونفوشيوس وزرادشت بأن ما لديه من تعاليم جاءته من مصدر خارجي وليس من عند نفسه، وقد يقول قائل، ولكن إن كلا من بوذا وكونفوشيوس لم تتطرق تعاليمهما للألوهية أو العقائد أو ما بعد الموت أو الثواب أو العقاب، أقولإن بوذا وكونفوشيوس قد تطرقت تعاليمهم بشكل مؤكد لهذه المسائل، وسوف أعرض لها عند حديثي عن العقائد الإلهية للديانات الشرقية.
(
وللحديث بقية في الجزء الثانيالكتب والرسالات الإلهية)
قائمة بالمراجع:
1 - 
الموسوعة العربية العالمية, مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع, المملكة العربية السعودية, 1996.
2 – 
د. محمد أبو المحاسن عصفور, معالم حضارات الشرق الأدنى القديم, دار النهضة العربية , بيروت 1987.
3 - 
د. عمارة نجيب, الإنسان في ظل الأديانالمعتقدات والأديان القديمة, المكتبة التوفيقية، القاهرة 1977.
4 - 
د. أحمد شلبي, مقارنة الأديان, أديان الهند الكبرى, الهندوسية – الجينية – البوذية, الطبعة الخامسة, مكتبة النهضة المصرية 1979.
5 - 
محمد أبو زهرة، مقارنات بين الأديان "الديانات القديمة"، دار الفكر العربي، القاهرة.
6 - 
د. مانوراما موداكالهند-شعبها وأرضها, ترجمة: العميد محمد عبد الفتاح إبراهيم, مراجعة وتقديمالدكتور عز الدين فريد, مكتبة النهضة العربية, القاهرة 1964.
7 - 
د. فؤاد محمد شبل, حكمة الصين: دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور, الجزء الأولدار المعارف بمصر.
8 - 
د. علي عبد