الاثنين، 4 أغسطس 2014

حسن فرحان المالكي-علم الحديث الجزء الثالث(ابو هريرة نموذجا)

أعرف أن المسلمين مختلفون في أبي هريرة، والذين تناولوه قسمان متضادان، قادح بغلو، ومادح بغلو!

فأنت الآن - كطالب علم - لا تريد أن تظلم أبا هريرة، فتضعفه بما لا يوجب تضعيف،اً ولا أن توثقه إذا كان في توثيقه ضرر على الحديث المنسوب إلى الشرع،بمعنى إذا وجدت فريقين متحاربين فليس بالضرورة أن تقف مع أحدهما، قد يكون كلاهما على باطل، ولكن لا يمكن أن يكون كلاهما على حق، فالحق لا يتعدد، فماذا تفعل إذا وجدت أهل الحديث في الجملة يوثقون أبا هريرة ويعظمونه ويصححون أحاديثه ووجدت الشيعة وبعض السنة يضعفونه مطلقا؟ً.. أين تقف أنت؟

هنا لا يجوز أن تقول أقف مع أكثرية السنة، ولا للشيعي أن يقول أقف مع الشيعة، أنت قف مع الحق، ولكن ما الحق في أبي هريرة وحديثه؟.. ولو الحق النسبي!

هذا يتطلب منك أموراً:

1- تتعلم ترجمة أبي هريرة من جميع المصادر.

2- تقرأ إنتاجه كله أو القدر الكافي للحق النسبي.

3- تعرض إنتاجه على القرآن.

4- تعرف آراء الصحابة والتابعين فيه (قبل أهل الحديث).

5- تكون شهادتك لله، حتى لا تلقى الله بظلمه إن كان بريئاً، أو ظلم الشرع إن كان متهماً.

فأنت اسأل نفسك كما أسأل نفسي الآن:

 ماذا فعلت أنا في هذه الموضوعات؟ وهل طبقتها على نفسي؟ وهل أنا متأثر ببعض الآراء معه أو ضده؟ ما الحق فيه؟

هنا قد أتوصل إلى شيء من الحقيقة - لا كلها - لأن كل الحقيقة تحتاج إلى استقصاء للمعلومات عنه وعن علاقاته وظروفه ومصادره وثقافته وحديثه.. الخ، لكن من خلال قراءة جميع أحاديثه وتراجمه وأقوال الناس فيه تستطيع أن تخرج بأسئلة يجب الإجاية عليها بعلم وصدق، وأن توسع الاحتمال وتقلب المادة، ولا بد في البحث - أي بحث - أن تفرق بين القطعي والظني، سواء في أحاديثه أو سيرته، إذا حصلت على قليل من القطعي فهو أفضل من كثير الظن.

ولعل كثيراً مما يُتهم به أبو هريرة إنما هو من فعل الرواة عنه، فهنا يجب أن تعرف ما هي الأحاديث التي هي من مسؤوليته، والتي هي من مسؤولية غيره،وأنت بهذا الاحتمال تنجي نفسك من أن تظلمه في تحميله رواية بعض تلاميذه، وتبريء نفسك من تصحيح الباطل المخالف للقرآن، أو الواقع..

 سندخل في مفاتيح من أحاديث أبي هريرة وأقوال الصحابة والتابعين فيه قبل أقوال أهل الحديث لننظر ماذا فعل أهل الحديث في تلك ألأحاديث والأقوال؟واعذروني، فقد يكون الانتقاء عشوائياً.. من أحاديث رواها - لها علاقة بموضوع توثيقه وتجريحه - أو أقوال لبعض الصحابة فيه، كعائشة والزبير وغيرهم.

وليس بالضرورة أن تتخذ موقفاً.. أنت اجمع المعلومات القطعية ثم ليكن عليها بناء اسلئة جالبة لإجابات مقنعة، فمثلاً: كثرة رواية أبي هريرة للحديث بحيث أنه روى أكثر مما رواه أهل بدر كلهم! مع تأخر إسلامه وتقدم إسلامهم! هذا محل إشكال كبير، ومن ايامه.

أنا أعرف الاعتذارات عن هذه الكثرة. والاتهامات بهذه الكثرة، لا أريد متابعة اعتذارات ولا اتهامات، أريد أن أفهم الحقيقة ما هي؟

هذا كمثال فقط

الأمر الثاني: رواية كيس أبي هريرة.. هناك رواية غريبة في صحيح البخاري ومسند أحمد عن أبي هريرة سأعرضها بحيادية، ونتساءل بحيادية عنها وهي:

وهذه الرواية تعتبر قولاً من أبي هريرة في أبي هريرة نفسه! وهي: في صحيح البخاري [ جزء 5 - 2048 ](حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا أبو صالح قال حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أفضل الصدقة ما ترك غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ) تقول المرأة إما أن تطعمني وإما أن تطلقني، ويقول العبد أطعمني واستعملني، ويقول الابن اطعمني إلى أن تدعني، فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله ؟ قال: لا.. هذا من كيس أبي هريرة) اهـ

هذه رواية عجيبة، ولهم فيها اعتذارات باردة غير مقنعة.

والحديث في في مسند أحمد بن حنبل [ جزء 2 - 252 ] حدثني أبي ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله... الحديث..

وفيه ذكر الحديث بمثله، وذكر كيس أبي هريرة.. بلفظ :(إن أفضل الصدقة ما ترك غنى، تقول امرأتك أطعمني وإلا طلقني ويقول خادمك اطعمني وإلا فبعني، ويقول ولدك إلى من تكلني؟ قالوا: يا أبا هريرة هذا شيء قاله رسول الله أم هذا من كيسك، قال بل هذا من كيسي)اهـ

قلت: قولهم : أم هذا من كيسك إن صح يدل على شهرته.. لأن غيره من الصحابة لم توجه له هذه اللفظة! فلماذا واجهه التابعون بهذه الكلمة القاسية؟

وقد رواه البخاري في الأدب المفرد من طريق آخر، وحذف ( كيس أبي هريرة)، فقال (في الأدب المفرد للبخاري [ جزء 1 - 78 ] (حدثنا مسدد قال حدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن أبى صالح عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خير الصدقة ما بقى غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول، تقول امرأتك أنفق على أو طلقنى، ويقول مملوكك أنفق على أو بعنى، ويقول ولدك إلى من تكلنا) اهـ

فلا إدراج كما زعموا!

والسؤال هنا: إذا كان أبو هريرة صادقاً أن الحديث من كيسه، فلماذا قال في البداية قال رسول الله؟!

 وإذا كان هازلاً، فلا يجوز السخرية بهذه الأسئلة.

وإذا قصد أبو هريرة أن المراد بما هو من كيسه هو آخر الحديث لا أوله، فهو لم يفصل عندما رواه، وإنما سرده سرداً واحداً، ولم يبين المدرج لو حصل، والحديث عند أبي داود [ جزء 1 - 525 ] من نفس طريق الأعمش ( وهو طريق البخاري)، مع بتر قصة كيس أبي هريرة! وقد رواه الشاميون بدون الكيس، فهل إخفاء من أخفى الكيس هو حماية منه لأبي هريرة من هذا الاعتراف؟! أم أن من زاد الكيس (كالبخاري وأحمد) هم المخطئون في الرواية؟!

 لابد من إجايات.

أنت ابنِ معرفتك بنفسك.. ولا تستعجل على الإجايات.. دعها معك، وضع لها أكثر من جواب احتمالي، قد يترجح أحد الإجابات مع الوقت، فالعجلة فرع الكبر.

إذاً فهذا الحديث (كيس أبي هريرة) يفيد اعترافاً من أبي هريرة بأنه أحد رجلين

1- أما أنه قد يزيد في الحديث ولا يبين حتى يُسأل

2- أو ماذا؟

أو أنه يقول الحديث عن رسول الله ولا يكون صحيحاً، وإنما من كيسه، وهذا أخطر بكثير، فما الحق هنا؟ لا تستنتج من هذا فقط، ابحث في المزيد من حديثه!

فمثلاً حديث إفطار الجنب، رواه مالك في الموطأ وغيره، وهو صحيح السند، وقد ذكر قصته ابن عبد البر في التمهيد ( 22/ 39) مطولاً من رواية (مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام أنه سمع ابا بكر بن عبد الرحمان بن الحرث بن هشام يقول: كنت أنا وأبي عند مروان بن الحكم وهو أمير المدينة، فذكر له أن أبا هريرة يقول: من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، فقال مروان: أقسمت عليك يا عبد الرحمان لتذهبن إلى أم المؤمنين عائشة وأم سلمة فلتسألنهما عن ذلك، فذهب عبد الرحمان وذهبت معه، حتى دخلنا على عائشة فسلم عليها، ثم قال: يا أم المؤمنين، إنا كنا عند مروان فذكر له أن أبا هريرة يقول من أصبح جنبا أفطر ذلك اليوم، قالت عائشة: ليس كما قال أبو هريرة يا عبد الرحمن، أترغب عما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قال عبد الرحمن: لا والله. قالت عائشة: فأشهد على رسول الله أنه كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم ذلك اليوم، قال: ثم خرجنا حتى دخلنا على أم سلمة فسألها عن ذلك فقالت مثل ما قالت عائشة، قال فخرجنا حتى جئنا مروان بن الحكم، فذكر له عبد الرحمن ما قالتا فقال مروان: أقسمت عليك يا أبا محمد لتركبن دابتي فإنها بالباب، فلتذهبن إلى أبي هريرة فإنه بأرضه بالعراق، فلتخبرنه ذلك، فركب عبد الرحمان وركبت معه، حتى أتينا أبا هريرة فتحدث معه عبد الرحمن ساعة، ثم ذكر له ذلك، فقال أبو هريرة: لا علم لي بذلك، إنما أخبرنيه مخبر) اهـ

وأعتذر عن طول النص!

وهذا يدل على أن أبا هريرة على الأقل ينقل عن غير ثقات عن النبي، وهذا ما يسمى (التدليس)، والإمام شعبة - وهو أمير المؤمنين في الحديث - قد اتهم أبا هريرة بالتدليس - كما سيأتي - عند استعراض أقوال المحدثين.

والتدليس في عرف أهل الحديث ليس معناه الكذب - كما نظن اليوم – كلا.. هو روايتك عن شخص قد لقيته ما لم تسمعه منه، وإنما سمعته من آخرين عنه.

وقد روى ابن عبد البر بسنده عن أبي هريرة أنه قال (كنت حدثتكم من أصبح جنبا فقد أفطر، فإنما ذلك من كيس أبي هريرة، فمن أصبح جنبا فلا يفطر)!

هنا حضر (كيس أبي هريرة) مرة أخرى.. وفي وقت مبكر، قبل نشوء أهل الحديث وجرحهم وتعديلهم، فلماذا لم يقولوا : كان يرسل ويدلس ؟

 قاله شعبة فقط.

المقصود هنا ... أنك على الأقل تضع لأحاديث أبي هريرة مرتبة في التصديق أقل من مرتبة أحاديث ابن مسعود وجابر بن عبد الله مثلاً.. احتط لدينك.

أعني ليس بالضرورة أن تهاجم أبا هريرة، تستطيع أن تجتنب - أو تقلل أحاديثه - إلا أحاديث يشهد لها القرآن، ومباديء الإسلام، ولكن ما العمل اليوم؟

العمل للأسف أن أحاديث أبي هريرة على كل منبر أكثر من آيات القرآن الكريم! هذا هو المشكلة، نحن لا نستعجل الآن ونتهمه، أنت فقط تحفظ، احتط، قلل.

ثالثاً: أبو هريرة ينقل رأي أهل عصره من الصحابة في الشك في أحاديثه! ففي صحيح مسلم [ جزء 4 - 1939 ] (حدثنا قتيبة بن سعيد وأبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب جميعا عن سفيان  قال زهير حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن الأعرج قال سمعت أبا هريرة يقولإنكم تزعمون أن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله ...) الحديث. فهذا رأي عام للصحابة والتابعين - على الأقل في المدينة - ينقله أبو هريرة..صحيح أنه اعتذر بأن المهاجرين تشغلهم التجارة عن سماع الحديث، والأنصار تشغلهم الزراعة عن سماع الحديث، وهذا طعن في المهاجرين والأنصار أيضاً!وليس صحيحاً أن المهاجرين كلهم تجار، ولا ألأنصار كلهم مزارعين، هذا علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر والمقداد، من سابقي المهاجرين، وليسوا تجاراً، فهذا التعميم من أبي هريرة غير صحيح.. هناك فقراء مثله صحبوا النبي قبل أبي هريرة بدهر! وماتوا بعد أبي هريرة بدهر! فالإشكال باقٍ...

بل حتى أمهات المؤمنين – كعائشة - اتهمها أبو هريرة بأنها شغلتها النيل والمكحلة عن سماع الحديث... فأبوهريرة ما أبقى أحداً إلا واتهمه بالتقصير.

فعند الحاكم في " المستدرك " [3 / 509] (من طريق خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص، عن أبيه، عن عائشة أنها دعت أبا هريرة، فقالت لهيا أبا هريرة، ما هذه الاحاديث التي تبلغنا أنك تحدث بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، هل سمعت إلا ما سمعنا ؟ وهل رأيت إلا ما رأينا ؟ قال: يا أماه، إنه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم المرآة والمكحلة والتصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم،..) الحديث.. وصححه الحاكم.

والخلاصة:

 أن أبا هريرة كان يرد على الجميع المهاجرين والأنصار وأمهات المؤمنين بأنهم أشغلتهم التجارة والزراعة والتزين عن سماع الحديثوالذي يهمله أهل الحديث – هنا - أن الطعن في أحاديث أبي هريرة لم تكن عند الشيعة فقط أو بعض السنة أو المعتزلة، كانت رأياً عاماً عند الصحابةوالطعن في حديثه لا يعني بالضرورة تكذيبه، قد يكون وقد لا يكون، لكنه الطعن في طريقة سماعه أو أدائه أو مصادره ..الخ، فالطعن نسبي، وهو علمي أيضاً، وطعن الصحابة في حديث أبي هريرة موثق في أوثق المصادر في الصحيحين.

وهذا مثال على طعن عائشة في حديث أبي هريرة، ففي صحيح البخاري[ جزء 3 - 1307] (وقال الليث: حدثني يونس عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة أنها قالت : ألا يعجبك أبو فلان جاء فجلس إلى جانب حجرتي يحدث عن رسول الله يسمعني ذلك وكنت أسبح، فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله لم يكن يسرد الحديث كسردكم ) اهـ

وأبو فلان في الحدثي هنا هو أبو هريرة - كما جاء من طرق أخرى - وهذه من عيوب المتمذهبين أنهم يخفون الأسماء حماية لها، وهذا غش في الرواية.

ولذلك قلنا مسلم أوثق من البخاري وأحمد في النقل (بناء على قراءة أنتاجهم)، لا نقولها عبثا،ً فمثلاً هذا الحديث رواه مسلم بسند البخاري نفسه:

صحيح مسلم [ جزء 4 - 1940 ] ...عن ابن شهاب أن عروة بن الزبير حدثه أن عائشة قالت: ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي .. الحديثوقد رواه بالتصريح باسم أبي هريرة كل من أحمد وأبو داود وابن حبان وغيرهم. وكلام عائشة واضح أن أحاديث أبي هريرة فيها نكارة.

السرد = التطويل

فلذلك قالت: كان النبي يحدث الحديث (لو عده العاد لأحصاه) وكلام عائشة صحيح، وهو من معاني (البلاغ المبين) أما هذه المطولات من ألأحاديث فلا.

وهناك صحابة وتابعون كذبوا أبا هريرة صريحاً.. تركت ذكرهم لأن ألأسانيد إليهم تحتاج إلى بيان وتصحيح وتطويل في الكلام، وحتى لا أفسد هذا البحث، لأن المقصود من هذا البحث في علم الحديث أن أهل الحديث لا يهتمون بأقوال الصحابة في بعضهم، وتجريح الصحابة لبعضهم، وتكيب الصحابة لبعضهم..

 لماذا؟

لأنهم اخترعوا قاعدة (الصحابة كلهم عدول)! وهي قاعدة لم تكن عند الصحابة أصلاً .. لكنهم أخذوها وعطلوا بها أي نقد - ولو نسبي - لحديث بعض الصحابة، وهم يقولون: نحن نعدلهم لأن الله عدلهم في كتابه!

طيب... فلماذا لم يفهموا من تلك الآيات ما فهمتموه أنتم؟! وأنتم تقولون بأنهم أفهم وأعلم؟؟؟؟

فالمنهج متناقض... ما أن يبنون قاعدة باليمين حتى يهدموها بالشمال، وكل قاعدة لا يسمح أصحابها بخضوعها للنقاش العلمي فهي مبنية على هوى ومذهبية، وهنا أيضاً.. فالذين لا يحبون المعرفة يتهمونك أنت .. وأنت إنما تنقل أقوال الصحابة وأمهات المؤمنين الذين يلزموننا بأقوالهم، فهم متناقضون جدا!

بمعنى.. أن عائشة عندما تقول أبو هريرة أكثر من الحديث، وأبو هريرة عندما يقول عائشة أشغلتها الزينة عن رسول الله، أنت هنا لا تتبنى هذا أو ذاك

فهؤلاء الحمقى (ممن يقولون بعدول الصحابه) يقولون: عائشة صادقة في اتهام أبي هريرة، وأبو هريرة صادق في اتهام عائشة، وأنت كاذب في الاثنتين، مع أنك لم تتبنّ هذا الاتهامين!.. أنت فقط تنقل أن الخلاف في أبي هريرة وحديثه قديم، من ايام الصحابة، لم تتهم المهاجرين والأنصار بما اتهمهم به أبو هريرة، ولم تتهمه باتهاماتهم!

هؤلاء المتناقضون هم نتيجة أهل الحديث تماماً، هم من رووا وهم من عارضوا روايتهم، هم من أمروا بتصديق رواياتهم وهم من منعوا من تصديقهاولذلك فهم في ورطة كبيرة.. إن ضعفوا ألأحاديث (وهي في الصحيحين) وقعوا في ورطة، وإن صححوها وقعوا في ورطة، وإن قالوا بها أو كذبوها في ورطة!

ولذلك هم واقعون تحت وعد الله بالكبت، لأنهم جعلوا بين قرآنه وسنة نبيه وبين عقائدهم حدوداً، لا يجوز للقرآن اختراقها، والله قد توعد أمثال هؤلاء..

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ)[المجادله 5]

فهم في كبت بسبب هذه الحدود، لا يتركونك تؤمن ولا تكفر! تبقى معلقاً في الهواء!

المضعفين لأبي هريرة - أو المنكرين عليه بعض الحديث على الأقل - من الصحابة كثير، منهم علي وعمر وسعد وعائشة والزبير و ابن عباس ..والمضعفون له - أو لبعض حديثه - من التابعين إبراهيم النخعي وأكثر التابعين بالكوفة، والموثقون له : هو نفسه ومعاوية وكعب الأحبار وابن عمر في قول..

ولا يجوز أهمال جرح عائشة وعلي وسعد والزبير وأمثالهم، فهم أبلغ من أهل الحديث وأعلم بالآيات وبأحوال الصحابة، وقد اتهمه شعبة بالتدلس.. وهو إمام.

 

والموقف من حديث أبي هريرة ليس الرد ولا القبول، إنما التريث والتأني حتى ينظر في الشواهد والقرائن والحواضن العامة الأخرى من القرآن والحديث.

حسن فرحان المالكي- عام الحديث الجزء الثاني(معايير قرآنية لا مذهبية)

 في الجزء ألأوّل أعطينا قواعد أو سمات عامة لأهل الحديث ومنهجهم، ولابد اليوم من أن نذكر بعض التفصيل، فالكلام العام لا يكفي.

وقلنا أمس أن علم الحديث يحتاج إلى معايير جديدة، أو تفعيل المعايير النظرية على الأقل، بمعنى:

 عندما يعرف أهل الحديث الحديث الصحيح بأنه (ما رواه العدل الضابط عن مثله ...الخ) أن تكون هذه العدالة بمعايير علمية وليست مذهبية، وهذا خلل كبير عند أكثر أهل الحديث، بمعنى أنهم قد يوثقون من هو مجروح أو فاسق قرآنياً، ويضعفون من هو عدل وصادق قرآنياً! فمعايير العدالة والسنة والبدعة والإيمان والنفاق عند أهل الحديث فيها خلل كبير.. نتيجة تأثرهم بالرواية والجو السياسي والمذهبي العام.. مثل اليوم تماماً، قد يكذبون الصادق ويصدقون الكاذب، ليس بمعيار صحيح، وإنما بالرضا النفسي والسخط النفسي، فمن أبغضناه فهو كذاب ومن أحببناه فهو ثقة! هذه المعايير ( الذاتية النفسية المذهبية) غير علمية ولا موضوعية.

ومنهج أهل الحديث مؤثر فينا إلى اليوم، فمن أبغضناه كذبناه وأخذنا عليه أصغر الصغائر، ومن أحببناه تكلفنا في الاعتذار عنه وإخفاء مساوئه!

وأمر آخر..

 وهو أن منهج أهل الحديث – غالباً - ( وخاصة من أيام المتوكل وأحمد بن حنبل) إما ذم مطلق أو مدح مطلق، حب مطلق أو بغض مطلق، وهذه إلى اليوم،وهذا أيضاً عادة نفسية غير مضبوطة بالقرآن الكريم، فلذلك تجد التيار السلفي (ورثة أهل الحديث الأصليين) يبغضون كل من خالفهم مطلقاً، ويوعدونهم بالنار.. حتى الأشاعرة - وهم أغلبية أهل السنة - أخرجوا فيهم الكتب التي تحشرهم في الثلاث وسبعين فرقة، بناء على حديث ضعيف مخالف للقرآن .

المعيار القرآني - لو عدنا إليه - لا يأمرك ببغض إلا المحارب المعتدي فقط، سواء كان مسلماً باغياً أو كافراً معانداً، أما بقية الخلق فالحب مشروع، وهذا الحب شعور قلبي لا تتحكم فيه، فلو ساعدك طبيب غير مسلم في علاج ابنك فستضطر طبيعيا لحبه، لا لدينه وإنما لنجدته وخدمته لك.. هذا طبيعي.

التيار السلفي - ورثة أهل الحديث - يجبرونك على أن تجبر قلبك على بغض كل من ليس مسلماً، بل كل من ليس سنياً، بل كل من ليس سلفياً، وهذا تكليف، وهو تكليف مذهبي لا شرعي.. فليس المسلم باللئيم حتى يبغض من أحسن إليه، أو حتى يبغض من لم يسيء إليه، هذا اللؤم والكراهية ليست ديناً..

 هي مذهب.

وحتى لا نظلم.. فهذا ليس عاماً في السلفيه، لكنه ظاهرة على الأقل، وهذا ما تعلمناه في المدارس والجامعات للأسف، تحت عنوان الولاء والبراء، وهذه نتيجة من نتائج أهل الحديث على السلوك والعقل المسلم، وليست من نتائج القرآن ولا الإسلام، ولا كان هذا من خلق النبي صلوات الله عليه وآله..

إذن فالبغض والبراءة هي من المعتدي المحارب الظالم .. الخ، وليست من المسالم المحسن .. هذا إن أردنا محاكمة السلوك بالشرع، أما المذهب فلا، ولذلك تجد السلفية (ورثة أهل الحديث) يتعبون الآخرين بإيجاب ما لم يجب شرعاً، وإنما أوجبه أحمد بن حنبل أو ابن تيمية أو محمد بن عبد الوهاب، وهؤلاء الأشخاص - أو قولوا الأعلام - مهما بلغوا من الفضل والعلم إلا أنه لا يجوز لنا أن نتخذ سيرتهم شرعاً، ولا سيرة أهل الحديث، ولا حتى الصحابه، إنما الشرع في النص، قرآناً أو سنة. ويمكن الاستئناس فقط بسير الصالحين من صحابة وعلماء وفقهاء..الخ، وهناك فرق بين الاحتجاج والاستئناس.

إذاً فأهل الحديث ومنهجهم أنتج سلوكاً جافاً، يتكلف معاداة من لم يأمر الله بمعاداته، والاعتذار عن من أوجب الله معاداته من المعتدين المحاربين، فتجدهم يعادون مثل الجهم بن صفوان والمعتزلة والأشاعرة لرأي رأوه ويبالغون في مدح دعاة النار وكبار الظالمين والمجرمين!

هذه نتيجة مذهب لا دين.

الدين لا يجعل لأحد من الناس ميزة تبيح له الجرائم والمظالم، ولا يحرم أحداً من التفكير وبذل الوسع في معرفة الحق..

الأول جنائي والثاني معرفي.

الدين لا يعاقب على المعرفة، وإنما يعاقب على الجنائيات، والمذهب عكس القضية، فهو يعاقب أقواماً على المعرفة ويتساهل مع آخرين في الجنائيات. فمتى نستطيع أعادة البوصلة بحيث يكون تسامحنا وعقوباتنا وافقة للدين لا للمذهب؟ لن نستطيع إلا إذا قمنا بتفكيك الحالة المذهبية ونقدها أولاً، ولا يفيد أن تدل الناس على الدين مباشرة أو الحق مباشرة، لأنهم سيأتون ويقلون لك:

 ولكن أحمد أو ابن تيمية أبغض فلاناً وكفر المعتزلة وو.. الخ.

إذاً أنت في هذه الحالة محتاج أن تقول له:

 أحمد رحمه الله فقيه وعابد، ولكن لا نأخذ الشرع منه، فهو بشر، فلماذا تحتج علي بفعل بشر وتترك النص؟

هنا سيقول لك :

هو أعلم بالشرع منك؟

قل له: هذه حجة عوام الشيعة والمعتزلة وغيرهم في علمائهم، فلابد أن تعذرهم أيضا،ً أو نتفق على كلمة سواء، فكل عامة أهل المذاهب يقولون: علماؤنا أعلم بالشرع منا؟ فماذا نفعل؟ هل نعذرهم أو نقول أن النص أولى بالاتباع؟ النص الواضح لهم وليس المشتبه.

لابد أن يجد طلبة العلم والعامة أيضاً حلاً وسطا،ً كلمة سواء .. ملخصها : التشريع لله ولرسوله.. وليس لأحد من الناس، مهما كان في قلوبنا عظيماً.

أهل الحديث - سامحهم الله - لم يكونوا هكذا، كانوا إذا هجر أحمد بن حنبل رجلاً هجروه، وإذا أبغض الذهلي رجلاً أبغضوه، وإذا أفتى مالك بقتل أحد أفتوا!

هذا لا يجوز.. لا يجوز أن تتبع االفقيه في كل قول وفعل ... إلا رسول الله فقط، أما أحمد ومالك والذهلي وأمثالهم فلست أنا ملزماً أن أتبعهم، نعم أنا ملزم أن أنظر إلى أفعالهم وأدلتهم وأعرضها على الكتاب والسنة، فإن وافقت.. وإلا رددتها...

قد تقولون:

 هم لا يخالفون الكتاب والسنة.

 أقول: فهل كان هجر الذهلي للبخاري وتبديعه له والأمر بهجر حديثه وترك الرواية عنه.. هل هذا موافق عندكم للكتاب والسنة؟

لن تستيطعوا الإقرار.

إذاً.. فإذا كان الذهلي - شيخ البخاري – (وقلده أبو حاتم وأبو زرعة) إذا كان هؤلاء لم توافقهم على موقفهم من البخاري، فمن حقك ألا توافقهم في غيرهم.

إذاً فليس صحيحاً أنه يجب عليك موافقة العلماء وأهل الحديث، وإنما تنظر إلى أقوالهم ومواقفهم، وتعرضها على الشرع، فتقبل منها وترد.

هذا دين.

ثم أهل الحديث ليسوا متفقين حتى يكون اتباعهم واجباً، بمعنى لو أنك أردت اتباعهم لما استطعت. لأنهم مختلفون في المواقف، والتضعيف والتوثيق.. الخ. ثم لو اتفق أهل الحديث على مسألة فليس بالضرورة أن توافقهم أيضاً، فهناك أهل الرأي والمعتزلة والشيعة والأشاعرة... الخ، وحجة أتباعهم كحجتك..

ولابد أن نذكّر بأنه لا يجب عليك اتباع مذهب ولا تيار ولا حزب.. أنت يجب عليك اتباع الحق الذي تعرف أنه حق. حتى الحق الذي لا تعلمه لايجب عليك.

قد يقول قائل :

كلامك هذا يوحي بأنه لا يجب اتباع المسلمين، وأنه يجوز اتباع اليهود والنصارى، لأن حجة العامة عندهم كحجتنا؟

والجواب:

لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، نعم لا أوجب على اليهودي من العامة والنصراني من العامة والمسلم من العامة اتباع أحد، وإنما أوجب عليه اتباع الحق،بمعنى لا يجب على اليهودي اتباع المسلمين، إنما اتباع الحق، وهو الواجب على المسلم أيضاً، يبقى الحوار في هذا الحق.. ما هو؟ وهذا موضوع آخر.

لكن لو وجدت عند النصارى حقاً ليس عليه المسلمون فاتبعه، لأنه من دين الله الجامع، كالأخلاق مثلاً، وحسن المعاملة، وحب المعرفة، وحقوق الإنسان..

وعندما أقول "اتبع" هذه الأمور، ليس لأنها نصرانية، لكن لأنها حق ضيعه المسلمون، وهو من صلب دينهم، فاتّباع الدين إنما هو اتباعه، هو لا اتباع أتباعه،وعلى هذا فلا إشكال في اتباع أي حق، سواء وجدته عند مسلمين أو يهود أو نصارى أو بوذيين.. الخ، وبهذا يكون المسلم مسلماً، مسلّماً للمعرفة والحق.

يجب أهمال التسميات والنظر إلى حقائق الأشياء، وهذا خلاف منهج أهل الحديث الذي ورط المسلمين في الألقاب ( سني/ مبتدع/ ضال) وترك الحقائق.

وأهل الحديث أتاهم هذا الغرور بالألقاب من عدة عيوب - لا مجال للتفصيل فيها - من تزكية النفس وبخس الناس أشياءهم وهجر القرآن والتأثر بالسلطة.. الخ، لذلك فكل مسألة علميه تدخل فيها معهم في حوار تجد أنهم يقفزون للتنابز بالألقاب ( هل أنت سني أم شيعي، هل أنت علماني أم إسلامي ..)..

 هذا جهل، لأن الحوار هو في المعلومة ومدى صحتها، وليس في الشخص.. حتى لو يقول لك : أنا شيعي أو علماني فلا يجيز لك رد الحق الذي أتى به، ولو قال "سني" لا يجيز لك اتباع الباطل الذي أتى به، لأن الحق لا يتجسد في الأشخاص، وهو فوق الألقاب، هو معنى لا يسعى لشخص ولا مذهب، إنما الواجب السعي إليه.

هذه الأشياء ربما أنها نظرية، وقد يكابر بعض أهل الحديث ويقول : أنت ظلمتهم، وهم منصفون، وهم كذا وكذا..

نقول : نحن نتحدث عن واقع معروف ولا نعمم.

فالمكابرة أيضاً سمة من سمات أهل الحديث ورثتها السلفية، تجد أحدهم يكابر ويكابر في معلومة واضحة كالشمس وسط السماء. ويظن أن هذا دين!

 هذا وهم.

إذاً.. فأهل الحديث ورثوا لنا من تصرفاتهم ومظالمهم وجفافهم الشيء الكثير، واختلط عندنا بالدين نفسه، وأضعف عندنا الثقافة الدينية الأولى، وهي رحمة..

الإسلام الأول رحمة، حتى على غير المسلمين (لو عرفنا الله وعدله) وإسلامات المذاهب عذاب، حتى على المسلمين (لو عرفنا الشيطان ومكره).

البدايات منتجة.

 

إذا ابتدأت بمعرفة الله أنتجت لك هذه المعرفة كل خير، وإذا لم تبدأ بمعرفة الله معرفة صحيحة سبقك الشيطان بثقافته وتلبيسه، فشرعن لك كل شر!

حسن فوحان المالكي-علم الحديث الجزء الاول(وقفات مختصرة)

 الوقفة ألأولى: أن الحديث بالمعنى القرآني هو القرآن نفسه، والحديث الذي في أذهاننا اسمه (بيان) = ليبين لهم.

الوقفة الثانية: أن أهل الحديث - في الغالب - هجروا كتاب الله وانشغلوا عنه بالحديث، ففقدوا أهم معيار في تقييم الحديث.

الوقفة الثالثة: أن أهل الحديث لم يهتموا بالعقل، فصححوا الكثير مما يخالف العقل، والعقل غير التذوق والهوى، لكن الشرع لم يأت بمخالفة العقل.

الوقفة الرابعة: أن أهل الحديث ركنوا إلى الراكنين إلى الذين ظلموا.. قد لا يكون أكثرهم من الراكنين، لكن معظم مادتهم من الراكنين الأولين.

الوقفة الخامسة: أهل الحديث تأثروا بالأرضية الثقافية التي تم إنشاؤها في العهد الأموي وتثبيتها في العصر العباسي، جبر وإرجاء ونصب وتكفير.. الخ

الوقفة السادسة: أهل الحديث ضرهم هجر الفرق الأخرى، فلم يستفيدوا من العقل المعتزلي ولا الإيمان الشيعي ولا الصدق الخارجي ولا الأفق الفلسفي.

الوقفة السابعة: أهل الحديث أهملوا ألأثر السياسي على الحديث ولم يراقبوه، وأهملوا الأثر المذهبي، لأنهم داخله، هم متمذهبون، فلم يراقبوا أنفسهم.

الوقفة الثامنة: أهل الحديث - في الجملة - إنتاجهم مفيد لذوي العقول أصحاب المعايير السابقة من قرآن وعقل، وهو ضار لمن لا يعول على قرآن ولا عقل.

الوقفه التاسعه: أهل الحديث : ليس مذهبهم واحداً، ففيهم الشيعي والسلفي والناصبي والفقيه، ولكن غلب عليهم - من أيام المتوكل وأحمد بن حنبل - التعصب والهوى والمذهب.

الوقفة العاشرة: ليس هناك مذهب لأهل الحديث، فكل الذين كتبوا عن (عقيدة أهل الحديث) وجعلوها عقيدة واحدة, فهم إما أصحاب دعاية أو جهل وعصبية.

الوقفة الحادية عشرة: الدقة والصناعة الحديثية عند أهل الحديث إنما أتت متأخرة، وكانت الرواية القديمة في القرن الأول إلى منتصف الثاني ساذجة، فالذين تجدونهم يرددون ( أهل الحديث كان لهم منهج كذا وكذا ...)هم جهلة بتاريخ تطور الرواية، وليس عندهم قدرة على قراءة نقدية، لأنهم متمذهبون.. أعني أصبح الدفاع عن أهل الحديث ومنهجهم مذهب قائم بذاته، فالمدافع يعدونه ممدوحاً صاحب سنة، والمنتقد يعدونه مذموماً صاحب بدعة!.. وهذه مذهبية، فلذلك تجدهم يتكلفون في الدفاع عن محدث أو رواية صححها أحدهم ولا يتكلفون في معرفة الحق، فالحق عندهم هو الشخص والمذهب وليست المعلومة الصحيحة..وهذا من أكبر التعصب والمذهبية، لأنهم لا يعرفون الحديث إلا من آخر ملفق بين نظرياته، كابن الصلاح لا يعرفون مسيرته ورجاله وتطوره واختلافه.

الوقفة الثانية عشرة: ليس هناك شيء اسمه (مصطلح الحديث)، هذه مجرد تجميعات وانتقاءات، من فعل بعض أهل الحديث، تم تعميمها على كل أهل الحديث.

الوقفة الثالثة عشرة: أهل الحديث المتأخرون - وكثير من المتقدمين - لا يلتزمون بالتعريفات الذي وضعها المتأخرون، وبعضهم لايعلم عنها شيئاً.

الوقفة الرابعة عشرة: المزاج العام عند أهل الحديث أن الصحابة والتابعين ليسوا من أهل الحديث، ولا يأخذون بمنهجهم في مسائل محورية، كعدالة لصحابة، فهذه القاعدة (عدالة جميع الصحابة في الرواية) قاعدة خاطئة، ليس عليها كتاب ولا سنة ولا الصحابة ولا أكثر التابعين، تم اختراعها بعد ذلك مذهبيا، فلذلك إذا وجد أهل الحديث أن عائشة ردت أحاديث لأبي هريرة، أو عمر رد حديثاً لأبي موسى.. يتضايقون جداً، ويتكلفون في الدفاع بأنه قصد وقصد.. فالقاعدة عنهم (أن الصحابة كلهم عدول)، يظنون أن الصحابة أنفسهم يؤمنون بها، وهي قاعدة مستحدثة، لم يكن الصحابة يرونها أصلاً، ولا أكثر التابعين

الوقفة الخامسة عشرة: أهل الحديث تركوا نصف أوامر القرآن، اهملوها لإهمال السلطة لها، فلم يرووا فيها حديثاً (كالعقل وتدبر الكون والشهادة لله)، ورووا بكثافة في أمور أقل بكثير (مثل تفاصيل الطهارة والوضوء والصلاة واللباس والأكل ..الخ)، تركوا الأهم، وكثفوا الأقل أهمية بكثير. وهذه لها سر، فسرها الأعلى هو هجر كتاب الله، وسرها الأدنى هو التأثر بثقافة السلطة التي لم تكن تهتم بهذا، وإنما تشغل الناس في صغائر ألأمور والتفاصيل.

والمكثرون من الحديث من الصحابة  أو تلاميذهم.. ومن التابعين أو تلامذيهم.. هم مقربون من السلطة، فكان الأثر السلطاني ظاهراً على إنتاج أهل الحديث..

بمعنى ... غياب التفكر - فالسلطان لا يتفكر - غياب التدبر، غياب الشهادة لله، غياب العدل، كثرة العسكرة والكبر والعقوبات، فانعكس هذا في الحديث، فالحديث - في معظمه - نتيجة سلطانية، وهم إلى اليوم يتغنون بفتح الأندلس - وهو استعمار - ولا ينشغلون بتدبر سورة الفاتحة، فالعسكر والقتال غالب عليهم، بمعنى أن النتيجة الحديثية تشبه المعلقات العشر..

 فخر وكبر وفعلنا وفعلنا وقتلنا و سحلنا ونحرنا، ليس فيه هذا القلب السليم الذي يريده الله.

القرآن الكريم فيه غايات محورية ضاعت في الحديث، أو ذابت أو ضاعت وسط ضجات التكبير وصيحات السبايا وأخبار الفتوح والتشبع السياسي.. كحالهم اليوم..

 فالموضوع الحديثي برمته يحتاج إلى إعادة نظر وعرض على القرآن وتلمس ما يشبهه، ولو سخطوا على ناقله ورفض ما يضاده، ولو عظموا واضعه وناقله.

هذه مقدمات مختصرة يسيرة، وأنا أعرف أنه سيرفضها أكثر أهل الحديث الذين هم داخل بيضة الحديث، فإن الصوص وهو ادخل البيضة يرى البيضة أوسع أرض!.. أما أهل الحديث الذين تعرفوا على القرآن وعرفوا معالمه واستضاءوا بنور هدايته وعرفوا قدر العقل والتدبر والتواضع والنظر, فسيعرفون صواب ما قلته.

الاثنين، 14 يوليو 2014

حسني أحمد المتعافي-التقويم العربي و رمضان والأشهر الحرم

كان العرب أمةً أمية، وكان تقويمهم ينطبق على التقويم العبري كما هو متوقع ومعلوم ويسير بالتوازي معه، وهو تقويم شمسي قمري، وذلك إما لأنهم أخذوه عن العبريين وغيروا فقط أسماء الشهور بما يناسب بيئتهم، وإما لأن كلا التقويمين يعودان إلى تقويمٍ أصلي واحد نتيجةً للأصل الواحد للشعبين الثابت بالقرءان وبالتحليل الجيني الحديث، وقد وردت آثار في المرويات والسيرة تشير إلى التوازي والتطابق بين التقويمين.
فالتقويمُ العربي الصحيح هو تقويم شمسي قمري كالتقويم العبري وليس قمرياً بحتا، وهذا يعني أن بدايات الشهور تكون حسبَ الأهلة، ولكن السنة القمرية تقل عن الشمسية، وذلك بسبب أن الشهر القمري يساوي 29.530588 يوما، أي أن السنةَ القمرية البحتة تساوي354.367056 يوما والسنة الشمسية تساوي 365.2425 يوما، لذلك يلزمُ إجراءُ تصحيحٍ كل مدة معينة ليعود التطابق بين الأشهر وبين الفصول المناخية؛ أي لتعود الأشهر إلى مواسمها التي تعبرُ عنها أسماؤها؛ وذلك يعني مثلا أن تأتي بدايةُ الربيعِ في شهر ربيعٍ الأول، فهذه الأسماء ليست عبثية، بل هي قد أطلقت بالضرورة لتشير معانيها إلى مواسمها، فمهمةُ التقويم الأساسية هي مساعدةُ الناس على تحديد الفصول والمواسم وشتى أمور حياتهم، وبه كان يمكن لقريش أن تعرف وتحدد مواعيد رحلتي الشتاء والصيف وأن تحدد مواقيت الحج، فلابد أن الحج (وهو موسم ومهرجان ثقافي تجاري) كان بعيدا عن أشهر الحر الشديد في الحجاز، لكل ذلك فالتقويم القمري البحت المعمول به الآن هو خاطئ بالضرورة.
وكل التقاويم المستعملة منذ فجر التاريخ تستلزم دائما إجراء تصحيحات كل بضع سنين وربما تستلزم أيضاً تصحيحات على مدى أكبر، فلابد للتقويم من أن يؤدي المهام التي أدت إلى إحداثه أصلا.
والتقويم العربي كان موجودا ومستعملاً قبل العصر النبوي، ولم يرد في القرءان ولا في الآثار ما يدل على إلغائه أو تعديله، ولم يرد ما يدل على انتفاء المقصد من التقويم أو قصره على الأغراض التعبدية المحض فقط، أما الزعم أن ذلك ليصوم الناس رمضان في شتى الظروف المناخية فهو مجرد ظنّ لا يوجد عليه أي دليل، فالتقويم كان موجودا من قبل أن يُفرض الصيام بل –كما سبق أن ذكرنا- من قبل البعثة النبوية.
وإجراء التصحيح –في نظرنا- ليس بالأمر الصعب، والأمر لا يستلزمُ إعادة تصحيح كل التواريخ الهجرية، فيمكن تركُها وشأنَها، كما يمكن استمرارُ العمل بهذا التقويم الخاطئ أو بالأحرى اللاتقويم لشيوعه، ولكن يكفي فقط بيان بدايةِ شهر الصيام وأشهرِ الحج للناس كل عام، وبمعرفة بدايةِ رمضان يمكن ضبط بدايات كل الشهور الأخرى لمن أراد ذلك.
إنه كما سبق القول لابد أن تأتي بدايةُ الربيع في شهر ربيع الأول كما تأتي في شهر مارس الشمسي، وبناءً على ذلك لابد من تناظرٍ ما بين الشهرين ربيع الأول ومارس؛ أي بين الشهرين الثالث العربي والثالث الشمسي، وهذا يعني أنه لابد من تناظرٍ ما بين شهر رمضان وهو الشهر التاسع العربي وبين شهر سبتمبر وهو الشهر التاسع الشمسي، وبذلك يمكن تحديد بداية شهر رمضان؛ فهي يجب أن تكون في شهر سبتمبر، وبذلك يأتي أكثر رمضان في الخريف في نصف الكرة الشمالي وفي الربيع في نصف الكرة الجنوبي، وبذلك تكون ساعات الصيام في كل العالم تقريبا تساوي 12 ساعة يوميا، وهذا انطلاقا من العلم بمنظومة سمات الدين الخاتم وعلى رأسها أنه دين عالمي كامل خاتم وصالح لكل زمان ومكان ولا حرج فيه، وهذه أمور ثابتة ثبوتاً راسخا بآيات القرءان الكريم، كما أن ذلك من مقتضيات الإيمان بأن الله تعالى وهو خالق كل شيء يعلم تماماً حقائق الأمور، وهو لم يشرع الصوم ليصوم بعض الناس 22 ساعة ويصوم الآخرون ساعتين فقط، وهو قد أعلن في كتابه أنه ما جعل على الناس في الدين من حرج وأنه يقضي بالحق ويأمر بالعدل، وهذا يعني أنه لا ينحاز لطائفة ما ولا يحابي سكان منطقة جغرافية معينة.
فرمضان يجب أن يكون مناظرا للشهر التاسع في السنة الشمسية؛ أي شهر سبتمبر، ولذلك يجب أن تكون بداية رمضان الحقيقي هي ميلاد الهلال في شهر سبتمبر، فبداية رمضان يجب أن تدور في الشهر الشمسي التاسع، وعندما تتراجع بداية شهر رمضان إلى أوائل سبتمبر (بسبب الفرق بين السنتين الشمسية والقمرية) بحيث يكون معلوما أن بدايته ستتزحزح نحو أغسطس في العام التالي فإنه يتعين إضافة شهر التقويم قبل شهر رمضان، وبذلك تكون بداية رمضان في العام التالي في أواخر سبتمبر، وهكذا، وهذا يعني في الحقيقة أن هذا الشهر يجب أن يضاف بعد مضي 32 شهرا بالأخذ في الاعتبار الفرق بين السنتين القمرية والشمسية.
مثال:
الميعاد الحقيقي لبداية رمضان في سنة 2013 م هو 6/9
طبقا للتقويم القمري البحت ستأتي البداية في السنة القادمة في أغسطس، لذلك يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان، وبذلك يأتي رمضان في26/9/2014 في السنة القادمة ثم في15/9/2015 في السنة التي تليها، ثم في4/9/2016 في السنة التي تليها، وهنا يجب إضافة الشهر قبل رمضان التالي لكيلا تأتي بدايته في أغسطس بل في العشرينات من سبتمبر، وبالتحديد سيأتي في 22/9/2017، وهكذا.
أما توقيت إضافة الشهر فهي لا تعنينا من حيث تحديد بداية الصوم، فهي من هذه الحيثية يجب أن تكون قبل رمضان، وبالطبع فتوقيت إضافة الشهر غير ثابتة لأنها تحدث مرة كل 32 شهرا قمريا وليس كل 36 شهرا، والعرب كانوا يعرفون وجوب إضافة شهر التقويم من تأخر بداية فصل الربيع الذي يعرفونه إلى ربيع الثاني.
ومن البديهي جدا أن أول محلّ في السنة أضيف فيه شهر التقويم كان بعد نهاية السنة؛ أي بعد شهر ذي الحجة الذي هو من الأشهر الحرم، وطالما يجب مرور 32 شهرا قبل إجراء التقويم التالي فهذا يعني أن إضافة شهر التقويم التالي ستكون بعد شعبان، وقد وردت آثار بالفعل تدل على أنهم كانوا يضيفون شهرا كهذا، ولذلك كانوا يسمونه بشعبان الثاني، أما الإضافة التالية؛ أي بعد 32 شهرا فيجب أن تكون بعد ربيع2، أما التي تليها فيجب أن تكون بعد ذي الحجة؛ أي قبل محرم، وتُعاد الدورة.
وعلى هذا الأساس فالإضافة بعد شعبان هي أحد الاحتمالات الثلاث الممكنة في السنة الهجرية القادمة؛ أي سنة 1435.
والاحتمال الأرجح من بين هذه الاحتمالات هو الذي يبقي على شهر ربيع1 في حدود مارس وعلى شهر ربيع2 في حدود أبريل بمعدل زحزحة في حدود يوم واحد، ولا يجعل إضافة شهر التقويم بالنسبة لشهري الربيع بلا مبرر أو يزحزحهما بعيدا عن المدى المذكور.
وبعد دراسة الاحتمالات الثلاث يتضح أن الاحتمال الذي يحقق الشروط المطلوبة هو إضافة الشهر بالفعل بعد شعبان القادم (شعبان 1435).
والجدول التالي يبين تواريخ الأشهر طبقاً للتقويم الحقيقي:


التاريخ الهجري الصحيح لبداية شهر رمضان
التاريخ الميلادي الصحيح لبداية شهر رمضان
التاريخ الميلادي الصحيح لبداية شهر ربيع1
التاريخ الميلادي الصحيح لبداية شهر ربيع2

1/11/1434
6/9/2013
13/3/2013
12/4/2013
يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي بعد شعبان

1/12/1435
26/9/2014
3/3/2014
2/4/2014
ظهر هنا تأثير إضافة الشهر على شهري الربيع
1/12/1436
15/9/2015
22/3/2015
20/4/2015

1/12/1437
4/9/2016
11/3/2016
9/4/2016
يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي وبعد ربيع2

1/1/1439
22/9/2017
28/2/2017
29/3/2017
ظهر هنا تأثير إضافة الشهر على شهري الربيع
1/1/1440
12/9/2018
18/3/2018
17/4/2018

1/1/1441
1/9/2019
8/3/2019
7/4/2019
يتعين إضافة شهر التقويم بعد ذي الحجة التالي وقبل رمضان التالي

1/2/1442
19/9/2020
26/3/2020
24/4/2020

1/2/1443
9/9/2021
15/3/2021
13/4/2021
يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي بعد شعبان

1/3/1444
27/9/2022
5/3/2022
3/4/2022

1/3/1445
16/9/2023
23/3/2023
22/4/2023

1/3/1446
5/9/2024
11/3/2024
10/4/2024
يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي وبعد ربيع2

1/4/1447
24/9/2025
1/3/2025
31/3/2025

1/4/1448
14/9/2026
20/3/2026
18/4/2025

1/4/1449
3/9/2027
10/3/2027
8/4/2027
يتعين إضافة شهر التقويم بعد ذي الحجة التالي وقبل رمضان التالي

1/5/1450
20/9/2028
27/3/2028
26/4/2028

1/5/1451
10/9/2029
16/3/2029
15/4/2029
يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي بعد شعبان

1/6/1452
29/9/2030
6/3/2030
5/4/2030

1/6/1453
18/9/2031
25/3/2031
23/4/2031

1/6/1454
7/9/2031
13/3/2032
12/4/2032

وبذلك يتم تصحيح أخطاء هذه الأمة التي أضاعت الصيام والحج مثلما أضاع بنو إسرائيل الصلاة.
ومن المعلوم أن هذه الأمة أضاعت عرى الإسلام عروة عروة واتبعوا سنن من قبلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع وخالفوا التحذيرات النبوية المشددة وضرب بعضهم رقاب بعض وفرقوا دينهم وكانوا شيعا، ومن أضاعوا الدين لن يعز عليهم إضاعة التقويم السليم!
وكون الميعاد الحقيقي لبداية رمضان في هذه السنة (2013) هو 6 سبتمبر يعني أن بداية أشهر الحج أي بداية ذي الحجة الحقيقي هي: 6 ديسمبر، وأشهر الحج هي أربعة أشهر متصلة تبدأ بذي الحجة، وهي: ذو الحجة، محرم، صفر، ربيع الأول، أي أن أشهر الحج تكون في الشتاء وبداية الربيع.
وقد كان يجب اتخاذ شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرءان بداية للسنة الإسلامية كما كان يجب أن يكون بداية التقويم الإسلامي هو السنة التي نزل فيها القرءان، ولو فعلوا لرأوا ألواناً من الإعجاز القرءاني في الإخبار عن وقائع العصر النبوي.
-------
وقد ذكرنا كثيرا أنه قد حدث خلل في حساب التقويم في زمن الفتنة الأولى والتي انتهت باستيلاء أهل البغي على السلطة، أو في زمن الفتنة الثانية عندما استولى الوزَغة مروان بن الحكم على السلطة، وليس من المعقول أن تستمر الأمة إلى يوم القيامة تتعبد بأخطائهم وجرائمهم.
وطبقا لطريقتنا المقترحة هنا فإنه لا يلزم معرفة متى حدث الخلل بالضبط.
أما النسيء المذموم فهو التلاعب بالأشهر الحرم بالتأخير لأغراض غير قانونية مثل الاستمرار في الحرب أو الصيد، فالنسيء يعني ويتضمن التأخير، التأخير فقط، وليس التقديم مثلا.
-------
إنه يجب التأكيد على ما يلي:
1.           بدايات الأشهر تتحدد بالأهلة.
2.           التقويم العربي الحقيقي هو تقويم شمسي قمري تأتي فيه بداية الربيع في ربيع الأول ويأتي فيه رمضان الحقيقي في فصل الخريف (في نصف الكرة الشمالي) حيث يتساوى الليل والنهار، والإسلام دين عالمي، ولم يدرك الناس أبدا أبعاد هذه السمة، فسكان نصف الكرة الجنوبي سيصومون رمضان في الربيع حيث يتساوى أيضاً الليل والنهار، كل ذلك كان معلوماً لمن أحاط بكل شيء علما.
3.           قال تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الأنعام96، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يونس5، {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12)} الإسراء، فلابد من دخول الشمس والقمر معا في حساب التقويم، لذلك فجعل القمر وحده أداة لحساب السنين هو خطأ محض ومخالفة للأوامر القرءانية.
4.           كان يحدث تصحيح للتقويم بحيث تظل الأشهر متطابقة مع الفصول، ولكن ضاع ذلك أثناء الفتن، فلابد أن يكون الحج (وهو موسم ومهرجان ثقافي تجاري) بعيدا عن أشهر الحر الشديد مثلا، ولابد أن يأتي رمضان في الخريف ليتساوى الليل والنهار فلا يصوم الناس 22 ساعة في بلد ويصومون ساعتين في بلد آخر، وهذا ما يتسق مع عالمية الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.
5.           كان التقويم صحيحا أثناء العصر النبوي، وكان هناك توازي بين السنة العبرية وبين السنة العربية، وثمة مرويات تشير إلى ذلك، وكان الاختلاف هو في أسماء الشهور فقط، وعلى سبيل المثال فإن فترة البعثة النبوية هي 23 سنة أي: 23 X 365  يوما وليس 23 X 354 يوما.
6.           طبقا لبحثنا المنشور يتعين إضافة شهر التقويم في دورة هكذا: (بعد شعبان، بعد ربيع2، بعد ذي الحجة)، وأشهر الحج هي أربعة أشهر متصلة تبدأ بذي الحجة، وبذلك يدخل فيها الشهر الكبيس (مرة كل 3 سنوات) عند إضافته.
7.           وإجراء التصحيح ليس بالأمر الصعب، والأمر لا يستلزم إعادة تصحيح كل التواريخ الهجرية، فيمكن تركها وشأنها، كما يمكن استمرار العمل بهذا التقويم الخاطئ أو اللاتقويم لشيوعه، ولكن يكفي فقط بيان بداية شهر الصيام وأشهر الحج للناس كل عام، وبمعرفة بداية رمضان يمكن ضبط بدايات كل الشهور الأخرى لمن أراد ذلك.
8.           وقت الصيام هو من الفجر الحقيقي إلى الليل، وعلامة الليل التي يمكن لكل إنسان أن يدركها هي غروب الشمس، فالليل يمتد من غروب الشمس إلى الفجر، وكون غروب الشمس يحدد وقت وجوب صلاة المغرب لا يتنافى مع كونه محددا لبداية الليل ولانتهاء وقت الصيام.
9.           من البديهي أن يفضل سكان الصحاري أي القبائل البدوية مثل العرب وبني إسرائيل التقويم القمري لسهولة تتبع منازل القمر في الصحراء، ولكنهم علموا من بعد أنه لابد من التقويم حتى يظل للتقويم معنى مثلما اكتشفت ذلك كل الشعوب الأخرى فأجرت التقويمات اللازمة.
10.      ليس في بيان حقيقة التقويم أي تشكيك في الدين ولا تكفيرا لأحد ولا دعوة لعدم اعتبار الأهلة مواقيت للناس، فبدايات الشهور تتحدد برؤية الهلال، والبحث يوضح أن هلال رمضان يجب أن يكون في سبتمبر، وكل ما هو مطلوب إجراء تقويم كل مدة معينة كما هو مبين في البحث المنشور.
11.      الأشهر الحرم هي ذو الحجة ومحرم وصفر وربيع الأول، فيجب أن تكون متصلة كما يظهر ذلك جليا من سورة التوبة، وهي أفضل الشهور من حيث المناخ في الجزيرة العربية، فهي أفضل الأوقات لأداء فريضة الحج للناس أجمعين، وهي الأشهر التي يجب أن يحرم فيها صيد البر، .
12.      نؤكد من جديد أن آيات القرءان تجعل الشمس والقمر لازمين للحساب وليس القمر فقط، وأن العرب كانوا كالعبريين يجرون تصحيحا أو تقويما لحساب السنين بحيث تظل الشهور مطابقة لمسمياتها المناخية فلا يأتي شهر الربيع في الخريف ولا يكون موسم الحج في الحر الخانق القائظ!
13.      لا يوجد ما يحتم أن يحتوي رمضان على يوم 22 سبتمبر فقد يبدأ بعده، ولكنه لا ينتهي أبداً قبله، ولا يوجد ما يحتم أن يكون نهار الصيام مساوياً لليله بكل دقة في كل العالم، وهذا مستحيل أصلا، ولكن المطلوب هو تحقق ذلك بطريقة تقريبية، وإلا فإن الإنسان غير مكلف إلا بما هو في وسعه.
14.      التقويم العربي هو تقويم شمسي قمري كالتقويم العبري، وكل من يستعملون التقويم القمري يقومون بإجراء ما يلزم من التصحيح (وهذا هو معنى التقويم أصلا) لكيلا يحدث انحراف بين الشهور ومعانيها ولكي تظل المواسم المناخية والزراعية ورحلتا الشتاء والصيف في أماكنها، ولو كان التقويم سليما لما احتاج الناس إلى التقاويم القديمة كما هو الحال الآن في مصر مثلا، ولا يوجد أي نوع من التقويم –بما في ذلك التقويم الشمسي- لا يحتاج تقويما!
15.      إلى أن يتم تصحيح الوضع فلا حرج من الالتزام بما عليه الناس: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا، لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا، مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، ومراعاة وحدة الأمة هي على درجة عالية من الأهمية، فركن وحدة الأمة هو أول الأركان الملزمة لجماعة المسلمين، أما المسلم الذي يعيش منفردا في بلد بعيد مثلا وكان على علم بذلك الأمر فعليه أن يلتزم بما هو حق.
=======
ويجب العلم بأن الشهر الذي يجب إضافته كل 32 شهرا هو شهر كبيس إذا أضيف الى أشهر السنة لا يعد من بينها ولا يغير من عددها، بل تبقى السنة بأشهرها الاثنتي عشر المعروفة، فهو لا يُضاف إلا لتقويم الانحراف الذي حدث لاختلاف السنة الشمسية التي تحدد الفصول عن السنة القمرية البحت، فالمقصد منه معالجة انزياح الأشهر القمرية عن مواضعها الفصلية، وبذلك تعود الأشهر إلى مواسمها التي أعطتها أسماءها، فيبدأ الربيع في فصل ربيع الأول، وهذا دليلٌ كافٍ وبرهان مبين للباحث عن الحق غير العابد لتراث الأسلاف وما ألفى عليه آباءه.
وكذلك تعود أشهر الجماد الى فصل جماد الحبوب والحصاد وأشهر الحج الى فصل الشتاء، وهو الفصل الأفضل بالنسبة لمناخ مكة الصحراوي ليكون موسما للحج وفتح الأسواق فيها حيث يكون الطقس رائعا والحرارة معتدلة، وليحدث التبادل التجاري والثقافي وليشهد الناس منافع لهم، وليس ليقتلهم الحر القائظ أو ضربات اشمس المروعة!
وكذلك يمكن لقريش أن تقوم برحلتي الشتاء والصيف في أشهر محددة معلومة، ومن البديهي أن هاتين الرحلتين مرتبطتين بالمواسم الزراعية وأوقات الحصاد في الشمال والجنوب، فما هي قيمة تقويم لا يلبي للناس حاجات بيئتهم المعيشية.
وكما قلنا سيبدأ رمضان دائماً في شهر سبتمبر، أو الشهر التاسع الميلادي، أي سيكون رمضان في فصل الخريف في نصف الكرة الأرضية الشمالي المعروف، والخريف يتميز بطقسه اللطيف ويتساوى فيه تقريباً طول الليل مع طول النهار في كل القارات، أما في نصف الكرة الجنوبي فسيأتي رمضان في فصل الربيع، الذي له نفس المزايا المشار إليها بالنسبة للخريف.
ومن المعلوم أنه توجد أماكن مأهولة وبها مسلمون الآن وهي القريبة من القطب الشمالي يحدث فيها تفاوت هائل بين طولي الليل والنهار في الصيف! وبذلك قد تصل مدة الصيام في الصيف إلى 22 ساعة وقد تنزل في الشتاء إلى ساعتين، ويفتون لهم باتباع توقيت مكة!!!!!
فالعمل بالتوقيت القمري البحت لا يعني إلا إلغاء عملية التقويم أصلا بانتفاء الأغراض المعيشية منه؛ أي التمسك باللاتقويم، سيقول بعضهم إن هذا التقويم تقويم تعبدي والهدف أن يصوم المسلم في كافة أشهر السنة باختلاف مناخها وأوقاتها، وهذا القول هراء محض، فالتوقيت كان موجودا ومستعملا للعرب من قبل ظهور الإسلام، ولم يرد في القرءان أي نص يوحي أنه ألزم الناس بتغيير ما كانوا عليه بهذا الشأن.
وطبقاً لما قررناه هنا فيجب أن تبدأ أشهر الحج بشهر ذي الحجة، فهذا الاسم إيذان ببدء موسم الحج والأشهر الحرم التي أشار القرءان إلى كونها متصلة، فهذه الأشهر هي: ذو الحجة، محرم، صفر، وربيع أول، وهي تعادل تقريبا: ديسمبر، يناير، فبراير، مارس، وهذه الأشهر هي أشهر التكاثر والحمل بالنسبة للحيوانات البرية، ولذلك تم تحريم الصيد فيها وتم تغليظ العقوبة عليه، بل وتهديد من يتعمد الصيد بالانتقام الإلهي! قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)} المائدة
فهذا التهديد الرهيب لا يتعلق بمكان الحج فقط بل بحالة كون الإنسان في الأشهر الحرم، ووجوده في البيت الحرام يزيد الأمر حرمة ولكنه لا يلغي حكم الأشهر الحرم خارجه، وكون الأشهر أربعة متصلة يجعل مقاومة الرغبة في الصيد صعبة ويستلزم أقصى درجات التهديد لردع الناس عنه!
فالأشهر الحرم هي التي يحرم فيها سفك الدماء، والصيد البري هو من سَفْك الدماء، فهو محرم ما داموا حرما؛ أي ما داموا في الأشهر الحرم، وهذه الأشهر هي موسم تكاثر الحيوانات، فقتل الأنثى الحامل من الغزال أو البقر البري جريمة كبرى.
وعلى سبيل المثال فبالنسبة للغزال الدرقي أسود الذيل أو الريم تستمر فترة الحمل لما بين 148 و159 يوما وتحصل أكثر الولادات ما بين شهريّ مارس ويوليو على أن أكثر الإناث تلد خلال شهر مايو (إبريل في السعودية ويونيو في منغوليا ، تنجب الإناث الصغيرة في السن كما الكبيرة خشفا واحدا في العادة، إلا أن أكثر الإناث البالغة تنجب توائم، وهذا يبين أن خلال الأشهر الحرم الحقيقية تكون إناث الغزال الدرقي أو الريم حوامل بالفعل، وكذلك تكون أكثر ولادات ظباء المها بين شهري ديسمبر وأبريل من العام، وهذا الحيوان بالفعل كان قد انقرض في شبه الجزيرة العربية.

ولم يكن من الصعب اكتشاف ضرورة إضافة شهر التقويم، فقد كان يجب إضافته بمجرد ملاحظة أن بدأ تفتح الأزهار قد تأخر شهرا قمريا ليأتي في ربيع الثاني بدلا من ربيع الأول أو ملاحظة أن حبوب القمح والشعير قد تأخر جمادها وبالتالي حصادها ليأتي في جمادى الثاني بدلا من جمادى الأولى، فالغرض من إضافة شهر التقويم معالجة انزياح الأشهر القمرية عن مواضعها الفصلية بمقدار شهر قمري كامل، وكما سبق القول أن هذا الانزياح يصل إلى شهر كامل كل 32 شهر قمري، وبذلك تعود الأشهر القمرية التي انحرفت عن مواسمها الفصلية بمقدار شهر قمري كامل إلى أماكنها الفصلية الصحيحة.
ولا علاقة للتقويم بالنسيء المحرم، فالنسيء المحرم هو تأخير بدء الأشهر الحرم عن ميعاده المعلوم لأغراض دنيوية ومنها استمرار القتال أو الرغبة في الصيد الجائر.
وباتباع التقويم الحقيقي الذي يمكن أن يُقال بأنه تقويم ستعود الأشهر القمرية إلى مواسمها الطبيعية وهكذا دواليك، إلى نهاية الدورة الشمس قمرية التي تنتهي دوما بنهاية السنة التاسعة عشر من عملية العد الحسابية
ولقد أكد القرءان على أن الشمس والقمر لازمين للعلم بعدد السنين والحساب.
وكما أكدنا أن التقويم لا يتنافى مع كون الأهلة مواقيت للناس ولا مع كون الصيام يجب لرؤية هلال رمضان، فالشهر القمري هو هو في الحالتين، وهو الفترة الزمنية التي تبدأ بظهور القمر هلالاً في الأفق الغربي بعد الغروب مباشرة، ليختفي في اليوم التاسع والعشرين ليظهر بعدها معلنا بدء شهر قمري جديد، أما منازل القمر فهي مواضعه في الأبراج بانتقاله وازدياد حجمه إلى أن يصبح بدرا في اليوم الرابع عشر والذي من بعده يبدأ في التضاؤل التدريجي ليصبح شكله كالعرجون القديم كما ورد في القرءان الكريم.
ولم يرد في القرءان أبداً أن الله تعالى يريد بالناس العسر ولا اختبار قدرتهم على تحمل الصيام في حر الصيف، بل إن آيات كتابة الصيام على المسلمين نصت نصا صريحا على أن الله تعالى يريد بهم اليسر!
=======
إن الطريقة المقدمة في بحثنا هي طريقة سهلة ودقيقة ومنطقية، وهي تغني عن الغوص في التراث بكافة صوره وعن مراجعة التواريخ القديمة وعن الحسابات الفلكية المعقدة، فهي الطريقة التي كان من الممكن لأناس كانوا يعيشون بمعزل عن الحضارات المعقدة أن يطبقوها بسهولة ويسر! وبالطبع لا يمكن لعربي أو أعرابي أن يتبع طريقة ناسا في الحساب!
وبالنسبة للمسلم الذي يريد أن يعرف متى بالضبط يصوم رمضان، فهلال رمضان هو الهلال الذي يأتي في شهر سبتمبر، وبالتالي يمكنه أن يعرف ليلة القدر الحقيقية!
ومع ذلك فالمسلم الذي يعيش في دولة محسوبة على الإسلام لا يجوز له أن يخالف الجماعة، يجب الصيام مع الناس، فوحدة الأمة ركن ديني ملزم، وأكثر الناس كما يقول القرءان الكريم لا يعلمون ولا يفقهون ولا يسمعون ولا يؤمنون ولا يتبعون إلا الظن وهم للحق كارهون، ويجب التعايش مع هذه الحقيقة، فلا يجوز التسبب في فتن جديدة، وكفى ما هو موجود منها! أما المسلمون الذين يعيشون فرادى أو في دول قريبة من الدائرة القطبية فيمكنهم العمل بالتوقيت السليم، وهو في غاية السهولة، رمضان هو الشهر العربي الذي يأتي هلاله في سبتمبر!
والصفوة من المسلمين قد سجلوا على مدى التاريخ أنهم كانوا يرون ليلة القدر في غير رمضان الرسمي! ولقد قالوا إنه يبدو أنه توجد ليلتان للقدر، وهذا ما لاحظوه وعاينوه، وها نحن نقدم تفسير ما رأوه، هناك ليلة القدر الحقيقية، وهي تأتي طبقا للتقويم السليم، وهناك ليلة تأتي في رمضان إكراما من الله تعالى للمخلصين من هذه الأمة! فشأن هذه الأمة عند الله الرحمن الرحيم عظيم، وهو لا يخيب رجاءها فيه.
نحن دورنا هو تحديد التقويم السليم، وكيف كان يتم التصحيح، وقد تمخض عن ذلك وجوب أن تكون بداية رمضان الحقيقي هي ميلاد الهلال في الشهر الميلادي التاسع، أما حساب وقت ميلاد هذا الهلال، فهو أمر علمي محض يقوم به علماء الفلك!
*******

ردود على بعض الاستفسارات:
-             بل قل أين تجد أن التقويم يجب أن يكون قمريا فقط رغم أنف أسماء الشهور؟
-             قد حدث الخلل في حساب التقويم في زمن الفتنة الأولى والتي انتهت باستيلاء أهل البغي على السلطة، أو في زمن الفتنة الثانية عندما استولى مروان بن الحكم على السلطة.
-             يُلاحظ أن حرب السادس من أكتوبر أو العاشر من رمضان حدثت عندما كان الشهر الذي صامه الناس هو شهر رمضان الحقيقي!
-             قلنا إن أكثر الناس لن يتقبلوا ذلك أبدا، وسيظل هناك من يصوم 22 ساعة، ومن يصوم ساعتين فقط!
-             كما قلنا بدايات الأشهر تحددها الأهلة كما تقول الآية، وبالتالي يتحدد رمضان وأشهر الحج بالأهلة.
-             لا توجد أية مفاجآت في التعليقات، فعندما يفاجأ الناس بحقيقة جديدة أو بمن ينبههم إلى خطأ شائع ألفوا عليه أسلافهم ستكون ردود الأفعال هي المقاومة الشديدة والعناد القاتل، وسيقولون كما قال الذين من قبلهم: أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ؟ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا!
-             كما ذكرنا في التعليقات: إن أكثر الناس لن يتقبلوا ذلك أبدا، وسيظل هناك من يصوم 22 ساعة، ومن يصوم ساعتين فقط! والقصص القرءاني يؤكد على أن أكثر الناس كانوا يفضلون الهلاك غرقا أو بريح صرصر عاتية أو بالصيحة على أن يرجعوا إلى الحق وعلى أن أكثر الناس لا يعقلون ولا يفقهون ولا يؤمنون ولا يشكرون وأن أكثرهم للحق كارهون.
-             من المنطقي جدا أن ينطبق شهر ربيع الأول مع شهر مارس المشهور بأنه شهر الربيع عند وضع التقويم لأول مرة وأن يستمر مرتبطا به بطريقة ما، وهذا ما تحققه حساباتنا: التواريخ الميلادية لبداية شهر ربيع الأول لعدة سنوات:13/3/2013، (يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي بعد شعبان فلا يتأثر به ربيع1)3/3/2014، هنا يظهر أثر إضافة الشهر: 22/3/2015، 11/3/2016، (يتعين إضافة شهر التقويم قبل رمضان التالي وبعد ربيع2 فلا تتأثر بدايته به 28/2/2017،18/3/2018 (ظهر هنا تأثير إضافة الشهر على شهري الربيع)،8/3/2019، يتعين إضافة شهر التقويم بعد ذي الحجة التالي وقبل رمضان التالي لذلك يظهر التأثير على بداية ربيع1؛ 26/3/2020.
-             وبذلك أيضاً يظل ربيع 2 في قلب الربيع المناخي في الجزيرة العربية ولا يقع أي يوم من أيامه في يونيو ذي الحرارة الشديدة هناك!
-             في الحقيقة لم تنزل بداية ربيع1 عن 28 فبراير في كل حساباتنا، بل إن التحسب من نزولٍ أكثر من هذا يعني وجوب إضافة شهر التقويم، وما هو الدليل على أن "شهر (صفر) يدل على الرقم (صفر) أي على الاعتدال الربيعي"؟ أما عن حسابات المؤرخين بخصوص يوم المولد بالتاريخ الميلادي فهي مشكوك فيها، بل إنها مبنية على اعتبار أن التقويم كان دائماً قمريا بحتا، وهذا خطأ فادح، ولو كانت بداية رمضان تتراوح بين أواخر سبتمبر وشهر أكتوبر لأتى أكثر ربيع2 في شهر يونيو سنتين كل ثلاث سنوات، وشهر يونيو في جزيرة العرب حره قائظ، ولا علاقة له بأي ربيع، هذا مع العلم بأن إضافة شهر التقويم كان معمولا به طوال العصر النبوي، ولم يختل إلا بعد الفتنة الكبرى.
-             شهر رجب حسب ما هو مقدم هنا كان يأتي في الصيف، وربما من أجل ذلك اعتبر شهرا محرما منفصلا، ولكن الأشهر الحرم الحقيقية يجب أن تكون متصلة.
-             وظيفة التقويم حفظ التوازي بين الفصول الطبيعية والأشهر، وهذا متحقق في كل التقاويم القمرية بإجراء التصحيح أو التقويم اللازم مثلما يفعل اليهود في تقويمهم العبري!!!
-             بتضييع التقويم اختفى مغزى الحج الحقيقي ورحلتا الشتاء والصيف واختفى مبرر تحريم الصيد وتغليظ العقوبة عليه.
-             لماذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) المائدة؟؟!
*******
للأسف لم نجد أي كلام علمي يصلح لمناقشته في الردود على المنشور، وإنما وجدنا حشدا لكلام لا يتعارض مع ما هو منشور أو لا علاقة له به، كما وجدنا كما هو متوقع تشكيكا في إيمان من اجتهد للناس وجاءهم بما هو على يقين أنه الحق، وبالطبع فهؤلاء لن يفلتوا من عقاب الله تعالى، ولا قيمة لكلامهم، وكلامنا ليس موجها إليهم.
ونرجو من المتابعين الجادين الذين ينشدون معرفة الحقيقة بإخلاص أن يقرؤوا جيدا ما يلي: ونحن لا نحبذ أن يخرج أحد على إجماع الأمة في التنفيذ، بل نطلب أن يتم اتخاذ كل ما يلزم لفحص وتمحيص ما قلناه، والذي نحن والحمد لله تعالى على بينة منه.
وكنا نود أن نسمع سؤالا عن بداية حدوث الانحراف عن التقويم الصحيح الذي كان مستعملا، فذلك حدث أثناء الفتنة الكبرى وغياب السلطة المركزية واختفاء مجموعة العادين الذين كانوا يتولون إجراء التقويم اللازم!
وحقيقة أن التقويم العربي كان موازيا للتقويم العبري (الشمسي القمري) حقيقة راسخة ودليل قاطع وتصدقها المرويات الثابتة والخاصة باحتفال اليهود بعيدهم المقابل ليوم عاشوراء وأمر الرسول للمسلمين بصيامه ثم عزمه على صيام تاسوعاء في العام التالي، فلو كان عاشوراء ينزلق بحكم اختلاف التقويمين لما كانت هناك حاجة لصيام تاسوعاء تأكيدا للاختلاف مع اليهود! فالعزم على صيام تاسوعاء تأكيد على أن عاشوراء سينطبق على عيد اليهود في العام التالي لتوازي التقويمين! وقد يشكك بعضهم في موضوع عاشوراء ويقول إن المروية موضوعة أو محرفة، ولكنه لا يستطيع التشكيك في أن من وضع المروية أو حرفها أخذ في اعتباره حقيقة توازي التقويمين، وإلا لوجد من يفند كلامه من هذه الحيثية!!!
-        لم يفرض مروان شيئا، يكفي –أثناء الفتنة الطويلة- اختفاء السلطة المركزية التي كانت مسئولة عن إجراء التصحيح ومجموعة العادين المشار إليهم في القرءان الكريم، ولم يكن الأمويون معنيين أبداً بأمور الدين، فمن بنوا قبة على صخرة لتكون بديلا عن الكعبة ومن هدموا الكعبة مرتين لن يهمهم أمر تصحيح التقويم.
-        عملية ضبط التقويم كانت مهمة مقدسة يُعهد بها إلى مجلس الكهنة، وكان ذلك منوطاً بطائفة العادين، ولابد من سلطة مركزية موحدة لضبط كل ذلك وإلزام الناس به، ولذلك كان من الطبيعي بعد اندثار هذه الطائفة وتمزق الأمة وانخراطها في صراع دموي مهلك واختفاء السلطة المركزية لفترتين طويلتين أن يندثر التقويم.
-        ترتب على التقويم المختل (أو اللاتقويم) انهيار الحياة البيئية التي كانت مستقرة في العهد الجاهلي، فاندثرت رحلتا الشتاء والصيف المذكورتين في القرءان، وشاع الصيد الجائر في الأشهر التي يحرم فيها الصيد، وكان التحريم لإتاحة الفرصة للحيوانات والطيور لتتكاثر، وأصبحت بلاد العرب صحراء جرداء، وأصبح سكان الحجاز يعيشون على معونات المحسنين من العواصم الإسلامية الكبرى، ثم اشتغل الأعراب بالسطو على الحجيج ونهب قوافلهم أو هاجروا إلى البلاد الأخرى مثل هجرة بني هلال إلى مصر ومنها إلى تونس حيث قضوا على الأخضر واليابس!
-        التقويم كان قبل البعثة النبوية وكان قبل فرض العبادات، لذلك فلا مجال للقول بأن التقويم العربي يسمح لرمضان بالدوران في الفصول كلها!!!!!!
-        أما من يقول إن هذا التقويم يسمح للصلاة بألا تنقطع في أي وقت على الكرة الأرضية فهو ربما لا يدري أن تحديد مواقيت الصلاة يعتمد على الدورة الشمسية وليس القمرية!!!!!!!!!!!!!!!!!!؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!
-        طبقا للتقويم السليم يجب أن يحدث تطابق بين شهري الربيع وفصل الربيع، وكذلك يجب أن يأتي رمضان في الخريف (في نصف الكرة الشمالي) فيكون عدد ساعات الصوم حوالي 12 ساعة تقريبا.
-        بعضهم يرفض التقويم بحجة أن صيام رمضان يجب أن يدور مع كل الفصول بمعنى أنه يجب أن يأتي في البرد القارس والحر القائظ!!! هذا مع أن التقويم العربي كان مستعملا في الجاهلية وقبل كتابة الصيام في رمضان على المسلمين!
-        الأدلة المقدمة في هذا البحث صراحة أو ضمنا هي أقوى أدلة يمكن أن يستند إليها أمر كهذا، وهي لا تقل في القوة إن لم تتفوق على أدلة أكثر الأمور الدينية الأخرى، إنها أدلة من القرءان الكريم وكليات الدين ومقاصده وسماته والمنطق والعقل والتاريخ البشري وأسماء الأشهر وعادات العرب وظروف المناخ ومجرد اسم التقويم ومعناه كأمر اخترعه الإنسان ليتمكن من ضبط أموره الحياتية!
-        أما اللاتقويم المتبع الآن فكل ما سبق يقوضه ويكشفه ويجتثه من جذوره ولا يترك له أدنى حجية، وليس عليه من دليل إلا أن الناس ألفوا عليه آباءهم!!

=======
ماذا يمكن أن يفعل المسلم بخصوص التقويم وما يترتب عليه من أمور مثل تحديد شهر رمضان وأشهر الحج؟
إلى أن يتم تصحيح التقويم فلا حرج من الالتزام بما عليه الناس: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا، لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا، مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، ومراعاة وحدة الأمة هي على درجة عالية من الأهمية، فركن وحدة الأمة هو أول الأركان الملزمة لجماعة المسلمين، أما المسلم الذي يعيش منفردا في بلد بعيد مثلا وكان على علم بذلك الأمر فعليه أن يلتزم بما هو حق.
فالمسلم الذي يعيش في دولة محسوبة على الإسلام لا يجوز له أن يخالف الجماعة، يجب الصيام مع الناس، فوحدة الأمة ركن ديني ملزم، وأكثر الناس كما يقول القرءان الكريم لا يعلمون ولا يفقهون ولا يسمعون ولا يؤمنون ولا يتبعون إلا الظن وهم للحق كارهون، ويجب التعايش مع هذه الحقيقة، فلا يجوز التسبب في فتن جديدة، وكفى ما هو موجود منها! أما المسلمون الذين يعيشون فرادى أو في دول قريبة من الدائرة القطبية فيمكنهم العمل بالتوقيت السليم، وهو في غاية السهولة، رمضان هو الشهر العربي الذي يأتي هلاله في سبتمبر!


*******