الجمعة، 14 سبتمبر 2012

بداية الافطار في الصيام

لقد تحددت بداية الصيام بدقة لا سبيل للاختلاف عليها ولا مساغ للاجتهاد فيها بالخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، أي من أول ضوء يشق عتمة الليل معلناً بداية الفجر. وأما نهاية الصيام فبالليل ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) فهل تُرك تحديد بداية الليل ليجتهد فيها المجتهدون وليدلي فيها كل بدلوه فيقول قوم إن الليل يبدأ بغروب الشمس ويقول آخرون بل من بعد غروب الشمس بقليل ويأتي آخرون ليحددو
ا بداية الليل بظهور النجوم وسبحان الله جل من قائل ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ).

( آيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) هذا هو تعريف الليل من النهار وتعريف النهار من الليل في آيتين بينتين لمن لا يعرف الفارق بين الليل والنهار، فالنهار ينسلخ من الليل شيئاً فشيئاً كما تسلخ الشاة شيئاً فشيئاً حتى إذا ما انسلخ النهار تماماً بداً الليل بالظلام.
( فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ) وإذا في هذه الآية الكريمة هي إذا الفُجَاءَة التي تفيد حدوث ما بعدها فوراً وفي الحال بمعنى أنه فور انسلاخ النهار تظلم الدنيا معلنة بداية الليل ولا يبدأ الليل إلا بانسلاخ النهار تماماً لأن الشيء لا ينسلخ عن الشيء إلا بانتزاعه تماماً وذلك بغياب آخر ضوء من ضياء الشمس ويستمر الليل ما استمر الظلام حتى إذا انطلق أول خيط أبيض يشق العتمة من المشرق بدأ الناس يبصرون وأول شيء يبصرونه هو هذا الخيط الأبيض الذي لا يلبث حتى يملأ الدنيا ضياء.

وهكذا فإن الفرق بين الليل والنهار بحسب هاتين الآيتين الكريمتين هو الفرق بين الظلام الكامل الذي يبدأ به الليل بحسب الآية الأولى أي في اللحظة التي ينسلخ فيها النهار بضيائه انسلاخاً تاماً وبين الإبصار مرة أخرى بانطلاق أول ضوء يشق هذا الظلام بحسب الآية الثانية ويمر الليل والنهار عبر مراحل متعددة تتحدد جميعها بحركة الشمس إن جاز هذا التعبير ابتداء من الفجر وهو كما أسلفنا محدد بما لا اختلاف عليه بالخيط الأبيض من الخيط الأسود ثم بمشرق الشمس ثم بغروب الشمس ثم لا يبرح الشفق الأحمر مغرب الأرض إلا بعد انقضاء فترة تعادل الفترة ما بين الفجر والشروق.



هذه الليلة هي ليلة القدر ( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ). فكلمة ( حتى ) في هذه الآية الكريمة تفيد نهاية ما قبلها بظهور ما بعدها. وتدل هذه الآية الكريمة على أن الليل ينتهي بمطلع الفجر أي بظهور أول ضوء من ضياء الشمس، وبالتالي فإن الليل لا يبدأ إلا باختفاء آخر ضوء من ضيائها وهو ما لا يتحقق إلا بغياب الشفق الأحمر تماماً.



وحديث آخر عن فلك الليل والنهار وما يفصل بينهما تحدده مسيرة نبي الله لوط عليه السلام بأهله بعد أن أمر الله بتدمير قريته الظالم أهلها ( قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ )

ويقول الله تعالى في موضع أخر من كتابه المجيد ) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ ) نبي الله لوط عليه السلام كذبه قومه فأرسل ربه رسلاً إليه ليحددوا له خطة مسيرته لينجو هو وأهله إلا امرأته من عذاب واقع بهم، وتحددت الخطة بأن يخرج بأهله ( بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ) أي أن المسيرة تبدأ ليلاً، وتنتهي مسيرة النجاة بعد الفجر بقليل وعندها يكونون قد ابتعدوا عن القرية التي كانت تعمل السيئات ( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) والصبح هو الاسم الأخر للفجر وإذا كان الفجر بضيائه الأبيض يختلف عن الليل ولا يعتبر من الليل في شيء فترتيباً على ذلك يجب القول بأن الشفق بضيائه الحمراء يختلف عن الليل ولا يمكن اعتباره جزءاً منه في أدنى شيء.

وبدلالة الآيات البينات جميعها فإن الليل لا يبدأ إلا بغياب آخر ما ينتشر في المغرب من الشفق الأحمر، فإذا انسلخ الشفق الأحمر من الأفق الغربي تماماً وأقبل الليل أفطر الصائم وحل له الطعام والشراب والرفث حتى يتبين له أول ضوء أبيض في الأفق الشرقي بمطلع الفجر ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْل ِ).

وسبحان الله تبارك وتعالى يصوغ آياته وقد سبق علمه بشؤون خلقه سبحانه عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو له غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فقال وقوله الحق ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) فالله تعالى يعلم أن عباده سيختلفون في الليل ويستشكل عليهم تمييزه من النهار رغم وضوحه في القرآن وتفسيره في آياته وبيانه بياناً دقيقاً وافياً كافياً شافياً فقال ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) وكان يكفي لولا علمه تعالى بالغيب وبما نختلف عليه الآن في هذا الشأن أن يقول ثم صوموا إلى الليل، فإذا كنا نؤمن بأنه ليس هنالك حرف واحد زائد في القرآن تماماً كما نؤمن بأنه ليس هنالك حرف واحد ناقص منه لأدركنا الحكمة البالغة من قوله تعالى ( ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ) وفيه الدليل القاطع والآية الكبرى على علمه تبارك وتعالى بالغيب.

ولو أراد الله أن يفطر الصائم في المغرب لكان نص عليه صراحة كما نص عليه في غير قليل من الآيات ( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ) ولو أراد الله أن يفطر الصائم والشفق الأحمر ما يزال منتشراً في الأفق الغربي من بعد غروب الشمس بقليل أو بكثير لكان نص عليه كما في قوله تعالى ( فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ ) بل إن هذه الآية الكريمة لتدل دلالة أخرى وتقيم البينة القاطعة على أن الشفق شيء والليل شيء آخر، فهذان قسمان بآيتين مختلفتين آية الشفق وآية الليل ولو كان الشفق هو الليل والليل هو الشفق لكان القسم واحداً. ولو أراد الله أن يفطر الصائم عند مطلع النجوم من بعد غروب الشمس والشفق الأحمر ما يزال منتشراً في الأفق الغربي وقبل أن يتم انسلاخ النهار تماماً لكان نص عليه صراحة كما في قوله تعالى ( وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ ).



أخيرا فتلك الروايات التي جاءت بالإفطار عند الغروب فهي كلها مفترية ولا تغنى من الحق شيئا وكل تشريع خارج عن القران فهو من تشريع العباد، أولا يعلمون أن القرآن يغنى عن كل شيء أو ليس الله بكاف عباده بما أنزل من الذكر.

ألا إن الذكر الحكيم ليغني عن كل ذكر وحديث، ألا وإنه كاف عباد الله جميعاً الآن وفيما سلف وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ليس في قضية كقضية الليل والنهار بل في كل شأن يعنيهم من شؤونهم في الدنيا وفي الآخرة وفيما قبل ذلك وفي غير شؤونهم مما يزخر به ملكوت السماوات والأرض ومما خلق من شيء وعلم سبحانه وتعالى، أنه يتوجب علينا العلم به بحسب عقولنا التي خلقها تبارك وتعالى بعلمه ومشيئته ( وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُواْ لَوْلاَ اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق