في الختام أود أن أؤكد أن الحضارة النوبية رغم ثرائها وعظمتها وعلاقتها بحضارات عتيقة ، إلا أن ما نجهله عنها أكثر وأعظم 0 فالحضارة في مفهومها الواسع تعني جميع القيم والأيدلوجيات والأفكار التي تنبثق عنها التقاليد والنظم والأعراف، وبإيجاز هو كل ما يرتبط بحركة المجتمع ونشاطه0 فاللغة دائماَ هي وسيلة الاتصال الرئيسة في هذه الحركة ، والنوبيون بلغتهم كان لهم دور ما في هذا التفاعل مما أدى إلى ظهور ذلك الأثر جلياَ في علاقة مفردات اللغة بأسماء الأعلام والأنبياء عليهم السلام ، ومع تكرار الملاحظات وازدياد الأدلة تكونت فكرة البحث ، فقد كانت في عام 1998 في اليمن حيث كنت أعمل هناك في مجال التربية والتعليم ، عندما بدأت بإعداد قاموس عن اللغة النوبية ، وبالفعل بدأت بجمع الكلمات الأساسية ومعانيها في ثلاثة قوائم : نوبية-إنجليزية- عربية0وبعد أن جمعت من المفردات عدداَ لا بأس به لاحظت أن هنالك تشابهاَ بينا لألفاظ النوبية و أسماء الأعلام و الأنبياء عليهم السلام وعلاقة ما في المعنى أيضاَ0زادت العلاقة والتشابه طردياَ مع زيادة عدد الكلمات، وعندها أجلت أمر القاموس وبدأت أبحث في علاقة هذه اللغة وأسماء الأنبياء عليهم السلام والأعلام0 كان كثير من الأخوان يساندونني في الفكرة ، فكنت أناقش ما أكتبه أولاَ بأول في جلسات مع الأخوة السودانيين ، فجلسات اليمن لها طعم خاص فلا توجد جلسة دون أن يكون فيها موضوع محدد للنقاش ، فكل من حضر جلسة مفيد أو مستفيد، فكانت هنالك جلسات خاصة بالسودانيين في بيوت الأخوة/سعيد علي سعيد، مصطفى صديق، حسن مصطفى(حسن خولاني) ، محمد عبد الحميد الحلفاوي0 فكان لكل جلسة موضوع معين يطرح في بداية الجلسة ثم يناقش بجميع جوانبه بصورة منتظمة برئيس جلسة و بتوزيع عادل للفرص ، يستمر النقاش أحياناً إلى الساعات الأولى من الفجر0 من ضمن المواضيع التي طرحت كان بحثي ( اللغة النوبية والحضارات القديمة) وقد خصص له جلسة في منزل الأخ سعيد علي سعيد فكان تشجيع الأخوة حافزاَ قوياَ لي بالمواصلة في البحث ، ولا أنس توجيهات الأستاذ سيد أحمد الحاردلو سفير السودان الأسبق في اليمن والأستاذ محمد أدروب الباحث البجاوي المعروف ، فجزاهم الله خير الجزاء وأمد في عمرهما0
عند عودتي إلى السودان عام 2001 قابلت الدكتور علي عثمان محمد صالح بجامعة الخرطوم ثم الدكتور جعفر ميرغني وعرضت عليه البحث فعقد معي جلستين للنقاش – الأولى في مكتبه بجامعة الخرطوم والثانية في معهد الحضارة ، فكان لتوجيههما الأثر الكبير في ظهور البحث بصورته الحالية0 ولا أنس توجيهات الدكتور /صلاح محي الدين الذي وجهني لإختيار ما هو مناسب من المراجع 0
رغم الصحوة العالمية التي غزت جميع مجالات البحوث والدراسات الحضارية ، إلا أن سؤالاً مازال يلازم فكري: لماذا هذا الإهمال واللا مبالاة من قبل المسئولين للحضارة السودانية ؟؟0 أرى أن الإهتمام الذي تجده الحضارة النوبية من جهات خارجية أعظم وأكبر بكثير مما نبذله نحن في داخل السودان ، هل السبب أننا زاهدون عن تاريخنا وتراثنا ؟ أم أن الأمر لا يعنينا لا من قريب أومن بعيد00 يستحسن بل يجب أن تكون الجهود الخارجية مكملة لما نبذله نحن في الداخل0 ولعل السبب الرئيسي لقيامي بهذا البحث المتواضع هو خشيتي على زوال هذه اللغة ( اللغة النوبية)وزوال الحقائق التاريخية مع زوالها , كما كان خوفي أشد من أن تسود الإفتراضات الوهمية في حقل الدراسات الحضارية كما هو الآن في نمو مضطرد دون رقيب أوحسيب0
هدفي أولاً وأخيراً هو إبراز بعض الجونب التي أراها قاتمة في ميدان البحوث والدراسات 0 فالحضارة الإنسانية هو أصل مشترك تلتقي عندها الشعوب والأمم بمختلف ثقافاتها ومواقعها كما أن الجهود التي تبذل هي جهود مشتركة تأتي ثمارها لخدمة الإنسانية جمعاء0 ومن هذا المنطلق تأتي أهمية عرض الافكار والآراء على أوسع مجال والوصول بها إلى مرافئ الحقيقة بهدف إثراء الجهود المبذولة في حقل الدراسات الحضارية من حيث أن الإنسان وحضارته نبع أساسي مشترك0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق