ومن مآسي ما نحمله سفاحًا من عقائد فقه المفسرين القدامى، تفسيرُهم مما روى البخاري [فتح الباري ج11 ص453]، وروى الإمام مسلم في صحيحه بباب معرفة طريق الرؤية [بالحديث رقم 182] حيث ذُكر الآتي: [... ويُضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرُّسل، ودعوة الرُّسل يومئذ اللهم سلّم سلّم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السعدان قالوا: نعم يا رسول الله قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم ما قدر عظمها إلا الله تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم المؤمن بقي بعمله ومنهم المجازى حتى ينجى...].
إن هذا الحديث يتخذه دعاة العلم منهاجا للدعوة الاحتكارية التي يتمتعون بها، وهم يفسرون قوله تعـالى:
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} مريم71؛
بأن كل الناس سترد جهنم، وتصوروا الورود أنه المرور على ذلك الجسر الذي صنعه خيال بعض السلف، فالجميع سيكون كالبهلوان يوم القيامة....هكذا يصورون الآخرة..
ومن نتاج هذا العبث أن أغلب المسلمين حينما يقولون [اهدنا الصراط المستقيم] يتخيلون ذلك العبور العظيم على جسر جهنم كالبهلوانات وهم يسيرون على الحبل ويخشون الوقوع.
فما الذي يجعلنا ننعت هؤلاء بفقدان سلامة التصور، وننعت الحديث بالفساد، وتفسير المفسرين بالوهم الفقهي؟، إننا لابد أن نجول في سياحة قرءانية ولغوية ونتذوق الأحاديث الواردة ونقارب بينها وبين ذلك الحديث حتى نصل لحقيقة فساد التفسير والحديث في شأن وجود جسر على جهنم تمر عليه البشرية جمعاء.
إن افتراض المفسرين في تفسيرهم لآية سورة مريم السابق ذكرها بأن كل الناس بما فيهم الأنبياء سيردون على النار، أمر فيه مجازفة وسخف وقلّة علم، وسبب تأليف وتزوير الحديث على رسول الله في هذا الشأن هو قلبهم لمعنى كلمة [واردها ] فتلك الكلمة تعني [داخلها أو انتهى إليها] ولا تعني [المرور على النار] كما قال بذلك أهل ترقيع التفسير بفقه مدسوسات الحديث المدسوس على رسول الله والوارد بالبخاري ومسلم، بل أكاد أجزم بأن الحديث تم دسه بالصحيحين.
ولكي نعرف معنى الآية فلابد أن نعرف كل ما ورد بكتاب الله عن ذات الأمر، وكما نعلم فإن كتاب الله غير متناقض، وذلك حتى نعلم ما هو المقصود بتعبير [وإن منكم] هل منا نحن أم من الناس جميعًا أم من فئة مخصوصة بعينها، حتى لا يصير تفسير القـرءان على هوى من زوروا الأحاديث أو من قالوا عنها انها صحيحة، ولابد لنعلم حقيقة موضوعٍ ما، وليكن موضوع المصير بالآخرة، فلابد أن نتدارس جميع ما ورد بكتاب الله عن هذا الأمر، ولا نُفَسِّر القرءان بالقطعة، فينشأ عن تفسيرنا تناقض لا نقصده.
فأصل ما أختلف مع أولئك الدعاة فيه هو تفسيرهم لقوله تعالى بسورة مريم:
{وَيقول الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً{66} أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شيئاً{67} فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً{68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ آيةمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً{69} ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً{70} وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً{72}.
فهم يتصورون بأن قوله تعالى: [وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا]، يعني كل مؤمن وكافر، وهذا سَخَف، لأن القرءان يعني الفئة الضالة من شياطين الإنس والجن، الوارد ذكرهم قبل ذلك التعبير القرءاني، والذين كانوا يكذبون بالبعث والحشر واليوم الآخر،
أما ما يأتي بعدها من قوله تعالى: [ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا]، فلا يعني بحال أن المتقين كانوا عند النار، وإلا فإن ذلك يعني أن المتقين سيمكثون عند النار حتى مجازاة كل أهل الكفر في جهنم، ثم بعدها يدخلون هم الجنة.
وتدبر معي قول الله - تعالى - بسورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}.
• فهل الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر.
• ولا يسمعون حسيس النار.
• وهم عنها مبعدون.
فهل هؤلاء سيردون [أي يدخلون] أو حتى يمرون على النار؟!، في زعم من قال بأن الورود يعني المرور، فما معنى [مبعدون]؟، أيعني أنه سيتم إبعادهم، أم أنهم مبعدون بالأصل؟، آيما الأوفق في ذهن من يتشدقون بأنهم أساطين اللغة العربية؟، ألا يعني قوله تعالى: [أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ]، بأنهم في مكان ليس به جهنم، لأنه سبق القرار بإبعادهم فهم مُبعدون بالأصل.
وما معنى [لا يسمعون حسيسها] عند من قال بضرورة الورود على النار، وهل سيردون على النار وهم لا يسمعون حسيسها فقط، لا بل إن الله يقول: [وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون]، فهل يعني ذلك أنهم لا يسمعون حسيسها وهم يمرون عليها، ثم يدخلون الجنة بعد أن يردوا على النار، فأي تقسيم سخيف يتصوّره أصحاب تلك المعتقدات.
وتتبع معي أحداث الآخرة، أيكون الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم قبل الميزان وقبل قراءة الكتب وقبل مجادلة كل نفس عن نفسها أم بعدها، فإذا كان قبلها وستأخذ الكلاليب الموجودة على جانبيه الناس فتغمسهم في النار على قدر أعمالهم، فلو كان الأمر كذلك فلا داعي لميزان ولا قراءة كتب.
نخلص من ذلك بأن أمر الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم يكون بعد الميزان وقراءة الكتب ومجادلة كل نفس عن نفسها.
وهنا يجب أن تتدبر ما ورد بسورة الحاقة حيث يقول تعالى:
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيقول هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24}.
يعني ذلك أن الإنسان بمجرد أن تسلّم كتابه بيمينه وقرأ ما فيه يكون في عيشة راضية، سواء دخل الجنة أم لم يدخلها، مما يستحيل معه أن يرد النـار بعدها، أو أن تقول الرسل اللهم سلم كما ورد بالحديث المُزَوّر على الإسلام والوارد زورا بالبخاري ومسلم، هذا فضلاً عن أنه يُبعث يوم القيامة من الآمنين، بل إن الحديث المزعوم يرى أن النبي r سيرد أيضا على جهنم، فكيف يكون ذلك طالما أن الله سيدخله والرسل الجنـة حتما، لا أرى سـببا إلا مرض يسمى [هذا ما ألفينا عليه آباءنا].
وتدبر أيضا ما جاء عن هذه الفئة الراضية المرضية منذ أن توفاها الله حال حياتها وقال تعالى بسورة الفجر: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}،
1. فهل يرجعون راضين مرضيين، وهم أصلا مطمئنون ليردوا بعد ذلك على جهنم، فما فلسفة ذلك الورود، إلا خراب المنطق بسوء فهم كتاب الله؟.
2. فهل النفس المطمئنة الراضية المرضية التي سبق لها من الله الحسنى، سترتعد فرائصها على ذلك الجسر المزعوم وتقول اللهم سلم اللهم سلم، ........فأين الطمأنينة إذاً،
3. وأين الحسنى التي سبقت البعث والحساب،
4. وأين البُشرى التي يُبشّر الله بها عباده الصالحين، طالما أن الجميع سترتعد فرائصهم على ذلك الجسر اللعين ويتمنى أن ينجيه الله، والأنبياء يدعون اللهم سلّم،
5. وما فائدة الميزان بين صالح وطالح،
6. وأين فرحة من أوتي كتابه بيمينه طالما سيستذل على الصراط ويتشكك ويخاف وقوعه أو عدم وقوعه في جهنم.
ولا يفوتنك ما أورده الله تعالى مما يؤكد خصيصة اقتياد الكافرين فقط إلى جهنم، دون سواهم، حيث يقول تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} الزمر71؛
فالسوق إلى جهنم يكون للكافرين فقط، والكافرون هنا ليسوا من لم يؤمنوا فقط، لكن أيضا كل من خالف شريعته لدرجة زيادة سيئاته على حسناته.
فأين يقع التلمظ الفقهي بآية [وإن منكم إلا واردها] بأنها تعني كل الناس بمن فيهم المؤمنون، ما أرى ذلك إلا الخطأ بعينه في فهم كتاب الله وإخضاعه لمرويات ما أنزل الله بها من سلطان، بل تخالف كتاب الله في صراحة بالغة.
إن المتقين لا يشعرون بجهنم ولا اقترابها ولا يسمعون حسيسها، لأنهم عنها مُبعدون، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون، بل ويرتقون من حسن إلى أحسن، فبذلك يستقيم معنى كل الآيات ولا يتضارب ثم يحتاج لتبرير المبررين وتأويل المتأولين ليرفعوا الحرج عن النص القرءاني الذي جهل الفقهاء عليه دون دراية منهم.
يعني الأمر بأن أهـل النـار سيدخلون النـار قبل أن يدخل أهل الجنة للجنة، ومن يصاحب القرءان في الدنيا يعلم تلك الخصيصة عن مصير الكافرين والمجرمين والفاسقين، فبالغالب الأعم يذكر القرءان مصيرهم أولا ثم يذكر مصير الصالحين، فهل بمنطق من يقول بأن الجميع سيرد إلى النار سينتظر المؤمنين دخول الكافرين جميعًا إلى جهنم ثم ينجي الله المؤمنين، لأن كلمة [ ثم ] تعني بعد ذلك، فيكون وفق فهم أولئك الذين ابتدعوا خرافة جسـر جهنـم أننا سنشاهد عذاب المعذبين، رغم أن في ذلك عذاب لنا.
ومن أراد أن يستوثق عن شأن أولوية دخول النار للمجرمين ثم دخول أهل الجنة بعد ذلك، فليتدبر أواخر سورة الزمر، والآية الأخيرة من سورة الأحزاب، والآيات من 19-23 من سورة الحج، والآيات من 98-103 من سورة الأنبياء، والآيات من 104- 108 من سورة الكهف، والآيات من 28-32 من سورة النحل، والآيات من 106-108 سورة هود، ليعلم بأن الله يذكر دوما مصير أهل جهنم ثم يتبعها بذكر مصير أهل الإيمان، وبالبناء على ذلك يكون المفهوم الفقهي لمعنى [ثم ننجي الذين اتقوا] لا يكون أبدا ذلك التخيل المخبول عن مرور الناس على صراط على جهنم لتتم نجاة من كتبت له النجاة وتردي من يلزم معاقبته.
وأكتفي بهذا القدر ليعلم من يريد التدبر أن قوله - تعالى - وإن منكم إلا واردها كانت عن الكافرين من شياطين الإنس والجن، ودخولهم النار أولا، ثم وهذه الكلمة [ثم] تقال حين يكون هناك تراخ، ثم يُنجِّي الله الذين آمنوا والذين هم مستبشرون، بنعمة من الله وفضل لا يَمَسُّهُم السوء، بالصورة التي لا تناقض فيها بين النص القرءاني وبعضه، مع استمرار خلود الكافرين بالنار.
وإنه لا يحق لنا كي نحافظ ونحتفظ برؤية من رأى بأن قوله تعالى [وإن منكم إلا واردها] بأنها تشمل كل الناس الصالحين والطالحين، أن ننقب جدار المنطق ونخالف كل الآيات الأخرى الواردة عن عدم خوف المؤمنين وعدم حزنهم وبعدهم عن النار وعدم سماعهم حسيسها وعدم دخول النار من أعلى وتخصيص الحشر حول جهنم للكافرين والفاسقين، لننتهي بصواب فكرة وحيدة لمن قال بورود الجميع على جهنم، ثم ندور ونبحث عن تعليلات وتبريرات لنوائم بين أمر ورود المؤمنين المزعوم على جهنم وبين أنهم عنها مبعدون.
كنت أرجو أن أكون وسط العقلاء، لكني وجدت نفسي بين أمة تدعي الإسلام وهي على نهج إبليس
إن هذا الحديث يتخذه دعاة العلم منهاجا للدعوة الاحتكارية التي يتمتعون بها، وهم يفسرون قوله تعـالى:
{وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً} مريم71؛
بأن كل الناس سترد جهنم، وتصوروا الورود أنه المرور على ذلك الجسر الذي صنعه خيال بعض السلف، فالجميع سيكون كالبهلوان يوم القيامة....هكذا يصورون الآخرة..
ومن نتاج هذا العبث أن أغلب المسلمين حينما يقولون [اهدنا الصراط المستقيم] يتخيلون ذلك العبور العظيم على جسر جهنم كالبهلوانات وهم يسيرون على الحبل ويخشون الوقوع.
فما الذي يجعلنا ننعت هؤلاء بفقدان سلامة التصور، وننعت الحديث بالفساد، وتفسير المفسرين بالوهم الفقهي؟، إننا لابد أن نجول في سياحة قرءانية ولغوية ونتذوق الأحاديث الواردة ونقارب بينها وبين ذلك الحديث حتى نصل لحقيقة فساد التفسير والحديث في شأن وجود جسر على جهنم تمر عليه البشرية جمعاء.
إن افتراض المفسرين في تفسيرهم لآية سورة مريم السابق ذكرها بأن كل الناس بما فيهم الأنبياء سيردون على النار، أمر فيه مجازفة وسخف وقلّة علم، وسبب تأليف وتزوير الحديث على رسول الله في هذا الشأن هو قلبهم لمعنى كلمة [واردها ] فتلك الكلمة تعني [داخلها أو انتهى إليها] ولا تعني [المرور على النار] كما قال بذلك أهل ترقيع التفسير بفقه مدسوسات الحديث المدسوس على رسول الله والوارد بالبخاري ومسلم، بل أكاد أجزم بأن الحديث تم دسه بالصحيحين.
ولكي نعرف معنى الآية فلابد أن نعرف كل ما ورد بكتاب الله عن ذات الأمر، وكما نعلم فإن كتاب الله غير متناقض، وذلك حتى نعلم ما هو المقصود بتعبير [وإن منكم] هل منا نحن أم من الناس جميعًا أم من فئة مخصوصة بعينها، حتى لا يصير تفسير القـرءان على هوى من زوروا الأحاديث أو من قالوا عنها انها صحيحة، ولابد لنعلم حقيقة موضوعٍ ما، وليكن موضوع المصير بالآخرة، فلابد أن نتدارس جميع ما ورد بكتاب الله عن هذا الأمر، ولا نُفَسِّر القرءان بالقطعة، فينشأ عن تفسيرنا تناقض لا نقصده.
فأصل ما أختلف مع أولئك الدعاة فيه هو تفسيرهم لقوله تعالى بسورة مريم:
{وَيقول الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً{66} أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شيئاً{67} فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً{68} ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ آيةمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً{69} ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيّاً{70} وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً{71} ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً{72}.
فهم يتصورون بأن قوله تعالى: [وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا]، يعني كل مؤمن وكافر، وهذا سَخَف، لأن القرءان يعني الفئة الضالة من شياطين الإنس والجن، الوارد ذكرهم قبل ذلك التعبير القرءاني، والذين كانوا يكذبون بالبعث والحشر واليوم الآخر،
أما ما يأتي بعدها من قوله تعالى: [ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا]، فلا يعني بحال أن المتقين كانوا عند النار، وإلا فإن ذلك يعني أن المتقين سيمكثون عند النار حتى مجازاة كل أهل الكفر في جهنم، ثم بعدها يدخلون هم الجنة.
وتدبر معي قول الله - تعالى - بسورة الأنبياء: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}.
• فهل الذين لا يحزنهم الفزع الأكبر.
• ولا يسمعون حسيس النار.
• وهم عنها مبعدون.
فهل هؤلاء سيردون [أي يدخلون] أو حتى يمرون على النار؟!، في زعم من قال بأن الورود يعني المرور، فما معنى [مبعدون]؟، أيعني أنه سيتم إبعادهم، أم أنهم مبعدون بالأصل؟، آيما الأوفق في ذهن من يتشدقون بأنهم أساطين اللغة العربية؟، ألا يعني قوله تعالى: [أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ]، بأنهم في مكان ليس به جهنم، لأنه سبق القرار بإبعادهم فهم مُبعدون بالأصل.
وما معنى [لا يسمعون حسيسها] عند من قال بضرورة الورود على النار، وهل سيردون على النار وهم لا يسمعون حسيسها فقط، لا بل إن الله يقول: [وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون]، فهل يعني ذلك أنهم لا يسمعون حسيسها وهم يمرون عليها، ثم يدخلون الجنة بعد أن يردوا على النار، فأي تقسيم سخيف يتصوّره أصحاب تلك المعتقدات.
وتتبع معي أحداث الآخرة، أيكون الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم قبل الميزان وقبل قراءة الكتب وقبل مجادلة كل نفس عن نفسها أم بعدها، فإذا كان قبلها وستأخذ الكلاليب الموجودة على جانبيه الناس فتغمسهم في النار على قدر أعمالهم، فلو كان الأمر كذلك فلا داعي لميزان ولا قراءة كتب.
نخلص من ذلك بأن أمر الصراط المزعوم أنه جسر على جهنم يكون بعد الميزان وقراءة الكتب ومجادلة كل نفس عن نفسها.
وهنا يجب أن تتدبر ما ورد بسورة الحاقة حيث يقول تعالى:
{يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيقول هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24}.
يعني ذلك أن الإنسان بمجرد أن تسلّم كتابه بيمينه وقرأ ما فيه يكون في عيشة راضية، سواء دخل الجنة أم لم يدخلها، مما يستحيل معه أن يرد النـار بعدها، أو أن تقول الرسل اللهم سلم كما ورد بالحديث المُزَوّر على الإسلام والوارد زورا بالبخاري ومسلم، هذا فضلاً عن أنه يُبعث يوم القيامة من الآمنين، بل إن الحديث المزعوم يرى أن النبي r سيرد أيضا على جهنم، فكيف يكون ذلك طالما أن الله سيدخله والرسل الجنـة حتما، لا أرى سـببا إلا مرض يسمى [هذا ما ألفينا عليه آباءنا].
وتدبر أيضا ما جاء عن هذه الفئة الراضية المرضية منذ أن توفاها الله حال حياتها وقال تعالى بسورة الفجر: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ{27} ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً{28} فَادْخُلِي فِي عِبَادِي{29} وَادْخُلِي جَنَّتِي{30}،
1. فهل يرجعون راضين مرضيين، وهم أصلا مطمئنون ليردوا بعد ذلك على جهنم، فما فلسفة ذلك الورود، إلا خراب المنطق بسوء فهم كتاب الله؟.
2. فهل النفس المطمئنة الراضية المرضية التي سبق لها من الله الحسنى، سترتعد فرائصها على ذلك الجسر المزعوم وتقول اللهم سلم اللهم سلم، ........فأين الطمأنينة إذاً،
3. وأين الحسنى التي سبقت البعث والحساب،
4. وأين البُشرى التي يُبشّر الله بها عباده الصالحين، طالما أن الجميع سترتعد فرائصهم على ذلك الجسر اللعين ويتمنى أن ينجيه الله، والأنبياء يدعون اللهم سلّم،
5. وما فائدة الميزان بين صالح وطالح،
6. وأين فرحة من أوتي كتابه بيمينه طالما سيستذل على الصراط ويتشكك ويخاف وقوعه أو عدم وقوعه في جهنم.
ولا يفوتنك ما أورده الله تعالى مما يؤكد خصيصة اقتياد الكافرين فقط إلى جهنم، دون سواهم، حيث يقول تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} الزمر71؛
فالسوق إلى جهنم يكون للكافرين فقط، والكافرون هنا ليسوا من لم يؤمنوا فقط، لكن أيضا كل من خالف شريعته لدرجة زيادة سيئاته على حسناته.
فأين يقع التلمظ الفقهي بآية [وإن منكم إلا واردها] بأنها تعني كل الناس بمن فيهم المؤمنون، ما أرى ذلك إلا الخطأ بعينه في فهم كتاب الله وإخضاعه لمرويات ما أنزل الله بها من سلطان، بل تخالف كتاب الله في صراحة بالغة.
إن المتقين لا يشعرون بجهنم ولا اقترابها ولا يسمعون حسيسها، لأنهم عنها مُبعدون، وفيما اشتهت أنفسهم خالدون، بل ويرتقون من حسن إلى أحسن، فبذلك يستقيم معنى كل الآيات ولا يتضارب ثم يحتاج لتبرير المبررين وتأويل المتأولين ليرفعوا الحرج عن النص القرءاني الذي جهل الفقهاء عليه دون دراية منهم.
يعني الأمر بأن أهـل النـار سيدخلون النـار قبل أن يدخل أهل الجنة للجنة، ومن يصاحب القرءان في الدنيا يعلم تلك الخصيصة عن مصير الكافرين والمجرمين والفاسقين، فبالغالب الأعم يذكر القرءان مصيرهم أولا ثم يذكر مصير الصالحين، فهل بمنطق من يقول بأن الجميع سيرد إلى النار سينتظر المؤمنين دخول الكافرين جميعًا إلى جهنم ثم ينجي الله المؤمنين، لأن كلمة [ ثم ] تعني بعد ذلك، فيكون وفق فهم أولئك الذين ابتدعوا خرافة جسـر جهنـم أننا سنشاهد عذاب المعذبين، رغم أن في ذلك عذاب لنا.
ومن أراد أن يستوثق عن شأن أولوية دخول النار للمجرمين ثم دخول أهل الجنة بعد ذلك، فليتدبر أواخر سورة الزمر، والآية الأخيرة من سورة الأحزاب، والآيات من 19-23 من سورة الحج، والآيات من 98-103 من سورة الأنبياء، والآيات من 104- 108 من سورة الكهف، والآيات من 28-32 من سورة النحل، والآيات من 106-108 سورة هود، ليعلم بأن الله يذكر دوما مصير أهل جهنم ثم يتبعها بذكر مصير أهل الإيمان، وبالبناء على ذلك يكون المفهوم الفقهي لمعنى [ثم ننجي الذين اتقوا] لا يكون أبدا ذلك التخيل المخبول عن مرور الناس على صراط على جهنم لتتم نجاة من كتبت له النجاة وتردي من يلزم معاقبته.
وأكتفي بهذا القدر ليعلم من يريد التدبر أن قوله - تعالى - وإن منكم إلا واردها كانت عن الكافرين من شياطين الإنس والجن، ودخولهم النار أولا، ثم وهذه الكلمة [ثم] تقال حين يكون هناك تراخ، ثم يُنجِّي الله الذين آمنوا والذين هم مستبشرون، بنعمة من الله وفضل لا يَمَسُّهُم السوء، بالصورة التي لا تناقض فيها بين النص القرءاني وبعضه، مع استمرار خلود الكافرين بالنار.
وإنه لا يحق لنا كي نحافظ ونحتفظ برؤية من رأى بأن قوله تعالى [وإن منكم إلا واردها] بأنها تشمل كل الناس الصالحين والطالحين، أن ننقب جدار المنطق ونخالف كل الآيات الأخرى الواردة عن عدم خوف المؤمنين وعدم حزنهم وبعدهم عن النار وعدم سماعهم حسيسها وعدم دخول النار من أعلى وتخصيص الحشر حول جهنم للكافرين والفاسقين، لننتهي بصواب فكرة وحيدة لمن قال بورود الجميع على جهنم، ثم ندور ونبحث عن تعليلات وتبريرات لنوائم بين أمر ورود المؤمنين المزعوم على جهنم وبين أنهم عنها مبعدون.
كنت أرجو أن أكون وسط العقلاء، لكني وجدت نفسي بين أمة تدعي الإسلام وهي على نهج إبليس