الغريب في غلاة أهل الحديث أنهم من أشد الناس حباً للضعيف ومن أبغضهم للصحيح عندهم!.. وهذا قسم من تلك الحيرة التي أدخلونا فيها، فهم متحمسون لإثبات السنة - وفي عقولهم ضعافها - وعندما يأتون للصحيح - بل المتواتر - يبغضونه وينكرونه!.. وهذه حيرة وحوسة لا مخرج منها إلا بتنقية القلب والهدوء... والتفريق بين المذهبية والسنة.
لابد هنا أن تتذكر بأن السنة سنة محمد، وليست المذهب. فمثلاً: عندما نأتيهم بالحديث الذي نتفق نحن وهم على أنه صحيح أو متواتر, هم يقبلون صحته لا معناه!.. كأنهم يقولون: الحديث صحيح لكن لا نؤمن به!.. وهذه عادة أهل الحديث من قديم - وليس اليوم فقط - فلذلك يقولون: (أمروها كما جاءت بلا معنى) !؟
هل نختبرهم ببعض ما يصححون أم نسكت؟
يظهر أنه لابد من أمثلة:
النموذج ألأوّل:
حديث الحوض (أصحابي أصحابي)، وجواب الملَك للنبي (إنهم لا يزالون مرتدين على أعقابهم منذ أن فارقتهم)، هذا في الصحيحين وينكرونه، ومعنى ينكرونه أي يكذبون معناه، يقولون : (لا هؤلاء ليسوا أصحابه، هؤلاء مسليمة والمرتدون)!؟
مع أن النص فيه قرائن على أنهم صحابة بتعريفهم، ومنها:
1- قوله (أصحابي أصحابي)..
2- قوله (منذ أن فارقتهم)، فالنبي لم يسكن اليمامة حتى يقال له (منذ أن فارقتهم)..
3- قوله ( سحقاً لمن بدل بعدي)..
وغيرها من القرائن التي لا يتلفتون إليها أبداً!
لماذا؟
لأن هناك عقيدة قد تم بناؤها وإشادتها، ومن الصعوبة هدمها، والحديث يخالفها.. فماذا يفعلون؟! هل يضحون بالعقيدة من أجل الحديث الذي يؤمنون بصحته؟! أم يضحون بالنبي وحديثه من أجل العقيدة التي أنشأها سلفهم؟!
الحل عندهم التضحية بالنبي أسهل!
النموذج الثاني:
(حديث عمار = الفئة الباغية ودعوتهم إلى النار)، يبغضون معنى الحديث بغضاً شديداً، مع إيمانهم بتواتره، وأظنكم تعرفون مواقفهم.
النموذج الثالث:
حديث منزلة علي (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)، متواتر، وهو في الصحيحين، يؤمنون به، لكنهم يستدركون عليه!،أعني: لا يؤمنون به كما هو، ويصبح معناه عندهم هكذا(أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ولست أفضل.. ولست ولست..)، فهم يبغضون الحصر!.. مع أن النبي صلوات الله وسلامه عليه لم يستثن إلا النبوة، فلماذا يستثنون عشرين صفة أخرى (كما فعل ابن تيمية) ؟!
هذا بغض لمعنى الحديث.
إذا كانت هناك أحاديث تخالفه في فضل أبي بكر أو عمر.. فلماذا لا تتم المقارنة؟! من حيث الثبوت والأقوى معنى والأبعد عن المقابلة؟
لابد من مقارنة.
النموذج الرابع:
حديث ( ا أشبع الله بطنه) في صحيح مسلم، يبغضونه!.. حتى أنهم حولوه إلى فضيلة وأجر!!.. وأن النبي مخطيء في الدعاء عليه!.. وليس مأجوراً!
النموذج الخامس:
الحديث المتواتر (لتتبعن سنن من كان قبلكم) = اليهود والنصارى، يؤمنون بصحته! لكنهم لا يجعلونه في المخاطبين! ولا في بعضهم!! هم يؤجلونه قروناً! ويصبح معناه هكذا (سيأتي من بعدكم من يتبع سنن اليهود والنصارى ...)..
هم يعطون كل خطاب في الذم! ويفعّلون كل خطاب في المدح!..والصواب أن هذا وهذا لا يقتضي التعميم، وإنما البعض، فالبعض من المخاطبين كذا والبعض كذا، لكنهم يقولون "لا"، كل خطاب في ذم معناه غائب، وكل مدح يعمم!
النموذج السادس:
في صحيح مسلم ـ (8 / 124) ..( عُدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - رَجُلاً مَوْعُوكًا - قَالَ - فَوَضَعْتُ يَدِى عَلَيْهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلاً أَشَدَّ حَرًّا. فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَشَدَّ حَرًّا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَذَيْنِكَ الرَّجُلَيْنِ الرَّاكِبَيْنِ الْمُقَفِّيَيْنِ ». لِرَجُلَيْنِ حِينَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِهِ. ) اهـ النص
هؤلاء صحابة، لكن الغلاة لا يؤمنون بهذا، فكلهم عندهم عدول أخيار.. فكيف لو عرفوهما؟
النموذج السابع:
( أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية)، ورجح الالباني أنه معاوية، لكنه لم يجرؤ على النطق بالاسم!
مقتطفات من ردود:
الآحاد لا يصلح لمعارضة المتواتر، فمن بغضهم لحديث عمار المتواتر أنهم يعارضونه بحديث آحاد، بل مرسل عند التحقيق، كما ذكر الدارقطني.
الحديث الذي بأيدينا خليط، فمنه ما قاله النبي، ومنه ما زِيد فيه وأُنقص، ومنه ما وضع وضعاً وصححه أهل الحديث، وفيه ما صح وضعفوه.. الخ
لا يمكن منع الرويبضات - بعد أن قتلوا البدريين ولعنوهم وختموا على أعناقهم - وأصبحوا هم أصحاب الحديث والسنة والرواية والمعيار!
الرويبضات انتصروا مبكراً، وحكموا الدولة الإسلامية من الصين للأندلس، وكتبوا التاريخ والفقه والحديث والعقائد والخط والإملاء.. الخ
قلنا أن بعض الأحاديث الصحيحة نفذت.. ولم يستطيعوا منعها لظروف سياسية واجتماعية، فقد تعرضوا لهزات سياسية، وبقي بعض التابعين بعدهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق