ذكرنا لكم في الجزء السادس "أمانة اهل الحديث.. في الميزان" كيف ترك بعض كبار أهل الحديث حديث أبي حنيفة وتلامذته وكل أهل الرأي، وترك بعض كبارهم - كالذهلي وأبي حاتم وأبي زرعة - حديث البخاري نفسه لموقفه المذهبي من قضية ( اللفظ ). وبعضهم ترك حديث الشيعة والمعتزلة وتشددّ في تضعيفهم. وبعضهم كالذهلي - شيخ البخاري - ترك حديث الرجل المحدث الثقه لانهّ لم يقم له عند دخوله المجلس.. وهكذا .
الذهلي شيخ البخاري يترك حديث من لم يقم له في المجلس! نعم.. الذهلي شيخ البخاري هو الذي ضعف بعض الثقات لأنه لم يقم له، ففي "تهذيب التهذيب" ( ج 6 / ص 16 ) , وقد كان محمد بن يحيى روى عن أبي قدامة السرخسي ( ثم ضرب على حديثه.. فإن أبا قدامه أحد ائمةّ الحديث، متفق على امامته وحفظه واتقانه، ثم ذكر الحاكم أن سبب ذلك ان الذهلي دخل على ابي قدامه فلم يقم له.. ) اهـ
هنا من حقنا أن نسأل :
أين أمانة الذهلي من نقل السنة؟!
لماذا حذف أحاديث أبي قدامة السرخسي مع أنه ثقه؟
الجواب: لأنهّ لم يقم له في المجلس فقط!
مواقف أحمد بن حنبل:
وأحمد بن حنبل أيضا له مواقف تدل على تفريطه في كثير من الحديث لمواقف مذهبية أو شخصية أو خصومية، فقد نهى عن الرواية عن المحدث الثقة المشهور، ابن الجعد الجوهري، صاحب "المسند" - مسنده مطبوع - لان ابن الجعد كان يذم معاوية فقط! وليس لأنه غير ثقه، فهو محدثّ ثقه وله مسند مطبوع، وأهل الحديث يوثقّونه.
أيضا اعترف الإمام أحمد اعترافا خطيرا بقوله: (تركنا رواية أهل الرأي، وكان عندهم حديث كثير!! (
لماذا؟
الجواب: لأنهم خصوم أهل الحديث فقط!
فأين الأمانه هنا؟! أي الحرص على نقل السنة كلها؟ ..والقصص كثيره جداّ، قد نفصلّ فيها لاحقا.
لكنيّ اتعاهد المتابعين برفق, لأن بعضهم قد يكبر عليه الموضوع، ولو قلنا ما نعلم - وهو قليل - لحار الأكثرون.
الخلاصه:
أن التوثيق والتضعيف عند أهل ألحديث خالطته المذهبيهّ والسياسة، بل حتى الأمور الشخصية ( كقصة الذهلي مع أبي قدامة السرخسي) وهذا كان له أثره في الحديث، أخذا وردا وإنتقاءا واشهارا وإهمالا، وأهل الحديث ليسو سواء، بل حتىّ الواحد منهم له أحوال، ويجب دراسة شخصيته وتحولّاته وظروفه والمؤثرّات فيه ومدى إستجابته لها .. الخ ..وأن تكون الدراسة بعلم وإنصاف لا بهوى معه يضر السنّة، ولا بهدى ضده يضر السنة أيضا، فالهدف الأهم هو (سنة محمد وأحاديثه) وليس الشخص.
ولنترك العاطفه في الذم أو المدح، فالنبي وسنته أولى بالرعاية والحماية من التزيد والإنقاص، أو الإشهار لضعيف أو الإهمال لصحيح.
التعصب لبعض الرواة يؤدي للإساءة إلى النبي :
التعصب لتوثيق بعض أهل الحديث الراكنين إلى السلطات أو المتعصبين للمذاهب، وكذلك التعصب في تضعيف الثقات لمذهب أو غيره، كل هذا ضار بالسنّة. ولناخذ مثلا:
تعصبنا لهشام بن عروة وعروة بن الزبير - من الراكنين إلى السلطات الظالمة والذي ظهر على أحاديثهم النكارة - أدى إلى قسم من التشويه لصورة النبي صلوات الله عليه وآله، لأن بعض تلك الصورة مأخوذ من طريق عروة وابنه هشام.
ومن نماذج الأحاديث التي انفردوا بها قصة زواج النبي من عائشة وعمرها ست سنوات فقط! هو في الصحيحين من هذا الطريق، وهو خبر باطل، لا يجوز اعتقاده، فلماذا دخل هذا الحديث في الصحيح؟
الجواب: لأننّا وثقنا بهشام بن عروه وأبيه، وتعصبنا لهما، لأن الرأي العام السياسي ألأموي والعباسي كان معهما، ككثير من علماء السلاطين في كل زمان، تتشكل لهم دعاية كبيرة، ويصبحون فوق النقد، وأحاديثهم فوق التمحيص. ولو شككنا فيهما ( أعني عروة وابنه ) وبحثنا عن سن عائشة, لعلمنا ان النبي تزوجها وعمرها 18 سنة على الأقل, فقد أسلمت بإسلام أبيها أبي بكر، وهو من أوائل من أسلم - على المشهور - وكانت مخطوبة قبل النبي لجبير بن معطم بن عدي من بني نوفل، وغير ذلك كثير من ألأخبار التي تؤكد أن عمرها يوم زواج النبي منها لا ينقص عن 18 سنة، ولكن هؤلاء الغلاة - الذين يتحمسون لتوثيق عروة وابنه هشام وتوثيق غيرهم أيضا من الراكنين إلى السلطات الظالمة - لم يحسنوا الدفاع عن النبي صلوات الله عليه وآله، ولا تركونا ندافع عنه.. فهم يمنعون من الشك في أحاديثهم، ويجعلونها فوق الأحاديث الأخرى، ثم يكون دفاعهم هزيلا، ويصبح دفاعهم في هذه المسألة كمثال - زواج النبي من القصارات - دفاعا باردا ضعيفا، لا يقنع مسلما ولا كافرا.
الغلاة هم جهلة بهذه الدقائق والعلل في الحديث، ,إنما يقلدون أهل الحديث، وأهل الحديث رأينا أهواءهم في التوثيق والتجريح، وإن كانت بنسبة معينة، فلا نعمم عليهم الهوى والتأثر بالسياسة والمذهب، لكن القدر المحرض على الشك والتمجيص موجود.
فلذلك ابتلانا الله بهم في هذا العصر, وتصدروا لجان الدفاع عن النبي وهم لا يستطيعون الدفاع، لأنهم يعتقدون بأغلب تلك التشويهات من أحاديث هؤلاء الموثقين خطأ أو هوى، فبقيت الكتب والأفلام والمقالات تصدر تباعا، وبقي توثيق هشام بن عروه وأبيه عروه عندهم أهم من نفي تلك الأحاديث المغلوطه عن رسول الله!
هم بلاء الدين والعلم!
فلماذا يروون مثل هذه الإساءات في حق النبي ؟؟
رووها لسببين :
إما أنهم لا يرونها إساءة .. ولكنهم لم يحفظوا، وإنما نقلوا شائعات روائية لم يتحققوا منها (هذا في حالة حسن الظن بهم).
وإما إذا أسأنا الظن فنقول: هم افتروا مثل هذه الأحاديث لأن السلاطين من بني أمية وبني العباس الذين ( يركن اليهم هؤلاء ) كانوا يجدون من السبايا بنات صغارا، وقد يشتهونهن - من باب المرض النفسي والتسلطي - فيأتي هؤلاء الرواة ويسهلون على السلاطين أمام العامة دخولهم بأؤلئك البنات الصغار، بحجة أن ذلك جائز، وأن النبي قد تزوج طفلة عمرها ست سنوات، ودخل بها وعمرها تسع سنوات.. الخ ثم لا يجد النبي من يدافع عنه!
لكن هشام بن عروه وأباه عروة يجدون من يدافع عنهم! لذلك فنحن مع أهل الحديث اليوم في ورطة كبيرة معهم، فنحن لا نستطيع أن نسكت عن الإساءات إلى النبي ص وأله، وهم لا يستطيعون أن يسكتوا عن تضعيفنا لبعض سلفهم - كعروة وهشام - ولو نسبيا في موضوعات معينة.
وأيضا ورطة أخرى، وهي أننا إذا دافعنا عن النبي بغير علم كدفاعهم ، لم يقنع احدا، إن دافعنا بعلم إتهّمونا بكل طامهّ، وإستعدوا علينا كل سلطة!
فنحن في بلاء منهم، لأنهم هم المتغلبون المسيطرون على مراكز القرار الديني والإعلامي - وربما السياسي - في بعض البلدان، ولا يقبلون حوارا ولا بحثا ولا مناظرات عادلة، ولا يسمعون حجة ولا برهانا، وأنا أناشد كل من له سلطة على هؤلاء أوصلة بهم ( أعني المدافعين الضعفاء عن النبي صلوات الله عليه وآله ) أن يقولوا لهم:
اتقوا الله، فالرسول صلوات الله عليه وأله يجمعنا، ورسول الله أولى بالدفاع القوي العلمي المقنع من تمسككم بهذه الأحاديث التي تسيء للنبي صلوات الله عليه وآله.
أوجدوا لنا مخرجا منها أو اتركوا غيركم يرينا المخرج..
قولوا لهم: تواضعوا، اسمعوا حجة الطرف الآخر فربما يفيدكم، ربما يعيطونكم معلومات أفضل.
وأقول لهم:
اسمعوا منا ثم - إن شئتم - فخذوا أبحاثنا أو براهيننا وانسبوها لكم، هذا أمر ثانوي، لا يهم، فلا تذكرونا بحرف واحد.. ثم تزعمون انكم تدافعون عن النبي وتتصدون للدفاع عنه!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق