الجواب ضاع كثير جداً، والأدلة على ضياع معظم السنة - ربما - كثيرة، من القرآن والسنة نفسها.
كل حديث في العقل وفضله ضاع..
كل حديث في تدبر الكون ضاع..
كل حديث في الشهادة لله ضاع..
كل حديث في الذكر والتذكر - بالمعنى القرآني - ضاع.
معظم الأحاديث في العدل ومحوريته ضاع..
معظم ألأحاديث في الصدق ومحوريته ضاع..
كل حديث في رقة الإخبات ضاع.
كل حديث في معنى الشكر - قرآنياً - ضاع..
خطب الجمعة على المنبر - التي يسمعها الجميع - ضاعت!.. ومجموعها نحو 530 خطبة سمعها الجميع، وليست تلك النقولات الفردية التي ينقلها فرد عن مجلس.
أحاديث أهل بدر المقتولين بصفين ضاعت، لأن معاوية لا يريد أن يذكرهم أحد بخير، بل حتى تراجمهم كادت تضيع إلا من استعصى لشهرته، كعمار وأبي ايوب..
معظم أحاديث أهل الرضوان - الذين شهدوا مع الإمام علي صفين (وهم نجحو الثمانمائة رضواني) - ضاعت، إلا القليل ممن روى أحاديث في وقت الضعف الأموي.
أحاديث أهل البيت ضاعت، إلا ما رواه الخصوم - فأصبح لا يقبلون عن علي إلا ما رواه فلان وفلان - أو ما لم يستطع بنو أمية دفعه وانتشر رغماً عنهم.
أحاديث وعلوم سبعمائة من شهداء المهاجرين والأنصار بالحرة ضاعت، فعندما تقرأ أسماءهم لا تكاد تعرفها أصلاً، فكيف بأحاديثهم؟
أحاديث عشرة آلاف من التابعين يوم الحرة ضاعت بموتهم وقتلهم، ومنع ذكرهم بخير..
أحاديث التوابين (ورأسهم صحابي كبير) ضاعت بعد قتلهم بعين الوردة.
وعاء أبي هريرة الثاني - وهو في ذم بني أمية وفتنتهم - ضاع أكثره، لخوف أبي هريرة من قطلع بلعومه لو حدث به.. ولمال معاوية كما ذكر ابن المسيب.
معظم أحاديث المتأخرين من الصحابة - كأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وسهل بن سعد - ضاعت، بسبب ختم الحجاج على أعناقهم حتى لا يسمع منهم أحد.
قال ابن عبد البر في (الاستيعاب) [ جزء 1 - 200 ](وفي سنة أربع وسبعين أرسل الحجاج في سهل بن سعد يريد إذلاله .. قال : ما منعك من نصرة أمير المؤمنين عثمان؟ قال : قد فعلته . قال : كذبت.
ثم أمر به فختم في عنقه، وختم أيضا في عنق أنس بن مالك، حتى ورد كتاب عبد الملك فيه وختم في يد جابر يريد إذلالهم بذلك وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم)!
انظر لقوله (حتى يُجتنبون ولا يسمع منهم)، فالأحاديث التي خرجت عن هؤلاء قليل من كثير، وحدث بها أناس متهمون ومع السلطة غالباً، فراوية أبي سعيد هو أبو نضرة، وراوية جابر هو أبو الزبير..أبو نضرة بصري مع الدولة، وأبو الزبير مكي مع الدولة، رغم أن جابر وأبا سعيد مدنيان، والمدنيون بعد الحرة والمآسي استجابوا في الجملة، فللختم أثر!
هؤلاء الصحابة المقتولون من أهل بدر والصحابة المقتولون من أهل الرضوان والتابعون الخائفون الساكتون, من يسد مسدهم؟
إنها الدولة وأحاديثها.
قال الذهبي في تاريخ الإسلام [ 1 / 632 ] (وفيها – أي سنة 73هـ- سار الحجاج من مكة .. إلى المدينة فأقام بها ثلاثة أشهر يتعنت أهلها، وبنى بها مسجداً في بني سلمة، فهو ينسب إليه، واستخف فيها ببقايا الصحابة وختم في أعناقهم) اهـ
فالغلاة يحبون الخاتم والمختوم معاً!، فضاعت السنة، لأن الخاتم هو القاتل وهو اللاعن، ولا يرضى للمقتول ظلماً
والملعون ظلماً والمختوم ظلماً أن يكون له أي أثر ثقافي - ما أمكن - فضاعت أكثر السنة.
هؤلاء القتلة لأهل بدر والرضوان واللاعنون لأفضلهم والخاتمون على أعناقهم هم يحاربوننا اليوم بأتباعهم حتى لا نكشفهم ونصرة للمظلومين!
إذا وجدتم مثل هذه (الحوسة الكبيرة التي تدع الحليم حيران) فابحثوا عن الشيطان!.. مباشرة!.. فهو الأذكى، وهو من يقود الناس لحرب الدين بالدين.
إذاً فالسنة ضاع منها الكثير، والقرآن سيدلك على ما ضاع منها من الموضوعات التي سبقت، فالقرآن نور كاشف ،حتى لما طمسوه وأرادوا إماتته. فالكتاب الأول في معرفة السنة والحديث الصحيح هو القرآن الكريم، هو الذي يعيطك الخطوط العامة العريضة، فاعرض كل شيء عليه، من أحاديث وأفكار، نعم.. نفذت أحاديث صحيحة كثيرة موافقة للقرآن الكريم،
ولتخلص تلك ألأحاديث من الرقابة أسباب ذكرناها سابقاً، ولكن بقي الغثاء غالباً لغلبة الدولة.
المشكلة أن أهل الحديث في الجملة نتيجة سياسية، هم البقايا بعد هؤلاء الناصحين الذين تم قتلهم أو لعنهم أو ختمهم،
هم البقايا الساكتة والموافقة. فعندما يؤدون ثقافة لابد أن تكون - في الجملة - متأثرة بالسلطة التي لا يرون ظلمها!.. ومن لم ير هذه المظالم ولا ينكرها, فهل هو أهل لنقل صادق كامل؟
هنا لا تشك في أهل الحديث، لكن لا تقبل نقولهم هكذا دون عرض وتبين وتقليب لهذا الحديث، بل وتساؤل: لماذا كان موقفهم ضعيفاً من هذه الظالم؟!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق