بدأت غزوة بني قريظة في اليوم الذي انتهت فيه غزوة الأحزاب حيثُ هُزمت قريش وحلفاؤها بعد أن منّ الله تعالى على النبي والمؤمنين بالنصر. قال تعالى
{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} (الأحزاب، 25)
وقد كان لبني قريظة موقفا سلبيا من حصار المدينة وبدلا من الدفاع عنها إلى جانب المسلمين بحسب اتفاق سابق، انقلبوا على المسلمين ليجد المسلمون أنفسهم بين عدو خارجي وآخر داخلي. ويبين القرآن الكريم الحالة الحرجة التي عاشها المسلمون نتيجة لذلك بقوله تعالى
{إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} (الأحزاب،10_ 11)
وبعد أن انتهت غزوة الأحزاب لصالح المسلمين كان لا بد من معاقبة بني قريظة على نقضهم العهد، فحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم أياما عديدة. وبعد رفضهم الاستسلام قرروا النزول للقتال، وما أن بدأت المعركة حتى دبَّ الرعب في قلوبهم واضطربت صفوفهم. وقد انتهت المعركة بانتصار النبي والمؤمنين. وفي هذا يقول الله تعالى
{وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} (الأحزاب،26_ 27)
من خلال الآيتين السابقتين يظهر تسلسل الأحداث؛ حيث نزل بنوا قريظة من حصونهم فدار القتال بين الطرفين، وكان المسلمون معززين بنصر الله إياهم في معركة الأحزاب ومدفوعين بما حملته قلوبهم من غيظ على خيانة بني قريظة. وقد قُتل فريق من بني قريظة بينما أسر الباقون. وفي هذه المرة أيضا انتصر المسلمون.
ولا يصح الأسر قبل إثخان العدو لقوله تعالى
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} (محمد، 4)
وهو ما التزم به النبي صلى الله عليه وسلم. ودوام الآية يوضح حكم الأسير في الإسلام وهو أن يطلق سراحه بالمن عليه أو مقابل فدية عندما تنتهي الحرب
{فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (محمد، 4)
وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في بني قريظة. وقوله تعالى
{فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا}
يبين ما آلت إليه الحرب مع بني قريظة. وتقديم المعمول على العامل في قوله تعالى {فَرِيقًا تَقْتُلُونَ} يفيد الأهمية والمعرفية وهذا يدل على أن الذين تم قتلهم هم رؤوس القوم وقادتهم. وبعد أن أُثخن القوم بمقتل سراتهم تم أسر أكثرية المقاتلين.
وكان من نتائج الحرب انتهاء الحقبة التي كان لبني قريظة سيادة على أرضهم وديارهم، ولا شك أن هؤلاء فقدوا منعتهم وسيادتهم على أرضهم، وأصبحت أموالهم غنيمة. وهو ما أشار إليه قوله تعالى في الآية السابقة {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ} وهذه سنة الله تعالى في الأقوام المفسدة. قال الله تعالى
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} (الأنبياء، 105)
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها لم يعد يملك الأسرى أموالا ليفتدوا أنفسهم وذيويهم، لذا لم يبق سوى خيار واحد وهو اطلاق سراحهم منا.
تساؤلات منطقية حول مذبحة بني قريظة :
1_ إذا كان عدد الأسرى المقاتلين بين 600_900 فهذا يعني أن قرابة ثلاثة آلاف نفر سيقوا جملة واحدة من مضارب بني قريظة حتى المدينة والطريق تستغرق مدة ساعات طويلة. كيف يمكن تأمين السيطرة على مثل هذا العدد من الناحية الأمنية والعسكرية؟
2_ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: ثُمَّ اسْتَنْزَلُوا، فَحَبَسَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ ، امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ[7]. فأي دار تستوعب مثل هذا العدد ؟
3_ لماذا لم يُنفذ الإعدام عند حصونهم ليختصر المسلمون الجهد والوقت والمؤونة ؟
4_ لماذا لم يتم قتلهم في الخندق الذي حُفر قبل غزوة الأحزاب مما يجنب المدينة تلك الجثث وتلك الدماء وما يترتب على ذلك من انتشار الأوبئة والأمراض؟
5_ تشير بعض الروايات أن عليا والزبير هما من نفذا القتل[8]. فكيف يمكن لشخصين ذبح 500 _ 900 شخص دون أن تتأثر نفوسهم سلبا. ولا يمكن لطبيعة الانسان أن تحتمل مثل هذا النوع من القتل. ولا بد أن نشير أن القتل في ساحة المعركة يختلف تماما عن تنفيذ الإعدام، إذ أن المبرر النفسي للقتل في المعركة موجود بدافع الدفاع عن النفس بخلاف اعدام المستسلم.
6_ كيف عاش اليهود مع المسلمين بعد أن ذُبح أبناء دينهم أمام أعينهم؟
7_ أين هذا الخندق الذي قُتل فيه اليهود؟
8_ عُرف اليهود عبر التاريخ بتوثيق مآسيهم بالتفصيل. ولم يُعرف هذا الحدث في تاريخ اليهود، ولم يسجل المؤرخون اليهود هذه الحادثة، ومن يتحدث من اليهود اليوم عن تلك الحادثة فإنه يعتمد على روايات ابن اسحاق. وهذا يعطي انطباعا بأن الحادثة لم تكن مما يستدعي توثيقها[9] عند اليهود بل كانت واحدة من الحروب التي حدثت في تلك الفترة.
9_ ولنا أن نتساءل عن الحاجة لقتل قوم بعد هزيمتهم واستسلامهم إلا أن يكون القتل غاية بحد ذاته. وهو ما تنفيه الآيات السابقة من سورة البقرة وسلوك النبي في الحرب.
قتل مجرمي الحرب فقط
{منقول من جمال احمد نجم-خرافة مذبحة بني قريظة}
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق